يُقال إن الفارق بين الجنون والعبقرية هو شعرة، إذا ما تم نزعها إما سيتم كشف النقاب عن أفكارك أو ستخرج إلى حيز التنفيذ تلقائيًا وتصبح في قمة الذكاء. بالرغم أن ذلك دليلًا على أن الجميع سواء كانوا صُلعًا أو لا فَهُم بالقطع مجانين؛ لأنه من غير العقلاني أبدًا الحكم على مستوى تفكير شخص ما من مظهر رأسه مثلًا. من السهل علينا أن نحكم على عبقرية شخص ما من عدمها بقراءة نظرياته فحسب، ولكن يبدو أننا في زمن نحتاج فيه إلى هؤلاء العباقرة لا للتفرغ لأبحاثهم ولكن لتحديد ووضع وصف مُحدد للجنون بدلًا من الطرق السطحية المعتمدة في ذلك، وهل له علاقة بتصرفات الشخص المُتهم بذلك أم من مظهره أو ملامحه، أو من المستوى العقلي لمن يدعي تلك على من لا يفهمه.

في بعض الأحيان تصبح الصحافة أشبه بمكاتب التحقيق الفيدرالية، عندما تضع وصفًا ما لهذا أو ذاك اللاعب في عنوان مثير للجدل ومن ثم يلتصق به حتى مماته. إذا كان حظه جيدًا وتم مدحه آنذاك سيحصل على فرص كثيرة مهما كانت أخطاؤه، إذا ما تم انتقاده وبشراسة فعلى الأغلب لن يتم التركيز عليه سوى عند ارتكابه لأخطاء أُخرى فقط لا غير، وعندما تكون تلك التقارير عن بعض أسرار الحياة الشخصية التي لا مجال للجمهور أن يتابعها على الهواء مباشرةً لتصديق أو تكذيب ذلك، وهو ما يُعرف بتخصيص الفكرة العامة التي من الصعب جدًا أن تتغير. الموقف الرائع؟ محاولة فاشلة لتجميل الصورة، الغضب والتنفيس عن أية مشاعر سلبية هو ما يؤكد ذلك الانفراد.

الصحف تتعامل مع بالوتيللي على أنه الأكثر جنونًا على الإطلاق في عالم المستديرة، ولكن هل هو الأكثر جنونًا بالفعل؟


المُشتبه به في مشاكل باريس مختبئ في نيس!

هل تعتبر السخرية من أصدقاء العمل دعابة؟ ربما ولكن إذا كانت في ما بينهم، أما إذا حدث ذلك على الملأ فهو أمر لا يدعو سوى للسخرية فقط من تلك المنظومة التي لا قواعد لها أو من ذلك الشخص الذي يفعل ما يحلو له من تلقاء نفسه دون مراعاة شعور بقية الزملاء أو احترام رؤساء العمل أو أي شيء من هذا القبيل. لا أعتقد أن بالوتيللي سبق له وأن فعل ذلك في مانشستر سيتي، ميلان، ليفربول أو نيس ولكن بالعكس كلما تحدث عنه أحد قال إنه محبوب جدًا في غرفة خلع الملابس ويضيف أجواءً من المرح وأن ذلك دعاهم للاستغراب مما يُثار حوله في وسائل الإعلام المختلفة.

من قام بذلك هو سيرجي أورييه لاعب باريس سان جيرمان عندما كان يرد على أسئلة مشجعيه على تطبيق بيرسكوب، ونعت لوران بلان مدرب الفريق العاصمي آنذاك بأنه شاذ لأنه يحاول إرضاء إبراهيموفيتش بأي شكل من الأشكال، كما قام بالاستهزاء من بعض زملائه مثل دي ماريا ووصفه بالدُمية قبل أن يعتذر ويتم رفض اعتذاره، يُعاقب بالتدرب مع الرديف لعدة أسابيع عاد بعدها إلى الفريق الأول ومن ثم رحل بلان وجاء إيمري، ولأن النادي لم يقم بقطع الفرع المائل في الفريق حدثت مشكلة جديدة من نفس اللاعب مع المدرب الجديد.

ربما تكون المشادات في التدريبات عادية مثلما فعل بالوتيللي مع مانشيني أو حتى دييجو كوستا مع كونتي طالما الأمر انتهى بسرعة ولم يصل لحد نعت المدرب بألفاظ بذيئة، وكذلك من الطبيعي أن يغضب لاعب ما بسبب تبديله لأنه كان غاضبًا من مستواه، وقد لا يرد التحية للمدرب أو يركل إحدى مقاعد البدلاء بعنف، تصرف غير مقبول ولكنه مبرر، ولكن ما بدر من أورييه قبل تبديله في مباراة لوريان حيث استغرق ثماني دقائق بالتمام والكمال من أجل أن يكون مستعدًا للنزول إلى أرض الملعب، وهو ما أثار حفيظة إيمري وتعجب الوافد الجديد «جويديس» الذي ظل ينظر له هو يرتدي الشورت والجوراب في هذا العدد من الدقائق!، في اليوم التالي علقت صحيفة ليكيب على الحادثة وكتبت «المزاج في الجوراب».

https://www.youtube.com/watch?v=5KJM4hMDk8I


باريس تعاني

باريس لديها مشاغب آخر وهو بن عرفة الذي نُشر أحد الفيديوهات القصيرة له بين شوطي مباراة باريس سان جيرمان وبوردو وهو يقول لمساعد أوناي إيمري: «أصواتكم عالية، قل له يصمت ودعونا نلعب». وذلك تعليقًا منه على صراخ المدرب الإسباني المعتاد أثناء مباريات فريقه من أجل توجيههم. كذلك خلافه مع إيمري في بداية الموسم بسبب أنانيته المفرطة جعلت إيمري يصرخ في وجه بن عرفة ويقول له: «لن تستطيع الفوز بالمباراة بمفردك، لا تظن نفسك ميسي»، ولكن حتى الإعلام لم يظنه بالوتيالي، فقد فشل في ذلك!.

أورييه مطلوب في مانشستر يونايتد وبرشلونة بحسب بعض التقارير، بن عرفة يربط بقاءه من عدمه باستمرار أوناي، أما بالوتيللي فلم يكن رحيله عن ليفربول مجانًا مرضيًا حتى لكاراجير، ليُعلق مدافع ليفربول الأسبق على ذلك باستهزاء شديد ويقول إن مغادرته بدون مقابل لا زال سعرًا باهظًا بالنسبة لفريق نيس، لا تتعجبوا من بعض العناوين أنه انتقل إلى نيس من أجل أن يفتعل المشاكل في باريس، فَلطالما أحبت المواقع ذلك الربط الغبي المُثير.


اطمئن، أنت لست بالوتيللي

لطالما لم تجد الصحافة حرجًا من أن تتحدث عن أمور شخصية لبعض لاعبي كرة القدم وأبرزهم بالطبع هو ماريو بالوتيللي. دعونا نخوض في تصرفات لآخرين كان يجب ألا تمر مرور الكرام و لكنها مرت لأن صورة بالوتيللي ليست في الصفحة الأولى أو لم يتواجد اسمه في العنوان، وكأن كلمة بالو مثلًا باتت عبارة عن مصطلح كروي يعني أن شخصًا ما في العالم هو من يرتكب الحماقات، تم إيجاده بالفعل ويُعاقب على ذلك حتى الآن لأن الجمهور أحب ربطه بكل القصص المثيرة للجدل، لذا فأنت في أمان على الأغلب مهما ارتكبت من أفعال مشينة ولكن يُرجى الحذر وعدم تكرارها سوى من حين إلى آخر.

ماذا يفعل بالوتيللي في التدريبات؟، تلتقط له صورة وهو يقاطعهم فجأة فتكتب إحدى الجرائد انظروا إلى بالوتيللي وهو يجلس كالأخرق ولا يبالي بما يجب عليه فعله، هل كان يمزح مع أحد اللاعبين فقام برمي أي شيء عليهم فوجد طريقه في وجه أحد الصحفيين وجعله يؤلف؟، لا خلاف في أن ماريو دائمًا ما يحب كسر القيود بسبب مزاجيته الشديدة، ولكن ماذا عمن لا يحب أن يتدرب أساسًا؟ مثل عادل تاعرابت الذي قال عنه ريدناب إنه لا يريد الركض وسخر من أدائه في إحدى المباريات مع الرديف وقال بأنه يمكنه الركض أكثر منه، وعندما انتقل مجانًا إلى بنفيكا لم يستمر معهم وتمت إعارته إلى جنوى خاصة بعد أن طلب النادي منه أن يُخفض من وزنه قبل أن يلمس الكرة.

ماريو بالوتيللي (يسار) و عادل تعرابت (يمين).

لذلك اعتبر الكثيرون أن أغرب تصرف قام به تاعرابت هو انتقاده لماريو بالوتيلي ووصفه إياه أنه ليس بمهاجم من الطراز الرفيع؛ لأنه لا يسجل الكثير من الأهداف ويلعب لنفسه فقط بالرغم أن المغربي في الأساس هو من يحتاج إلى النصيحة ولو كان يتدرب مثل بالوتيلي لكانت مسيرته أفضل مما هو عليه الآن، ولكنه تصريح لن يتذكره أحد قط، ولكن الكل يعرف ما قاله بالوتيللي منذ ولادته تقريبًا وتلك القبلة التي كان يريدها من ملكة إنجلترا إذا ما ساعد المنتخب الإنجليزي بصورة غير مباشرة في مونديال البرازيل الماضي، مرورًا بتلك التصريحات الإبراهيموفيتشية أو التي يلقنها لهم وكيل أعمالهم رايولا، ولكن ثقة بالوتيللي بنفسه لا تروق لكثيرين بعكس السلطان السويدي.

وكذلك بعض التصرفات الأُخرى بخلاف التصريحات مثل زيارته لأحد السجون المخصصة للنساء في مدينة بريشا الإيطالية لدرجة جعلت رايولا يتعجب من أن واحدًا من رجال الشرطة هرع إلى أن يحكي ذلك بالرغم من أنه لم يحدث شيء، ولكن فقط لأنهم تأكدوا أنه ماريو بالوتيللي. بالوتيلي آنذاك تم رفض دخوله إلى السجن لأنه لم يكن لديه تصريح خاص بالزيارة فاعتذر وغادر المكان، ولكنه لم يعلم أن مراعاة خصوصيته أو عدم تهويل الأمر قد تم حبسهما بتهمة الأفعال المنافية للسكوت عنها فقط لأنها ستعجب الصحافة.


لماذا دائمًا أنا؟

ماريو بالوتيللي (يسار) و عادل تعرابت (يمين).

يأتي ذلك بالرغم من أن هناك من تُكتشف بعض أسراره في بعض المقابلات الصحفية وبمجرد قراءتها فقط تتعجب أنه لم ينل شهرة أكبر من ماريو بالوتيللي؛ مثل كيفن برنس بواتينج لاعب ميلان السابق الذي أجرى حوارًا مع صحيفة الجارديان منذ شهرين والتي كانت بها بعض العناوين الصادمة مثل أن الزعيم الجنوب أفريقي الراحل نيلسون مانديلا قال له إن ابنته تريد أن تتزوج منه، وما قاله بواتينج بأنه قام بشراء ثلاث سيارات في يوم واحد يوم أن كان لاعبًا لنادي توتنهام، ألا تعتبر الصحافة الإنجليزية ذلك جنونًا؟، وأين كان هؤلاء المحررين الذين اكتشفوا أنه قام بحرق منزله بسبب بعض الألعاب النارية؟.

لا أجد تفسيرًا لما يحدث مع ماريو بالوتيللي سوى أنه عبارة عن ضحية دائمًا، سواء لظروفه ومنها طفولته الصعبة التي بالطبع لها تأثير بشكل أو بآخر على شخصيته المزاجية، أو للهتافات العنصرية التي يعاني منها دومًا في إيطاليا أو لوصف بيرلسكوني له بالتفاحة الفاسدة وكأنه تفاحة آدم الفاسدة وكل من يعبث في أي مكان له علاقة بكرة القدم، السبب يؤول إلى ماريو بالوتيللي لأنهم من نسله . منذ شهر أجرت محطة مونتي كارلو لقاء مع بالوتيللي تكلم خلاله عن عديد من الأمور مثل بعض اللاعبين الشباب؛ عن العنصرية، إيطاليا وكافاني، ولكن العنوان كان مقتبسًا من كلامه عن كافاني لأنه قال إنه لا يملك لمسة مُبدعة مثل دي ماريا وفالكاو ليكتب على إنستغرام أنه لن يجري أي لقاءات أخرى لأنه بحسب ما قاله ليس لعبة في أيديهم، ولكنهم من المؤكد سيجدوا ضالتهم في لاعب جديد سيعاني من تخصيص فكرة عامة عنه «ليست صحيحة على الأغلب»، ولكن لم يتم التراجع عنها لأنها لسوء حظه لاقت صدى واسعًا، في ما يُعرف بشعرة بالوتيللي بين الطبيعة والجنون!

المراجع
  1. بالوتيللي والإعلام.
  2. تصريحات عادل تعرابت.
  3. تصريحات كيفين برنس بواتينج.