عن عمر ناهز الـ 89 عامًا، رحل عن عالمنا الأمس، الدبلوماسي والقانوني والكاتب الألماني الذي اعتنق الإسلام في عام 1980 مراد ويلفريد هوفمان. للراحل العديد من المؤلفات التي كتبها بعد اعتناقه الإسلام، يتناول معظمها قضية رئيسية ألا وهي مستقبل الإسلام وعلاقته بالغرب، وذلك في إطار من بحثه الفكري عن بديل حضاري وثقافي للحضارة الغربية التي هيمنت على العالم في العصر الحديث، وكانت سببًا في تقدمه الحثيث وفي معظم آلامه في الوقت ذاته.

من أبرز مؤلفات هوفمان في هذا السياق: «الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود»، «الإسلام كبديل»، «يوميات مسلم ألماني»، «الطريق إلى مكة».

من هو مراد هوفمان؟

ولد هوفمان لعائلة كاثوليكية في بلدة أشافنبورغ شمال غرب ولاية بافاريا الألمانية في 6 يوليو \ تموز عام 1931. حصل هوفمان على شهادته الجامعية في تخصص القانون في جامعة ميونخ، وعمل كمحامي متدرب بعدها من عام 1955 حتى عام 1959.   

عمل هوفمان كدبلوماسي في الخارجية الألمانية من عام 1961 إلى عام 1994، حيث التحق في البداية بالقنصلية الألمانية العامة في الجزائر العاصمة، من عام 1973 إلى عام 1976 عمل هوفمان في فريق التخطيط التابع لوزارة الخارجية الاتحادية.

كان هوفمان هو نائب رئيس الوفد الألماني في مفاوضات MBFR بين حلف الناتو وحلف وارسو في فيينا. من عام 1979 إلى عام 1983 ترأس هوفمان وحدة الناتو والدفاع في وزارة الخارجية الاتحادية في بون. من عام 1983 إلى عام 1987 عمل هوفمان مديرًا للمعلومات في منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل وحصل على وسام الاستحقاق الفيدرالي في عام 1984.

عمل هوفمان سفيرًا لألمانيا في الجزائر في الفترة من 1987 إلى 1990، ثم شغل نفس المنصب في الرباط المغرب حتى عام 1994.

تمتع هوفمان بعضوية مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي في عمان ( الأردن )، وعضوية المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، وعضوية المجلس الشرعي لبنك بوسنة الإسلامي الدولي في سراييفو. من عام 1994 إلى 2008، ألقى هوفمان عشرات المحاضرات في 31 دولة حول العالم.

في محاضرة تحت عنوان «الطريق الفلسفي إلى الإسلام» تم تفريغها نصيًا وطبعها في كتيب منشور باللغة الألمانية تحت العنوان ذاته، يولي هوفمان وظيفة بالغة الأهمية للفلسفة، تتمثل في أن تكون نقدًا للمعرفة التي تستند حصريًا على نماذج مثل نموذجي فريتز ماوثنر ولودفيج فيتجنشتاين في فلسفة اللغة. في سياق هذه الفلسفة النقدية، يعتبر هوفمان أن وجود الله هو ضرورة عقلية، حيث تسمح لنا المعرفة والمفاهيم القبلية التي تمثل التكوين المسبق لتفكيرنا، استنتاج وجود ذكاء أو خالق فردي أسمى من عالمنا.

يؤكد هوفمان أيضًا في سياق محاضرته أن مفهوم الخالق أو الإله في الإسلام هو المفهوم القادر على الصمود في الزمن الحديث لأنه هو الأكثر تجريدًا ونزوعًا نحو الوحدانية، في مقابل المسيحية التي يمتلئ لاهوتها بالألغاز ومن أبرزها مسألة الثالوث.

الإسلام كبديل

ليس الإسلام بديلاً لنظام ما بعد التصنيع الغربي، بل هو البديل.
 مراد هوفمان

في كتابه «الإسلام كبديل» يحاول هوفمان أن يعالج الالتباس وسوء الفهم التاريخي لدي الغربيين عن الإسلام، جراء التصورات السائدة عنه في أوروبا منذ القرون الوسطى، التي اعتقد خلالها المسيحيون الأوروبيون أن الإسلام هرطقة وبدعة منشقة عن المسيحية، وصولاً لزماننا الحاضر الذي التصقت فيه بالإسلام تهم الإرهاب وانعدام الرحمة.

يناقش هوفمان في كتابه عددًا كبيرًا من القضايا الجدلية التي ثارت في الغرب حول الإسلام والمسلمين، التي تتناول موقف الإسلام من الدولة والعلمانية واقتصاد السوق والفنون والمعرفة والمرأة وحقوق الإنسان وقانون العقوبات والقانون الدولي.

في كل تلك المسائل الشائكة، يخلص هوفمان من خلال قراءته المرجعية الواسعة عن الإسلام وعبر اجتهاده منظوره الخاص، إلى مبادئ وكليات ومفاهيم متبلورة، ليست مفيدة فقط على صعيد الحوار مع الآخر الغربي، ولكن مفيدة حتى في سياق تطور رؤى ومفاهيم الفكر الإسلامي المعاصر بحد ذاته.   

الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود

في كتابه «الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود» يطرح هوفمان العديد من الأسئلة التي يسعى من خلالها لأن يشرح للقارئ الغربي، أن تطور العالم في القرن الحادي والعشرين سيكون متأثرًا إن لم يكن محكومًا بالموقف من الإسلام كدين ممتد على بقعة جغرافية هائلة من العالم، حيث تتوالى العديد من أسئلة هوفمان في هذا السياق: هل سيخضع العالم الإسلامي للتحديث الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؟ أم سيمتثل للنموذج الأمريكي والغربي المعولم بنهاية المطاف؟ وهل سيستمر انتشار الإسلام في الغرب جراء الهجرة والتحول الديني وزيادة عدد المواليد؟

يسأل هوفمان أيضًا أي نتائج ستترتب على إخفاق العالم الإسلامي في تجديد ذاته أخلاقيًا؟ سواء على الصعيد الإسلامي الداخلي أو الصعيد الغربي وعلى المستوى العالمي، أو نجاحه في المقابل في الخروج من أزماته الأخلاقية والبنيوية العميقة التي يعيشها في الوقت الراهن، وهل في تلك الحالة سيتحول الإسلام إلى ضمير ينقذ الغرب من نفسه ويساعد الغرب والعالم على تخطي أزماته الحادة؟

الطريق إلى مكة

تختلط التأملات في عقل هوفمان خلال رحلته إلى الحج، بين الروحي والسياسي والاقتصادي. في هذا السياق يستخدم هوفمان تجربته الشخصية في رحلة سفره إلى مكة المكرمة داخل كتابه، كمدخل لتناول عدد من المسائل الفلسفية والثقافية، المرتبطة بالإسلام والحج والاجتماع الديني، والإسلام في المجتمع الألماني.