أشهر 50 خرافة في علم النفس: حان وقت البحث عن الحقائق
يبدأ العلم حيث تنتهي الأساطير، وعلم النفس الشعبي هو مصدر لا ينضب لتلك الأساطير، حيث أنتج معتقدات واسعة الانتشار، وأوهم الكثيرين بأن هذه المعتقدات تمنحهم الحقيقة المطلقة. وتأتي البحوث النفسية – كل يوم- لتهدم هذه المعتقدات.
وهذا الكتاب «أشهر 50 خرافة في علم النفس» هو إحدى المحاولات العلمية لاقتلاع معتقدات علم النفس الشعبي من جذورها، والذي يُقدمه مجموعة من علماء النفس المرموقين، كرسوا أنفسهم لمحاربة الأكاذيب العلمية في مجال الصحة النفسية، وتطوير التفكير النقدي في علم النفس.
ومع قراءتك للكتاب ستقوم باستجواب نفسك حول أفكارك وستكون سعيدًا برؤية شكوكك يتم حلها بشكل علمي، ولكن لا أخفيك، ستكون بعض المعلومات عصية على التصديق لكثرة ما آمنا بها، فيعد الكتاب وسيلة لتمييز العلم الحقيقي وسط العلوم الزائفة، فيستخدم الأساطير النفسية الشائعة وسيلة لفصل الحقائق عن الادعاءات الخيالية في علم النفس الشعبي الذي يستخدمه الأفراد، ويسيئون فهمه ويتعاملون على أساس قواعده، مثل «الأشخاص المختلفين ينجذبون لبعضهم»، و«يستخدم الشخص 10% فقط من قدرة عقله»، و«الكتابة اليدوية تكشف عن الشخصية».
الكتاب هو الأول من نوعه في مكتبة علم النفس وعلم الاجتماع. صدرت ترجمته باللغة العربية عام 2013 عن دار «كلمات» و«هنداوي»، في 466 صفحة جميعها مثير للتفكير والتشكك.
من أين تأتي الخرافات ولماذا نقبلها؟
بدأ المؤلفون كتابهم بشرح كيفية ظهور الأساطير والمفاهيم الخاطئة وسيادة الأبحاث المعيبة، وأعادوا ذلك إلى أننا كلما سمعنا شيئًا وتكرر تعرضنا له فإننا نميل إلى تصديقه، بالإضافة إلى رغبتنا في الحصول على إجابات سهلة وتفسيرات سريعة، واستخدام العامة للمغالطات المنطقية؛ مثل مغالطة استنتاج السببية من الارتباط، ومغالطة الاستدلال عن طريق التمثيل بتقييم التشابه بين شيئين على أساس التشابه السطحي.
على الجانب الآخر، يقف الأطباء الذين يتعرضون في أبحاثهم لعينة متحيزة، مثل ميل علماء النفس للمبالغة في تقدير صعوبة التوقف عن التدخين لأنهم يرون فقط المرضى الذين يأتون إليهم لطلب المساعدة، وليس الكثير من غيرهم ممن يتوقفون عن التدخين وحدهم. وحمّل المؤلفون وسائل الإعلام المضللة دورًا في نشر الخرافات، والمبالغة في جوهر الحقيقة لجعلها أكثر إثارة، وأيضًا الخلط بين المصطلحات، مثل الخلط بين «انفصام الشخصية» و«اضطراب الشخصية المتعدد».
فسر المؤلفون حساسيتنا -كغير متخصصين- تجاه الأوهام المعرفية والأوهام البصرية، ونزوعنا نحو رؤية الأشياء على غير ما تبدو عليه، وعدم الثقة في الحدس والبديهة، وتضليلنا بالحس الجمعي ووعيه ومقدار شيوعه، عكس العلم كوعي غير شائع، مما قد يتطلب من العامة وضع أفكارهم ومعتقداتهم السابقة المشتركة جانبًا عند تقييم الفرد للأدلة واستخدامه المنهج النقدي لتفسير العلات.
كيف يتقاطع علم النفس مع حياتنا اليومية دون أن ندري؟
يبدأ المؤلفون فصول الكتاب بالإشارة إلى تشوهاتنا الإدراكية، وتحيزاتنا، مثل أن تكرار التعرض لمضامين عنيفة ومشاهد مؤذية قد يجعلنا عنيفين ومخربين بمرور الوقت، ما يُحدث دوامة كبيرة من العنف إذا كانت هذه المضامين على وسائل الإعلام، وجميع الأمثلة الأخرى المتعلقة بإخفاق البشر في استخدام المنطق والوقوع في مغالطات.
وفي الفصل الثاني، يتعرض الكتاب لأساطير حول النمو والشيخوخة، بدءًا من الأطفال، وأن المراهقة هي مرحلة الاضطراب، وشيوع أزمة منتصف العمر، ومعاناة كبار السن من مشاكل في الذاكرة، والعجيب مع كل هذه الأساطير هو أن 85% من كبار السن لا يعانون من مشاكل في الذاكرة، كما يرصد الكتاب، وأن الدقائق الأولى في الولادة ليست جوهرية لزيادة الترابط بين الطفل والأم.
يناقش الفصل الخامس بالكتاب أساطير الوعي، كالأحلام والتنويم المغناطيسي الذي يكشفه الكتاب على أنه خدعة. بينما يكشف لنا خدعة جهاز كشف الكذب في الفصل السادس مع الخرافات المتعلقة بالعواطف والدوافع وارتباط السعادة بالظروف الخارجية.
تعد أهمية الفصل السابع بأهمية ما يتعرض له من الخرافات حول سلوكيات الأشخاص ودوافعها، والعلاقات الاجتماعية، وأهمها العلاقة العاطفية.
يتعامل المؤلفون باهتمام مع الأساطير التي تدور حول تكون الشخصية في الفصل الثامن، وتربية الأطفال وسط جو أسري، وهل تتأثر شخصية الطفل إذا انفصل والداه، وأنه من الأفضل حفاظ الزوجين على علاقتهما المضطربة من أجل الطفل؟ وكيف يتوقع الآباء من طريقة تربيتهما لطفلهما أن تضبط صفاته الشخصية وأن التربية السيئة بالطبع تنتج شخصًا سيئًا، وتأثر شخصية الطفل بترتيبه بين أخوته، وهل يمكن للسمات الوراثية أن تتغير إذا حاولنا، أم أن الأمر مفروغ منه.
تعد الردود على الأساطير التي ذكرها المؤلفون بالفصل التاسع حول المرض النفسي هي الأكثر إقناعًا بالكتاب، كالرد على أن مرضى الاكتئاب الحاد هم أكثر من يقدمون على الانتحار، وارتباط الانتحار بسن المراهقة والشباب، فهناك أشخاص لم يعانوا من الاكتئاب، أو لم تظهر عليهم الأعراض وأقدموا على الانتحار في سن كبيرة، وأن الانتحار قد يرتبط أكثر باضطراب الهلع والرهاب الاجتماعي واضطراب الشخصية الحدية واضطراب الهوية الجندرية بدرجة أكبر من الاكتئاب. وتنتشر أيضًا خرافة أن الشخص الذي يفصح عن رغبته في الانتحار للآخرين ليس جادًا فيما يقول.
250 خرافة… ومازال هناك المزيد
عرض المؤلفون الخرافات الـ50 الشائعة عن علم النفس والطبيعة البشرية، على مدار مناقشتهم موضوعات فصول الكتاب، بالإضافة إلى أضعاف هذا العدد، وقاموا بشرح أصول كل خرافة على حدة، ولماذا يصدقها العامة، ورد الأبحاث العلمية على ذلك وتوثيق المصادر بدقة، ومن هذه الخرافات:
- إن استخدام التنميط الجنائي والقولبة في حل القضايا خرافة، مثل الاعتماد على إحصائية قام بها شخص مفرد على أساس ما مر به من قضايا وينشر تخمينه بأن احتمالية قيام رجل أبيض بجريمة تفوق قيام رجل أسود بها بنسبة الثلث، وذلك استنادًا للإحصاءات.
- تستطيع نسبة كبيرة من المجرمين ادعاء الجنون والنجاح في الادعاء والإفلات من العقوبة. ولكن الحقيقة هي أن 1% فقط من المجرمين ادعوا الجنون خلال محاكمتهم جنائيًا، وقد ثبت جنون 25% فقط من هؤلاء.
- هناك خرافة بأنك إذا احترت في الإجابة على سؤال بالاختبار ولم تكن متأكدًا، فعليك اللجوء لحدسك وما يخطر ببالك أولًا، ولكن اتفقت 60 دراسة على أنه عند تغيير الطلاب لإجاباتهم فإنهم أكثر عرضة لتغيير الإجابة الصحيحة بالإجابة الخاطئة، وأن الطلاب الذين يميلون لتغيير إجاباتهم يحصلون عادة على درجات أعلى من غيرهم.
- تدعي خرافة مؤثرة أنه من الأفضل التعبير عن مشاعر الغضب من الآخرين بدلًا من كتمانها، وبالفعل إذا فرّغ الغاضب مشاعره وطاقته سيشعر براحة، ولكنها راحة مؤقتة، فتظهر الأدلة العلمية أن التعبير عن الغضب يعزز مشاعر الغضب بداخلنا ويؤدي إلى مزيد من العدوان، وأن الطريقة الأفضل للتعامل مع مشاعر الغضب هي تركها تتضاءل دون تدخل منا.
- هناك خرافة شائعة ونتعامل بها في حياتنا اليومية وهي أن الرجال والنساء يفكرون بطرق مختلفة تمامًا. تعترف الدراسات بأن هناك اختلافًا ولكن اعتبرته اختلافًا طفيفًا للغاية، وربما لا يكفي لاعتباره موجودًا أو ذا دلالة، واعتبار كل جنس من كوكب آخر، وتم دحض خرافة أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال بدراسة على طلبة الجامعة، وسجل الجنسان حوالي 16 ألف كلمة في اليوم.
- هناك خرافة منتشرة حول المرض وعلاقته بالحياة الإيجابية والتفاؤل، وتم اعتبار العيش بإيجابية طريقة لتجنب مرض السرطان، ولكن كانت النتيجة أن المواقف لا تطيل بقاءنا، فحتى أكثر مرضى السرطان تفاؤلًا لم يعيشوا أكثر ممن لم يتفاءلوا.
- هناك خرافة مشهورة تم دحضها بأن بعض الأشخاص يفكروا بنصف عقلهم الأيمن، والآخرون يفكرون بالنصف الأيسر، وأن لكل مجموعة خصائص معينة.
- اهتم عدد لا بأس به من الآباء بنشر معلومة مفادها أن سماع الأطفال الرضع لموسيقى موزارت يزيد من معدل الذكاء لديهم، ولكن ثبت أنه حالما استمع الرضع لأي منبه خارجي فإنهم ينتبهون ويكونون أكثر يقظة، ولكن ذلك ليس دليلًا على نمو معدل الذكاء لديهم، ولا تقتصر موسيقى موزارت بالتأثير.
- يعتقد الكثير في الخرافة القائلة بأن الأطفال الذين يتعرضون للتحرش عادة ما يعانون من أمراض نفسية عند الكبر.
- تم تصنيف الادعاء القائل بأن الرجال يرتكبون الغالبية العظمى من أعمال العنف المنزلي بأنها خرافة، وأن الحقيقة هي الرجال والنساء يعتدون على بعضهم البعض بنفس المعدل تقريبًا، على الرغم من أن الإصابات البالغة تلحق عادة بالنساء.
- تم اعتبار ارتباط الدورة الشهرية عند النساء بالاضطرابات المزاجية السيئة كخرافة، ومعها خرافة أن النساء أكثر عاطفية من الرجال وتتعرف على مشاعر الآخرين وتتعامل معها.
كيف تخدعنا أفلام نحبها؟
شرح المؤلفون علاقة الأفلام بالترويج لخرافات علم النفس الشعبي، وكمثال على ذلك نشر الاعتقاد بأن «معظم المرضى النفسيين يتسمون بالعنف»، وهو ما اتفقت عليه العديد من أشهر الأفلام مثل: «Psycho»، و«Halloween»، و«A Nightmare on Elm Street»، و«Primal Fear»، و«The Dark Knight»، و«Misery»، و«Friday the 13th».
اجتمعت هذه الأفلام على تصويرها لشخصية المريض النفسي، ورصد المؤلفون أن ما يقرب من 75% من الأفلام التي تدور عن شخصية تعاني مرضًا نفسيًا خطيرًا، يتم تصوير هذه الشخصية على أنها عدوانية جسديًا، وتميل إلى ارتكاب جرائم القتل. تتغذى هذه الأفلام التي تعرض القتلة السيكوباتيين والمجانين محبي القتل على سوء الفهم العام للمرضى النفسيين، وباتت هذه الأفلام مرغوبة من الجمهور في هوليوود، وتحظى بنسب مشاهدة عالية تفوق عشر مرات مشاهدة الشخصيات العادية.
شاركت المؤسسات الإخبارية قطاع السينما نفس توجهه، فرصدت إحدى الدراسات اهتمام 85% من التقارير الإخبارية التي تناولت المرضى النفسيين بالجرائم العنيفة التي ارتكبها هؤلاء المرضى، معتمدين على شعار المؤسسات الإخبارية بأن الأخبار الدامية دومًا في الصدارة، وأن الأخبار المثيرة تحقق المكاسب، حتى اقتاتت هذه الصحف على أخبار المرضى النفسيين أصحاب السجلات من أجل لفت الانتباه.
يعرض الكتاب بعض خرافات علم النفس والتي ليست خاطئة كلية، ولكنها تبالغ في ادعاءاتها التي تحتوي على قدر ضئيل من الحقيقة، كمعالجة السينما للأفراد المصابين بالاضطراب التوحدي، ومثل هذه المعالجة التي فاز عنها «داستن هوفمان» جائزة الأوسكار عن تمثيله بفيلم «Rain Man» من إنتاج عام 1988، والذي أشار إلى امتلاك المصابين بهذا الاضطراب لقدرات عقلية متميزة، غير أن 10% فقط من هؤلاء الأفراد المصابين بالتوحد هم من يمتلكون هذه القدرات الاستثنائية.
نتائج دراسات يصعب تصديقها ولكنها سليمة
أدرج المؤلفون 200 اعتقاد في علم النفس بنهاية فصول الكتاب، والفصل بينهم بإدراج جدول بين «خرافة»، أو «حقيقة»، وفيه سجلوا الخرافات والرد عليها برد علمي قصير، وينتهي الكتاب بعرض المؤلفين لعشرات من نتائج الأبحاث النفسية السليمة التي يصعب تصديقها، ومن بعض هذه النتائج:
- تشير الأبحاث إلى أن الأفراد الذين يُطلب منهم الإمساك بقلم رصاص بين أسنانهم أثناء مشاهدة أفلام الكارتون، يجدونها أكثر إمتاعًا من أولئك الذين يمسكون بها بين شفاههم. وذلك لأن النوع الأول يرسم تعبيرًا أقرب الابتسامة في حين يرسم النوع الثاني تعبيرًا أقرب إلى العبوس.
- توصلت بعض أبحاث علم النفس إلى أن الكلاب تشبه مالكيها، وأن هناك تشابهًا بين أوجه أصحاب الكلاب وأوجه الكلاب نفسها، وأنا هذا الشبه أكبر بكثير مما قد يحدث بالصدفة، وأن ذلك ينطبق على السلالات الأصلية فقط من الكلاب وليس الهجينة.
- في بحث طلب باحثان من الأشخاص الخاضعين للتجربة الإمساك بكوب من القهوة الساخنة مرة ومن المثلجة مرة أخرى كخدمة لشخص، وبعد ذلك ارتبط الإمساك بالأكواب الساخنة بإظهار درجة مرتفعة من السمات المتعلقة بالمودة والكرم والاهتمام بالآخرين.
إن قراءة كتاب كهذا تعد تحديًا كبيرًا، لأنك إذا تقبلت كم المعلومات الموجود به ستتخلى عن معظم معتقداتك الأصيلة، ولكن قد يجد الكثير هذا مؤلمًا وصعبًا وغير مقبول، ويكون الكتاب فرصة لهم للانتقال من الشك لليقين بالبحث حول ما يقرؤونه في هذا الكتاب وتأجيل إصدارهم للأحكام، فالعالم يمتلئ بالحكماء والعلماء مع انتشار مثل هذه الخرافات، وجميعها زائف إذا سألت عن الأدلة.