الموسيقى كوسيلة احتجاج: 6 نماذج عربية تشرح لك
عقب ثورات الربيع العربي، انتشر العديد من المغنيين والفرق الموسيقية التي تحاول أن تقدم نوعًا جديدًا من الموسيقى والأغاني والتي تحاول أن تغير أفكار المجتمع، أو أن تتطرق إلى مواضيع جديدة من المحظور مجتمعيًا الحديث عنها، وهناك الثلاثي الشهير في العالم العربي الذي اجتمع أنه من المحظور التحدث عنه وهو ثلاثي «الدين، السياسة، الجنس».
وسيلة احتجاج
تعد الموسيقى وسيلة من وسائل الاحتجاج على الأوضاع الراهنة أو على الأوضاع غير العادلة.
تعد الموسيقى وسيلة من وسائل الاحتجاج على الأوضاع الراهنة أو على الأوضاع غير العادلة، ومن أبرز تلك النماذج مغنيو موسيقى الجاز والبلوز في النصف الأول من القرن العشرين خاصة المغنيات الأفريقيات في أمريكا، ومن أشهر تلك النماذج المغنية بيللي هوليداي والتي بدأت الغناء عام 1938، وكانت واحدة من مغنيي حركة مناهضة الإعدام خارج نطاق القانون، وكانت تلك الحركة واحدة من الحركات الأمريكية التي تنادي بوقف إعدام النساء والرجال الأفارقة خارج القانون في عصر العبودية واضطهاد الأمريكيين الأفارقة.
حيث راح ضحية تلك العمليات ما يزيد عن 3000 أفريقي في الفترة من 1882 إلى 1986، فبدأت هوليداي بغناء العديد من الأغنيات التي تصف فظاعة تلك العمليات ونشر التوعية عن تلك العمليات وأن هناك قوانين أمريكية قد منعت تلك الممارسات ويجب تطبيقها، وبالفعل بدأت تلك الأغنيات تمثل ضغطًا على الحكومة والولايات الشمالية من أجل إحداث التغييرات المطلوبة.
كما كان كل من بوب ديلان وجون بايز –وهما مغنيان أمريكيان لا ينتميان إلى الأفارقة الأمريكيين في فترة الستينيات- يقومون بالغناء من أجل حركة الحقوق المدنية الأمريكية والتي كانت تناضل ضد العنصرية، فبدأوا بغناء أغانٍ تنتمي إلى كنائس الأفارقة في أمريكا وتقديم أغانٍ عن الحرية وتندد بالعنصرية .
لا تمثل الموسيقى أداة للضغط السياسي أو التعبير عن المواقف السياسية وفقط، بل هي أيضًا أداة ضغط على المجتمعات من أجل نبذ العنصرية والصور النمطية من خلال كلمات تلك الأغاني والموسيقى الجديدة التي يقدمونها بها.
(1) المعلومة بنت الميداح
المعلومة بنت الميداح، مطربة موريتانية عرفت بالفنانة المعارضة أو مطربة الفقراء، ولايرجع ذلك لانخراطها في العمل السياسي والحزبي فقط، حيث كانت نائبة بمجلس الشيوخ الموريتاني عن حزب تكتل القوى الديموقراطية والذي يحسب على المعارضة الموريتانية، إلا أنها وظفت العديد من أغانيها للتعبير عن موقفها السياسي ومعارضتها لنظام معاوية ولد الطايع الذي أتى إلى الحكم بانقلاب عسكري.
عارضت بأغانيها انقلاب معاوية ولد الطايع، عرّضها ذلك إلى حصار إعلامي ومنع ظهورها في الإعلام الوطني.
ولدت عام 1960 لأسرة غنائية، وكان ذلك سببًا في تركها التعليم حيث تفرض العادات على بنات الأسر الغنائية الانشغال بتعلم الموسيقى والغناء من أجل توارث الغناء في أسر بعينها. وكان أول ظهور فني للمعلومة عام 1986، ففي ذلك الوقت كانت قد عملت على تطوير الموسيقى التراثية وجعلها تمزج بين الأصالة والمعاصرة، وقبل تلك الفترة وبالتحديد عام 1984، حينما عارضت بأغانيها انقلاب معاوية ولد الطايع، عرضها ذلك إلى حصار إعلامي ومنع ظهورها على الإعلام الوطني دام قرابة 14 عامًا، انتهى عام 2005 بعدما تمت الإطاحة بنظام معاوية، ومن أبرز أغانيها المعارضة “معارضون”، “حبيب الشعب”و”أيام الزمن تجري”، إلى جانب استخدامها صوتها في الغناء لدعم مرشحين بعينهم.
(2) مشروع كورال
مشروع كورال، مبادرة موسيقية تأسست في مايو/آيار 2010 على يد أعضاء فريق طمي «سلام يسري، ويسرا الهواري، وشادي الحسيني»، وقد تم تأسيس المبادرة على غرار عدد من المبادرات التي تحمل نفس الاسم في عدد من المدن العالمية مثل ميونخ، وبرلين، ولندن، والأردن، وبيروت.
وتقوم المبادرة على فكرة ورش العمل الجماعية المفتوحة، فليس هناك شروط للانضمام للمبادرة سوى الرغبة في التعبير، فيرفع مشروع كورال شعار «اللي عايز يشارك حيشارك، حيغنّي، و حيبقى جزء من اللي بيحصل»، وخلال ورش العمل يتم اختيار أحد المواضيع ثم يتم العمل عليه لمدة أسبوع يقوم خلاله أعضاء الورشة بالتأليف والتلحين والغناء الجماعي.
وقد عرفت أغاني «مشروع كورال» بطابعها الساخر، إلى جانب تناولها للعديد من الظواهر الاجتماعية والسياسية. ومن أبرز تلك الأغاني أغنية «مين طفى النور؟»، والتي كانت تنتقد الوضع السياسي خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي من خلال تناولها قضية انقطاع التيار الكهربائي، وأغنية «بيقولوا الريس ماشي» والتي تناولوا فيها أحداث الثورة المصرية وحالات القمع عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأغنية «أنا زي الفل» والتي تم إصدارها عقب إسقاط نظام الإخوان المسلمين، والتي تعرض للقمع الذي حدث خلال تلك الفترة من حالات اعتقالات تعرض لها العديد من شباب الثورة وغلاء الأسعار.
كما لم تقتصر تجربة مشروع كورال على النقد السياسي الساخر وفقط، بل تستخدم في كثير من الأحيان كلمات لم يعتد أن تستخدمها الأغاني أو يتم تناولها في الإعلام، مثل أغنيتهم «أحيه في إيه».
(3) يسرا الهواري
تعد يسرا الهواري من أكثر المغنين الذين يملكون شهرة واسعة بين الشباب، إلى جانب أنها من أجرأ المغنين في اختيار كلمات أغانيهم. بدأت يسرا الهواري الغناء في سن مبكرة، كما أنها تقوم بالعزف والتلحين والتمثيل، فقد كانت عضوًا في فرقة «الطمي المسرحية» منذ عام 2007، وبدأت العزف على الأوكورديون عام 2010، ولكن تعتبر الانطلاقة الحقيقية ليسرا الهواري في إبريل/نيسان 2012 عندما نشر فيديو أغنية السور والذي كانت تنتقد فيه الأسوار الخرسانية التي تم بناؤها في عهد المجلس العسكري لغلق شوارع ميدان التحرير على المتظاهرين، وقبلها كانت أصدرت أولى أغنياتها «يا أوتوبيس» في ديسمبر/كانون الأول 2011.
اختيرت الهواري كواحدة ضمن 50 شخصًا يشكلون الثقافة في الشرق الأوسط من قبل موقع «المونيتور».
اختيرت الهواري كواحدة ضمن 50 شخصًا يشكّلون الثقافة في الشرق الأوسط من قبل موقع المونيتور، وفي عام 2012 فازت يسرا الهواري بجائزة الموسيقى للعب النظيف. لا تركز أغاني الهواري على الاحتجاج السياسي وفقط، بل إنها تحاول أن تحتج على جميع أشكال تقييد الحرية سواء السياسية أو المجتمعية، فسواء كانت أغنية سياسية مثل السور، أو أغنية تخاطب المجتمع مثل في الشارع تحاول الهواري أن تكسر الكثير من التابوهات، إلى جانب اختيارها لبعض كلمات أغانيها التي يرى قطاع عريض من المجتمع أنه لا يجوز استخدامها مثل كلمات أغنيتها «يا أوتوبيس».
(4) مشروع ليلى
فينا نفتح عينينا لما يرموا فيها تراب، قل لهم لسة شايفين، فينا نرفض ناكل بعض، ولو الناس شافت عظامنا قل لهم مش جعانين.
مشروع ليلى، ونعيد ونعيد
فريق لبناني بدأ الغناء منذ 8 سنوات في الجامعة الألمانية ببيروت، وقد أصدرت الفرقة حتى الآن أربعة ألبومات موسيقية آخرها ألبوم ابن الليل. عرف مشروع ليلى بغنائهم لكلماتهم الخاصة وكذلك ألحانهم الخاصة، وهي من أكثر الفرق الموسيقية انتشارًا بين شباب الوطن العربي فقاموا بإحياء العديد من الحفلات في العديد من البلدان العربية والتي تشهد حضورًا جماهيريًّا واسعًا ففي كثير من الأحيان تنفد التذاكر فور طرحها في الأسواق.
يتميزون أيضًا بتطرقهم إلى العديد من الموضوعات التي لا يجرؤ أحد على التحدث عنها، مثل غنائهم عن المثلية الجنسية.
لايتميز مشروع ليلى بقيامهم بغناء كلماتهم وألحانهم الخاصة فقط، بل يتميزون أيضًا بتطرقهم إلى العديد من الموضوعات التي لا يجرؤ أحد على التحدث عنها، مثل غنائهم عن المثلية الجنسية في أغنية «على بابه» وأغنية «شم الياسمين». كما تنتقد أغاني مشروع ليلى الوضع السياسي في بلدان الربيع العربي ولبنان بصورة قوية مثل أغنيتهم «للوطن» والتي يتحدثون فيها عن المواءمات السياسية والوعود الكاذبة للسياسيين والتي يقولون في أحد مقاطعها «بس تتجرأ بسؤال عن تدهور الأحوال بيسكتوك بشعارات عن كل المؤامرات». حتى عندما يغنون عن الحب والعلاقات العاطفية يتناولونها بشكل ينتقد المجتمع مثل أغنيتهم «فساتين» والتي تناولوا فيها قصة حب بين شاب وفتاة مختلفين في الديانة وتحول التعاليم الدينية والعادات بينهم، كما أنهم حاولوا كسر الصورة النمطية عن المرأة في أغنيتهم «أم الجاكيت».
(5) أوتوستراد
أوتوستراد، أنا بكرة معطل
أوتوستراد باند، فرقة موسيقية أردنية تأسست عام 2007، وتتكون من 7 أفراد يجربون جميع أنواع الموسيقى وأصدروا ثلاثة ألبومات حتى الآن. وفي الكثير من الأحيان يقدمون موسيقاهم بطابع كوميدي، وتتميز الفرقة بمحاولة تقديمها موسيقى تتجاوز حدود اللغة والمكان والاختلافات الفردية من خلال دمجهم اللهجة الأردنية مع الموسيقى العالمية وتحدثهم عن جميع المواضيع التي يتحدث عنها الشباب في سنهم مثل الحب، والحشيش، والسجن، والحرية، والأمل، والحرب.
(6) بديعة بوحريزي
ماذا أقول لها، تحيا على رمق أفراحها، لم تعش إلا على الحرق، الموت راودها دهرًا وغافلها.
بديعة بوحريزي، إلى سلمى
التونسية بديعة بوحريزي أو كما تعرف بـ”نيساتو” نسبة إلى المشروع الموسيقي الذي تقدمه والذي يدمج بين موسيقى شمال أفريقيا وموسيقى الريجي والموسيقى العربية التقليدية. بدأت في الغناء والعزف على الجيتار منذ السنوات الأولى لشبابها، تلتزم بوحريزي بتقديم العديد من الأغنيات الخاصة بالوطن ومعارضتها لأشكال القمع إلا أنها لا تركز على القمع الذي يحدث في وطنها وفقط بل تهتم بمعارضة كل أشكال القمع في العالم بشكل عام وفي الوطن العربي بشكل خاص، كما أنها تقوم بتأليف وتلحين معظم أعمالها، ومن أشهر أعمالها أغنيات «إلى سلمى، خلف قمم الجبال».
لماذا يقمعون الموسيقى؟
تشكل الفنون بشكل عام والموسيقى بشكل خاص أداة للتغيير قوية، حيث أنها من السهل أن تخاطب جميع الفئات وأن تفتح الكثير من الأبواب في عقول متابعيها. الموسيقى تستطيع أن تصل إلى جميع الأفراد ومن السهل أن تخاطب عقولهم حيث أنها سهلة الفهم ومن السهل أن تعجب بها وتجعلك تعيد التفكير في العديد من الأفكار ومراجعة مواقفك تجاهها.
ولذلك أصبحت الموسيقى في كثير من الأحيان عرضة للقمع والمنع مثلما حدث مؤخرًا مع فرقة مشروع ليلى في عمان حيث تم منع حفلهم قبل إقامته بأيام، ومثلما تم منع المغنية المعلومة بنت مداح من الظهور في الإعلام الرسمي لعدة أعوام، أو كما تعرض المغني رامي عصام في مصر إلى القمع والتهديد مما دفعه إلى الهجرة خارجًا.