الأكثر ضررًا على اللعبة: كورونا أم زيادة وزن اللاعبين؟
بعد العودة من منافسات كأس العالم، روسيا 2018، وضع الجهاز الطبي لفريق ليفربول ملفًا خاصًّا باسم النجم المصري «محمد صلاح»، والذي كان قد تعرض لإصابة بنهائي دوري أبطال أوروبا لنفس العام، بعد تدخله الشهير مع «سيرجيو راموس»، مدافع ريال مدريد .
ولأن الصيف لم يكن فرصة سانحة لكي يرتاح صلاح بشكل كافٍ، كونه العضو الأبرز في منتخب مصر، والذي نجح في بلوغ نهائيات المونديال للمرة الأولى خلال 30 عامًا، كان لا بد من خطة لاستعادة الهيئة البدنية المناسبة لأحد أهم نجوم الفريق قبل بداية الموسم الجديد 2018/19.
يمكنك بعد النظر لإحصائيات موسم 2018/19 والتي صدرت عبر شبكة «Opta»، أن تتأكد من نجاح الخطة، حيث كان مو صلاح هو ثالث أعلى لاعب في معدل العدو السريع «Sprint» بين كل الفرق الإنجليزية في ذلك الموسم، حيث نجح في خوض 667 سباقًا خلال مباريات الدوري الممتاز.
ما يعني أنه كان يخوض سباقًا واحدًا على الأقل كل 4.9 دقيقة، وهو ما لا يمكن أن تقوم به ببدنيات ضعيفة، أصلًا لن تصلح للعب لليفربول ببدنيات ضعيفة.
تعتبر حالة صلاح خاصة للغاية، أهم لاعب في منتخبه، دخل في إصابة أبعدته عن الملاعب لـمدة 18 يومًا، ويحتاج للعودة سريعًا من أجل معترك ضخم ككأس العالم، ما يعني أنه يجب ألا يعود وحسب، بل أن يعود بأفضل حالاته.
والآن طبقًا للتوقعات والحسابات الطبيعية، فإن كل لاعبي العالم على وشك الدخول في نفس الحالة، وربما أخطر، وذلك بسبب التوقف الذي وضعنا فيه فيروس «كورونا» في ذلك التوقيت من الموسم. توقف سيعقبه سقوط هائل في المستوى البدني لأغلب لاعبي العالم.
مثال صلاح للتطبيق
يعيش كل لاعبي العالم حجرًَا صحيًّا إجباريًّا للحد من انتشار ذلك الوباء، وإذا افترضنا أفضل سيناريو لتلك الأزمة، فإن أقرب موعد مُحدد رسميًّا لعودة المنافسات سيبدأ بالبطولة الإنجليزية، إن عادت، بعد 53 يومًا من التوقف الكامل. لا مباريات رسمية، لا مباريات ودية، لا تدريب، ولا صالات رياضية، فقط تمرينات منزلية تحافظ على الوزن من منظور الكيلوجرامات فقط!
تعتمد الأطقم الفنية في كل فرق العالم في الوقت الحالي على برامج المحادثات الإلكترونية من أجل مواصلة الإشراف على الحالات البدنية للاعبيهم. يتم اعتماد برامج تدريب فردية ومُعدات إضافية تم تسليح اللاعبين بها، بتركيز شبه كامل على الحفاظ على تكوين أجساد اللاعبين خلال ذلك التوقف.
لكن يعتمد فريق ليفربول في تأهيلاته البدنية خلال الأيام العادية، على نظام مُعقد بعض الشيء، والذي ساعد على استعادة صلاح لعافيته سريعًا، يُسمى «Acute: chronic workload ratio»، وهو ما يصعب نقله للعربية بالتفصيل، لكن شرحه يتلخص في أنه يعتمد في قياس الحمل البدني المناسب لكل لاعب وفقًا لمقدار التعب الذي ينال من اللاعب أثناء التمرين نفسه، أو المباريات.
يتطلب ذلك النظام دراسة مستوفاة لكل ما يمر به اللاعب خلال اللقاءات أو التدريبات داخل أرض الملعب، ومُلحق بها ما يشعر به خلال تدريبات الصالة الرياضية. لكن كما هو موضح بالرسم أعلاه، يعتمد النظام أكثر على الوجود داخل أرض الملعب. لأن من البديهي لجعلك صالحًا بدنيًّا للعب كرة القدم، يجب دراسة حالتك أثناء لعبك كرة القدم، ليس في المنزل أو في الصالة الرياضية.
استقدمت شبكة «Independent» خبيرًا بدنيًّا لسؤاله عن الحالة البدنية المتوقعة للاعبي الدوري الإنجليزي بعد العودة من ذلك التوقف، والذي شرح الأمر ببساطة شديدة: «بغض النظر عن مدى جدية المحاولة، لا يمكن لأي لاعب توفير الظروف التي يحصل عليها في التدريب أو في المباريات، داخل المنزل».
فترة إعداد إجبارية
قُتَل أمر الجلوس في المنزل بحثًا، لا نملك جميعًا مفر من البقاء في منازلنا متحاشين خطر ذلك الوباء، لكن السؤال الذي ما زال قيد البحث، هو لأي مدة ستطول فترة ذلك العزل؟ الأكيد أن تحديد موعد العودة يستحيل نظريًّا، ولعلك تسمع من هنا وهُناك أنباء عن إلغاء المسابقات لعدم معرفتنا بطبيعة الفترة المُقبلة.
ولاختلاف أساليب الدول في مواجهة ذلك الفيروس وكذلك تفاوت نسب الإصابات به بين الشعوب، يصعب توقع عودة كل شيء لنصابه في آن واحد. ولنكن أكثر واقعية، فإن أغلب الرعاة ومنظمي الدوريات والبطولات، لن يرضوا بقرار الإلغاء بسهولة، وسيسعون لإكمال الموسم بأي شكل ممكن على حالته الآنية.
وعليه، يُمكن اعتبار تلك الفترة فترة إعداد تخللت الموسم. أعطت اللاعبين راحة إجبارية في ذلك التوقيت الصعب. يقول دكتور «راجبال برار»، أخصائي العلاج الطبيعي والمدون بموقع «this is Anfield» أنه خلال فترات الإعداد الطبيعية، يرتفع خطر الإصابة بنحو 7 مرات في الأسبوع الأول لزيادة الحِمل البدني وزيادة حدة المباريات، حتى القاءات الودية، ويصل لحوالي 10 مرات في الأسبوع التالي.
تستطيع تصور حجم الإصابة أو مقدار خطرها على أي فريق خلال فترات الإعداد ما قبل الموسم، بتطبيق مُعادلة بسيطة: «الحمل البدني > السعة البدنية لكل لاعب = خطر الإصابة».
عادة، يحتاج اللاعبون إلى حوالي 9 مباريات ودية لكسب اللياقة المطلوبة للتعامل مع كثافة مباريات الدوري، والتي ترتفع أيضًا تدريجيًّا خلال الموسم، ولا يمكن أن تبدأ أي بطولة بنسق مرتفع.
ذلك عكس تمامًا ما يُنتظر خلال تلك الفترة، حيث ستعود كافة البطولات في أوقات الحسم، حتى الدوري الإنجليزي الذي يُعتبر قد انتهى، لكن ما زال به ما يجب الإجابة عليه، كالفرق التي ستشارك في البطولات الأوروبية للموسم التالي مثلًا.
الأكيد أن عودة الحياة لطبيعتها سيأتي بغتة، وأن كل المسئولين قد تعلموا من درس التأخير في إيقاف النشاط الرياضي، ولن يتسرعوا في قرار عودته بما سيضعنا أمام مُدة صغيرة لإنها ما تبقى من الموسم، وبالتأكيد لن يُسمح بأكثر من أسبوع واحد يسبق كل تلك الحِدة المُنتظرة.
عقول خاوية من كرة القدم
تُخبرنا الدكتورة «إليزابيث ماتسكين»، الناطقة باسم الأكاديمية الأمريكية لجراحي العظام بالتعاون مع «ريان بالميس»، المتحدث باسم جمعية العلاج الطبيعي الأمريكية والمعالج البدني، أن التغير المُنتظر في هؤلاء اللاعبين ليس تغيرًا بدنيًّا فقط. يبدأ الأمر في الضغط على صحتك العقلية أيضًا، مما يعقد إحساس اللاعب بذاته.
قامت بعض الفرق باستخدام تطبيق Houseparty، حيث يمكنهم لعب الألعاب معًا عبر الفيديو، وذلك للحفاظ على ما يشبه أجواء غرف الملابس في العزلة التي يعيشها اللاعبون.
في حين استدعت فرق أخرى علماء النفس لمساعدة لاعبيهم على التعامل مع ما يحدث في العالم الأوسع. ومحاولة مواجهة الصورة الذهنية لابتعادهم عن نمط حياتهم الرياضي. يمكن أن تؤدي الاستجابة النفسية للابتعاد عن الملاعب إلى اكتشاف مشكلات خطيرة تخص الصحة النفسية، مثل الاكتئاب واضطراب الأكل وتعاطي المخدرات والعنف.
ولعلاج الحد الأدنى من تلك التأثيرات يحتاج لوقت طويل، لاسترجاع الحالة النفسية عمومًا، لأنه ناهيك عن كونك رياضيًّا متأثرًا بفقدان مهنتك، فأنت إنسان يواجه وباءً يهدد بقاءك بالكامل.
تندثر الحلول بطول مدة التوقف، ومع الوقت يزداد أمر المُعالجة صعوبة، وشاء المسئولون أم لا، فهم أمام خسائر مادية فادحة تنتظرهم، سواء بالخروج من موسم ملغاة كل أحداثه تمامًا، أو موسم يكتمل بروح باردة وبلاعبين لا يرغبون في أي شيء سوى أن تنتهي تلك الفترة بأي شكل.