هبوط مستوى مورينيو: الخوف من مصير والده هو السبب
الخامس والعشرون من مايو /أيار من عام 2010 ،الظلام ليس حالكًا بسبب الأنوار الكاشفة، مورينيو يحزم أمتعته ليترك ميلانو مُتوجهًا نحو مدريد وعلى الجانب الآخر يقف رجل يُدعى ماركو، ماركو ماتيرازي الذي يوضع في أعنف تشكيلات التاريخ والمعروف بعنفه وتجهمه يبكي! ليهم جوزيه من سيارته مُسرعًا ويذهب نحو ماركو ليعانقه عناق الأب المُهاجر دون علم ميعاد عودته ويتمتم ببعض الكلمات في أذنه ويستمر ماتيرازي في البكاء لينصرف مورينيو باكيًا هو الآخر.
التوصيف الأصدق لشخصية جوزيه لا يُمكن أن يصفه تعبير لغوي ولكن يُمكن أن يصفه مشهد كهذا أو ككثير من المواقف التي توضح كم هو إستثنائي بالفعل حتى ولو لم يكن يقصد ذلك الجانب ولكنه فريد بالفعل.
الحب ولا شيئ غيره
شاب، عُذرًا طفل لا يُدرك شيئًا في ملعب الكرة سوى أنه يحب ما يرى، ليجد نفسه فجأة موهومًا برجل شعره لا يكتسي بالأسود ويبدو مغرورًا، لا يهتم بأي شيء ورغم أن سيناريو الحياة يحكم بفشله إلا أنه يفوز بكُل شيء، أحبه كثيرًا لأنه ذكّره بشخصيات الأفلام الكرتونية التي يحبها هو وكل من في عُمره، أقواله النارية وتحديه لخصومه في مشاهد سينمائية وحركاته بالملعب جعلته بطلًا قبل أن يعرف الطفل اسمه حتى. لا يُوجد تفسير لهذا سوى أن حب ذلك الرجل لكرة القدم كان كافيًا ليجعل كل من يحب اللعبة بنفس شغفه يحبه هو الآخر تلقائيًا.
لابُد وأن مورينيو عندما كان طفلًا كان يُحب الكُرة كذلك فليس بسهل لأحدهم ممن لم يركلوها على المستوى الاحترافي أن يصبح مُدربًا، فكيف وإن أصبح أسطورة وليس مُجرد شخص يقف على خط تماس؟. الفشل كلاعب كُرة قدم رغم وساطة والده الذي كان يعمل مُدربًا ولكن خوفه من أن يضيع حلمه كان أكبر من خوفه من الفشل، ولذلك ورغم رغبة والدته أن يدرس التجارة لأنها رأت فيه صفات رجل الأعمال الناجح إلا أنه لم يلبث فيها سوى يوم واحد فقط وذهب لدراسة علوم الرياضة بجامعة لشبونة ومن ثم ليُصبح مُدرسًا!.
مُدرس للتربية الرياضية ثم مُدرب لفريق الشباب بنادٍ مغمور وكشاف للمواهب في نفس الوقت، كُل هذا وهو يذهب لتلقي المُحاضرات في كيفية التدريب في الاتحادين الإنجليزي والأسكتلندي حتى سنحت له الفرصة بالاحتراف عندما احتاج بوبي روبسون مُساعدًا له يُجيد البرتغالية بعد تعاقده مع سبورتينج لشبونة ليبدأ مورينيو أسطورته الخاصة.
النجاح
الاهتمام بالتفاصيل كما ذكر روبسون والكثيرون ممن عملوا تحت قيادة جوزيه مثل شنايدر وديكو وزلاتان إبراهيموفيتش كان شيئًا سحريًا يُميزه عن الجميع، كانوا لا يعلمون دوره في كتالونيا ولكن كان يعلم هو ماذا يُريد، كان يعلم عصبية نونيز رئيس برشلونة الكتالونية لذلك لم يُتقن الإسبانية فحسب بل وأصبح يتحدث الكتالونية أيضًا، كان روبسون يعتبره مُساعدًا ولكن نونيز أطلق عليه المُترجم لأنه كان يتحدث ست لغات بطلاقة. الأمر وصل إلى شك الإدارة والصحافة بقدرة مورينيو على القيام بعمله كما يجب لأنه ليس مُترجمًا فحسب وله رأي في اللعبة وبالتالي قد يُضيف كلامًا على كلام روبسون للاعبين، كذلك قد يتعامل مع الصحافة بطريقة مُلتوية لحماية روبسون، الأمر الذي التفت له سانتي خيمينيز صحفي الآس الإسبانية. الجدل المُثار حوله وقتها لم يستطع أن يترك مورينيو لحاله إلى الآن وربما لم يرد مورينيو أن يتركه هو الآخر. استمر جوزيه مع برشلونة مع فان جال حتى بعد رحيل الإنجليزي ثم وفي صيف 2000 أتى له عرض من نادي بنفيكا كمُدرب مُساعد.
لم يكن يعلم لويس أنه أطلق ماردًا على الكُرة العالمية ولمدة 15 عامًا حصد فيها كُل شيء، فبعد بداية مُتعثرة مع بنفيكا تولى تدريب نادٍ صاعد يُدعى يونياو دي لييرا ليُحقق معه أعلى ترتيب في تاريخه وينهي المسابقة في المركز الرابع فوق بورتو بنقطة وتحت بنفيكا بمثلها. هُنا أدرك مسئولو بورتو أن هُناك شيئًا ما مُختلفًا في ذلك الرجل وجلبوه ليتولى تدريب التنين البرتغالي، وفي موسمين فقط كانت المُحصلة لقبين للدوري ولقبًا للدوري الأوروبي ولقبًا لدوري الأبطال!. بداية أسطورية لتاريخ تدريبي حافل الجميع يعرفه مع تشيلسي وإنتر ميلان وريال مدريد نهاية بمانشستر يونايتد.
ماذا حدث؟ النهاية أم الخيانة؟
مُنذ عام 2013 والموسم الأخير بريال مدريد ومورينيو لم يعد يبدو كما كان، نعم الذروة كانت في 2010 ولكن ماذا حدث؟ تشعر وأن الطفل الشغوف بالكرة قد شاخ أو فقد شيئًا ما، لا أحد يعرف ولكن الأكيد أن جوزيه لم يعد كما هو.
لاعب بشخصية إبرا يُصرح هكذا عن شخص، شنايدر كذلك وصفه بأنه أبوه الثاني وأن العلاقة بينه وبين لاعبيه لا يفهمها الناس بسهولة لأنه فريد من نوعه. مورينيو يُقدم كُل شيء للاعبيه لدرجة تجعلهم مُستعدين للموت من أجله وهنا تكمن المُشكلة الكُبرى في سنوات مورينيو الأخيرة. مورينيو كان يُخلص بنسبة 100% لكُل مكان يذهب فيه وبالتالي عندما يرى تخاذلًا من لاعبيه من وجهة نظره فيعتبر تلك الأمور خيانة ويحدّث نفسه قائلاً: كيف لي أن أعطيكم كُل شيء وتبخلون علي بمجهودكم؟، قد يكون مُحقًا وقد يكون غير محق ولكن الأكيد أن هذه هي وجهة نظره. دراسة مورينيو نفسه كانت على تأثير الجانب النفسي في كرة القدم، يقول ماتيرازي: «مورينيو يُريد الفريق مثل الأُسرة، اتحاد تام ولا شقاقات، وهذا يجعلنا نفوز بكل شيء ضد أي خصم»
مورينيو يشعر أنه صاحب فضل على الكثيرين وأنه بذل الكثير من أجلهم، وبالتالي عندما لا يُعامل بنفس القدر من الحب يتوحش ليُصبح مورينيو الذي يكرهه الجميع بتصريحاته المستفزة وتبريراته غير المنطقية مثلما حدث في ريال مدريد ومحاربته المستميته ضد برشلونة لكسر هيمنتهم وإعادة التوازن في الكلاسيكو مرة أُخرى وتحقيق كُل شيء مع مدريد عدا دوري الأبطال الذي أعاد فيه هيبة مدريد بعد سنين التوهان ليجد اللاعبين فى النهاية لا يريدون القتال من أجله لا أمام الإدارة أو الصحافة أو حتى الجماهير، شعور بغضب من التضحية التي رآها للحظة ضاعت كالسراب. حتى بيريز بعد رحيل مورينيو ردد أنهم قتلوه وأنه لم يلق الاحترام الكافي من الجميع في مدريد.
هذا تصريح لسيسك فابريجاس أحد لاعبي تشيلسي في ولاية مورينيو الثانية تلا تصريحًا آخر قال فيه فابريجاس أيضًا إنهم لم يكونوا قدر ثقة جوزيه وإنهم خذلوه. الخذلان هُنا ليس الرغبة في التخلص منه، كما يفهم الكثيرون، ولكن هو عدم القتال من أجله بنفس القدر الذي قاتله جوزيه من أجلهم كي يُصبحوا أبطالًا. كذلك تصريحات جوزيه ضد لاعبي الريال المُتكررة خصوصًا رونالدو بعد رحيله من مدريد لشعوره بأنه قاتل من أجل أي شيء وكل شيء من أجلهم ولكن عند اشتداد الأزمة لم يقف اللاعبون بظهره فشعر بالخيانة.
الخوف من مصير مورينيو الأب
الخوف هو العامل الثاني لما يحدُث لجوزيه مؤخرًا،الخوف هو عدو النجاح الأول، فروح جوزيه الشابة التي كانت تجعله يُفكر دون خوف دومًا نحو هدف واحد وهو الانتصار قد أصابها شيء من الخوف وجعلته يُفكر مُقدمًا في تجنب الهزيمة. يتذكر جوزيه جيدًا عندما كان يافعًا كيف تلقى والده أثناء الاحتفال مع العائلة هاتفًا يُبلغه بإقالته من تدريب نادي ريو آفي رغم نجاحه معهم وبعد أشهر قليلة من لعب نهائي كأس البرتغال. لم يبرز هذا الشعور دومًا في تصريحات أو تصرفات جوزيه إلا عندما أخفق مؤخرًا، خوفه من الإقالة ومصير والده جعله يتوتر أكثر ويضغط لاعبيه أكثر، ولم يدرك جيدًا أن كل اللاعبين ليسوا شنايدر وماتيرازي مما قد يؤدي للفشل مرة أُخرى ثم الإقالة.
استثنائية جوزيه ما زالت مُستمرة لم تخفت، وبمجرد إزالة الخوف سيعود المارد مرة اُخرى وربما الخوف والخوف فقط قد يجعلها تنتهي ولكن المؤكد أنه بحاجة لشيء ما لا أحد يعرفه ومن المحتمل أنه يجهله أيضًا حتى يعود شابًا كما كان. الأمر ليس فنيًا بحتًا كما يعتقد الكُل فالرأس ما زالت تحوي نفس الخلايا التي تُفكر جيدًا ولكن تحت تأثير التهديد الذي يأتي من عام 1984 والذي بدا يتذكره مورينيو جيدًا فقد الكثير من شجاعته وهيبته، الفنيات وطرق اللعب قد تحتاج شرحًا أطول ولكن الأهم أن نعرف: لماذا بدأ جوزيه مؤخرًا أن يفعل ذلك رغم ندرة تحفظه قبل 2013؟