عودة الوحوش: قِف لـ«كُرْتي البُعبع» وفِّه التبجيلا
إنه ليوم سعد..
أخيرًا، سيعود وحوش شركة المرعبين للشاشة مُجددًا، وهذه المرة ليست في فيلم قدّم لنا 92 دقيقة من المتعة الخالصة، وإنما في مسلسل كامل، عسى ألا يقل عظمة عن العملين السابقين اللذين ضمنا لنفسيهما مكانًا أبديًا في مخيلة الأطفال والكبار.
الموسم الأول من المسلسل الجديد، الذي ويحمل عنوان «الوحوش في العمل Monsters At Work»، أُعلن عن بدء العمل به في نوفمبر 2017م، وكان من المُقرر أن تعرضه، حصريًّا، شبكة «Disney +» التلفزيونية (قائمة على اشتراك مدفوع مثل نتفليكس) في 2020م، لكن لاحقًا تقرر تأجيل العرض الأول إلى 2 يوليو المقبل، ليوافق ذكرى مرور 20 عامًا على عرض النسخة الأولى من العمل الأيقوني «شركة المرعبين»، ووفقًا لتصريح سابق لمخرج السلسلة ستيفن أندرسون، فإن الموسم الأول من المسلسل سيتكون من 10 حلقات.
لم تتضح كثير من التفاصيل بشأن الحبكة الرئيسية للعمل، إلا أن التسريبات التي ظهرت في بعض وسائل الإعلام الأمريكية أشارت إلى أن القصة سيكون مسرحها الأساسي أجواء العمل في شركة المرعبين التي توفّر الطاقة لمدينة «مونستربوليس» عبر التسلل لغرفة الأطفال وإضحاكهم، مع وجود العديد من الصراعات الدرامية التي تجري بين موظفي الشركة.
كما يتضح من الإعلان الترويجي الأول للمسلسل أن الحبكة ستعتمد على 3 أفراد رئيسيين من الأعمال السابقة، هم: جيمس سوليفان (شلبي في النسخة العربية)، مايك وازاوسكي (مارد وشوشني/ كرتي البعبع في النسخة العربية)، روز والتي حملت ذات الاسم في النسختين الإنجليزية والعربية.
أعلن القائمون على المسلسل أن الطفلة «بوو» (اسمها في الفيلم ماري، ولكنه لم يتداول كثيرًا بين الجمهور) التي لعبت دورًا حاسمًا في الجزء الأول، لن تظهر في المسلسل بعد ما لم يتضمّن سيناريو العمل أيَّ دورٍ لها.
بخلاف سوليفان ومايك وروز، يتّضح من الموقع الرسمي لديزني، أن المسلسل سيتضمن 7 شخصيات ظهرت سابقًا في الفيلم.
يعيش المسلسل في الأجواء التي فرضتها نهاية الجزء الأول من الفيلم، والتي صعد بموجبها جيمس/ شلبي إلى رئاسة الشركة، فيما اكتشفنا أن روز تقود قوات مكافحة الأطفال، الجهة الأمنية الأقوى بالمدينة، وتخلّصا من أستاذ أبو عنكبوت رئيس مجلس الإدارة الشرير.
وبموجب قواعد اللعبة الجديدة التي أرساها شلبي/جيمس و مارد وشوشني/ كرتي البعبع / مايك، بعد ما فرضا على شركة المرعبين الكفِّ عن استعمال صراخ الأطفال كوقود والاعتماد على ضحكاتهم بدلاً منه، وهو حتّم تغيير شعار الشركة من «نحن نخيفهم لأننا نهتم we scare because we care» إلى «الضحك هو ما يبحثون عنه Laughter is what they’re after».
وهي تحديدًا الأجواء التي تدور فيها أحداث المسلسل، الذي تدور أحداثه خلال فترة زمنية تكاد تتطابق مع نهاية الجزء الأول من الفيلم، وكأنه امتداد طويل لأحداثه تمضي فيها على نفس المسار. وهنا يجب ألا ننسى أن الجزء الثاني الذي صدر في عام 2013م تضمّن مرحلة زمنية سابقة على الجزء الأول، وقدّم مغامرة للأبطال خلال فترة دراستهم بالمدرسة، لذا لا خطأ هنا في أن المسلسل المزمع صدوره سيستكمل أحداث الجزء الأول لا الثاني.
لكن هذه المرة لن يكون سوليفان أو مايك هما أبطال الحبكة الرئيسية، وإنما الميكانيكي البارع تيلور توسكمون الذي يحلم بالعمل مع أسطورة الرُعب سوليفان، يقوم ببطولة دوره الممثل بن فيلدمان، الذي شارك لتوِّه في تجربة شديدة الشبه، أقدمت فيها ديزني على تحويل فيلم «بيج هيرو Big Hero» إلى مسلسل قدّمت ديزني عدة مواسم متلاحقة منه على شبكتها التلفزيونية المشفرة.
نجاح هذه التجربة دفع ديزني إلى العمل على استثمارها أكثر، وتحويل عملها الرائد «شركة المرعبين» إلى مسلسل يبدو أنه في طريقه لنجاحٍ مضمون قبل أن يظهر حتى على الشاشات، لاستناده على السمعة الهائلة التي نجح جزئيًا الفيلم في تحقيقها وظلت جذوتها باقية في نفوس عشاق ديزني حتى اليوم.
لماذا أحببناه؟
مثّل صدور الجزء الأول من «شركة المرعبين المحدودة» حدثًا فارقًا في تاريخ أفلام الأنيميشين، ليس فقط لأنه استكمل النجاح المدوّي الذي حققته ديزني فور طرح الجزء الأول من فيلمها «حكاية لعبة Toy story»، ولا لأنه حقق إيرادات فاقت 450 مليون دولار.
عكوف مئات المبدعين على أدق تفاصيل عمليات صناعة الفيلم، دفعهم لإحداث طفرة فارقة في مسار صناعة تلك النوعية من الأفلام، تزاوجت فيها علوم الفيزياء والرياضيات مع فنون الرسم والسيناريو لتصنع المستحيل، بلغت هذه العمليات من التعقيد والنجاح أن أفسح متحف العلوم في ولاية بوسطون الأمريكية جناحًا كاملاً عن كواليس صناعة بيكسار لأفلامها حمل عنوان «العلم خلف بيكسار»، وبالطبع استأثر المرعبون بحصّة الأسد من مساحة هذا الجناح.
وفقًا لمخرج الفيلم بيت دوكتر، فإنه احتاج إلى 5 أعوامٍ كاملة فقط للانتهاء من سيناريو الفيلم بالاتفاق مع فريق ديزني. ولنعرف حجم الاختلاف الذي أحدثته هذه السنون الخمسة على فِكر الراجل يكفي أن نعرف أن تصوره الأول لحبكة الفيلم قامت على «مُحاسب في الثلاثين من عُمره، يكره وظيفته ويشعر بالملل خلال ساعات ممارسته لها، وفي أحد الأيام عثر على كتاب يحوي رسومات لوحوش كرتونية من تلك الفئة التي تخيف بها الأمهات أطفالهم على سبيل المزاح، لم يهتم ووضعه على رفِّ غرفته لكن بطريقة سحرية ما بدأت هذه الوحوش في الخروج من الكتاب ومطاردته في عمله وحياته».
بالتأكيد سيعلم أي أحدٍ شاهَد الفيلم، ولو مرة واحدة، أن هذه الحبكة الأولية لا تمت بصِلة من قريب أو من بعيد لما ظهر على الشاشات، ما يؤكد أن آلاف الساعات قد أُنفقت في مكاتب مبدعي بيكسار، لخوض مئات النقاشات التي طحنت كل تفصيلة فيها وطوّرت منهاحتى خرج هذا العمل بهذا الشكل إلى النور.
يحكي المخرج بيتر دوكتر: لمدة 5 سنوات داومت على التعاون مع ديزني في عملية تطوير القصة، كنت أعرض السيناريو عليهم فيكتشفون عشرات الثغرات فيها بطريقة ودية،أنتبه إليها فأعدّل القصة وتصبح أقوى وأعيد تقديمها إلى ديزني، فيعيدونها إليّ مُجددًا بثغرات جديدة، وهكذا استمرت العملية لمدة 5 سنوات حتى انتهينا.
فصحيح أن ديزني توفر لمثل هذه النوعية من الأفلام أعلى درجات الدعم التقني، لكن تبقى في النهاية القصة هي أساس كل شيء. يقول دوكتر: «يمكننا الحصول على صور مذهلة من الابتكار التقني، لكن بعد 5 دقائق سيشعر الجمهور بالملل، ويريدون مشاهدة قصة مثيرة، أنتَ تطلب من الناس الالتزام بمشاهدتك لمدة ساعة ونصف، يجب أن تجذب انتباههم بأحداث قوية».
لم يقتصر تميُّز الفيلم على هذا وحسب، وإنما على الصعيد التقني بُذلت جهودًا هائلة حتى خرج بهذا المستوى الذي لا يزال مُبهرًا للمشاهدين على الرغم من مرور 20 عامًا على صدوره.
خلال جلسات الإعداد، صمّم صنّاع الفيلم على إكساب كافة شخصيات العمل (بلغ عددها 50 وحشًا) أكبر قدرٍ من المصداقية وهي تخوض مغامراتها خلال الـ22 موقعًا التي استضافت أحداث العمل، بجودة تفوق التي ظهرت في الأفلام الكرتونية ثلاثية الأبعاد التي صدرت سابقًا، وهي «حكاية لعبة» بجزأيه عام 1995م و1999م و«حياة حشرة» عام 1998م.
ومع بداية الألفية، كان على بيكسار استغلال الخبرة الفنية الهائلة التي جمعتها من صناعة هذه الأفلام الثلاثة لتوفير أكبر دعم فنّي وتقني يحتاجه إصدارها المرتقب «شركة المرعبين».
وهو ما تضمّن الاعتماد على كمبيوترات فائقة القوة تُواكب العمليات الفنية شديدة التعقيد التي تقوم بها فرق الإضاءة والصوت والرسم والتحريك، احتاجت هذه الحواسب إلى استخدام 3500 معالج (processor) حتى تكون قادرة على تنفيذ المهام الموكلة إليها.
تولّى مهمة أعمال الإضاءة والتظليل 100 فردٍ تقني اعتنوا بكافة التفاصيل الضوئية في كل المشاهد، وفي هذا العمل وصل فريق الإضاءة مستويات جودة لم تتحقق من قبل في أي عمل من هذا النوع.
ورغم ضخامة الدعم الحاسوبي الذي تلقّاه الجزء الأول، فإنه لم يكن كافيًا بنظر صانعي الجزء الثاني Monsters University، والذي تضمّنت أحداثه 400 بطلٍ، احتاج صنّاع العمل إلى وحدة كمبيوترات ضمّت 24 ألف معالج (processor) عملت قرابة 100 مليون ساعة حتى تكون قادرة على إصدار الفيلم في شكله النهائي.
وهو ما لا يُمكننا استغرابه، إن عرفنا أن رسامي بيكسار نفذوا أكثر من 227 ألف رسمة جسّدت كافة تفاصيل العمل لقطة بلقطة حتى خرج الفيلم الذي رأيناه على الشاشات.
لتخيّل مدى صعوبة الأمر، كشف أندرسون أن المشهد الواحد من الفيلم كان يحتاج إلى قرابة 80 ساعة من العمل بسبب حجم التعقيد العملياتي الكبير الذي تشهده اللقطة بالتعاون بين مهندسي الصوت والإضاءة ومصممي الجرافيك.
التحدّي الأبرز الذي واجههوه هو الشخصية المُشعرة للبطل شلبي/ سولي، وكيفية منْح حركة طبيعية للشعيرات الكثيفة التي تغطي جسده البالغ طوله 8 أقدام، هي مهمة تبدو شديدة التعقيد إذا علمنا أنه تعين التحكم في كل الشعيرات التي نبتت في جسد شلبي وتجاوز عددها الـ2.3 مليون شعرة. من أجل هذا الغرض جرى تصميم برنامج محاكاة بتقنية جديدة صُنعت خصيصًا من أجل الفيلم، استلهمت من فراء حيوان اللاما نموذجًا. هذا التمكُّن الهائل من التفاصيل هو أول ما يستقبلنا في «شركة المرعبين»، ويظهر في حركة جسد البطل سولي/ شلبي وهو يهتزُّ من النوم في المشهد الأول الافتتاحي، وكان تكوين الإطار الواحد لشخصية سولي يستلزم عملاً يستغرق 10- 12 ساعة.
لاحقًا، منح نجاح بيكسار في تصميم شخصية شلبي/سولي القُدرة على تقديم قرابة 400 وحش، بعضها يمتلك فروة كثيفة، في الإصدار الثاني.
كما اعتمد صنّاع الفيلم على جهود ثلاثة باحثين في مجال المحاكاة هم: ديفي باراف، أندرو ويتكين، مايكل كاس، تخصصوا تحديدًا في مجال «محاكاة القماش»، من أجل إضفاء الحيوية والمصداقية على حركة كافة الملابس التي ارتداها أبطال العمل، وكان أكثرها صعوبة هو قميص الطفلة «بوو»، الذي كان واسعًا على جسدها الضئيل الذي لم يزد طوله عن قدمين، ولم يتوقف القميص عن الاهتزاز طوال الأحداث بواقعية تطابقت مع حركة أي قميص طبيعي بنسبة تجاوزت الـ90%.
كيف أحببناه؟
هل يُمكن لأحدٍ من جيلنا أن ينسى جملة «احنا نستخدم معالق الشوربة، ونحفر نفق بره البلد، ونطلقها في الخلا»، أو ينسى وعيد روز لمارد وشوشني وهي تقول له «أنا حطّاك في دماغي، وبراقبك وهراقبك»، وغيرها من العبارات التي حُفرت في عقول محبي هذا العمل فور مشاهدتهم للنسخة التي حُولتْ إلى العربية بإتقان تام.
هذا العمل وقعتُ في غرامه فور رؤيته، وأحبّه ابني ذو الثلاثة أعوام فور رؤيته، وفي غالب الأحيان فإن ابنه سيحبه عندما يراه، وستظل هذه السلسلة تجري في عروقنا إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
قدّم لنا الفيلم نقيضًا لا مثيل له، هو «أنسنة الوحوش»، هل يُمكن أن تتخيل وحشًا يُعاني من مشكلة الكهرباء ويخوض علاقة عاطفية متوترة ويتناول عشاءً صاخبًا في نهاية اليوم مع حبيبته. هل يُمكنك أن تتعلّم قيم الصداقة والوفاء وإتقان العمل وكراهية الشر والغش من مغامرة يخوضها وحوش طيبون، حتى إن خُلقوا بمخالب وأنياب؟ حسنًا، ديزني فعلتها.
كانت النتيجة نجاحًا ساحقًا، 62 مليون دولار في أسبوع عرضه الأول، وعرضه فيما يزيد على 3600 عرض، وهو ما جعل طريقه لحصد ملايين الدولارات أمرًا مضمونًا، تجاوز الـ450 مليونًا بقليل، واحتلَّ بها المركز الـ11في قائمة أكثر أفلام الأنيميشن ربحًا في تاريخ ديزني.
والأهم من ذلك، أن أبطاله بقوا بين الجمهور حتى بعد رفع الفيلم من الشاشات، وهو الأثر الذي استغلته ديزني تجاريًا عبر بيع الملايين من مجسمات المرعبين كألعاب الأطفال عبر متاجرها، وبات من المألوف في هذه الألفية أن ينام الأطفال آمنين وهم يحتضنون لعبتهم الطيبة المتوحشة بعد ما كان مجرد مرأى الأنياب والقرون والمخالب محظور على الصغار.
وفي العام الماضي حقق الفيلم رقمًا قياسيًا في طلبات شراء نسخة DVD منه عبر الإنترنت، تجاوز الـ11 مليون أسطوانة في أسبوعٍ واحد، ما يؤكد أنه سيظل دجاجة لا تتوقف عن بيض الذهب لديزني طوال الوقت.
وبعيدًا عن الاستغلال التجاري لديزني، حقق بطلا العمل شعبية هائلة وانتشارًا قياسيًّا حول العالم بأسره في أشكالٍ متعددة بدءًا من القبعات والمقاعد وحتى الأيقونات الإعلانية والملابس وجرافيتي الشوارع، وهي أنشطة وإن لم تدرَ مالاً في جيوب ديزني إلا أنها بالتأكيد رفعت كثيرًا من أسهم الشركة حول العالم وأكدت مدى النجاح الفريد الذي حققه عملها.
احترمني أهل ديزني فقضوا سنوات لصُنع 90 دقيقة خالية من الثغرات تقريبًا، فرددتُ التحية بأحسنِ منها وقررتُ أن أحب هذه الدقائق للأبد، وأن أحب كل ما يُذكرني بها حتى لو كان وحشًا، ومن يومها لم أنسَ أبدًا ألا أنام إلا قبل إلقاء نظرة أخيرة على خزانة ثيابي لأتأكد من أنني لم أترك صديقي الوحش الكائن داخلها بلا تحية.