طالما ظلَلْنا نستبعد من حلول مشكلاتنا السياسية والاجتماعية والاقتصاديةِ- الفكرَ الإسلاميَّ وشريعته، فسنظل فقراء روحيًّا ومادّيًّا، تائهين ضالين، عن سواء السبيل.
الكاتب والمترجم محمد يوسف عدس

رجل عن عالمنا قبل أيام «محمد يوسف عدس»، المفكر والمترجم والمكتبى الكبير،وهو المولود عام 1934م فى قرية « بهوت »، بمحافظة الدقهلية، حفظ القرآن الكريم، ثم تنقل بين المدارس الابتدائية، ثم حصل على الثانوية العامة من مدرسة المنصورة الثانوية عام 1953م، ليلتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الدراسات الفلسفية وعلم النفس؛ وتخرج فيها عام 1957م.


مساره العلمي والمهني

التحق بدراسة الماجستير في الفلسفة، ثم بالدبلوم العام للمكتبات والمعلومات فور إنشائه بجامعة القاهرة،ثم انتدب مديرًا للمركز الثقافي بمانيلا «الفلبين»عام ۱۹٦٤م، وعلى إثر أزمة اقتصادية بمصر أغلقت المراكز الثقافية وعاد إلى مصر عام ۱۹٦٥م مع كل مديري المراكزالثقافية بالخارج.

عقب نكسة 1967م لم يتحمل الأجواء في مصر، وطلب السفر أكثر من مرة، حتى حصل على وظيفة مفهرس بمكتبة جامعة «بنديجو» عام 1971م، ثم في أواخر عام ۱۹۷٤م انتقل مع أسرته إلى كانبرا العاصمة الفدرالية. التحق بكلية كانبرا للدراسات العليا -جامعة كانبرا فيما بعد- ليدرس فيها : علوم المكتبات، ونظم استرجاع المعلومات، وإدارة المؤسسات.. حتى تخرج عام ۱۹۷۷م.

فى عام ۱۹۸۰م انتدبته منظمة اليونسكو خبيرًا ليشرف على إنشاء وتجهيز مكتبة جامعة قطر الجديدة، فتغلب على المشكلات التقنية وتمكن من وضع نظام ربط بين المكتبة ومركز المعلومات العالمية بمركز لوكهيد ديالوج بكاليفورنيا، وأحدث تطويرات كبيرة على مكتبات جامعة قطر بعدما عين مشرفًا عليها ورصد لمشروعه 11 مليون ريال، لتطوير المكتبات.

انتدب لمطالعة مكتبة الأزهر ووضع نظم لفهرستها وتحديثها، كما كان أحد الأعضاء المؤسسين لمشروع « إسهامات المسلمين فى الحضارة الإسلامية» الذى استهدف اختيار مائة كتاب من أبرز الكتب العربية التي اعتبرت من أهم ركائز الحضارة الإسلامية في شتى مجالات المعرفة والفكر، وإعادة نشرها وترجمتها إلى اللغات الحية الكبرى: الإنجليزية والفرنسية على وجه الخصوص. بعد ذلك طلب التقاعد عن عمله قبل الوصول لسن التقاعد الحقيقية ليتفرغ للكتابة والترجمة.


أهم إسهاماته الفكرية

ولا تقاس قيمة كتاب بسعة انتشاره ولا بحفاوة القراء به فحسب، وإنما تقاس _ إلى جانب ذلك – بنوعية القراء الذين احتفوا به وتناولوه بالقراءة والاستيعاب، أ/ محمد يوسف عدس، فى مقدمته على كتاب الإسلام بين الشرق والغرب

كان اهتمام «عدس» الأكبر منصبًا على التعريف بمشكلات دول العالم الإسلامي المهمشة، ومفكريه الأهم الذين لم تترجم كتبهم ليتعرف إليها العالم العربي، فقد ألقى الضوء على اثنين من أهم مفكري الإسلام في العصر الحديث، هما «محمد إقبال»، و«علي عزت بيجوفيتش»، واهتم بدراسة أعمالهما وترجمة وتلخيص العديد منها.

ومن بين أهم الكتب التي ترجمها:

الإسلام بين الشرق والغرب، لعلي عزت بيجوفيتش.

الإعلن الإسلامي، لعلي عزت بيجوفيتش.

البؤساء: مجموعة من القصص الفلبينية القصيرة للأديب الفلبيني «بي ْين ِف ِ نيدو سانتوس».

تجديد الفكرالديني في الإسلام لمحمد إقبال.

ومن مؤلفاته:

الإسلام والمسلمون في الفلبين .

الإسلام والمسلمون في آسيا الوسطى.

مقالات عن المفكر الإسلامي علي عزت بيجوفيتش.

الوجه الحقيقي للإمبريالية الأمريكية.

النهب المنظم لفقراء العالم: الشركات والتكتلات الاحتكارية.

الحرب البيولوجية والتحكم في البشر.

المترفون هم المفسدون.

ومسلسل التنازلات الجنوني عن الأراضي المصرية يسير بلا هوادة.. لتعميق الكراهية لدى الشعب المصري وصولا إلى صدام دموي مروع وحرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس.. ولكني أشعر بثقة وإيمان لا أستطيع تحديد مصدره أن هذه المؤامرة الإجرامية على مصر لن تصل إلى مبتغاها .

ولم يكن «عدس» منفصلاً عن القضايا الداخلية، فحتى آخر أيامه كان يشارك في الحياة الفكرية بمصر، وينشر آراء خاصة له حول الأوضاع الراهنة، فمن بين ما كتب حول الأحداث الأخيرة كان مقال عن «دونالد ترامب» وعلاقته بالسيسى،جاء فيه مثلاً:

نحن لا نجزع للانتصارات الوقتية التي تظنون أنكم تحققونها على الشعوب المقهورة .. ولن نمل من توجيه خطابنا المنطقي المخلص إلى العقلاء والحكماء من بنى جلدتكم لعلهم يقتنعون بأن ترامب وأمثاله لابد من إعاقتهم عن مواصلة السير في طريق الإجرام الذي يستهدف به الآخرين ولكنه
أيضاً سيرتد إلى الشعب الأمريكي الذي يقوده رجل مجنون إلى طريق الهلاك.

وقارن في مقال بعنوان إلحاد الانقالب لا ابتداع ولا عبقرية أوجه الشبه بين أيديولوجية النظام الحاكم في مصر وخطابه، وأيديو لوجية المؤسسين للاتحاد السوفيتي فيما يخص علاقتهم بالدين ونشر الإلحاد.

كما دافع عن الإخوان المسلمين، فكتب فى مقال له بعنوان الشنان والبهتان في الهجوم على الإخوان : «لقد عرفت الإخوان عن قرب منذ سنة 1٩٤٨، كان منهمّ أصدقاء وأقارب وزملاء فبالدراسة والعمل، عرفت منهم مجاهدين فى فلسطين ضد الصهيونية المغتصبة، وفدائيين في قناة السويس ضد الاحتلال البريطاني .. كان بعضهم يخرج بعد كل معركة يبكي أن لم يقبله شهيدًا بعد.. وكان منهم ضحايا الاعتقال والتعذيب والاضطهاد والسجن بتهم باطلة.. وأشهد أن بطولتهم وتضحياتهم في الدفاع عن حدود مصر- بعد انهيار الجيش وانسحابه – هي التي صدت عدوان إسحاق رابين في محاولته الالتفاف على العريش، ولولاهم لكانت العريش اليوم جزءًا من الأراضي المحتلة».

وحول المقاطعة العربية لدولة قطر كتب مثلاً: «أن مصدره هو إسرائيل وخادمها الأمريكي ترامب .. ويصب في إطار الخطط الإسرائيليةالصهيونية».

كانت أهمية «عدس» بخلاف كونه مفكرا إسلاميا معاصرا كبيرا، وبخلاف كونه من علماء المكتبات والفهرسة، أنه أجاد فى فهم من يترجم لهم، لقد عايشهم، لم يكن الأمر عنده مجرد ترجمة، يبدو لك كم بذل من الجهد لتخير نوع الكتاب الذى يقدمه لك، لقد أحب الكتب والكتاب، وخالطت أفكارهم أفكاره، خاصة مع عظم إدراكه للأبعاد الفلسفية للكتاب، فكان فى كثير من الأحيان يتحدث هو لا المؤلف من وراء مقولات كاتبه.

المراجع