قبل ثلاثة أعوام من الآن كان الجميع يتحدث عن ظل ميسي. قرر نيمار أن يرحل عن برشلونة صوب باريس هربًا من ظل ميسي الذي كان ينتزع بقعة الضوء أينما ذهب تاركًا ظله ليغطي نيمار وغيره.

يمتد ظل ميسي المفترض هذا ليغطي مدينة برشلونة بأكملها، بل أنه وبعد أن يرحل ليونيل عن المدينة من المتوقع ألا يتحرك ظله لعدد لا بأس به من السنوات. لا ذنب لميسي في كل ذلك لكنه قدر الأساطير.

حدث ذلك في مصر أيضًا قبل ثلاثين عامًا، عندما قرر أسطورة مصر محمود الخطيب أن يعتزل، فقرر تسليم الراية إلى الناشئ وليد صلاح الدين.

كانت تلك الصورة تتصدر الصحف لسنوات بعد اعتزال الخطيب، حيث يظهر بيبو مرهقًا في نهاية مباراة اعتزاله وواضعًا يديه على كتف أحد الناشئين ذو الستة عشر عاما، أسمر اللون قصير القامة، ذو شارب خفيف ربما تركه ليوحي للبعض أنه أكبر سنًا.

ينظر الصغير في تحد وطموح واضح، ولما لا وقد اختاره الخطيب ليلعب مكانه في مباراة اعتزاله، وأعطى له قميصه وصرح أن هذا هو خليفته دون شك. ظلت تلك الصورة تظهر في الصحف في إشارات لاقتراب خليفة الخطيب الجديد من الظهور.

البقية يعرفها الجميع، لعب وليد صلاح واعتزل كرة القدم دون تواجد مؤثر في تاريخ الأهلي. ربما ظلم الرجل جراء اقتران اسمه باسم بيبو مثلما ظلم أورتيجا وريكيلمي وبابلو أيمار بسبب اسم مارادونا الذي ظل يلاحقهم كخلفاء غير شرعيين للأسطورة الأهم في كرة القدم.

بعد العديد من السنوات ظهر في الأهلي الرجل الوحيد الذي استحق أن يوضع اسمه جوار الخطيب في جملة واحدة، وهو محمد أبو تريكة بالطبع، ثم وبعد سنوات أخرى قررت جماهير الأهلي أن تضع اسم جديد جوار تريكة ذاته؛ وهو محمد مجدي أفشة.

فهل يستحق أفشة أن يصنف كامتداد لأبو تريكة، أم أنه وليد صلاح جديد صنعته الجماهير دون وعي؟ دعنا نحاول أن نحلل المشهد.

«معملش حاجة تستحق الذكر»

يبدو أول ما يربط أفشه بتريكة بشكل واضح هي النشأة. ولد أبو تريكة في قرية ناهيا بضواحي الجيزة، وعرف عنه تمسكه بأصوله ومحبته لقريته ومحبة أهل قريته له. وبشكل شديد التشابه ولد أفشه بقرية كمبرة الملاصقة لناهيا، ولازال الرجل يقطن هناك مؤكدًا أنه لن يبرح بلدته مهما امتلك من مال. تبدو تلك الملاحظة شديدة السطحية لكن ببعض التحليل يبد الأمر مغايرًا.

كان أبو تريكة هو أول من تحدث بفخر حول نشأته البسيطة في الوسط الرياضي عندما قص رفقة الصحفي حسن المستكاوي قصة عمله في مصنع الطوب بجوار والده، متدرجًا في الوظائف -على حد قوله- بداية من كنس أرض المصنع وصولًا لحمل الطوب فوق ظهره. ثم أصبحت تلك اللغة سائدة بين الجميع.

قص الجميع داخل كرة القدم وخارجها قصص معاناتهم بشكل حقيقي أحيانًا، وبشكل مبتذل أحيانًا أخرى. أفشة نفسه حكى كيف أنه اكتسب لقبه إزاء مساعدة والدته في العمل في ذبح الفراخ، وكيف أنه قرر ألا يذهب لنادي إنبي الذي التقطه صغيرًا؛ لأنه لا يملك المال الكافي للذهاب لولا تدخل مدرب الناشئين الشهير فتحي عماشة، والذي قرر أن يقله بسيارته الخاصة ذهابًا إيابًا. لكن هل يكفي ذلك؟ لا.

تأثر الناس في البداية بتلك القصص ثم مع الوقت أصبح مصيرها المنطقي هو السخرية نظرًا للمبالغة أو إظهار العادي وكأنه استثنائي أو كما يقول أحدهم تهكمًا: «ولما كنت بتعب كنت بنام في علبة التونة».

يبدو خط النشأة البسيطة والأصالة الذي يستخدمه البعض لربط تريكة وأفشة لا يرتقي للأهمية، لكن المهم هنا هو طريقة تكوين أسطورة تريكة كأسطورة البسطاء، أو الرجل الذي كان يشبه الجميع لكنه نجح.

مثلما كتب الشاعر مصطفى إبراهيم: «معملش حاجة تستحق الذكر غير أنه واقف لسه على رجله». كان تريكة ملهمًا لهؤلاء البسطاء. وهكذا أحب الناس في ناهيا والقرى المجاورة الأهلي، وأبو تريكة بشكل عنيف وتمنى الجميع أن يخرج تريكة جديد من أهل بيته، وهكذا كان والد أفشة تحديدًا.

في كل المقابلات التي أجراها أفشة دون استثناء يظهر والده مؤكدًا أنه يتمنى أن يلعب ابنه للنادي الأهلي. بل إنه بقليل من التدقيق يمكنك ملاحظة صورة وضعها الرجل لابنه أثناء لعبه ضد الأهلي، بقميص ناديه الأول إنبي.

ظهرت تلك الصورة أثناء تقرير مصور من داخل بيت أفشة وهو لاعب لنادي بيراميدز؛ بسبب خضوعه لعملية الفِتاق. من المؤكد أنك علمت وحدك أن تلك الفقرة كانت جزءًا من برنامج لكابتن مدحت شلبي. ومن غيره يرسل كاميرا للاعب أجرى عملية فتاق؟

لم يحاول الرجل إزالة صورة ابنه بجوار لاعبي الأهلي حتى وهو بقميص بيراميدز لأنه ببساطة يعرف أن غاية أمل الأسرة هو أن يلعب أفشة داخل النادي الأهلي.

هذا النادي هو الطريق الوحيد الممهد لصناعة أسطورة جديدة من رجل بسيط. مثل من؟ نعم، مثل محمد أبو تريكة.

التمسك للأهلي واللعب للزمالك

قبل عامين وقع مجدي أفشة رغبة انتقال لنادي الزمالك. هكذا بوضوح لم يمتلك الرجل أدني مشكلة للعب لنادي الزمالك؛ لأنه يري في ذلك فرصة واضحة للتحسن. ثم بعد ستة أشهر قرر الموافقة على الانتقال لنادي بيراميدز نسخة آل الشيخ دون أن يضع في حسابه انتقال ممكن للأهلي في ظل الظروف آنذاك.

رغم أن الرجل لم يخير بين الأهلي ونادي آخر، إلا أنه من الواضح أننا بصدد نموذج واضح للاعب هذا العصر. قد يكون انتماؤك للأهلي أو للزمالك، لكنك لن تنتظر هذا النادي لسنوات من أجل أن تلعب بقميصه.

ما فعله وليد سليمان لن يفعله أحد الآن، وما كان عليه تريكة ووائل جمعة أصبح من الماضي. لكن يبدو التمسك بالأهلي الآن هو أن تقبل بملايين أقل قليلًا، وهو ما فعله أفشة أثناء لعبه لبييراميدز ومواجهة ضغوطات بيراميدز لإفشال هذا الانتقال طالما أنه ضمن رغبة الأهلي في تواجده داخل الفريق.

حسنًا نحن الآن نملك أفشة لاعب الأهلي البسيط مثل تريكة لكنه ينتمي لهذا العصر، عكس والده الذي يؤكد دومًا أنه يريد ابنه في الأهلي حتى بدون أموال.

لماذا إذًا زاد الحديث عن أفشة كونه تريكة الجديد؟ الإجابة كما خمنتها بالفعل، هدف النهائي الإفريقي.

الدخول في ظل أبو تريكة

كان هدف النهائي الأفريقي هو العامل الفارق في ارتباط الرجل بتريكة دون شك، خاصة أن هدف أفشة في نهائي دوري أبطال إفريقيا ضد الزمالك هو أهم هدف أحرزه الأهلي تاريخيًا، لكن في المقابل قررت جماهير الأهلي أن تؤمن في داخلها أن جيل تريكة على وشك العودة.

يتحدث المحللين عن موسيماني كونه جوزيه الجديد دون سبب مفهوم. ثم يتحدث اللاعبين أنفسهم بعد الفوز ببطولة أفريقيا عن عودة سيطرة الأهلي على البطولات دون شك. وهكذا صدقت الجماهير وقررت أن هذا الجيل سيعيد تلك الأمجاد ولأن تريكة كان نجم هذا الجيل فلما لايكون أفشة تريكة جديد.

إذا كان نيمار قرر الخروج من ظل ميسي في برشلونة فهذا الجيل في الأهلي بأكمله يريد الدخول في ظل أبو تريكة وجيله. لا أحد يعلم كيف سيتطور أفشة صغير السن بالمناسبة وهل يستطيع جيل الأهلي الحالي السيطرة على إفريقيا رفقة موسيماني أم لا. لكن الجميع يتحلى بالأمل والرغبة.

ولأن أبو تريكة نفسه خارج الساحة تمامًا بكل ما يمتلك من كاريزما، فربما شعر الجميع أنهم بحاجة لصناعة تريكة جديد وكان هدف أفشه ظرفًا مثاليًا لكل ذلك.

هل يستطيع أفشه أن يصبح تريكة جديد؟ لا أحد يعلم ولكن ما يبدو واضحًا أن ظل تريكة يمتد من الدوحة ليصل إلى القاهرة حتى الآن.