مسلم الشيشاني: وراء روسيا من الشيشان إلى سوريا
مَع هُبوب رِيَاح الربيع العربي في المنطقة، انتفض الشعب السوري في وجه المنظومة القمعية التي صنعها آل الأسد في سوريا، لكن النظام تعامل بوحشية غير مسبوقة، ولم يترك للشعب السوري ترف الاختيار بين مسار السلمية أو القتال، حيث أجبر النظام الشعب علي مواجهة غير متكافئة، وفرض عليهم مسارًا قسريًا واحدًا، كان من نتائجه؛ أن وصلت إلى سوريا في عام 2012 العديد من المجموعات الجهادية، من بينها رجل له تاريخ جهادي قديم في منطقة القوقاز، ولديه خبرة عسكرية وميدانية اكتسبها في صراع طويل له مع الروس، مظهره وسيم، وقوامه مهيب، بشعر أشقر طويل، وعيون زرقاء، ولحية حمراء، يشبه مقاتلي الفايكنج، اسمه الحركي: «مسلم أبو الوليد الشيشاني» ( كنيته مأخوذة من المجاهد السعودي عبد العزيز الغامدي أبو الوليد) واسمه الحقيقي: «مراد مارغوشفيلي» من الشيشان الأوائل الذين ذهبوا إلى سوريا.
وعلاوة على أن الشيشاني شخصية عسكرية كبيرة في شمال منطقة القوقاز، ولديه دراية عميقة بالحرب على المستوى الاستراتيجي والتكتيكي، فإنه أيضًا صاحب منظور وفهم واسع للأحداث في سوريا، ويتمتع باحترام كبير وبسمعة جيدة من مختلف الفصائل، وقد استطاع أن ينقل خبرته في مجال التخطيط والتدريب العسكري إلى العديد من فصائل الثورة السورية. لم يسلط الضوء عليه على الرغم من أهمية الدور الذي قام به في الصراع منذ بداية الحرب السورية. قد لا يكون الشيشاني متحدثًا كاريزميًا رائعًا، فضلًا عن عدم إجادته التحدث باللغة العربية، لكنه بالفعل قائد عسكري متمرس، وأكبر قائد شيشاني في سوريا، والأهم أنه أبعد ما يكون عن منهج التطرف أو الغلو، وسلوك البلطجة، إضافة إلى أنه ظل شخصية مستقلة، حيد نفسه من البداية، ووقف على مسافة واحدة من كافة الفصائل السورية.
نشأة «الشيشاني»(١)
ينحدر مسلم الشيشاني من القبائل الشيشانية التي تعيش في وادي بانكيسي بمقاطعة أخميتا شمال شرقي جورجيا، وَتُعرَف قَبِيلَتُه باسم «Kist – كيست»، وهي قبيلة كبيرة ومشهورة في كل من الشيشان وجورجيا. وفي 26 مايو 1972 ولد مسلم الشيشاني في جورجيا، والتي كانت في ذلك الوقت جمهورية اشتراكية سوفياتية، نشأ في أسرة فقيرة، وفي صباه، ارتحل إلى روسيا مع والديه، وتلقى تعليمه الأساسي هناك، وتحكي أسرته والمقربون منه أنه كان شخصًا مُسالمًا ووَدُودًا منذ طُفُولَتِه.
وعلى عكس كثير من أفراد قبيلته، كان الشيشاني ميالًا إلى العمل العسكري أكثر من العمل في الرعي، كانت عائلته ترى فيه نبوغًا وذكاءً من صغره، وكانت تتمنى أن يَدرُسَ بالجامعة، لكنه التحق مبكرًا بصفوف الجيش السوفيتي، وخدم في قوات الدفاع الجوي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في منغوليا.
ثم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حاولت الشيشان إعلان استقلالها عن روسيا، وتم إعلان الجمهورية الشيشانية في 27 من نوفمبر عام 1991، ووصل جوهر دودايف إلى سدة الحكم، واستطاع القضاء على المعارضة المدعومة من روسيا، لتفشل بذلك ورقة روسيا في قلب الموازين، وإعادة الأوضاع الى السابق، ومن ثم بدأت حربها الأولى على الشيشان في عام 1994، فاتخذ الشيشاني قرارًا بالذهاب إلى الشيشان في عام 1995 بهدف المشاركة في الحرب.
طريق الموت
كَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَهُ الشيشاني حين وصل إلى الشيشان، هو الِانضِمام إلى صفوف المجاهدين، حيث تعلم وتدرب في معسكر «القوقاز Kavkaz» الذي كان يديره بعض العرب(٢)، ومن هذا المعسكر بدأ الشيشاني التزامه الديني. كان المعسكر يهتم بالجانب الديني والعسكري معًا، وله لوائح وقواعد تنظيمية محددة، كان على الشيشاني أن يجتاز أولًا بعض المقررات الدينية والفكرية، والتي كانت تعزز البعد الديني والروح الإسلامية، ثم بعد ذلك يتعلم التكتيكات العسكرية الأساسية، ويحصل علي تدريب عسكري ميداني، ويبدو أنه أظهر قدرة عسكرية كبيرة، مع العلم أنه لم يكن متطوعًا عاديًا، بل لديه خبرة سابقة حين كان في الجيش السوفيتي، الأمر الذي أهله بعد ذلك لأن يعمل مدربًا عسكريًا في نفس المعسكر، إضافة إلى مسؤوليته عن الأمور المالية وتزويد الأسلحة والطعام للمجاهدين، وكان أيضًا يتولى بنفسه مهمة الإشراف على دخول المساعدات التركية التي كانت تدخل سرًا إلى الشيشان عن طريق جورجيا.
وفي عام 1999 انضم الشيشاني إلى لواء «الإسلام الدولي لحفظ السلام»، وهي كتيبة شكلها المقاتل الشيشاني المعروف شامل باساييف ورفيقه السعودي سامر السويلم المعروف بـ«خطاب»، لمحاربة القوات الروسية في منطقة داغستان. وحين اندلعت الحرب الشيشانية الروسية الثانية، كان الشيشاني في طليعة المشاركين فيها، وعمل مع العديد من قادة الفرق العربية، أهمهم القائد الميداني السعودي ثامر السويلم الشهير بـ«خطاب»، وقد تأثر الشيشاني به كثيرًا، لدرجة أنه فيما بعد اعتبر نفسه خليفة خطّاب في سوريا، ويقاتل فيها لذات القيم التي قاتل لأجلها خطاب في الشيشان، وتشير سيرة الشيشاني التي نشرها جناحه الإعلامي، إلى أنه عمل مساعدًا لخطاب، وشارك معه في مرحلة العبور الشاقة من شالي إلى فيدينو. وأثناء «حصار غروزني»، تحصن الشيشاني مع المجاهدين للدفاع عنها، وجرح في قدمه، ثم بعد خروجه من الحصار، وهو في طريقه إلى العلاج، أصيب بشظية في رأسه.
وبناءً على أوامر من خطاب، انتقل الشيشاني إلى مجموعة أبو الوليد الغامدي، وهو مقاتل سعودي آخر في الشيشان، كما عمل أيضًا مع مجموعة أبو جعفر اليمني، ثم بعدها، تم تعيينه لفترة وجيزة (2001-2002) قائدًا للمجاهدين في منطقة فيدينو، حيث كان من مهامه أن يقطع الطريق الاستراتيجي من شالي إلي فيدينو علي القوات الروسية، وقد شن العديد من الهجمات على قوافل القوات الروسية حول المنطقة، من أهمها: تدمير رتل عسكري للروس، وقتل نائب القائد العسكري لمنطقة فيدينو، رايبيك تيفزاييف، إلى جانب ثلاثة من حراسه الشخصيين، وكذلك شارك في الاستيلاء على مدينة شالي والقرى المجاورة لها.
عمل الشيشاني عن كثب مع صفوة من القادة العرب والشيشان، وبعد وفاة خطّاب عام 2002، شارك في المجلس الذي توحدت فيه كتائب المجاهدين تحت قيادة أصلان مسخادوف، وبحضور كل من: دوكو عمروف، وشامل باساييف، وحمزة غيليف، وفاخا أرسانوف، وعبدالملك مجيدوف، وأبو وليد، تمت ترقية الشيشاني إلى منصب قيادي، حيث تم تعيينه أميرًا لمقاطعة سونجنسكي.
كان الشيشاني بمثابة اليد اليمنى لأبي الوليد الذي تولى مكان خطاب، وبأمر منه، أرسله لتنظيم جبهة جديدة ضد روسيا في إنغوشيا، فانتقل إليها، وقاد هجومًا في يوليو 2003 على القوات الروسية المنتشرة في إنغوشيا بالقرب من الحدود مع الشيشان، ما أسفر عن مقتل ستة جنود وإصابة سبعة آخرين. ثم بعدها بعدة أيام، قاد هجومًا آخر على القوات الروسية التي كانت تنتقل إلى قرية داتيخ في إنغوشيا، شمال القوقاز.
وفي أكتوبر تشرين الأول 2003، اعتقل الشيشاني من قبل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB) من إنغوشيا، وأودع في سجن «فلاديكافكاز»، واتهم بالانتماء إلى جماعة مسلحة غير مشروعة، وتنظيم مجموعة من المسلحين الشيشان، وتهريب أسلحة من الشيشان إلى إنغوشيا، كما اتهم بالتورط في آخر هجومين نفذهما ضد روسيا. وقت اعتقاله كان يحمل جواز سفر بهوية مجهولة، لذلك لم تتعرف السلطات على هويته الحقيقة، وبدلًا من ذلك، حاول إظهار براءته من خلال جواز سفر مزور باسم «مراد مادايف»، لكن لم يساعده جواز السفر على الإفراج، وظل عامين ونصف رهن الاعتقال.
وفي الفترة التي قضاها في سجن «فلاديكافكاز»، عُذِّب الشيشاني بشكل قاس، حاول جهاز «FSB» انتزاع اعترافات منه، وتثبيت الاتهامات ضده، لكنهم مع ذلك فشلوا في أخذ أي اعتراف، وحين يئسوا منه، هددوا أرملة أحد القادة الشيشان بالإجهاض القسري لطفلها إذا لم تشهد ضد الشيشاني في المحكمة.
وفي أوائل فبراير 2006، عقدت المحكمة العليا بإنغوشيا جلسة استماع للحكم في قضية الشيشاني، صُدم القاضي عيسى جادزييف لرؤية الشيشاني من دون أظافر وأسنان وغير قادر على المشي، وخلال سير إجراءات المحكمة، ذكرت المرأة التي كانت ستدلي بشهادة ضد الشيشاني أنها أُجبرت على الإدلاء ضده، عندها وجدت هيئة المحلفين بالإجماع أن المتهم غير مذنب لعدم وجود أدلة كافية، ثم كانت المفاجأة أن تمت تبرئة الشيشاني من جميع التهم التي وجهت له، فتم إطلاق سراحه من قاعة المحكمة، لكن الجزء الأكثر إثارة، هو تعرض الشيشاني لمحاولة اختطاف فور تبرئته المفاجئة، حيث اقتحمت مجموعة من المسلحين الملثمين قاعة المحكمة وحاولت اختطافه، لكنه نجا بفضل أحد حراس المحكمة(٣)، ويحكي الشيشاني عن ذلك، فيقول:
استطاع الشيشاني أن يذهب إلي جورجيا سرًا، وجلس قرابة سنتين يتعافى من آثار التعذيب، كانت خطته الأساسية هي الذهاب إلى الشيشان، لكنه حين علم أن الحدود غير آمنة، لم يذهب، وبدلًا من ذلك، تمكن من تأسيس مجموعة صغيرة في عام 2008، وعبر بها إلى أطراف داغستان، وأنشأ فيها معسكرًا جديدًا من أجل إحياء العمل الجهادي ضد روسيا، يقول الشيشاني من داخل معسكره في ذلك الوقت:
لكنه سرعان ما عاد إلي جورجيا مرة أخرى، يحتفظ الشيشاني بكره كبير لروسيا، فعندما سمع أن الجيش الروسي يتأهب لغزو جورجيا، أراد العديد من القوقازيين بمن فيهم الشيشاني خوض هذه الحرب مع الروس، وذهب يعرض مساعدته على الحكومة الجورجية، لكن سرعان ما انتهت الحرب بسبب المفاوضات.
ويبدو أن الشيشاني ظل حزينًا بسبب عدم تمكنه من الذهاب إلى الشيشان، وظل يخطط لذلك بين عامي 2010 و2011، لكن القبضة الأمنية علي الحدود منعته من المجازفة، خصوصًا وأن هناك بعض المجموعات التي حاولت العبور إلى الشيشان من جورجيا، لكنها قتلت على الحدود، وقد نصحهم الشيشاني بألا يذهبوا، ولذلك يقول:
عندما يئس الشيشاني من العودة إلى الشيشان، وفشلت كل المحاولات التي قام بها، ومع الطلبات التي وجهت إليه من أهل الشام- كما يقول- بالذهاب إليهم ومساعدتهم، وأيضًا قراءته للأحاديث النبوية التي تكلمت عن فضل الشام، لهذا قرر أن يغادر جورجيا مع اثنين من أصدقائه من نفس القرية، ويتجه إلى سوريا، حيث الشيشان الثانية.
من بانكيسي إلى سوريا(٦)
وصل الشيشاني إلى سوريا في خريف عام 2012، من دون علم تنظيم «إمارة القوقاز الإسلامية»، وكان مبايعًا لأمير التنظيم آنذاك، دوكو عمروف، وحين علم الأخير بذهابه إلى الشام، طلب منه تأسيس جماعة باسم «إمارة القوقاز في سوريا»، وتكون تابعة لتنظيم القوقاز، ويحكى الشيشاني عن ذلك، فيقول: «أخبرني قادتنا في الشيشان بأنه يتعين علي إنشاء وقيادة جماعة في سوريا باسم إمارة القوقاز، فذهبت إلى علماء سوريا وقررنا مناقشة هذه المسألة وفق الشريعة الإسلامية».
يبدو أن الشيشاني لم يتحمس لهذه الفكرة، وكان يريد أن يعمل بشكل مستقل، ولكي يخرج من هذا المأزق، رفع الأمر إلى محكمة شرعية، وتشاور مع بعض العلماء حول قسم الولاء الذي أعطاه لدوكو عمروف، فأخبره العلماء أن قسم الولاء لعمروف لا يكون صحيحًا، إلا إذا كان المجاهد موجودًا في نفس المنطقة التي يسيطر عليها هذا القائد، وبالتالي فإن الشيشاني وجد المبرر الذي احتاجه، ولن يعمل بما أمره به عمروف، لأن الأخير ليست له سيطرة حقيقية ممتدة على سوريا، ولذلك قرر العمل بشكل مستقل، وكان أول ما فعله في سوريا، هو فتح مركز لتدريب الشباب، يقول الشيشاني:
«جنود الشام»
تمركز الشيشاني في البداية في محافظة حلب، وظل مستقلًا عن أي جماعة أو فصيل شيشاني آخر، مفضلًا تأسيس جماعة خاصة به، عُرفت باسم «جنود الشام»، وهي جماعة مستقلة قاتلت بجانب كافة الفصائل السورية المختلفة(٨)، ووصل عدد أفرادها ما بين 300–500 مجاهد، غالبيتهم شيشانيون، ويحكي الشيشاني:
كان لدى جماعة الشيشاني جهاز إعلامي نشط على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحتوى باللغات: الإنجليزية، والعربية، والروسية، والألمانية، وكان يتم تنزيل فيديوهات المعارك التي تخوضها جماعة جنود الشام على قناتهم على «يوتيوب»، وأيضًا كان الشيشاني يظهر في لقطات الفيديوهات وهو يقاتل إلى جانب قواته، ويبدو أن هذه الجهود الإعلامية تبخرت تمامًا نتيجة حذفها من قبل إدارة هذه المواقع.
وبجانب عمل الشيشاني الأساسي في مجال التدريب والتخطيط، فقد كان يشارك بنفسه في العديد من المعارك إلى جانب الجيش السوري الحر(١٠)، وتحديدًا خلال المعارك التي تمت في منطقة إدلب خريف وشتاء 2012. لكن اسم الشيشاني برز بشكل كبير في هجوم اللاذقية في أغسطس 2013، حيث استطاع أخذ جبل 45، وجبل الديموس، كما قاد جماعته للاستيلاء على عدد من القرى الواقعة على قمة التلال، من أهمها قرية دورين.
أيضًا شاركت جماعة الشيشاني في معركة تحرير سجن حلب المركزي الذي يسيطر عليه النظام، كان مقاتلو جنود الشام، ومقاتلون شيشانيون آخرون يمثلون الجزء الأكبر من القوة القتالية، لكن الهجوم انتهى بمقتل قائد العملية، سيف الله الشيشاني، الذي اشتهر بمقولته: «نحن لم نأت إلى الشام لنبني إمارات قوقازية، بل لرفع الظلم عن أهلها».
لكن الدور الأبرز والأكبر الذي لعبه فصيل الشيشاني في المعارك، كان في ريف اللاذقية عام 2014، حيث استطاعت فصائل المعارضة الاستيلاء على قمة البرج 45، نقطة سيطرة النظام على الحدود التركية في ريف اللاذقية، كما سيطرة على المنطقة بأكملها بما في ذلك مدينة كسب الواقعة قرب الحدود التركية شمالي ريف اللاذقية، وهو الهجوم الذي أطلق عليه لقب «معركة الأنفال» وظهر الشيشاني مع القيادي بأحرار الشام، أبو الحسن، بعد الاستيلاء على «البرج 45»، ودعا الأخير الله أن يبارك في الشيشاني، كما عانقه بحرارة.
شاركت جماعة جنود الشام في معظم الحملات الكبيرة مع جبهة النصرة وأحرار الشام، وبعض الفصائل الأخرى، مثل هجوم شمال غربي سوريا في إبريل 2015، والذي أطلق عليه لقب: «معركة النصر».
وفي عام 2016، وجه عبد الله المحيسني، القاضي العام في «جيش الفتح» آنذاك، نداء إلى جميع الفصائل لإنقاذ ريف حلب من الهجوم الكبير الذي تشنه الميليشيات الشيعية والروسية على جبهة باشكوي، فكان الشيشاني من أوائل من لبى النداء.
علاوة على كل ذلك، فقد كان الشيشاني يرابط مع تنظيمه في مناطق جبلية وعرة، تحديدًا في الشمال السوري، في مناطق جبل التركمان بريفي اللاذقية وإدلب الغربي، حيث اتخذ منها مقرات عسكرية له، وهي منطقة استراتيجية مهمة تسمى «محور الكبانة» ويطلق عليها البعض «عقدة النظام وروسيا». وتكمن أهميتها في كونها تعد من أعلى المناطق في الساحل السوري، وتشرف جبالها بشكل مباشر على مناطق استراتيجية مهمة؛ كسهل الغاب وجسر الشغور، «إضافة إلى قربها من قاعدة حميميم الروسية».
وفي عام 2015 تعرضت المنطقة لضغط كبير من الروس والمليشيات الإيرانية، مما اضطر الشيشاني لأن يقوم بتسجيل فيديو تحدث فيه عن صعوبة الوضع، واشتكي من إهمال الفصائل الأخرى له، وتركه وحيدًا من دون تقديم أي مساعدة، وتكلم أيضًا عن الأهمية الاستراتيجية للمنطقة التي يدافع عنها، ودعا المجاهدين في سوريا إلى المساعدة، وذكر أنه استطاع تطوير أساليب جديدة من أجل حماية المرابطين في هذه المنطقة من القصف الجوي الروسي، وجادل بأنه إذا تلقى مساعدة قوية، بإمكانه الارتقاء فوق إمكانيته الحالية، والقتال بشكل أكثر احترافية، ولذلك يقول:
لكنه على الرغم من ذلك، استطاع أن يحافظ على المنطقة في صمت (١١)، وأفشل العديد من العمليات البرية لقوات النظام وحلفائه، وحمى بشكل جيد الطريق الرئيسي بين جبل التركمان وكرد داغ. ولأهمية المنطقة، كانت تتعرض دائمًا لقصف كثيف من الروس، ويتم التباحث والتفاوض عليها بشكل مستمر بين أنقرة وموسكو. كما أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية الشيشاني على قائمة الإرهاب بسبب بنائه قاعدة عسكرية في جبل التركمان، وإدراج اسمه على القائمة السوداء من قبل الأمم المتحدة، وعلق الشيشاني على وصفه بالإرهابي بالقول:
شهدت جماعة الشيشاني خلافات داخلية بسبب انضمام بعض من أفرادها لداعش، لكن التنظيم على الرغم من ذلك، ظل مستمرًا ومحافظًا على استقلاليته- بقاء التنظيم مستقلًا كل هذه الفترة في بلد أجنبي عنه، مع قائد لا يحسن التحدث باللغة العربية، ويستمر في جذب مجندين، ويحوز على احترام كبير، أمر ملفت جدًا – يحكي الشيشاني أنه تعرض لضغوطات كثيرة من أجل أن ينضم لإحدى الجماعات، لكنه مع ذلك ظل مستقلًا، وكان يردد بشكل متكرر: «نحن لا نتورط في فتن وصراعات بين الفصائل، هدفنا هو مساعدة الناس، والجهاد ضد النظام وروسيا، هذا هو سبب وجودي هنا».
ربما كانت أهم مساهمة لجماعة الشيشاني في المشهد الجهادي السوري، هو في تدريب العديد من المجاهدين المحليين والأجانب، وقد نشر الجناح الإعلامي للجماعة مقاطع فيديو وصورًا للتدريبات التي تمت في الجبال السورية، وتفاخرت الجماعة بأنها دربت شبابًا من كافة أنحاء العالم من أجل الجهاد في سبيل الله(٩).
جهاد الشيشان وسوريا في نظر الشيشاني
بحسب الشيشاني، فإن الجهاد الذي عايشه في الشيشان يختلف عن الجهاد السوري، وأشد ما انتقده على الساحة السورية هو الاقتتال الداخلي بين الفصائل المختلفة، لذا يعتبر أن الفارق الرئيسي بين الساحتين؛ هو أن الجماعات في سوريا لم تتصرف من أجل قضية مشتركة، فلم تترك خلافاتها جانبًا، وتركز قوتها على محاربة العدو المشترك، ولذلك يقول:
يفسر الشيشاني الفوضى الموجودة في سوريا، بسبب أن أغلب الفصائل الجهادية يقودها أمراء ليس لديهم خبرة عسكرية، لذلك في أغلب مقابلاته يؤكد أن الساحة في الشام تفتقد إلى قادة عسكريين، لقد شبه الوضع العسكري في الشام بوضع المماليك مع الجيش الفرنسي، وانتقد ظاهرة عايشها بنفسه، وهي عدم وجود استراتيجية وتكتيكات موحدة، والافتقار إلى ما سماه الانضباط التكتيكي، لذلك يقول:
ويذهب الشيشاني الى أن العمليات العسكرية أصبح يحكم عليها من خلال أعداد الشهداء، وبالتالي فإنه يرى أن هدف العملية لم يعد تقليل الشهداء(١٢)، بل العكس، لذلك يقول:
من الجدير بالذكر أن الشيشاني انتقد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مبكرًا جدًا، واعتبر أن هذا التنظيم سوف يهدم الجهاد السوري، وكان يقول: «أسهل شيء لحرب الجهاد السوري هو دعم المسلمين المتطرفين الذين أرادوا بناء خلافة في يوم واحد»، لذلك ألقى باللوم بشكل خاص على أبو بكر البغدادي، وانتقد ما فعله تنظيمه بمحاولة الاستيلاء على الأراضي المحررة، وأصدر كلمة صوتية عبر فيها عن رأيه بشأن الأحداث في سوريا، وكان مما قاله:
المثير للانتباه أن الشيشاني من أوائل الأشخاص الذين ذهبوا لداعش حين قاموا بقتل خمسة أشخاص من الجيش السوري الحر، ودخل معهم في نقاشات طويلة، فكان مما قاله الشيشاني لمقاتلي داعش: «لماذا قتلتم بعض الرجال من الجيش السوري الحر؟ فقالوا له: لأنهم مرتدون، ومن الجيد قتلهم»، حاول الشيشاني أن يثنيهم عن ذلك، وختم حديثه معهم بالقول: «إن قوات الأسد كانت على بُعد مسافة قصيرة جدًا منكم، ولو رغبتهم حقًا في الجهاد، فيمكنكم قتال ومهاجمة قوات الأسد بدلاً من قتال ومهاجمة قواعد الجيش السوري الحر».
لكن على الرغم من هذه المحاولات، لم تسفر المحادثات عن شيء، واستمر الوضع في التصعيد بين داعش والجيش السوري الحر، وكانت الأمور تزداد سوءًا، حاول الشيشاني مرة أخرى العمل كوسيط بينهم، وأشرف بنفسه على عملية تبادل الأسرى بين الطرفين.
وعلى الصعيد الآخر، فإن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كثيرًا ما هاجم الشيشاني، ووصفه بأنه يعطي الأولوية للقومية الجاهلية على الجهاد، لقد كان داعش يصفه بالقول: «مسلم الشيشاني هو أمير حفنة من الأشكريين الجاهليين في الدين».
يحكي الشيشاني أن «خطاب» قد واجه في الشيشان بعض الأشخاص المتطرفين، ولهذا أنشأ نظامًا تربويًا فكريًا في المعسكرات قبل الالتحاق بجبهات القتال، لذلك ينتقد الشيشاني ما سماه نقص المعرفة الإسلامية عند بعض الشباب في سوريا، وبروز التصريحات الصاخبة التي يقولها البعض من دون أي تفكير، ويشدد على أن الحرب ليست فيلمًا رائعًا، فيقول:
خلفية «خطّاب» في الشام
منذ أن وصل الشيشاني إلى الشام، أكد تبعيته لخطاب، وفي سيرة ذاتية له مصورة نشرها جناحه الإعلامي، تضمنت لقطات لخطاب يوضح فيها قيمه، ونظرته للعالم، أراد الشيشاني أن يعزز صورته كمجاهد أجنبي في بلاد الشام، وفي بعض الإصدارات لجماعته «جنود الشام»، كان كثيرًا ما يشير إلى دور المسلمين العرب في الشيشان، وتضمين لقطات وصور للمجاهد السعودي خطاب مع شامل باساييف.
يظهر بشكل واضح تأثر الشيشاني بشخصية خطاب، ومحاولة محاكاته، وتطبيق أساليبه العسكرية والإنسانية في سوريا، مثل محاولته التقرب من السكان المحليين، وإقامة علاقات جيدة معهم، والمشاركة في المناسبات الدينية الرسمية وغير الرسمية، وزيارة الجرحى والمصابين، وتقديم المساعدات الغذائية للسكان والتي كان يشارك فيها بنفسه، إضافة لزيارته المتكررة لمراكز تدريب المجاهدين الشباب، لكن الملفت هو زيارته لإحدى مدارس الأطفال، حيث نشر الجناح الإعلامي له مقطع فيديو يقوم فيه بزيارة لأحد تلاميذ المدارس المحلية في اللاذقية، ويقوم الصغار بتدريبات عسكرية في أحد الفصول الدراسية.
يحتفظ الشيشاني بعلاقات ودية مع كثير من أهل الشام، ولم يكن في الحقيقة منعزلًا عن السكان، وكان يعتبر أن وضع ومعاناة الشعب السوري شبيهة بما لاقاه الشعب الشيشاني، ولذا دائمًا ما يكرر: «كل ما يحدث هنا في سوريا، شهدناه في الشيشان، من يستطيع أن يفهم السوريين أفضل منا؟» ويبدو أنه كان يدرك من البداية أهمية عدم فصل المجاهدين عن الناس(١٣)، لقد عبر عن سعادته حينما خرجت بعض المظاهرات المؤيدة لجبهة النصرة عندما أدرجتها أمريكا على قائمة الإرهاب، وأثنى على موقف الجيش السوري الحر حين صرح رسميًا بأنهم يقفون مع جبهة النصرة، ولن يسمحوا بتمزيق الصف، كما احتفظ بعلاقات ودية مع الأتراك، وكذلك مع الأكراد، ففي مرة نسب إليه أنه شارك في العملية العسكرية التركية في سوريا «غصن الزيتون» ضد الأكراد في منطقة عفرين، فكتب بيان مخصوص، نفى فيه مشاركته، وأكد احترامه للأكراد، ومما قاله:
على الرغم من أن الشيشاني يغلب عليه البعد العسكري، والإلمام ببعض جوانب التاريخ العسكرية، وبالأخص حديثه المتكرر عن تكتيكات خالد بن الوليد، وما أطلق عليه بــ«التكتيكات الخطابية» التي يستشهد بها كثيرًا، فإنه أيضًا يظهر عليه تأثره ودراسته للسيرة النبوية، لدرجة أن له تحليلات وإسقاطات خاصة به، ويبدو أن البيئة السورية الفكرية أثرت كثيرًا علي الشيشاني، فكما يظهر من مقاطع الفيديو الخاصة به في سوريا، يمكننا أن نلاحظ تطورًا كبيرًا في مؤهلاته الدينية، وفي لغته العربية، كما يظهر عليه بوضوح تمرده على منظومة القيم الغربية، فكان ينتقد الليبرالية، والرأسمالية، والإمبريالية، ويعتبر أن الإسلام يتعارض مع هذه القيم، وأنها تهدد الإنسان المسلم ولا تلبي احتياجاته، فيقول:
يوقر الشيشاني العلماء بشكل كبير، ويشدد دائمًا على الرجوع إليهم، وله رسالة طويلة، حملت عنوان: «رسالة إلى شباب الأمة حول الموقف من العلماء»، ذكر فيها أسماء العلماء الذين يرى فيهم النموذج الأقرب لتعاليم الإسلام، وهم: «الإمام أحمد بن حنبل، شيخ الإسلام ابن تيمية، العز بن عبد السلام، محمد بن عبد الوهاب، عز الدين القسام، عبد الله عزام، فتحي الشيشاني، محمد التميمي (أبو عمر السيف) وغيرهم كثير رحمهم الله». لكن اللافت حقيقة، هو تأثر الشيشاني بكتابات أبو مصعب السوري، والاستشهاد بكلامه في مواضع عديدة. أيضًا للشيشاني مفاهيم خاصة به يخالف فيها بعض ثوابت الجماعات الجهادية، فيقول:
ومن الواضح أيضًا أنه تألم بسبب توقه لرؤية عائلته، وبعده عن وطنه، لقد أكد أنه لم يُولد وفي يديه مسدس، وأنه يحب الحياة والأقارب والوطن، ويعلم قيمة كل هذا، لكنه في نفس الوقت يؤكد أن الجهاد له الأولوية على حب الأهل والوطن، ويتمنى من الله أن يمنحه الفرصة للمشاركة في تقوية الإسلام في كل كافكازتي (شمال القوقاز). وحين عَرَف معنى الجهاد الذي يمارسه، قال: إنه القتال في سبيل الله في ساحة المعركة، وعدم القيام بهجمات ضد المدنيين، وحتى ضد المدنيين الغربيين(١٥)، وفي هذا يتشابه تمامًا مع خطاب. ويعتبر الشيشاني أن الغرب ارتكب فظائع مروعة ودموية تجاه الشعوب الإسلامية، لذلك يعتبر نفسه يحارب الإرهاب، فيقول:
الأيام الأخيرة: وداعًا جبل التركمان
يبدو أن الشيشاني شعر كثيرًا بعدم تقديره في الفترات الأخيرة، وربما هذا يرجع إلى تخوف الفصائل السورية من تكرار مشكلة «أبو عمر الشيشاني». وفي الأشهر القليلة الماضية لم يعد هناك مجال- خصوصًا للفصائل الأجنبية- لأن تعمل بشكل مستقل بعيد عن طوع القيادة المحلية، لذلك جاء الدور بإنهاء جماعة الشيشاني في سياق آلية تقضي إلى دمج الفصائل الأجنبية المستقلة تحت مظلة محلية واحدة تتحكم في قرار الحرب والسلم. ففي شهر يونيو حزيران الماضي، استدعى مسؤول في هيئة تحرير الشام مسلم الشيشاني وخيره بين أمرين، إما أن يحل تنظيمه ويسلم السلاح ويغادر إدلب، وإما أن يبايع أبو محمد الجولاني وينضم إلى صفوف الهيئة، رفض الشيشاني، وبذل مساعي كثيرة من وساطات للمحافظة على وجوده كفصيل مستقل، لكن باءت كل الجهود بالفشل. وأخبره المسئول الأمني في «هيئة تحرير الشام» بالقول: «إن السلطة اليوم بيد الهيئة، ولن نترك أحدًا لا يطيعنا أو ليس تحت سلطاننا».
وعلى خلفية تلك التوترات، اضطر الشيشاني- وهو مطلوب تصفيته دوليًا- لترك موقعه العسكري بعد أن توصل لاتفاقية مع الهيئة قضت بخروجه من جبل التركمان، وبعدم انضمامه أو تشكليه لأي فصيل عسكري خارج عن الهيئة، ولم يُرِد أن يدخل في أي اشتباكات حقنًا للدماء كما ذكر وكما هو معروف عنه، وخرج من نقاط الجبهة التي دافع عنها طوال السنوات السابقة.
تعرض الشيشاني بعدها للقصف الروسي، وأصيبت زوجته وبناته الثلاثة، وقتل حارسه الشخصي، لكنه نجا، ولا يبدو أن الرجل سيستكين، في مرة سأله بعض الصحفيين: ماذا ستفعل لو سئمت الحرب والقتال يومًا؟ فأجاب: «صراحة، لم أفكر في ذلك أبدًا، ولم أكن أتوقع أن أعيش كل هذه المدة… لكني أود أن أساعد المظلومين ما دمت أستطيع… سأذهب إلى مكان ما ولدي خلايا نحل، وأعطي العسل للجميع، كما يقول النبي محمد- صلي الله عليه وسلم- فإن أقل ما يمكنك أن تفعله للآخرين هو ألا تؤذيهم، لا بكلماتك أو تصرفاتك».
(١) يستند هذا المقال بشكل كبير على مصادر أصلية داخلية، وبالتالي يتم تقديم رحلة الشيشاني من الداخل، كما يفترض أنه أو مؤيدوه يرونها.
(٢) كان يقع في غابات سيرجين يورت في منطقة شالي بالشيشان. ويتم الإشارة إلى هذا المعسكر في الاصدارات الشيشانية القديمة باسم: «معهد ومعسكر القوقاز».
(٣) غطت الصحفية الروسية آنا بوليتكوفسكايا، المعروفة بتغطيتها للحرب الشيشانية والتي اغتيلت في العام 2006، محاولة اختطاف الشيشاني من المحكمة. وأمر بوتين قاديروف بإطلاق اسمها علي جزء من الشارع الرئيسي في جروزني، ويبدو أن هذا التصرف من بوتين كان كنوعٍ من الاستهزاء بدعمها للقضية الشيشانية.
(٤) ربما تكون التسمية نسبة إلى جوهر دوداييف.
(٥) في إشارة إلى مقتل زعيم المجاهدين الشيشان شامل باسييف في 10 يوليو / تموز 2006.
(٦) يستهزئ البعض بأن بانكيسي أقرب إلى سوريا من جورجيا، بسبب كثرة المهاجرين منها إلى سوريا. أبو عمر الشيشاني أيضًا من بانكيسي، فبدل أن يجتاز الشباب الجبال لينضموا إلى تنظيم إمارة القوقاز شمالاً، اتجهوا جنوبًا لسوريا.
(٧) لا يزال يعتبر نفسه مواليًا لتنظيم «إمارة القوقاز».
(٨) بالرغم من أن «جنود الشام» عملت من مختلف الفصائل السورية، لكنها كانت تميل أكثر إلى التعاون مع «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات الجهادية ذات التفكير المماثل.
(٩) لعب الألمان دورًا كبيرًا في العمل الإعلامي المرتبط بالحركات الجهادية في سوريا، وأنشأوا العديد من المراكز والمواقع الإعلامية، من أهمها، مركز (shamcenter.info) بخمس لغات، من بينها الألمانية، وكان المركز مرتبطا بالشيشاني، وقد أنتج العديد من الوثائقيات، إضافة لمقاطع فيديوهات المعارك، والأخبار بشكل عام، لكن الموقع أغلق، وتبخرت أغلب المواد التي قاموا بإنتاجها.
(١٠) كان الجيش السوري الحر هو من يقود المعارك، لكنها كانت تضم بعض المقاتلين الشيشان الأوائل في سوريا، من ضمنهم مسلم الشيشاني، وأبو موسى الشيشاني.
(١١) يزعم أبو العبد أشداء – قيادي سابق في هيئة تحرير الشام – بأن: الكثير من الفتوحات والبطولات التي تبنتها فصائل أخرى، كانت لمسلم الشيشاني وجماعته يد بيضاء فيها.
(١٢) يحكي أبو العبد أشداء عن لقاء له مع مسلم الشيشاني: «من الدروس المهمة التي ذكرها لي، أنهم في الشيشان كانوا يعلمون حنكة القائد بقلة عدد الشهداء من جنوده لحرصه على الإعداد والتجهيز، قال لي: هنا فوجئت بأن بعض العسكريين يتفاخر بعد المعركة بكثرة الشهداء من جنوده ولا يعلم أن هذا قد يكون دليل على استهتاره».
(١٣) في مرة وجه كلامه للفصائل السورية، قائلا: «لقد غنمنا الكثير من الأسلحة، لكننا فقدنا أهم شيء، فقدنا دعم الناس، ونرى بوضوح عواقب ذلك اليوم».
(١٤) هذا الكلام قاله فعلًا أبو مصعب في كتابه: دعوة المقاومة الإسلامية العالمية في صفحة: 36.
(١٥) يجب أن أشير في هذا السياق إلى أن الشيشاني دأب على إدانة الهجمات ضد المدنيين، سواء الغربيين أو المسلمين، ونهى عن قتل كبار السن والنساء والأطفال ورجال الدين. ولم يقم بأي هجمات ضد المدنيين، وحتى مع انغماسه في الشام، كان يتابع ما يجري في الشيشان، له كلمة مصورة بلغت الـ 20 الدقيقة، دعي فيها المسلمون في الشيشان إلى عدم تنفيذ هجمات على رجال شرطة قديروف، واعتبر أن مهاجمتهم لا طائل من ورائها، قائلًا: «لا فائدة من قتل رجال الشرطة المساكين الذين استبدلوا الدين بقليل من الخبز، لا تفجروا أنفسكم من أجل القضاء على واحد أو اثنين من هؤلاء الفقراء الذين لا يؤثرون علينا».