أخطر مما نتصور: الجامعات المغربية مسرح للعنف السياسي
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تعد مؤسسات التعليم العالي في أنحاء العالم أماكن للشباب لاستكشاف الأفكار المختلفة وتطوير المهارات الحياتية المهمة. ومع ذلك، ففي المغرب، يواجه طلاب الجامعة بأشد أنواع العنف.
ففي 19 مايو/آيار 2018، أدت الصدامات العنيفة بين الطلاب المؤيدين لاستقلال الصحراء المغربية وطلاب الحركة الثقافية الأمازيغية في جامعة ابن زهر بمدينة أغادير إلى مقتل عبد الرحيم بدري، الطالب البالغ من العمر 24 عامًا ويدرس الحقوق، فيما قُبض على 30 طالبًا في الأيام التالية.
العنف البنيوي والمباشر في الجامعة
يمثل العنف بين الجماعات الطلابية في الجامعات المغربية ظاهرة بارزة ومنتشرة وترتبط في أصلها بالظروف البنيوية في البلاد، فالعنف البنيوي يتناقض مع تأمين ظروف الحياة الكريمة ويمنع من تحقيق الأهداف الفردية والجماعية. وفي المغرب، يرتبط العنف البنيوي بالاستخدام المباشر للقوة، ويتأثر الوضع الحالي في البلاد بقوة بظاهرة اقتصادية-اجتماعية لم يلاحظها المراقبون في الخارج، على الرغم من تداعياتها المباشرة على طلاب الجامعة، الذين يمثلون شريحة كبيرة وذات تأثير حاسم على مستقبل البلاد.
ويتمايز طلاب الجامعة وفق انتماءاتهم الأيديولوجية وهوياتهم وارتباطاتهم بالأحزاب والحركات السياسية على المستوى الوطني، وتوجد الكثير من المماحكات بين الجماعات الأيديولوجية والهوياتية وبداخلها أيضًا، وتهيمن بعض تلك الجماعات الطلابية على كليات معينة أو مدن جامعية بعينها وتفرض سيطرتها عليها، وتعلن عن اختلافاتها من خلال تزيين الأماكن المختلفة داخل الجامعات بصورهم ومقتبساتهم وفاعلياتهم.
يتميز خطاب تلك الجماعات بهيمنة سرديات عقلية الضحية ومنطق الانتقام، ويظهر ذلك جليًا في صور الشهداء الأمازيغ والإسلاميين واليساريين والصحراويين التي تملأ ممرات وكافتريات الجامعة، وفقًا لمن يهيمن على المساحة المكانية، وغالبًا ما ينتج عن هذه الانقسامات ممارسة العنف الوحشي ضد الطلاب الآخرين.
الجماعات الإسلامية في الجامعة
تعد منظمة «التجديد الطلابي» إحدى أكبر تلك الجماعات وأكثرها تنظيمًا، والجناح الطلابي لحزب العدالة والتنمية الذي يعد أكبر حزب سياسي إسلامي، وعلاقاته متقلبة بالجماعات الطلابية الأخرى ذات الخلفية الدينية مثل جماعة العدل والإحسان، وهي حركة إسلامية معارضة ذات تأثير كبير، وكانت القوة الرئيسية المحركة لانتفاضة 20 فبراير/شباط 2011 في المغرب.
الفصائل اليسارية
الديمقراطيون التقدميون هو فصيل يساري يرتبط بالحزب الاشتراكي الموحد، فيما يرتبط حزب الطليعة الديمقراطي بحزب النهج الديمقراطي اليساري الراديكالي. وتشارك تلك الأحزاب السياسية في الحياة السياسية في المغرب كأحزاب معارضة، بينما تعتبر جماعات ماركسية متشددة تلك الأحزاب خائنة لمبادئ اليسار، فيما يعمل فصيلان ماركسيان راديكاليان داخل الجامعات دون أي ارتباط بالأحزاب الرسمية؛ وهما البرنامج المرحلي والقاعديون.
وتعود جذور أغلب تلك الجماعات الطلابية والأحزاب السياسية اليسارية إلى حركة «إلى الأمام الشيوعية» التي تأسست في عام 1976، ولكنها دُمرت لاحقًا على يد الملك الحسن الثاني إبان الحرب الباردة وقمعه لكل حركات المعارضة، بما في ذلك الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والتي كانت مركزًا للتنظيمات السياسية اليسارية. واليوم، حصلت أغلب الأحزاب اليسارية المغربية على الاعتراف القانوني، وتبنت نضالاً سياسيًا من داخل مفاصل الدولة الحديثة.
ومع ذلك، فإن بعض الجماعات الطلابية الراديكالية، بما في ذلك البرنامج المرحلي والقاعديون، يمثلون حركة هامشية منعزلة من المجتمع السياسي المغربي، إذ تبنى البرنامج المرحلي استخدام العنف كجزء لا يتجزأ من أيديولوجيته، ولعل ذلك رد فعل على سنوات القمع التي تعرض لها أفراد تلك الجماعة.
ومن وجهة نظر الطلاب المنتمين لليسار والتيار الديني، فإن البرنامج المرحلي هو السبب في العنف السائد في الجامعات. أما من وجهة نظر الطلاب اليساريين الراديكاليين، فإن الشوفينية الظاهرة للصحراويين المؤيدين للاستقلال والحركة الثقافية الأمازيغية هي العامل الأخطر في الجامعات في كل أنحاء البلاد.
الجماعات الطلابية الإثنية والوطنية
يُنظر إلى الجماعات الطلابية الصحراوية المؤيدة للاستقلال بأنها مرتبطة بجبهة البوليساريو وحكومة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في المنفى؛ بسبب موقفها السياسي من قضية حق تقرير المصير، بينما ترتبط الحركة الثقافية الأمازيغية بالحركة القومية الأوسع التي تطالب بالاعتراف بلغة الأمازيغ وثقافتهم وتاريخهم.
وفي أرجاء البلاد، تتميز علاقات أعضاء تلك الجماعات الراديكالية ومؤيديها مع كل الجماعات الأخرى تقريبًا بالتوتر، إذ يعتبرون أن الطلاب الصحراويين مؤيدون للقومية العربية، ما يناقض الهوية الأمازيغية، وهم يعارضون جميع أشكال الجماعات الدينية، ما أدى إلى المماحكات مع الطلاب الإسلاميين، وهم يطالبون بنوع من التنظيم المبني على الهوية، ما يخالف أفكار الطلاب الماركسيين الأمميين، ويقول المراقبون إن الخطين الأساسيين للتوتر في الجامعات المغربية هما التوتر بين الصحراويين والأمازيغ، والتوتر بين الإسلاميين واليساريين/العلمانيين.
الانقسامات ومناطق النفوذ
تساهم الأهداف السياسية والأيديولوجيات والهويات دون شك في زيادة التوترات التي قد تؤدي إلى العنف بين الفصائل الطلابية في الجامعات المغربية، وبالتالي لا تعد حالة عبد الرحيم بدري استثنائية. فمنذ نهاية عام 2017، نشرت الصحف المحلية أن جامعة مولاي إسماعيل في مكناس قد شهدت محاولتي قتل بين طلاب من الحركة الثقافية الأمازيغية والبرنامج المرحلي، وفي نفس الشهر، تصادم الطلاب من نفس الفريقين مرة أخرى في جامعة فاس، ما يُبيّن كيف يمكن انتشار أحداث العنف وتضاعفها بناء على منطق الأخذ بالثأر.
وكانت فاس، موطن أول جامعة في العالم، مسرحًا للعديد من أحداث العنف بين طلاب الجامعة، كان أولها في بدايات عقد التسعينيات من القرن الماضي، عندما اتهم أعضاء حركة التجديد الطلابي في قتل الطالب اليساري بنعيسى أيت الجيد، ومؤخرًا، قتل عبد الرحيم الحسناوي المنتمي للتجديد الطلابي في إبريل/نيسان 2014 علي يد مجموعة من الطلاب اليساريين بالأسلحة البيضاء.
وكان آخر تلك الصدامات في 7 مارس/آذار 2018، عندما وقعت مواجهات بين طلاب ينتمون لجماعة العدل والإحسان ونظرائهم من البرنامج المرحلي، والتي خلفت عشرات من الجرحى وتدميرًا واسع النطاق في ممتلكات الجامعة والمناطق السكنية المجاورة. وأشارت التقارير المحلية إلى أن الطلاب استخدموا الحجارة وجنازير الدراجات والأدوات الحديدية لإيقاع أكبر قدر ممكن من الأذى على بعضهم البعض. لقد وصل مقدار الدمار الناتج من تلك الأحداث أن وسط مدينة فاس والطريق الرئيسي إلى مطارها الدولي ظلا مغلقين حتى استعادت قوات الشرطة سيطرتها على المكان.
ونشب النزاع بين هذين الفصيلين، اللذين يتحكم كل منهما في أجزاء مختلفة من نفس الحرم الجامعي، في محاولة من كل منهما منع الفصيل الآخر من إقامة نشاطات سياسية في الفضاء الذي يتحكم فيه كل منهما، ويعكس هذا المنع التناقضات الأيديولوجية بين الإسلاميين والعلمانيين، إذ يتمسك كل منهما بموقف راديكالي مختلف عن الآخر حول القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية الرئيسية. وشهدت جامعات فاس أعلى مستويات العنف بين الجماعات الإسلامية واليسارية/العلمانية، بداية من منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ما يجعلها أسوأ المناطق في البلاد فيما يخص العنف الطلابي.
عقلية الضحية الجمعية ودورة العنف
تُعرِّف الجماعات الطلابية المغربية نفسها وفق التجارب الجماعية للتعرض للعنف المباشر، خاصة الهجمات على النشطاء الطلاب على مدى زمني يصل إلى 50 عامًا. لقد اغتيل عمر بنجلون من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في عام 1975، وقُتل المعطي بوملي في جامعة وجدة في 1991.
واستهلت أحداث العنف بين الإسلاميين واليساريين في فاس بمقتل عبد الرحمن الحسناوي في 2007، وقتل عمر خالق الطالب في الحركة الثقافية الأمازيغية على يد طلاب صحراويين في جامعة القاضي عياض في مراكش. وفي 2016، قام طلاب بحلق شعر فتاة تدعى شيماء بالقوة والاعتداء عليها بالضرب. وفي جامعتي وجدة في ديسمبر 2017، وفاس في يناير 2018، اختطف أعضاء من الحركة الثقافية الأمازيغية طلابًا من الجامعتين واعتدوا عليهم بالهراوات وهددوهم ببتر أعضائهم أو ذبحهم، وفقًا للصحافة المحلية.
لقد خلّدت الجماعات المعتدى عليها ذكرى تلك الهجمات، على سبيل المثال، من خلال الأناشيد التي يتغنى بها الطلاب في اجتماعاتهم، ما يجعل من تلك الذكريات وقودًا للتشكك في الجماعات الأخرى وتبرر الهجمات الانتقامية عليهم.
ويأتي موت عبد الرحيم بدري كنتيجة لدورة العنف تلك، إذ يرى البعض أن مقتله مرتبط بمقتل عمر خالق في 2016، وبالتالي فإن العنف الواقع بين الطلاب المغاربة ليس محض صدفة، وإنما نتاج للانقسام العميق في المجتمع السياسي الذي فشل في التفاعل مع أصغر أعضائه لضمهم في الفضاء السياسي الوطني ولتطوير سياسات بناء على حاجات الأغلبية.
ينبغي أن ينظر إلى مقتل عبد الرحيم كجزء من السياق السياسي الأوسع وطنيًا وإقليميًا. فرغم كل شيء، فهو ضحية للنزاع الأكبر على الهوية في الدولة المغربية، إذ ناضلت كل من الحركتين الصحراوية والأمازيغية طويلاً للحصول على الاعتراف بحقوقهم.
فقد وصف عبد الرحيم بأنه مؤيد لاستقلال الصحراء، في بدل تنكر رسميًا وجود دولة صحراوية، في نزاع شهير أدى لنشوب صراع عسكري بين المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو في سبعينيات القرن الماضي، ولذلك، يجب أن ينظر للنزاع داخل الجامعة بأنه مسألة تهم الأمن القومي والشئون الخارجية، ما يهدد بتوسع محتمل في دائرة العنف.
من المسئول؟
يعكس العنف بين طلاب الجامعة فقر التعليم الجامعي المغربي، الذي يفتقر خريجوه إلى القدرة على إدارة الاختلاف في سوق مليء بالأفكار، ويبدي بعض الشباب قلقًا حيال تلك الظاهرة، والتي قد تؤدي إلى نشوء جيل من الضحايا والمعتدين، ويحمل في ذاكرته تجارب أليمة من العنف والانتقام على حد سواء.
ويسود شعور على نطاق واسع بين المغاربة بأن الدولة وحكوماتها المتتابعة تتجاهل تلك المسألة وتتعامل معها بسلبية، وهو موقف ساهم، ولا شك، في اتساع نطاق تلك الحوادث. وقد أشار تقرير أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان في 2014 إلى دور الدولة كعامل حاسم في العنف المنتشر في الجامعات بسبب العنف المفرط من جانب قوات الشرطة، والفقر الذي يعاني منه أغلبية الطلاب، وتفضيل بعض الطلاب على أقرانهم لأسباب سياسية.
وبعيدًا عن دور الدولة، تحتاج الأحزاب والحركات السياسية إلى إشراك قادة الحركات الطلابية وإدماجهم فيها، بدلاً من استخدامهم في نشر نفوذهم السياسي داخل الجامعات. فمن حق هؤلاء الشباب والفتيات التعبير عن رؤاهم السياسية حول مستقبل البلاد والنضال من أجل مصالحهم داخل المجتمع، ويمكن لمنظمات المجتمع المدني المشاركة في تكريس هذا الدور القيادي لطلاب الجامعات، خاصة في الجماعات التي لا تحمل أي انتماء سياسي، ويمكن أن يمثل الاستقلال السياسي للمجتمع المدني عاملاً إيجابيًا في تيسير التواصل بين الفصائل المختلفة غير القادرة على فتح قنوات اتصال أو الرافضة للانخراط مع الجماعات السياسية الأخرى.
وفي الوقت الراهن، لا ترى النخب في المجتمع المغربي فائدة من إشراك الشباب في الحياة السياسية، ولكن إذا تصاعدت وتيرة العنف على المدى الطويل، فلن يكون أمامهم خيار آخر لمواجهة التطرف العنيف (سواء الديني أو الهوياتي أو الأيديولوجي) سوى فتح مساحة سياسية شاملة ومتزنة وتشاركية للجميع.