المغرب 2026: مغامرة سعودية جديدة على شواطئ الأطلنطي
استثمارات خليجية جعلت من السعودية والإمارات الشريك الأول للمغرب، علاقات تاريخية وعسكرية تُوجت بمشاركة المغرب في عاصفة الحزم مؤخرًا. كل هذا لم يمنع السعودية من التلميح بعدم دعم الملف المغربي الخامس لاستضافة كأس العالم 2026.
خلافات أكثر تعقيدًا وتشابكات بين الجزائر والمغرب لأكثر من نصف قرن على خلفية صراعات حدودية بالصحراء الغربية، ومع ذلك أعلنت الجزائر دعمها لملف المغرب 2026 واختيار الدولي لخضر بلومي لتمثيل الجزائر في دعم الملف المغربي. فلماذا تلوح السعودية الشريك الأول للرباط بعدم دعم ملفه الكروي، بينما تسعى الجزائر الجار اللدود بدعمه بدرجة أكثر جدية؟
لماذا تلوح السعودية بالرفض؟
البيت العربي لم يعد يسع الجميع، وسنة الاختلاف والتعدد غير كافية لبقائك ضمن العائلة، كما أن البحث عن مصلحة عرين الأسود يأتي في المقام الأول كي تحصل على دعمهم. اللون الرمادي لم يعد مقبولًا في المملكة السعودية، والحياد لم يعد المنطق المسموح به لدى ملوك وأمراء السعودية. كلمات تركي آل الشيخ، المستشار بالديوان الملكي ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة ألمح بشكل مباشر إلى موقف المملكة المشروط لدعم ملف المغرب 2026.
بوادر أزمة بين المملكتين باتت هي الأكثر حضورًا بين أروقة الساحات الدبلوماسية والإعلامية لكلا البلدين، تغريدات آل الشيخ كشفت الحجاب المفروض على الأزمة بينهما. تصريحات ومحاولات سعودية لاحقة للتبرؤ من تغريدات تركي آل الشيخ واعتبارها موقفًا عابرًا، لم تمنع المسئول السعودي مرة أخرى من التغريد بصورة للقائه برئيس الاتحاد الأمريكي لكرة القدم رئيس اللجنة القائمة على الملف الأمريكي المنافس للملف المغربي، معربًا عن إعجابه بالملف الأمريكي في تأكيدٍ على رسالته الأولى. موقف المملكة المشروط ما هو إلا امتداد لتأثيرات الأزمة الخليجية على سياسات عواصم الخليج الخارجية.
اقرأ أيضًا:تركي آل الشيخ: النفوذ السياسي لأمير الترفيه
شراكات اقتصادية بناءة بين المغرب وعواصم الخليج، علاقات أسرية باتت أكثر تعقيدًا، منحت الرباط عضوية المراقب في مجلس التعاون الخليجي. شراكات أمنية تاريخية بين الرباط والسعودية منذ حرب الخليج الأولى.عشرات المليارات السعودية والإماراتية بالسوق المغربي لم تستطع أن تقف حائلًا أمام موقف المغرب الحيادي من الأزمة الخليجية. وبالرغم من أن الحضور القطري بالرباط لا يرقى للحضور السعودي والإماراتي، الشريك الأول للمغرب، فإن مساعدات مغربية عبرت في أيام الأزمة الأولى إلى الدوحة، أعقبها زيارة للملك المغربي إلى قطر والإمارات في محاولة للتأكيد المغربي على سياسة الحياد تجاه الأزمة.
أيام معدودة فصلت بين تقديم المغرب لملفها الكروي وبين توقيع الحكومة المغربية والقطرية 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرامج في مجالات متنوعة. تغريدات الشيخ الكروية ربما ليست ورقة الضغط الوحيدة الخليجية على الرباط، فقضية الصحراء الغربية هي الورقة الأكثر تأثيرًا، خاصة أن عواصم الخليج تمثل حليفًا اقتصاديًا وعسكريًا للمغرب على المستوى الدولى في ملف الصحراء.
اقرأ أيضًا:5 أسباب تشرح لك: الموقف المغربي من الأزمة الخليجية
لماذا تدعم الجزائر المغرب رغم الخلافات؟
بالرغم من تعقد الخلافات السياسية بين الجزائر والمغرب منذ أكثر من نصف قرن، فإن السلطات الجزائرية أعلنت دعمها لملف الرباط لاستضافة مونديال 2026. اختيار الدولي الجزائري لخضر بلومي لتمثيل الجزائر في دعم الملف المغربي يعتبر هو الأكثر جدية من بين مواقف الجزائر تجاه جارتها العربية خلال السنوات المنصرمة من صراعهما الحدودي. نظرة متفائلة بدأت تلوح في الأفق جراء القرار الجزائري، لكنها لا تزيد عن كونها هالة لا تعبر عن انفراجة قريبة للخلاف بين الدولتين.
تزامنًا مع إعلان الجزائر دعمها لملف المغرب 2026 احتجت المغرب لدى مجلس الأمن على تحركات البوليساريو المستفزة -حسب تعبيرها- بالقرب من المنطقة العازلة بتشجيع جزائري هادف إلى تغيير وضع هذه المنطقة العازلة التي وُضعت منذ أوائل التسعينيات تحت مسئولية الأمم المتحدة، فيما حذر عمر هلال سفير المغرب لدى الأمم المتحدة من أن تحريك أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية أو أيًا كانت طبيعتها للبوليساريو من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي سيشكل عملًا مؤديًا إلى الحرب.
أسابيع قليلة تفصل بين موقف الجزائر الكروي وأزمة دبلوماسية بدأت رحاها تدور بين الجارتين في أعقاب الانتقاد اللاذع من قبل ممثل المغرب في جينيف حسن بوكيل الجزائر بانتهاكها لحقوق الإنسان في تندوف في الماضي والحاضر، مطالبًا الجزائر بحل مشاكلها الداخلية والاستجابة لمطالب الحكم الذاتي لسكان القبائل والمزابيين الذين يتعرض مناضلوهم للاضطهاد والتعذيب والسجن والإجبار على الصمت أو النفي.
اتهامات جزائرية في المقابل للمغرب بتبييض أموال الحشيش وإنتاجه تثير مزيدًا من الخلافات الدبلوماسية بين الدولتين. تلك السياقات ليست منفصلة عن الأزمة التاريخية بين البلدين التي شهدت مزيدًا من التشابك والإثارة منذ ستينيات القرن الماضي حول الصراعات على المناطق الحدودية أدت إلى إغلاق الحدود بين الدولتين منذ عقود، وفتحت مجالًا لسباق تسلح يستنزف مزيدًا من موارد الدولتين.
اقرأ أيضًا:من دفاتر النصر: لماذا تستورد الجزائر نصف سلاح القارة؟
رهانات عدة على موقف الجزائر الكروي في فتح مجال أوسع للحوار بين الدولتين، لكن السياقات القائمة تشير إلى أن موقف الجزائر لا يعد سوى نوع من المراوغة السياسية ومحاولة لتحسين صورتها في الخارج في ظل تطورات المنطقة العازلة، نصيب الجزائر من العوائد الاقتصادية جراء استضافة المغرب لتلك البطولة خاصة أن الملاعب التي حددتها المغرب بملفها تأتي بالقرب منها ربما يكون عاملًا مفسرًا آخر.
ملاعب العرب التي لم يحبها ابن خلدون
هم أبعد الأمم عن سياسة الملك، والسببفي ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم، وأبعد مجالًا في القفر. هكذا وصفت فلسفة ابن خلدون العرب. أطروحات عدة أشارت إلى قيود استراتيجية يمكنها الحد من تفاقم آثار النزاعات القومية على سلوك الدول، لكنها بدت مجرد مقولات نظرية عفا عليها الزمن. طفرات قومية أمكنها تحويل الأحداث الرياضية الكبرى إلى نزاع عسكري أو سياسي. فهل تدفعنا نحن العرب كرة القدم إلى حرب طويلة ممتدة؟
ما بين النعرة القومية وبيزنس الرياضة إلى الحشد والتعبئة السياسية والاجتماعية إلى كونها ورقة ضغط على الشعوب والحكومات، تشكلت مخيلة العربي حول بطولات كرة القدم، ونسي العربي رسالة السلام وتبادل الثقافات وقبول الآخر. لهذا كان حضور الصراعات بتلك البطولات أمرًا طبيعيًا. محنة الجزائر مصر 2009 أثناء تصفيات كأس العالم. كما أن تحول الملاعب الخضراء إلى حلبات تصفية للحركات المعارضة فيما بعد 2011 أكبر دليل على بداوة العرب وبعدهم عن السياسة.
الأزمة الخليجية أعادت بشكل آخر تصدير كرة القدم إلى الواجهة. فمع الأسابيع الأولى للأزمة سارع بعض المسئولين بالخليج وعلى رأسهم ضاحي خلفان الإماراتي بالدعوة إلى سحب ملف تنظيم مونديال 2022 من قطر، بينما أعرب تركي آل الشيخ السعودي عن أمنيته في أن تنظم بريطانيا مونديال 2022. كما أشارت بعض المصادر القطرية مؤخرًا إلى أن هناك طلبًا خليجيًا ربط بين رفع الحصار عن قطر والانسحاب من تنظيم كأس العالم 2022.