مجاهدو خلق: عنوان الصدام بين إيران وألبانيا
أتى قرار ألبانيا بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وطرد طاقم البعثة الدبلوماسية التابعة لها، ليعيد تسليط الأضواء على الخلافات المشتعلة بين الدولتين الإسلاميتين اللتين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات، وكذلك عوامل التمايز الثقافي واللغوي والمذهبي، ولم يكن بينهما تقريباً أي مصالح مباشرة أو خلافات تذكر، إلا أن الأمور تطورت بشكل أدخل الدولتين في مواجهة من نوع يتخطى حدود الجغرافيا.
فقد أقدمت تيرانا على إجراءاتها الأخيرة بعد اتهامها سفارة طهران بالتورط في شن هجوم سيبراني واسع النطاق استهدف شلّ الخدمات الحكومية الألبانية، وتدمير والاستيلاء على البيانات الحكومية، ومحاولة نشر الفوضى، وفقاً لما أعلنه رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما، بعد تحقيقات -شارك فيها محققون أمريكيون- أفضت إلى التوصل إلى أدلة واضحة تؤكد وقوف إيران خلف الهجوم الذي أصاب بلاده في منتصف يوليو/تموز الماضي، كما تكررت الهجمات الإلكترونية الإيرانية بشكل مثّل تهديداً كبيراً للأمن القومي الألباني، على الرغم من نفي السلطات الإيرانية تورطها في أي من تلك العمليات.
وقال تقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ووكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية CISA، إن المهاجمين الإيرانيين تمكنوا من الوصول إلى الأنظمة الألبانية منذ نحو 14 شهراً، قبل وقت طويل من بدء الهجمات الفعلية.
وبعد إلقاء اللوم على إيران في الهجوم السيبراني في يوليو/تموز، وقعت هجمات جديدة استهدفت نظام إدارة معلومات المسافرين، وقد أدى ذلك إلى ظهور طوابير في النقاط الحدودية، حيث تم تسجيل بيانات المواطنين والمركبات التي تدخل البلاد وتغادرها يدوياً، واستمرت الهجمات السيبرانية التي جاءت أحدثها في 19 سبتمبر/ أيلول، عندما تم نشر رسائل بريد إلكتروني خاصة بقيادة شرطية ألبانية سابقة.
معسكر «أشرف 3»
رغم فشل الهجوم السيبراني الإيراني في تحقيق أهدافه، وإعلان حكومة ألبانيا استعادة العمل بشكل طبيعي في جميع القطاعات الحكومية المستهدفة واسترجاع البيانات مرة أخرى، فإن الألبان قرروا رفع سقف المواجهة في ظل معرفتهم بأن خصومهم لن يهدأوا ولن يكون الهجوم السيبراني المحاولة الأخيرة لاستهدافهم طالما بقي السبب قائماً وهو استضافتهم لمعسكر أشرف 3 على أراضيهم.
ويتبع هذا المعسكر جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، وأتى الهجوم السيبراني قبيل موعد افتتاح مؤتمر تشارك فيه الجماعة بمقاطعة دوريس شمال غربي البلاد، لكنه لم يُقم في موعده بسبب صدور تحذيرات من تهديد إرهابي وشيك على صلة بهذا الحدث.
وتضم المقاطعة معسكراً يضم نحو ثلاثة آلاف من أعضاء الجماعة ممن سُمح لهم بالإقامة هناك منذ بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية، بدايةً من عام 2013.
وتمثل الجماعة ألد أعداء النظام الإيراني، وكثيراً ما تُذكر المنظمة على ألسنة مسئوليه ووسائل الإعلام الحكومية كجهة مسئولة عن إشعال الاحتجاجات الشعبية في الداخل الإيراني، مما يعزز من الايحاء بمدى قوة وتأثير المنظمة على المواطنين، ولذلك تركز الأدوات الإعلامية التابعة لمجاهدي خلق على إبراز هذه الدعاية المجانية.
وتمتلك المنظمة موارد مالية كبيرة وتتمتع بعلاقات قوية بالحزب الجمهوري الأمريكي ووسائل الإعلام المقربة منه، وبعض قادة الحزب الديمقراطي، ولها صلات وثيقة بالدوائر الغربية، ويتهمها النظام الإيراني بالتورط في عمليات إرهابية ضده.
وتمتلك المنظمة خلايا سرية تتبع لها في إيران تشارك في التظاهرات وأعمال المعارضة، وخلال الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي يشهدها الداخل الإيراني على خلفية قتل الشرطة للشابة الكردية، مهسا أميني، وجهت المنظمة دعواتها للطلبة الإيرانيين مع بداية العام الدراسي الجديد إلى مواصلة تمردهم من أجل الإطاحة بالنظام، ولا تتوقف مجاهدو خلق عن إطلاق مثل هذه الدعوات بشكل مستمر.
مسيرة «مجاهدي خلق»
تأسست مجاهدو خلق في الستينات، وهي منظمة توصف بأنها إسلامية يسارية، شاركت في أعمال المعارضة المسلحة ضد نظام حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وقامت بدور فاعل في أحداث الثورة ضده في نهاية السبعينيات، وأيدت روح الله الخميني الذي قاد الثورة وتولى الحكم عام 1979، وبعد فترة قصيرة من نجاح الثورة اشتعلت الخلافات الحادة مع حكومة الخميني التي أجهزت على المنظمة وأعلنتها جماعة إرهابية محظورة، فهرب قادتها وواصلوا نشاطهم المعارض من الخارج.
واستطاع الرئيس العراقي، صدام حسين، استقطابهم، واستضافهم في بلاده في معسكر أشرف بمحافظة ديالى عام 1986، ومن هناك قامت المنظمة بعمليات مسلحة ضد نظام الخميني في ذروة الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988).
وصنفت الولايات المتحدة مجاهدي خلق كمنظمة إرهابية عام 1997 في فترة تقاربها مع طهران، واتخذ الاتحاد الأوروبي ذات الخطوة عام 2002، وبعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، أبقت قوات الاحتلال على معسكر أشرف بيد مجاهدي خلق وجردته من السلاح.
لكن في عام 2010 بدأت محنة المنظمة بعد تولي الحكومة العراقية هذه المهمة حيث مارست أقصى الضغوط على قاطني المعسكر لتصفيته، وتم استهدافه بهجمات عسكرية أسفرت عن سقوط العديد من القتلى والجرحى، وفي عام 2012 رفعت واشنطن المنظمة من لوائح الإرهاب وتبعها الأوروبيون.
وفي عام 2013 اتهمت مجاهدو خلق القوات الحكومية العراقية بشن هجمات على المعسكر أدت إلى مصرع العشرات من عناصر المنظمة، شملت قصفه بقذائف الهاون واقتحامه باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، فيما نفت بغداد هذه الاتهامات، وفي نفس العام أعلنت مصادر حكومية عراقية أن آخر مجموعة من أعضاء المنظمة غادرت مخيم أشرف، عقب محادثات مكثفة بين الجماعة و ممثل الأمم المتحدة ومسؤولين أمريكيين حول ترتيبات وضمانات العملية.
وأغلقت السلطات المخيم بعد 27 عاماً من تأسيسه، وتم نقل سكانه إلى مخيم ليبرتي قرب مطار بغداد في حراسة القوات الأمريكية، وأعلن عدد من أبناء الجالية الإيرانية المعارضين في عدد من العواصم الغربية تنظيم إضراب عن الطعام من أجل توفير حماية لأعضاء المنظمة.
وفي عام 2016 تم نقل 3 آلاف عضو من العراق من سکان معسکر أشرف إلى معسکر أشرف 3 في ألبانيا، ومن هنا أصبحت المصالح الألبانية هدفاً مشروعاً للنظام الإيراني، وقالت ألبانيا في وقت سابق إنها أحبطت عدداً من الهجمات المخطط لها من قبل عملاء إيرانيين ضد الجماعة المعارضة.
وقد انتهزت إسرائيل فرصة الأزمة بين إيران وألبانيا فعرضت على الأخيرة مساعدتها الدفاع السيبراني رداً على الهجوم السيبراني الذي تعرضت له، والتقى وزيراً خارجية الطرفين واتفقا على تعزيز التعاون بينهما، وفرضت واشنطن عقوبات على وزارة المخابرات والأمن القومي الإيرانية على خلفية الهجمات السيبرانية على تيرانا.