مسلسل «Ms. Marvel»: كيف ظهرت أول بطلة خارقة مسلمة؟
عرضت منصة ديزني بلس آخر إصدارات أستوديو مارفل من المسلسلات التلفزيونية القصيرة «مس مارفل» (Ms. Marvel) لتقابل بفتور وعدم اهتمام من الجمهور المخلص للأستوديو وكذلك من الوافدين الجدد، في الوقت نفسه جنى العمل آراء نقدية إيجابية أشادت بأداءات الممثلين وذكاء التمثيل الثقافي وصدقه.
سوقت مارفل للعمل وبطلته باعتبارها أول بطلة خارقة مسلمة وهو ما قوبل بآراء متضاربة، فالدين ليس سمة عرقية أو ثابتة، لكن بمشاهدة العمل يظهر تأثير الهوية الثقافية المزدوجة وكيف تخلق الدراما.
يتناول «مس مارفل» حياة أسرة باكستانية- أمريكية، ويتناول العبء الذي تحمله الأجيال المتلاحقة التي عايشت انفصال باكستان عن الهند ومحاولات الهجرة الجماعية للهروب من التفريق الديني والعنصري وبدء حياة جديدة، وفي وسط كل هذا تكتسب كمالة بطلة العمل قدرات خارقة تجعل من الملسلسل مزيجاً من الدراما العائلية والأنماط المتبعة في أفلام الأبطال الخارقين، ويقدم إشارات كالعادة لأعمال مقبلة، فهل نجح مس مارفل في إيصال نواياه في ظل فتور التلقي؟
إرهاق مارفل
بعد عدة أعوام من النجاحات الضخمة المتوالية أصاب عالم مارفل السينمائي والتلفزيوني حالة من التراخي، بعد وصوله للذروة عام 2019 لم تختبر الشركة نجاحات ضخمة مستقرة إلا في أحداث محددة متفرقة مثل صدور فيلم سبايدر مان لا طريق للمنزل الذي يصور أجيالاً متعددة من البطل أعادت المعجبين إلى السينما بعد عام من التخوف من الأوبئة والأماكن المفتوحة، ثم تلاه فيلمان سينمائيان لم يحققا المرجو منهما، بينما يحقق التلفزيون نجاحات مقبولة بأعمال مثل فارس القمر، لكن الوضع العام يمثل ما يصفه النقاد الحاليون للسلسلة والأبطال المحبوبين (بإرهاق مارفل) ، وهو ما حدث بعد أعوام من التشبع الكامل بذلك العالم وأبطاله، وبعد تشبع دور العرض بأفلام شركة واحدة تأخذ اتجاهاً تسويقياً ونوعياً واحداً من دون ترك مساحة لأي محتوى بصري وترفيهي آخر.
فقد جمهور السلسلة المخلصون حماسهم، وفقدت السلسلة الإثارة بعد وصولها إلى ذروة أحداثها التي جعلت الناس ينتظرون عملاً بعد آخر، كما قلت جودة الأعمال بشكل عام، صدرت بعض الأعمال التي لم يتم التركيز على التسويق لها من الأساس وبينها مس مارفل، أتى مس مارفل في ذروة إرهاق العالم من الأبطال الخارقين ببطلة جديدة لا يعلم عنها إلا من يقرأون القصص المصورة الأصلية، كما نبذ العمل كثيرين من المرهقين من التمثيلات الثقافية المتعددة الذين يفضلون مشاهدة ما يعلمونه، أي بطل أبيض قومي أمريكي يحطم الأشرار، نبذ العمل قبل أن يعرض لأنه صنف باعتباره مهتماً أكثر من اللازم بالصوابية السياسية، لكن تلك الأسباب تحديداً هي ما جعلت مس مارفل مسلسلاً صغيراً حميماً يستحق المشاهدة، هو ليس تحفة فنية أو من أفضل أعمال السلسلة لكنه يعلم جيداً كيف يمثل ثقافات أبطاله، وكيف يصيغ مزيجاً من دراما الاختلافات الثقافية وقصص النضوج.
أول بطلة مسلمة
تولى الإشراف على المسلسل المخرج والكوميديان الباكستاني «بيشا ك. علي»، أسس لحلقات العمل الأولى ببناء عالم مدرسي مرح، بمونتاج سريع وكتابات ملونة تستغل جماليات اللغة الأردية وأجواء القصص المصورة التي أعطت المسلسل خفة فتية.
نتعرف على كمالة (إيمان فيلاني) وأسرتها المسلمة المحافظة ذات الهوية المزدوجة باكستانية/أمريكية، ومع مرور الحلقات يدخل المسلسل في إطار مكرر ونمطي لكنه ملائم لخفة العمل مثل تمرد المراهقة على أهلها في الأمور الصغيرة حتى تأخذ الأحداث منحى أكثر جدية، كمالة فتاة في السادسة عشرة مهووسة بالأبطال الخارقين بخاصة كابتن مارفل، وتعيش في عالم حيث هؤلاء الأبطال حقيقة مثبتة فهم من أنقذوا العالم وقت هجوم ثانوس الشهير، فليس من الغرابة امتلاك قدرات خارقة.
في الحلقة الأولى يكشف العمل عن قدرة كمالة الخارقة المتمثلة في أسورة مزخرفة منتمية لجدتها لأمها، تتحول حياتها المدرسية المعقدة بسبب هويتها إلى حياة أكثر تعقيداً تجعل غرابتها عن عالمها مزدوجة أو ربما أكثر.
تبحث كمالة عن هويتها كمهاجرة في بلد لا يرحب بالاختلاف عكس ما يدعي وكفتاة ذات قدرات مختلفة، تسعى للتحرر من سطوة أهلها الذين لا يصورهم العمل كمتوحشين بأي شكل، ولكنهم فقط أبوان ضاغطان يملكان قواعد وحظر تجوال بعد ساعة معينة في الليل، لدى كمالة صديقة تشاركها الدين والعرق تدعى ناكيا التي تؤدي دورها ياسمين فليتشر بخفة ظل وذكاء، وصديق أمريكي أبيض متقبل لاختلافات عائلتها كونه يتيماً من دون عائلة، يستخدم المسلسل تلك الصداقة الثلاثية ليرسخ لعالمه الطبيعي في المدرسة، لكن حين يقدم شق القدرات الخارق يصبح أقل تركيزاً.
القدرات التي تكتسبها كمالة غير محددة بشكل واضح، تدور أحاديث حول كونها من (الجن) أو أن هناك عائلات من الجن تسعى للسيطرة على العالم، يظل هذا كله غير مطور بشكل كاف وغير واضح أو مؤثر، كما أن ربط كمالة كبطلة مسلمة بالفلكلور المتعلق بالجن والأرواح يراه البعض مؤذياً ومرسخاً للصور النمطية عن المسلمين والشرقيين الذين يربطهم الغرب بما هو سحري ومخيف، ترى مريم أحمد في مقالها في موقع «nerdist» أن إضافة تلك التفصيلة الزائدة على القصص المصورة لم يضف شيئاً لرحلة كمالة في استكشاف الذات بل عزز الأفكار الاستشراقية التي يحاول باقي العمل دحضها.
يتناول العمل سماته الرئيسية التي نفرت بعض المحافظين الأمريكيين منه، مثل الهوية الثقافية الإسلامية والنسوية بشكل سلس ورقيق، يتمثل ذلك بشكل رئيسي في شخصية ناكيا التي تسعى لكسب أصوات الرجال المسئولين عن مسجد المنطقة التي تسكنها، يتلافى كذلك عيوب الشخصيات النسائية المكتوبة بكسل التي ولسخرية القدر تركزت بشكل كبير في شخصية كابتن مارفل التي تراها كمالة مثلها الأعلى، فكل من كمالة وناكيا شخصيتان نسائيتان قويتان، ليس فقط بسبب قدرات أودعت في جسديهما ولكن لأنهما يملكان أرواحاً خفيفة ومحاربة تسعى للتغيير ولا تقبل بالمساومة.
القوة الخارقة كتعبير عن الاغتراب
يستخدم مس مارفل مفهوم (الخارق) للتعبير عن الاغتراب، عن شعور الفرد بكونه (غير طبيعي) بمعايير معينة، ويأخذ وقته في استكشاف تلك التيمات وربطها بالواقع والتاريخ والسياسة، ينجح في ذلك حيناً ويفشل حيناً، فهو يتبنى نظرة واضحة تجاه الإمبريالية البريطانية ودورها في فصل باكستان عن الهند وفي تفتيت مجتمع عاش في انسجام في فترة ما، لكنه يتعامل بشكل أكثر خفوتاً مع ما هو أمريكي، فبعد كل شيء مارفل بطبيعتها عالم محافظ يعلي من السياسات العسكرية والبوليسية الامريكية ونادراً ما يتمرد عليها.
نرى اعتداءات عدة على المساجد في جيرسي سيتي حيث تسكن عائلة كمالة، لا يبالي أعضاء الشرطة بحرمة دور العبادة، أو حقوق المترددين عليها، لكن في الوقت نفسه يصور العمل تلك الاعتداءات وانعدام الاحترام والخوف من الآخر كأخطاء فردية وليست مؤسسية، فيعاقب الأفراد المعتدون الذين لا يملكون غضاضة في قتل أطفال في المدرسة الثانوية بواسطة النظام نفسه المتسبب في استباحة الاعتداء.
في ظل عدم الاهتمام العالمي بمس مارفل بسبب عدم وجود نجوم ذوي أسماء معروفة أو شخصيات مألوفة للجمهور بشكل مسبق أصبح محور الحديث عن العمل هو إلقاؤه إشارات لما هو قادم من أعمال بعده، وليحدث ذلك قرر صناعه تغيير بعض التفاصيل المتعلقة بكمالة من القصص المصورة الأصلية مما أثار غضب القراء القدامى لكن أثار إعجاب آخرين يرون أن ذلك التغيير أكثر منطقية، ربما سيتم نسيان مس مارفل لأنه لا يملك الثقل والضخامة المعتادة لأعمال الأبطال الخارقين، لكنه يقدم نسخة أكثر أرضية وهدوءاً ويأخذ وقته في استكشاف الروابط العائلية والصراعات الشخصية من دون أن يعطلها كل عدة دقائق بمشهد حركة ضخم، ربما أتى ذلك على حساب تطوير الشخصية كبطلة خارقة لكنه تغيير مرحب به، في عالم أصبح مرهَقاً ومرهِقاً.