الموسيقى في عصر المماليك: 300 عام من الضحك واللعب
الغناء ضارب في عمق تاريخ مصر، آثاره منقوشة على جدران المعابد القديمة، وبعد دخول المسيحية أخذ دفعة جديدة من الكنيسة التي جعلته من طقوسها. وفي العصر الإسلامي وبعد بروز شخصية مصر كدولة مركزية قائدة في العصر الطولوني، وليست مجرد ولاية تابعة للخلافة كما كان في بدايات دخول المسلمين مصر، بدأ المؤرخون يدونون احتفاء المصريين وحكامهم المسلمين بهذا الفن.
فنجد أن خمارويه بن أحمد بن طولون يبني في قصره مجلسًا عُرِفَ ببيت الذهب مخصص لسماع الطرب، ويرسم على حوائطه صور بعض المغنيات، وكذلك كان الإخشيديون ثم الفاطميون ثم الأيوبيون مولعين بالموسيقى والغناء والرقص.
أما عصر المماليك فقد كان ذهبيًّا في الغناء بالنسبة لمصر، خاصة أن دولة المماليك كان عمرها طويلًا (1250م : 1517م) حيث استمرت إلى ما يقرب من 300 عام، ما سمح للتجربة الفنية المملوكية أن تنضج، ويستمر أثرها، لأسباب كثيرة، منها تراكم التقاليد المملوكية الموروثة من حاكم لآخر تجاه الغناء والموسيقى، وكذلك الجهود العلمية التي بذلت لتطوير هذا الفن، والتي كانت متقدمة إلى حدٍّ كبير بمقاييس عصرها؛ فقد توصلوا إلى الكثير عن أصول التأليف الموسيقي والتلحين، كما سنوضح بالتفصيل في هذا المقال.
أقبل الناس في ذاك الزمان حكامًا ومحكومين على فنون الطرب، وشيَّد سلاطين المماليك قاعات مُخصَّصة لسماع الغناء والموسيقى ومشاهدة الرقص، سُميت بـ«المغانيات»، حسبما يوضح محمد قنديل البقلي في كتابه «الطرب».
وكان الغناء بالنسبة لأمراء وسلاطين المماليك من ضرورات الحياة، لا يعيشون إلا به، فلا يرون الحياة سهلة جميلة إلا على ضرب الأعواد ونقر الدفوف وترنيم الأشعار وألحان الغناء. وبلغ من امتزاج الغناء بنفوسهم أن بعضهم كان يتعشقه ولا يطيق العيش بدونه، بل إن بعضهم كان يتقن الغناء والعزف على الآلات بنفسه، حسبما وثق وأرخ النويري في «نهاية الأرب».
مثَّل الغناء في العصر المملوكي صورة واضحة لحياة الناس الاجتماعية والسياسية والعقلية، حسبما يؤكد عبد الوهاب عزام في كتابه «مجالس السلطان الغوري»، فقد كان مرتبطًا بكل مناسبة اجتماعية، سواء عُرس أو ميلاد أو طهور أو عودة من الحج، أو سك عملة جديدة، أو تولية حاكم. بل حتى في الجنازات كان ما يعرف بـ«الندب» أمرًا أساسيًّا، حيث تجتمع الجوقات الغنائية وتغني على الدفوف أغاني تحتوي على مناقب الميت وتدعو للحزن على فراقه، في تقليد استمر حتى العصر الحديث، حسبما يوضح سعيد عاشور في كتابه «المجتمع المصري».
وتتفق المصادر على أن الغناء كان شائعًا في كل مكان: في المقاهي والمراكب النيلية، بل في المقابر، وقطعًا في بيوت عامة الناس، كما كانت هناك دور للمناسبات تعجُّ دائمًا بالحفلات الغنائية مع أي مناسبة دنيوية أو دينية.
كان هناك الغناء الحضري، وهو المصري المتأثر بالتركي والعربي والفارسي، إضافة إلى الغناء المحلي البدوي والريفي، إضافة إلى الغناء الديني، ولكن ما نركز عليه في هذه المقالة هو الغناء الحضري ذو الطابع العاطفي والاجتماعي، وهذا الغناء الحضري شاعت معه آلات كثيرة، انقسمت إلى آلات نغمية ومنها: العود، الكمان، القانون، الناي، الربابة، السنطير، الجنك. وإيقاعية ومنها: الصاجات، والطار، والطبلة.
كيف ازدهرت الموسيقى والغناء في العصر المملوكي؟ كيف عاش الموسيقيون والمطربون؟ وكيف كانت علاقتهم بالسلطة والمجتمع؟ ما الجهود العلمية التي بُذلت لتطوير هذا الفن؟ وماذا تبقى لنا منها؟ مَن أهم الفنانين الذين وصلتنا أسماؤهم؟ وما هي خلفياتهم الثقافية والدينية؟ نجيب عن هذه الأسئلة في السطور التالية.
غناء برعاية الدولة.. احتفاء وتنظيم وأهواء سلطانية
كما ذكرنا في المقدمة، كان سلاطين وأمراء المماليك يحبون الغناء والموسيقى، وفي ذيل هذه المقالة سنتحدث عن مطربين بعينهم، وكيف كانت علاقة السلاطين والأمراء بهم.
لكن الملاحظ أن هذا المجتمع الفني كان على تماس مباشر بالمجتمع السياسي، وكان بعض السلاطين يفضلون مغنيًا على آخر، كما حدث عام 1466م تقريبًا، حين أحيا المطرب علي بن رحاب سماعًا (هكذا كانوا يسمون حفلاتهم الغنائية) في منطقة باب الوزير، ووقع خلاله هرج بين الحضور أدى إلى وقوع قتيل.
وعلم السلطان الظاهر سيف الدين خشقدم بأمر القتيل والهرج، فأمر بنفي ابن رحاب إلى الشام، فخرج وهو مكبل في الحديد، رغم أنه ليس بقاتل أو متسبب مباشر في الحادث.
وعندما وصل ابن رحاب غزة شفع فيه القاضي أبو الفضل بن جلود عند السلطان، فسامحه وأمر بعودته. ويوضح المؤرخ المملوكي ابن إياس في كتابه «بدائع الزهور» أن السلطان نفى ابن رحاب محبَّةً في مُنافِسه المطرب إبراهيم بن الجندي، وكان أمر الهرج مجرد حجة فارغة للسلطان، وليست سببًا حقيقيًّا لنفيه.
إداريًّا كان للمطربين طائفة سُمِّيت بـ«المغاني»، والطائفة كانت تشبه الرابطة أو النقابة أو شيئًا من هذا القبيل، ولكن لم يكن الكيان منظمًا بالقدر الكافي، فلم يكن هناك رئيس أو نقيب للرابطة، ولكن كان هناك أساتذة لهم الاحترام والنفوذ على العاملين بهذا الفن. وكان المطرب المهم يطلق عليه «أستاذ» والمطربة المقدَّرة يطلق عليها «ريسة»، حسبما أوضح البقلي في «الطرب».
كان لأرباب الطائفة شارع محدد في القاهرة يجتمعون فيه، وهذا الشارع كان هو نفسه سوق بيع الآلات الموسيقية، وكل من كان يريد مطربًا أو مطربة أو راقصة أو موسيقيين لإحياء حفل كان يتجه إلى هذا المكان ليجد الفنان الذي يبحث عنه، على غرار شارع محمد علي في العصر الحديث، حسبما توضح المصادر، ومنها «صبح الأعشى» للقلقشندي.
وكان المحتسب (شرطي له صلاحيات قضائية) ورجاله ينزلون هذا الشارع لجمع الضريبة التي فرضتها الدولة المملوكية على كل من يعمل في الغناء والموسيقى والرقص، والتي سميت بـ«ضمان المغاني»، حسبما تتفق المصادر التاريخية.
منجزات علمية موسيقية
قبل زمان المماليك كانت هناك جهود علمية كبيرة لمسلمين مثل الفارابي والكندي وإخوان الصفا وغيرهم في علم التأليف والتدوين الموسيقي، وتوصلوا للسلم الموسيقي ووضعوا لنغماته بتدرجاتها رموزًا مختلفة، أشهرها ما جُمع في كلمة «درر مفصلات»، وهي رموز «دُ رَر مَ فَ صَ لا تِ»، والتي تعادل رموز السلم الموسيقي المعاصر «DO-RE-MI-FA-SOL-LA-SI»، والبعض قال إن السلم المعاصر مشتق عنها.
وفي العصر المملوكي اقترح شمس الدين الصيداوي الدمشقي الحنفي (ت 914هـ – 1505م)، في كتابه «الإنعام في معرفة الأنغام»، إنشاء 8 أسطر أفقية ملونة تدون عليها رموز موسيقية تتميز عن بعضها بألوان مختلفة، بدلًا من النظام القديم الذي كان يقوم على ترميز الأصوات الموسيقية بالحروف الأبجدية، وهو نظام يقترب من نظام النوتة الموسيقية المعاصرة.
كتاب الصيداوي كان عبارة عن 297 بيتًا شعريًّا، يشرح خلالها علم التدوين الموسيقي وكتابة النوتة، مع تأصيل جيد للمقامات والبناء النغمي.
ومن أهم المؤلفات أيضًا «رسالة في علم الموسيقى» لخليل بن أيبك الصفدي (ت 764هـ – 1362م)، وبه تعمق واضح في علم الموسيقى، حيث احتوى على شرح للنغمات الأساسية وفروعها، ثم تدَرَّج ليشرح المقامات التي تنساب داخلها هذه النغمات، ثم ما وصفه بـ«بُردات المقامات»، و«بردات الشُّعب» ثم شرح ما وصفها بـ«الأوزات»، ثم ربط كل شعبتين بمقامهما، والأنغام المناسبة التي يحسن الانتقال من بعضها إلى بعضها، وأخيرًا ربط كل مقامين بأوزاهما وما يناسب أن ينتقل إليه بعدهما.
و«الأوزات» و«البردات» و«الشعب» هي مكونات داخل المقطوعة الموسيقية أو داخل اللحن، فكما للنصوص الكلامية البشرية بناء يتكون من حروف وكلمات وجمل وعبارات وفقرات … إلخ، فإن النصوص الموسيقية أيضًا لها بناء يتكون من وحدات صغيرة فأكبر، فأكبر.
هناك أيضًا كتاب «إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد» للحكيم محمد بن إبراهيم بن ساعد الأكفاني (ت 749هـ – 1348م)، وبه فصل في علم الموسيقى، مقسم إلى 5 أجزاء، في المبادئ الموسيقية وكيفية استنباطها، والنغم وأحوالها، والإيقاع الذي عرَّفه بأنه «اعتبار زمان الصوت»، وهو تعريف دقيق، إذ إن العلم الموسيقي الحديث يؤكد على أن الاختلاف بين إيقاع وآخر وتشكيله، يعتمد بشكل أساسي على تغيير زمان النقر وقوته على الآلة الإيقاعية، كذلك خصَّص الأكفاني جزءًا في كتابه عن كيفية تأليف الألحان وضوابطها. وكذلك فيما يمكن أن نطلق عليه «التوزيع الموسيقي» وهو فن استخدام الآلات الموسيقية بما يناسب الجملة اللحنية.
ومن المؤلفات المهمة أيضًا في هذا العصر كتاب «الإمتاع في أحكام السماع»، لكمال الدين الأذفوني (ت 749هـ – 1348م)، وهو كتاب شامل عن الآلات وكيفية استخدامها، والرقص عليها، وقواعد الغناء، كذلك احتوى على فصل في قراءة القرآن والتغني بها، والحكم الشرعي في ذلك.
وكان هناك فقهاء لهم اهتمام كبير بالموسيقى، ومنهم محمد بن عيسى بن كر الحنبلي (ت 763 هـ – 1361م)، الفقيه البغدادي الذي عاش في زاوية بالقاهرة بجوار ضريح الحسين الشهير، والذي ألف كتاب «غاية المطلوب في الأدوار والضروب»، يشرح فيه علم الضروب الموسيقية وعلم الأنغام. و«الضروب» هي النقر، سواء النقر الإيقاعي على الطبول، أو النقر على آلات مثل العود والقانون.
وهناك كتب أخرى لا حصر لها، لم يصلنا منها إلا القليل، وجمع أسماء بعضها الباحث خالد عبد الله يوسف في دراسته «أعلام فن الموسيقى والغناء خلال العصر المملوكي». وبفحص التراجم التي احتوتها المصادر عن الفنانين في عصر المماليك نجد منهم مثلًا فنانًا مثل شهاب الدين القرداح الذي ترك ما يقرب من ألف مجلد في فنون مختلفة على رأسها الموسيقى، وغيره كثيرون.
هذه المعلومات تؤكد أن الغناء في العصر المملوكي وإن لم توجد أكاديميات فنية تحمل اسمه، كان له خبراء وأكاديميون يبحثون فيه ويدرسونه لتلاميذهم بشكل احترافي منظم، وإن حدث ذلك بشكل حر في الغالب.
أشهر صناع الغناء والموسيقى في زمن المماليك
لم يقتصر الغناء أو الموسيقى على الرجال دون النساء أو العكس، وكذلك لم تكن النساء اللواتي احترفنه من الجواري فقط كما يشاع أو يوحى به أحيانًا في بعض الكتابات، وأخيرًا لم يقتصر الغناء والموسيقى على الطبقات الدنيا أو الوسطى من الناس، بل أتقنه بعض الأمراء والسلاطين.
والملفت أن كثيرًا من رجال الدين الإسلامي لم يقفوا تجاه الغناء موقفًا سلبيًّا، بل على العكس احترف كثير منهم التلحين والغناء، والتأليف الأكاديمي في علم الموسيقى كما أشرنا.
لنبين ما ذكرناه، نستعرض في السطور التالية تراجم مختصرة لأشهر الفنانين المصريين في ذاك الزمان، والذين وفد بعضهم من خارج مصر، جمعناها من مصادر التاريخ الشهيرة التي وثَّقت هذه الفترة، مثل «أعيان العصر» و«الوافي بالوفيات» للصفدي، و«مسالك الأبصار» لابن فضل الله العمري، و«النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي، و«الدرر الكامنة» لابن حجر، و«بدائع الزهور» لابن إياس، و«السلوك لمعرفة دول الملوك» للمقريزي.
إبراهيم صابر العواد (تـوفي 752هـ – 1351م)
وصفه الصفدي بأنه كان في صناعة الطرب كاملًا، وعلمه بدقائقها شاملًا، لعب بالكمانجا وفاق في فنها، ولم يرَ الناس مثله من يطرب، وأما العود فكان إبراهيم فيه مثل إبراهيم الموصلي (المغني والملحن الشهير في العصر العباسي الأول)، بل لو عاصره لتحقق أنه مثل بطن عوده فارغ غير ممتلئ، يكاد لخفة يده يجري الماء في عوده كأنما هو حمامة تسجع على عودها.
بسبب براعته قرَّبه الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام، وجعله يلازمه في سفره وإقامته، وطلب منه أن يعلم من تصلح من جواريه الغناء، وأعطاه تنكز إقطاعًا كبيرًا في دمشق، ثم أقام صابر مدة في مصر.
خديجة الرحابية (توفيت 886هـ – 1481م)
كانت من أعيان مصر، بارعة في الغناء والإنشاد، وعظم أمرها جدًّا، وحظيت عند أرباب الدولة وقادة مصر بمكانة كبيرة، وكانت حسنة الشكل والغناء، فافتتن بها كثير من الناس، وقيل إنها لقبت بالرحابية لتحديها ابن رحاب المغني الشهير. وتوفيت وهي شابة لم تتجاوز الثلاثين عامًا، فحزن عليها الناس كثيرًا.
محمد بن عيسى بن كر الحنبلي (توفي701هـ – 1301م)
الشيخ شمس الدين البغدادي الأصل، مصري المولد، الذي وُصف بإمام أهل عصره في الموسيقى، وتعلم على يده كثير من محترفي الغناء.
قدم أبوه القاهرة بعد اجتياح المغول لبغداد، وكان من الأمراء، ويتصل نسبه إلى الخليفة مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين. كان صوفيًّا فقيهًا، وتولى مشيخة زاوية بجوار ضريح الحسين بالقاهرة، ثم أخرى على شاطئ الخليج المصري الذي كان يتفرع من النيل ويشق القاهرة.
ووضع مؤلفًا عن علم الموسيقى هو «غاية المطلوب في غاية الأنغام والضروب»، وقال عنه ابن فضل الله العمري:
أمير علي المارديني (توفي 772هـ – 1370م)
كان من أمراء المماليك، وتولى نيابة الشام أكثر من مرة، ونيابة حماة، ومصر. وقد كان بالأساس من مماليك حاكم ماردين. وكانت ماردين وقتها إمارة عربية خاضعة للسلطان المملوكي في القاهرة كما باقي مدن الشام والحجاز، وتقع المدينة الآن ضمن الأراضي التركية.
كان بارعًا في الضرب بالعود، فبلغ السلطان الناصر محمد بن قلاوون خبره فطلبه من صاحبه عام (728هـ – 1327م)، فحظي عنده بمكانة كبيرة، وجعله من مماليكه المقربين، فلما مات الناصر توقف المارديني عن ضرب العود وكسر آلاته رغم براعته الفائقة فيها.
علم الدين المنشد (توفي 656هـ – 1258م)
هو سليمان بن عسكر الحوراني. برع في الغناء، إلا أنه برع أكثر في الإنشاد الديني، وكان بالأساس مؤذنًا، ويجيد نظم الشعر وخاصة في المدائح النبوية، ولبراعته عُيِّن مؤذنًا لموكب الحج. وعن سبب تعيينه في هذا المنصب الرفيع قال الصفدي:
لأنه المنشد الذي أضحت قصائده غاية المقصود، والمطرب الذي يقال فيه هذا سليمان، وقد أوتي مزمارًا من مزامير داود … كم حرك سواكن القلوب بلفظه البديع، وأجرت عباداته العبرات من بحر السريع، وجعل المحافل رياضًا لأنه أبو الربيع، فليؤذن أذانًا إذا سمعه الركب أقام، وقالوا هذا المؤذن الذي هو للناس كلهم إمام.
اتفاق.. المغنية اللؤلؤية
كانت جارية سوداء حسنة الصوت، اشترتها ضامنة المغاني (المسؤولة عن جلب الجواري المغنيات وبيعهن) من مدينة بلبيس، الواقعة الآن ضمن نطاق محافظة الشرقية، وعلمتها الضرب بالعود فتفوقت فيه، ثم قدمتها الضامنة لبيت السلطان، فشغف بها الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون، وتزوجها.
ثم شغف بها من بعده أخوه الملك الكامل شعبان، فنالت عنده من الحظ والسعادة ما لا عُرف في زمانها لامرأة. ثم تزوجها المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون وأعطاها أضعاف ما كان يعطيها أخواه، وهام بها وأفرط، وفي ليلة زفافها عليه ضربت بعودها وغنت فأعطاها السلطان أربعة فصوص وست لؤلؤات ثمنها 4 آلاف دينار.
شهاب الدين بن القرداح ( توفي841هـ – 1437م)
أحمد بن محمد بن علي بن عبد الرحمن، الواعظ المنشد، فريد عصره في الموسيقى، وأفضل أهل زمانه في الغناء، مع الفصاحة ورخامة الصوت، والعزف على العود، وكذلك كان أستاذًا في العزف على السنطير.
وصف بأنه كان من مفاخر الديار المصرية في فنه، لا يفوقه أحد من أهل عصره، حيث اجتمع فيه طيب النغمة، ومعرفة الفن، واجتناب النشاز، واختراع التلحين الذي لم يُسبق إليه، وكان يؤلف الألحان ثم يغني عليها أشعارًا كان ينظمها، وهو تكنيك صعب حتى بالنسبة للمعاصرين، فالعادة أن تؤلف الكلمات أولًا ثم تُلحن.
وكان السلطان المؤيد شيخ يحبه ويأخذه معه في منتزهاته وخلواته. وترك من الكتب ما يقرب من ألف مجلد في فنون مختلفة على رأسها الموسيقى.
خوبي.. المغنية العوادة ( توفيت 740هـ – 1339م)
كانت فائقة في عزف العود، فاشتراها الأمير بَكتَمِر الساقي بعشرة آلاف دينار، وعشقها وأسكنها بيته، ولما توفي كسرت عودها حزنًا عليه، وباعها الناصر محمد بن قلاوون إلى الأمير بشتاك بـ6 آلاف دينار فلم تحظَ عنده بمحبة، وتوفيت بعد عام من بيعها إياه.
كتيلة المغني (توفي 740هـ – 1339م)
هو بدر الدين محمد الجنكي المارديني، الذي اشتهر بالعزف على آلة الجنك الفارسية وتأليف الموسيقى عليها.
وكان مقربًا من الملك الصالح شمس الدين أمير ماردين، وسمع به الناصر محمد بن قلاوون فاستدعاه وبلغ عنده مكانة كبيرة لم يصلها أحد مثله، فكان يطرب إليه، وأمره بتعليم جواريه الموسيقى، وكان حين يرحل عن مصر إلى ماردين يستوحشه السلطان، فيأمر بأن يعود مسرعًا.
قال عنه ابن فضل الله العمري: حضرت مجالس السلطان مرة وعنده موسى بن مهنا (مطرب) وكتيلة، وكلاهما يضرب بالجنك بين يديه، فرأيت موسى بن مهنا على سكونه العظيم ووقاره يميل يمنة ويسرة، وكان كتيلة ذلك اليوم يردد أغنية لحنها تقول:
وبعد سماعها منه، لم يبقَ أحد من الحاضرين إلا وهزه الطرب، ولولا مهابة السلطان لرقصوا… ولما فرغ من غنائه أثنى عليه السلطان وقال لموسى بن مهنا: كيف رأيت؟ فقال: والله ظننت أنه يجذبني إليه، ولو لم أملك نفسي لوقعت عليه. وأمر له السلطان بألف دينار.
دنيا بنت الأقباعي (توفيت 892هـ – 1486م)
مغنية دمشقية شهيرة، ذاع صيتها حتى استدعاها الملك الناصر حسن بن قلاوون إلى مصر، ثم وفدت على الملك الأشرف شعبان بن حسين بن قلاوون فحظيت أيضًا بمحبته، وإكرامًا لها أسقط ضريبة المغاني عن الفنانين بعد أن طلبت منه ذلك.
محمد المازوني (توفيت 856هـ – 1452م)
ناصر الدين القاهري، الذي وصف صوته بـ«الكامل زيرا وبَما» مع شجاوة ونداوة وحلاوة.
والزير هو الوتر الدقيق في العود، والبَم هو الوتر الغليظ. أي كان صوته يستطيع أداء الطبقتين العالية والمنخفضة، القرار والجواب.
وقال عنه إبراهيم البقاعي في تاريخه إن خبراء بالموسيقى كالقاضي كمال الدين بن البارزي، وشهاب الدين أحمد الأذرعي الإمام قالوا إنه ربما لم يوجد في عصر هارون الرشيد مثله، شاهدين له بحسن وقوة التصرف في صوته بشكل ليس له مثيل.
خديجة أم خوخة (توفيت 918هـ – 1512م)
كانت من أعيان مغنيات منطقة الدكة، وتعرف بالريسة خديجة، ووصفت بأنها كانت صاحبة اليد الطولى في فن الغناء.
ابن السيوري العماري (توفي 783هـ – 1381م)
شمس الدين محمد بن الكومي الموصلي، العواد والمغني، المنسب إلى الصحابي عمار بن ياسر، وانتهت إليه قمة صناعة الغناء والموسيقى في عصره، وعاش في غنى ونفوذ لدى الدولة، حتى إذا مرض عاده جميع أعيان الدولة، وكان صاحب تصانيف هائلة في الموسيقى.
عزيزة بنت البسطجي (توفيت 906هـ – 1500م)
من أعيان مغنيات مصر، وفريدة عصرها في الإنشاد، ورأت تكريمًا كبيرًا من أرباب الدولة المصرية، وقال فيها الشهاب المنصوري: