محمد جواد ظريف.. الدبلوماسي الذي تربى على طاولة المفاوضات

محمد جواد ظريف، اسم لفت الأنظار بشدة في الآونة الأخيرة واحتل مساحات واسعة على صفحات الأخبار وفي عناوين وكالات الأنباء العالمية كواحد من الدبلوماسيين الأبرز حول العالم. هو وزير الخارجية الإيراني الذي قد يتحول في الغد القريب إن لم يكن قد صار بالفعل واحدا من سياسيي إيران التاريخيين وربما أبطالها الشعبيين؛ وربما قد نراه قريبا على رأس الدولة في إيران.. فمن هو؟

نشأته وتعليمه

وُلد ظريف في السابع من يناير 1960 لأُسرة محافظة؛ يقول ظريف عن أسرته المتدينة أن والديه منعاه من متابعة وسائل الإعلام المتعددة حفاظاً على سلوكه في مطلع حياته، ما دفعه لشغل جُل وقته في الإطلاع على كتب المفكر الإيراني على شريعتي، فتشرّب أفكاره الثورية منذ نعومة أظفاره. أرسله والداه للتعلم في أحد المعاهد الدينية الخاصة في طهران (معهد علوي Alavi Institute).

أرسلته أسرته في السابعة عشر من عمره لإتمام تعليمه في الولايات المتحدة الأمريكية خوفاً عليه بعد تبنيه لأفكار الثورة في حقبة المراهقة، فالتحق بإحدى جامعات سان فرانسيسكو San Francisco State University وحصل على درجة الماجستير من الجامعة في العلاقات الدولية بين عامي 1981 و 1982 وحصل على درجة الماجستير مرة أخرى في العلاقات الدولية من جامعة دنفر University of Denverعام 1984 واستكمل تعليمه حاصلاً على درجة الدكتوراه في القانون الدولى عام 1988.

ظريف بين طاولات المفاوضات

1. أزمة الرهائن الأمريكيين فى سفارتهم بطهران (1979-1981)

في الرابع من نوفمبر 1979 في أعقاب الثورة الإيرانية نجح عدد من الطلاب في اقتحام السفارة الأمريكية واحتجزوا عددا من الدبلوماسيين الأمريكيين بداخلها مطالبين الإدارة الأمريكية بتسليم الشاه الهارب لمحاكمته داخل إيران. فشلت المفاوضات واتجهت الولايات المتحدة لشن هجوم عسكرى في الرابع والعشرين من إبريل 1980 نتج عنه تدمير مروحيتين أمريكيتين ومقتل ثمانية جنود أمريكان ومدني واحد إيراني. انتهت الأزمة بالتوقيع على اتفاقية الجزائر 19 يناير 1981؛ وأفرج عن الرهائن رسميا في اليوم التالي.

اندلعت الأزمة وكان ظريف يبلغ من العمر 19 عاماً. كان حينها عضواً في الجمعية الطلابية الإسلامية في الولايات المتحدة. وفي 1980 إثر قطع العلاقات الدبلوماسية بين ايران والولايات المتحدة أثناء الأزمة، كُلف بإغلاق القنصلية الايرانية في سان فرانسيسكو.

2. أزمة الرهائن في لبنان (1982-1992)

مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان وقعت بعض العمليات العسكرية المناهضة للغرب، استُهدف خلالها عدد من العسكريين والمدنيين الأجانب. ضمن هذه العمليات ما عُرف إعلامياً بأزمة الرهائن التي اندلعت أحداثها بخطف 96 فردا ترجع أصولهم لـ21 جنسية أجنبية أغلبهم أمريكيون. ومع تعالى الصيحات الإعلامية التي تحذّر من تصدير الثورة الإيرانية لباقي دول المنطقة، أشارت أصابع الاتهام لحزب الله اللبناني الذي نفى بدوره أي صلة له بالحادثة.

قضى من الرهائن ما لا يقل عن ثمانية، بعضهم قُتل بأيدي الخاطفين، وبعضهم مات لعدم توفر الرعاية الصحية المناسبة. لجأت إدارة ريجان لطريق المفاوضات بعدما فشلت كل محاولات تحرير الرهائن. لعبت إيران دور الوسيط بين الخاطفين والإدارة الأمريكية؛ وضمنت نتائج المفاوضات لحزب الله حقه في التسليح طوال فترة الحرب الأهلية وعدم العدوان عليه إزاء تلك الحادثة كونه أحد المتهمين. وكان ظريف على حداثة سنّه -كان يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً- ضمن الوفد الإيراني المفاوض في الأمم المتحدة لإجادته اللغة الإنجليزية إضافةً إلى علاقاته ببعض الساسة الأمريكان.

3. المحادثات الإيرانية الأمريكية بعد الحادى عشر من سبتمبر

أدرك ظريف حقيقة الصدمة التي أحدثتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فسعى بكل ما أوتي من علاقات مع أصحاب القرار الإيراني لبحث سبل التعاون مع الولايات المتحدة للقضاء على الأعداء المشتركين في أفغانستان -طالبان والقاعدة. عقدت الإدارة الأمريكية عدة لقاءات مع نظيرتها الإيرانية لبحث سبل التعاون للقضاء على نظام طالبان بدعم لوجستي من الجارة الإيرانية وتشكيل حكومة جديدة لا تشكل خطراً على كليهما.

واستطاعت تلك المحادثات التي دعمتها إرادتا الطرفين الحقيقية للتخلص من نظام طالبان، أن تمكّن لحكومة كرازاي. وفى هذا السياق قال السفير جيمس وبينز -رئيس الوفد الأمريكى- في حق نائب وزير الخارجية الإيرانى، جواد ظريف في ذلك الوقت: «تمكن ظريف من تحقيق الانفراج النهائي الذي من دونه لم يكن ممكناً لحكومة كرازاي أن تتشكل». إذ يرجع دوره بالأساس إلى إقناع الداخل الإيراني بقبول المحادثات وأهمية التعاون مع الولايات المتحدة في هذا الشأن بالرغم مما بين البلدين من قطيعة.

4. المفاوضات النووية 2003 – 2015

في عام 2003 لازم جواد ظريف حسن روحاني عندما كان في منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين. ووافق الأخير على تعليق تخصيب اليورانيوم وتعزيز المراقبة الدولية للمواقع النووية الإيرانية. مجيء الرئيس السابق أحمدي نجاد إلى سُدة الحُكم حال دون إتمام المشروع التفاوضي وأطلق المشروع النووي الإيراني مرةً أخرى.

كانت إقامة ظريف الطويلة في الولايات المتحدة وراء معاداته ومهاجمته من قبل المعسكر الإيراني المحافظ. وبعد أن أقاله الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد 2007، انضم إلى مركز الأبحاث الإستراتيجية الذي كان يترأسه حسن روحاني.

ومع تولي حسن روحانى مقاليد السلطة في إيران، تولى ظريف حقيبة الخارجية وترأس الوفد الإيراني المفاوض في الشأن النووى في إطار رغبة أمريكية-إيرانية لإتمام هذا الاتفاق؛ الأمر الذي تكلل بالنجاح أواخر مارس الماضي بالاتفاق على تشديد الرقابة على الأنشطة النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الإقتصادية التي أثقلت كاهل المواطن الإيراني على مدار أعوام كثيرة.

تدرج ظريف في سلّم السلطة

1. شغل منصب نائب وزير الخارجية الإيرانية 1992-2002 في عهد الرئيس الإصلاحي سيد محمد خاتمي خلفاً للاريجاني.

2. عُيّن ممثلاً لإيران لدى الأمم المتحدة 2002-2007 في عهد الرئيس خاتمي وخلفه أحمد نجاد. دفعت إقامته الطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية بعض رجال المعسكر المحافظ فى إيران لاتهامه بالانضمام إلى ما أسموه “عصابة نيويورك” إشارةً لدبلوماسيين ليبراليين موالين للولايات المتحدة. كان ذلك ذريعة لعزله من منصبه عام 2007 من قبل الرئيس الإيراني السابق أحمد نجاد. خلفه في وظيفته الدبلوماسي الإيراني محمد خزاعي.

3. التحق بعد عزله من منصبه بمركز الأبحاث الإسترتيجية الذي كان يترأسه الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني.

4. وفي أغسطس عام 2013 كلفه الرئيس الحالي حسن روحاني بتولي حقيبة الخارجية بعد موافقة أغلبية أعضاء البرلمان -الذى سيطر عليه المحافظون- بعدما أثبت مهارة خطابية وتفاوضية فائقة.

دبلوماسي الداخل والخارج (جماهيرية ظريف)

يتمتع ظريف -الذي يحرص دائماً على أناقته وحسن مظهره- بشعبية كبيرة بين الشباب والمثقفين الإيرانيين. كما حقق الكتاب الذي يحمل سيرته الذاتية (آقای سفیر / السيد السفير) مبيعات كبيرة في أوساط المثقفين الشباب. و بينما تفرض الجمهورية الإيرانية قيوداً صارمة على شبكات التواصل الإجتماعي، فإن السيد السفير يتميز عن نظرائه في الحكومة بحساب خاص على موقعي التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك.لاقت صفحته الرسمية على فيس بوك حتى موعد نشر التقرير 950 ألف متابع (هنا).

لاشك أن شعبية السيد السفير في ازدياد مستمر، خاصة بعد إتمام الاتفاق المبدئي مع الدول العظمى في إطار المساعي الإيرانية لرفع كافة العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطن الإيراني على مدار السنوات العشر المنقضية. وقد استقبلته الجماهير الإيرانية في طهران عقب عودته من جينيف على رأس الوفد المفاوض.

اقرأ المزيد:إضاءات من كتاب “إيران.. الثورة الخفية”