مقدمة ابن خلدون: هدية الحضارة العربية إلى العالم
في عام 775هـ قرر السياسي المغاربي النابه عبدالرحمن بن خلدون، اعتزال الدنيا بأسرها واللجوء إلى قلعة حصينة غرب الجزائر، من أجل التفرغ لتحقيق مناه الأكبر، وهو وضع مؤلف في التاريخ ليس كمثله شيء، بعد ما اجتهدت قريحته العبقرية في ابتكار قواعد غير مسبوقة لمُصنف عكف عليه بضع سنين، اجتهد بعدها في تنقيحه وتهذيبه، غير عالمٍ أنه سيغير به وجه الدنيا.
بنو خلدون «نهاية النباهة»
عاش عبدالرحمن بن خلدون خلال النصف الثاني من القرن الثامن للهجرة والرابع عشر للميلاد (732 – 808هـ/1332 – 1406م)، والذي كان عصر انحطاط عربي بامتياز، لذا وصفه الفيلسوف التونسي محجوب بن ميلاد بأنه «كان آخر إيماضة عبقرية أومض بها الفكر السني قبل انطماس أنوار العبقرية»، فمعظم بلاد الأندلس خرجت من حوزة العرب ودخلت في حكم الإسبان، بينما كانت بلاد المغرب تعاني انشقاقات جمة، وتشرذمت إلى 3 مناطق حكمها بنو مرية وبنو عبدالواد وبنو حفص، وكانت كثيرًا ما تنشب المعارك الضارية بينهم تنافسًا على المُلك وتوسعة حدود سُلطان كل واحد منهم.
يحكي الكاتب ساطع الحصري في كتابه «دراسات مقدمة عن ابن خلدون»، أن أسرته حضرمية يرجع نسبها إلى وائل بن حجر، الذي كان من كبار الصحابة وتولى مهمة تعليم القرآن في اليمن، وأن أحد أحفاد وائل، اسمه خالد بن عثمان، رحل إلى الأندلس مع جند اليمن، ونزل أولاً في قرمونة وانتقلوا بعدها إلى إشبيلية، حيث تحول اسمه إلى خلدون، وفقًا لعادات المغاربة وتقاليدهم، ولذلك عُرف بنوه وأحفاده من بعده، بهذا الاسم: بنو خلدون.
كفل الزمن مكانة مرموقة لأحفاد وائل بن حجر، أتاحت لهم لعب أدوارًا هامة في ميداني العلم والسياسة بأواخر القرن الثالث للهجرة، حتى أنهم كانوا من جُملة الثوار الذين خلعوا طاعة الخلفاء الأمويين في الأندلس، وأشهر من خرج من أصلابهم كريب بن خلدون الذي انفرد بحكم إشبيلية عقب خلع الخليفة الأموي، وأبو مسلم عمر بن خلدون واشتهر في علوم الفلسفة والهندسة والنجوم والطب، حتى قال عنهم مؤرخ الأندلس ابن حيان:
ظل بنو خلدون في إشبيلية حتى رحلوا عنها إلى سبتة ومنها إلى تونس حيث توطنوا بها، وهناك أيضًا تمتعوا بمكانة سامية مع ملوك المنطقة، واشتركوا في الكثير من حروبها دون أن يقطعوا صلاتهم بالعلم والأدب، وهو المنهج الذي لم يلتزم به ابن خلدون الذي آثر الانصراف بالكُلية إلى العلم والأدب، وهو ما يقول عنه ابن خلدون: «إنه قرأ وتفقه، وكان مقدمًا في صناعة العربية، وله بصر بالشعر وفنونه».
يحكي الحصري، أنه في ظل هذه الأجواء نشأ ابن خلدون؛ وبدأ يشتبك مع الصدامات المتتالية بين الملوك المغاربة بحُكم وضعية أسرته التي أجبرته على دخول هذا المعترك مبكرًا، وراح يسمع منذ صغره مناقب أجداده ويحضر مجالس والده، فتولدت فيه نزعتان قويتان، هما حب المنصب والجاه من ناحية، وحب الدرس والعلم من ناحية أخرى، وهما الخصلتان اللتان تنازعتا داخل الرجل كثيرًا، إلا أنهما تضافرتا لتمكينه من مهمته الجليلة ووضع مؤلفه الأهم، فتقلُّد المناصب دفعه لخوض غمار الحياة السياسية، أما حب العلم جعله يتأمل صفحات الدنيا نظريًا، لا ليستخرج منها قواعد عملية للحكم أو السياسة، بل ليستقرئ منها مبادئ عامة تساعد على إبداع علم جديد، وهو علم الاجتماع.
انتصر حفيد ابن حجر للعلم في نهاية الأمر وانصرف إلى التفكير والتأليف، فانزوى إلى قلعة ابن سلامة، وشمّر عن ساعديه وعقله وسِن قلمه ليستحضر كافة التجارب التي اكتسبها والملاحظات التي ادخرها، خلال مراحل حياته المعقدة، على مدار 25 عامًا كاملة، عمل فيها وزيرًا واحجبًا وكاتبًا وسفيرًا ومستشارًا ورئيسًا للقبائل، وعمل قاضيًا ومعلمًا وعاش بين المسجونين والمنفيين والمطاردين[1].
في رحاب القلعة
في 42 عامًا من عُمره قرر التمرد على مكائد السياسة وتعقيداتها بالانصراف عنها كلية، والاحتباس داخل قلعة معزولة لمدة 4 أعوام، وهي تجربة حكى عنها بنفسه قائلاً:
أتمَّ ابن خلدون مؤلفه ثم أخضعه لعملية تنقيح استغرقت 5 أشهر آخرها في منتصف عام 779هـ، حتى فرغ بالنهاية من وضع أشهر كتبه التي وصلتنا، حيث ضاعت كثير من كتبه الأخرى التي لم نعرف سوى أسمائها[2]، وهو مرجع عملاق في التاريخ يتكون من 7 مجلدات ضخمة بحسب طبعة بولاق 1868م، منحه اسمًا طويلًا للغاية وهو «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، تألف من مقدمة و3 كتب متتابعة، المقدمة: في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه، والكتاب الأول: في العمران، والثاني: في أخبار العرب وأجيالهم، وعني الثالث بأخبار البربر، أما الكتاب الذي نعرفه الآن بِاسم المقدمة فهو («مقدمة العبر» + الفصل الأول منه فقط).
اعتبر الباحثون «المقدمة» موسوعة ثمينة جدًا؛ لأنها تجمع كمية كبيرة من المعلومات القيمة عن الجغرافيا والتاريخ وأشكال الحضارة وأصناف العلوم وأحوال الصنائع، وأصول التعليم، وعن أهم المؤلفات الأدبية والعلمية، وأبرز الآراء السياسية والدينية والفلسفية، فأدى ذلك إلى اختلاف الدراسات حول معارف صاحبها، لأن عالم الاجتماع يجده اجتماعيًا، والمتخصص في الاقتصاد يجده اقتصاديًا، والمؤرخ يراه عالمًا بتاريخ الأمم[3].
ويوضح الحصري، أنه على الرغم من إجماع المؤرخين على أن ابن خلدون انتهى من كتابه قبل خروجه من القلعة وسفره إلى القاهرة، فإن عبارات مثل «وقفتُ بالمشرق على ملحمة» و«لقد سألت أكمل الدين بن شيخ الحنفية بالديار المصرية» و«وقفت بمصر على تآليف متعددة لرجل من عظماء هراة» التي وردت بين طيات سطوره تؤكد أنه أعاد تنقيح كتابه حين ورد إلى مصر، التي كانت تقبع تحت حكم المماليك مع الحجاز والشام، وكانت أكثر بلاد المنطقة استقرارًا، فظل فيها حتى مات بها.
أخبار الخليقة ظاهرها وباطنها
يحكي الدكتور حسين عاصي في كتابه «ابن خلدون»، أنه بدأ كتابه بشكل كلاسيكي كغيره من المؤرخين الإسلاميين الكبار، بالحديث عن أصل الخلقة وأنساب الأمم المختلفة، مستعينًا بالروايات والأساطير الدينية، واعتمد في ذلك على مصدرين أساسيين؛ الأول التوراة، التي لم يعتقد أن هناك ضررًا من الاعتماد عليها مصدر للمعلومات، لأنه كان يرى أن صفة «التحريف» التي ألحقها بها القرآن، إنما أتت في تأويل الكلمات وليس في استبدال الألفاظ، ورأى أنه يُمكن الاعتماد على مروياته بعد تمحيصها والائتناس للصحيح منها، أما مصدره الثاني، فهو آراء المؤرخ اللاتيني هروشيوش.
غير أن سر تفرد «المقدمة» هو أن واضعها اعتبر فيها لأول مرة أن التاريخ ما هو إلا خبر عن الاجتماع الإنساني، الذي هو عمران العالم وما يحدث فيه من أحوال، فأقام كتابه على منهجية النقد التاريخي، والتي ترى أن المؤرخين من قبله غفلوا عما سماه بطبائع العمران، فاعتبر أن مهام المؤرخ يجب أن تتشعب لتشمل معرفة كل «التظاهرات الاجتماعية» للنشاط الإنساني ووقائعها السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذلك الجماعات المكونة للمجتمعات المسببة للحوادث، وبنيتها النفسية والاقتصادية، ودعا إلى تجاوز ظاهر الأمور والوقوف على باطنها، وذلك عبر رفع كتابة التاريخ من مستوى السرد إلى مستوى التعليل والتفسير.
فجعل للتاريخ ظاهرًا وباطنًا، الظاهر هو الذي يتساوى في فهمه العلماء والجهال ولا يزيد على أخبار الأيام والدول، أما الباطن ففيه نظر وتحقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها العميقة، هذا «الباطن» هو اكتشاف ابن خلدون وعلمه الجديد الذي أهداه للعالم، والذي تحوّل بموجبه «موضوع التاريخ» إلى أمرٍ مهم شأنه شأن «التاريخ» ذاته، بل يفوقه أهمية.
وأول من وعى لمدى تميز هذا الطرح المبتكر هو ابن خلدون ذاته، فكتب في إطار شرحه إياه «وكأنه علم مستنبط النشأة، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد في الخليقة»، وهو العلم الجديد الذي سماه «العمران».
يحكي ابن خلدون أن الدافع الأول له لوضع هذا العلم هو وضع منهجية لتخليص البحوث التاريخية من الأخبار الكاذبة، وإنشاء أداة تُمكن المؤرخين من تمحيص الأخبار والحوادث، ويؤكد «حينئذ إذا سمعنا عن شيء من الأحوال الواقعة في العمران، علمنا ما نحكم بقبوله مما نحكم بتزييفه، وكان ذلك لنا معيارًا صحيحًا يتحرى به المؤرخون طريق الصدق والصواب فيما ينقلونه، وهذا غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا».
وعن هذا التفكير السبّاق لعصره بعشرات المراحل، أكد عبدالقادر المهيري في كتابه «أعلام وآثار من التراث اللغوي»، في معرض حديثه عن الكتاب، أن ابن خلدون انتقل بالمؤرخ «من منزلة المكتفي برواية الأخبار والأحداث إلى مرتبة المفكر الذي ينفذ إلى ما هو حاسم في سير الأمور وتطورها».
وهو ما يوضحه مجيد محمود مطلب في بحثه «تفسير التاريخ في مقدمة ابن خلدون»، أن فلسفته في كتابة التاريخ كانت قائمة على نقد كافة محاولات الكتابة التاريخية التي سبقته لأنها حوت «كثيرًا من المغالط والحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل، غثًا أو سمينًا لم يعرضوها على أصولها.. فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم»، فمؤرخ حُجة وشهير كالطبري افتتح كتابه «تاريخ الرسل» بقوله:
ولم يفطن المؤرخون قبل ابن خلدون إلى أن أي حدث لا يمكن اشتقاقه عن واقعه الاجتماعي والاقتصادي بشكل قسري، ويحتاج فهمه اللاحق الدقيق إلى شبكة معقدة من أسباب اجتماعية وتاريخية لجذور وأجواء نشأته، لذا عندما قرر البدء في تدوين ميراث الأسلاف اعتمد منهجًا فكريًا لم يشهد مثله التاريخ الإنساني وقتها، فرفض المنهجية السلفية في سرد الأحداث، التي خلقت ركامًا من السرد التاريخي للوقائع دون النظر إلى كيفية وقوعها، وهو ما أنكره عليهم في حكي هذا النوع من «التاريخ في شكله الظاهري»، والذي أكد أنه «لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول».
جعل ابن خلدون الاعتماد على سلامة السند منهجًا ثانويًا قدّم عليه التمحيص والتدقيق وفقًا لمعرفة أصول السياسة والمجتمع وقت الحادثة المعنية بالذِكر[4]، فطرح بذلك مفهوم التاريخ في شكله «الباطن»، أي في حركته الداخلية التي عنده «تحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع»، كما آمن بدور قانون «السببية» في تحريك التاريخ، فمنح التفاعل بين مكونات المجتمع دورًا رئيسًا في صنع أحداثها، ولم ينظر لها كأنه امتداد آلي للطبيعة كما اعتقدوا سابقًا.
وبهذا لم يعد التاريخ من بعده مجرد إطار لحوادث مفككة تظهر لتختفي بصورة عشوائية بلا سبب منطقي، وإنما امتلك على يديه ترابطًا واشتباكًا مع الزمان والمكان، وأصبحت الوقائع التاريخية جميعها مرتبطة ببعضها ارتباطًا عضويًا واحدًا.
وتؤكد فيروز عثمان الباحثة في قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب جامعة الخرطوم بأطروحتها «منهجية ابن خلدون وإسهاماته الفكرية»، أن الرغبة الأولى لابن إشبيلية هي وضع كتاب لتاريخ البربر فقط، وهو ما أشار إليه الرجل بنفسه في القصيدة التي نظمها بمناسبة تقديم النسخة الأولى من كتاب «العبر» إلى السلطان الحفصي أبي العباس سلطان تونس عام 782هـ، إلا أنه قرر لاحقًا، لسبب مجهول، مَطّ حلمه الموسوعي قليلاً ليشمل عنصريْ عالمه البارزين، العرب والبربر، فارتحل إلى الشرق حيث قرأ كتب مؤرخيها الأجلاَّء وزاد منها إلى مرجعه «ما نقص من أخبار ملوك العجم بتلك الديار، ودول الترك فيما ملكوه من الأقطار، وابعت بها ما كتبته في تلك الأسفار، وأدرجتها في ذكر المعاصرين لتلك الأجيال من أمم النواحي وملك الأمصاروالضواحي.. فاستوعب أخبار الخليقة استيعابا»[5].
وبعد ذلك نقّح في مؤلفه قليلاً وأضاف له فصولاً لم تكن به من قبل، وأعد نسختين من «العبر» بشكله الجديد، أهدى واحدة إلى الظاهر برقوق سلطان مصر، والأخرى إلى السلطان فاس بن عبدالعزيز سلطان المغرب الأقصى عام 799هـ، وعُرفت بالنسخة الفارسية، وهي التي نقلت عنها معظم النسخ المخطوطة في مكتبات أوروبا.
وبالرغم من أن ما سرده من تاريخ البربر لا يدخل ضمن «مقدمته» الشهيرة التي نتناقلها اليوم، فإن سجله عنهم من أنفس ما كتب ابن خلدون، ومنحنا فيه معلومات لا تُقدر بثمن عن تلك الفترة شبه المجهولة، التي لم يسبقه أي مؤرخ بالكتابة عنها، ويتضح ذلك بالخصوص في حديثه عن دول الإسلام في صقلية، وعن تاريخ الطوائف بالأندلس، والممالك النصرانية في إسبانيا، وتاريخ دولة بني الأحمر في غرناطة، لذا عني به الغرب مبكرًا وتُرجم إلى الفرنسية عامي 1852 و1856، ثم أعيد طبع هذه الترجمة في باريس عام 1927 و1952م، وعنه قال عالم الاجتماع الفرنسي غاستان بوتول في كتابه «ابن خلدون.. فلسفته الاجتماعية»:
وهو وإن اعتمد في وضْع تاريخ البربر على مشاهداته الخاصة عبر حياته الطويلة وسطهم، فإنه في القسم الخاص بتاريخ العرب والإسلام (من المجلد الثاني حتى الخامس)، نقل من تراث أسلافه المؤرخين مثل: ابن هشام والواقدي والطبري والمسعودي وابن الأثير وغيرهم، وامتاز عنهم بأنه حاول تطبيق منهجٍ مبتكر في الكتابة التاريخية شرحه في المقدمة، فهو لم يكتفِ بالنقل عن سابقيه بل قام بالتمحيص والتفسير والتعليل، في إطار قواعد العمران والاجتماع البشري، التي اصطكها لأول مرة للباحثين من بعده، وجعل فيها العوامل الاجتماعية والاقتصادية ذات تأثير فعال في دفع عجلة الأمم.
كما اعتمد الرجل طريقة مختلفة أيضًا في ترتيب الأحداث داخل كتابه، فقبل العبر كانت المؤلفات التاريخية غالبًا ما توضع في صورة جداول زمنية حسب السنوات، تُجمع حوادث كل سنة في فصل واحد بغض النظر عن اختلاف الدول والمواقع، أما ابن خلدون فقد تتبع في تاريخ كل دولة على حدة من بدايتها إلى نهايتها، وهي طريقة وإن كان قد سبقه إليها بعض المؤرخين كابن عبدالحكم في «فتوح مصر» والمسعودي في «مروج الذهب» إلا أنه تميز عنهم ببراعة التنظيم والربط بين الأحداث والدقة في ترتيب الموضوعات.
صناعة عربية شهرة غربية
تعددت الأسباب التي حاول بها المؤرخون تفسير أسباب عدم العناية بمؤلفاته في عصره لدرجة وفاته ودفنه بمقبرة مجهولة بالقاهرة، البعض اعتبر أن نزعة العداء للعرب التي تشي بها بعض سطور المقدمة كانت سببًا في نفورهم منه وعدم احتفائهم بعمله العبقري، إلا أن الغالب أن صاحب المقدمة وُلد في زمن لا يستحقه وغير مستعد لاستقبال من هو على شاكلته، في ظل حالة التدني الثقافي الإسلامي التي سيطرت على كافة البلدان، فكان ما كتبه كالبذور التي تُنثر في أرض قاحلة، فلم يفهم أحد مدى تقدم أفكاره، ولم يجد عمل ابن خلدون تلاميذ وشراحًا، فلم يتوقف أحد على آرائه ولم يُتح لمؤلفاته الظهور في عصره، ولم يشتهر حتى وسط الأجيال التي جاءت بعده إلا بعد مرور 5 قرون على كتابتها، وإنما أُعيد اكتشافه حديثًا، وجاء اكتشاف الغرب له سابقًا على العرب.