مجتبى بن خامنئي: التوريث على الطريقة الإيرانية
تسود إيران حالة من الترقب والتوجس بسبب حالة الغموض والتعتيم المتعمد التي تخيم على الأوضاع الصحية للمرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، والشائعات التي تنتشر حول وفاته، فقد ألغى الرجل البالغ من العمر 83 عاماً، اجتماعاته بعد تدهور حالته وخصوعه لعملية جراحية، وفقاً لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز»، وأوردت أيضاً أنه خلال زيارته الأخيرة إلى محافظة مشهد قال، إن هذه قد تكون آخر زيارة له إلى هناك.
ورغم تشكيك محمد مرندي، مستشار فريق المفاوضين الإيرانيين في فيينا، ونجل وزير الصحة الأسبق، في صحة ما أوردته الصحيفة الأمريكية فإن هناك أنباء عن أن نوبات حراسة قصر المرشد لم تتغير منذ عدة أيام مما يوحي بوجود رغبة في التكتم على شيء ما حدث داخل قصر المرمر.
مشروع توريث مجتبى
يُعد مجتبى الابن الثاني لعلي خامنئي، وهو أبرز أبنائه حضوراً وأكثرهم نفوذاً، ومؤخراً تزايدت التكهنات بقرب تنصيبه خليفة لوالده، وعزز من هذا الاحتمال إطلاق لقب «آية الله» عليه بالتزامن مع تدهور صحة أبيه، على اعتبار أن الدستور يشترط فيمن يتقلد منصب المرشد أن يكون من أهل الاجتهاد الفقهي؛ ففي أغسطس/آب الماضي نشرت وكالة الأنباء التي تغطّي أخبار الحوزة الدينية في إيران «راسا»، خبرًا عن فتح باب التسجيل في دورة فقهية لـ «آية الله الحاج السيد مجتبى خامنئي»، مع الإشارة إلى أن الرجل حصَّل هذه المكانة العلمية منذ 13 عاماً، أفاد فيها العديد من الطلاب والأساتذة، وفقًا للوكالة.
وهذه هي المرة الأولى التي ينشر إعلان دورة مجتبى خامنئي في «بحث الخارج» في وكالات الأنباء، مع أنها بدأت منذ عام 2008، وهي المرحلة الأخيرة من الدراسة في الحوزات العلمية عند الشيعة الاثني عشرية، وتسمى كذلك لأن البحث في هذه المرحلة يتم خارج كتاب محدد للدراسة، على عكس المراحل السابقة.
وجاء نشر هذا الخبر بعد شهر من نشر موقع «كلمة» المقرب من التيار الإصلاحي مقالاً لرئيس الوزراء السابق، وأبرز زعماء الحركة الخضراء الاحتجاجية، مير حسين موسوي، يحذر فيه من مشروع توريث مجتبى، مما عزز من مصداقية هذا التحذير الذي تضمن تشبيه هذا الوضع بالإمبراطوريات الفارسية الغابرة، قائلاً: «هل عادت السلالات التي يبلغ عمرها 2500 عام، كي يرث الابنُ الحكمَ من أبيه؟»، مبيناً أنه يسمع عن مؤامرة للتوريث عمرها 13 عاماً، قائلاً «إذا كانوا لا يسعون لها حقاً فلماذا لم ينفوا هذه الأخبار ولو مرة واحدة؟».
وتعرض مير حسين موسوي، لهجوم إعلامي عنيف من قادة في النظام، رغم أنهم جميعاً تجاهلوا إبداء أي تعليق على مشروع التوريث نفسه، وكما قال موسوي فإنهم لم ينفوا الأمر أيضاً، مما حدا بمهدي كَرّوبي، شريك موسوي في قيادة الحركة الخضراء، الذي يخضع للإقامة الجبرية أيضاً، للتضامن معه ضد الانتقادات معتبراً أن الموضوع الذي فتحه موسوي هو «أصل مشاكل البلاد»، وطالب بتوضيح الحقيقة دون جدوى.
وإذا تم التأكد من أن إطلاق لقب آية الله على مجتبى هدفه إعداده لوراثة العرش، فإنه يكرر بذلك ما وقع لوالده الذي لم يكن بلغ المرتبة العلمية التي تؤهله لخلافة سلفه روح الله الخميني في يونيو/ حزيران 1989، لكنه سرعان ما تم اعتباره حاملاً لهذه المؤهلات واختياره مرشداً أعلى.
ويحظى مجتبى بنفوذ هائل في الحوزة الدينية، والأهم من ذلك نفوذه على الحرس الثوري، ويشتهر بمشاركته لوالده في القرار وأنه عينه على العالم ومسئول التواصل مع قادة البلاد، بل الأدهى أنه يأخذ القرارات نيابة عنه رغم أنه رسميًا ليس له أي سلطة تخول له ذلك.
وليس للمرشد البالغ من العمر 83 عامًا، خليفة رسمي معروف، لكن الذي يعزز حظوظ نجله أنه فعلياً من يقوم اليوم بإدارة الأمور نيابة عنه حتى في النوازل والأمور الكبرى؛ فبحسب رواية الرئيس السابق للإذاعة والتلفزيون عبد العلي علي عسكري، فإن مجتبى اتصل به عقب مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020، قبل الفجر وأبلغه بالخبر وأصدر له تعليمات للتعامل مع الموقف، فهرع عسكري إلى مقر التلفزيون فوراً وأتى بجميع نوابه وعقدوا اجتماعاً عاجلاً لترتيب التغطية الإعلامية وإجراءات التأبين.
بينما ظل المرشد يغط في نومه حتى استيقظ في وقت صلاة الفجر ولم يكن لديه أي فكرة عما حدث، فوفقاً لما ذكره مهدي فضائلي، أحد أعضاء مكتب المرشد، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، فقد سلم مجتبى والده مذكرة تتضمن خبر اغتيال سليماني في صلاة الفجر، ثم أجاب والده شفاهة عن تساؤلاته ثم تركه ليؤدي أوراده الصباحية، بينما تابع هو المشهد بنفسه غالباً عبر التواصل المباشر مع الأجهزة المعنية، ثم أبلغ والده المسن بالأمر لاحقاً، بعد أن قام باللازم.
بل إن هناك حادثة قديمة ترجع إلى عام 2005، أي قبل الثلاثة عشر عاماً المذكورة على لسان مير حسين موسوي، وذلك خلال فرز الأصوات بالانتخابات الرئاسية التي نجح فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد، وحينها شكا المرشح الرئاسي، مهدي كروبي، من تغير نتائج فرز الصناديق فجأة، واستقال من مناصبه الرسمية احتجاجاً على ما حدث، وكتب رسالة إلى المرشد الأعلى يشكو إليه فيها من تدخل نجله مجتبى في السياسة وتغليب كفة نجاد مستغلاً اسم والده، وقال إنه سمع من أحد كبار المسؤولين أن مجتبى يدعم اسماً بعينه بناء على تزكية والده، ثم اتضح أن هذا التأييد كان رأي مجتبى الشخصي وليس المرشد.
وهو ما يوافق أيضاً شهادة شهرزاد ميرقليخان، المفتشة السابقة بالإذاعة والتلفزيون، في مذكراتها المنشورة عام 2020، وفي تغريداتها على موقع «تويتر» حيث فضحت تدخلات مجتبى في السياسة وتشكيل جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وسلطته على فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس.
عقبات التوريث
تقف عدد من العقبات في وجه مجتبى تصعب من مهمته وهي أنه حتى اليوم ليس له منصب رسمي في الدولة وبالتالي لم تُختبر قيادته لأي مرفق حكومي بشكل مباشر، إضافة إلى أنه ليس له شعبية كبيرة في البلاد بسبب عزوفه عن الأضواء، كما أن سيناريو التوريث يطعن في شرعية النظام الإيراني لأنه قام على فكرة حكم الملالي الذين يستمدون استحقاقهم من دورهم الديني بالأساس وليس بسبب النسب العائلي.
ويشير مفهوم «الشرعية» إلى معتقدات الناس حول السلطة السياسية، وهو الاعتقاد الذي بموجبه يمنح الأشخاص القبول للسلطة الحاكمة، ويرون ضرورة الامتثال لأوامرها، وترتبط الشرعية بتبرير السلطة السياسية.
وبالتالي فإن نظام ولاية الفقيه يبدو مقبلاً على أزمة شرعية في حال تولية مجتبى منصب المرشد، مما يجعل البعض يستبعد وقوع هذا السيناريو، فعلى الرغم من أنه من حقه كمواطن إيراني تولي المنصب إذا اختاره مجلس الخبراء واعتبروه مؤهلاً له، لكن المشكلة لا تكمن في العقبات الدستورية بل في افتقاد النظام لمبررات شرعيته أمام المواطنين حين يصبح المرشد الأعلى للثورة غريباً على مبادئ هذه الثورة التي قامت بهدف الإطاحة بالنظام الملكي ومبدأ التوريث.
كما أن هناك العديد ممن يفوقون مجتبى في المكانة العلمية والدينية، لكن أبرز الوجوه التي كان ينظر إليها كأسماء محتملة لهذا المنصب تم استبعادهم إما بالموت مثل محمود الهاشمي الشاهرودي الذي توفي عام 2018، أو بسبب خلافاتهم مع المرشد مثل صادق آملي لاريجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، الذي استقال من عضوية مجلس صيانة الدستور بعد استبعاد شقيقه، علي لاريجاني، من الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2021، وكذلك رحيل الرئيس الإيراني الأسبق، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان يُنظر إليه كمركز قوة يمكنه التأثير على اختيار المرشد أو حتى الاضطلاع بهذا المنصب بنفسه.