محمد صلاح وإبراهيم خضرة: أي المواقف سيذكرها التاريخ؟
رسالة أخرى ينشرها محمد صلاح عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي بمناسبة أعياد الميلاد. حديث عن حرب وحشية تجري هناك في ما يسمى بالشرق الأوسط ثم إشارة لغزة وما تعانيه من دمار وأخيرًا رجاء بألا نعتاد معاناة ضحايا الحرب. ربما تتفق مع المنشور وتراه رسالة دعم واضحة وربما تختلف لاعتقادك بأهمية دور صلاح المفترض، إلا أنك على الأغلب لم تتوقع هذا المنشور من الأساس.
توقع الكثيرون أن ينشر صلاح احتفالًا معتادًا بعيد الميلاد، وبخاصة بعد ظهوره رفقة فريقه ليفربول الإنجليزي أثناء توزيع الهدايا على الأطفال بمناسبة الكريسماس، لذا جاء هذا المنشور رغم اختلاف البعض معه ليخفف من وطأة الانتقادات التي طالت صلاح الأيام الماضية.
واحد من تلك الانتقادات جاء على لسان رجل لا يملك تأثير صلاح لكنه فعل كل ما بوسعه حتى لا ينسى العالم أبناء فلسطين أو يعتادون معاناتهم، رجل يعرف صلاح عن قرب ويعرفه صلاح بالطبع؛ مراسل قنوات بي إن سبورت الفلسطيني إبراهيم خضرة.
إبراهيم خضرة: الذي رمى الكرة في ملعب ليفربول
بدأ خضرة العمل الإعلامي في المجال السياسي، من تلفزيون فلسطين ثم قناة روسيا اليوم ثم وصل لندن أخيرًا للعمل لدى بي بي سي. وهربًا من الأجندات السياسية التي تفرض على الجميع اتخاذ مواقف مسبقة، قرر الرجل التحول للعمل في عالم كرة القدم بعيدًا عن السياسة وذلك من خلال قنوات الجزيرة.
ربما يتذكر الجميع اسم خضرة الذي اقترن بموقف له علاقة بشكل مباشر بمحمد صلاح إبان فترة تجديد عقده مع ليفربول، فقد نقلت عنه كل المنصات منشوره عبر منصة إكس (تويتر سابقًا) الذي أكد خلاله حديث صلاح الحصري له بأن الكرة في ملعب ليفربول للتجديد لا في ملعبه.
يشير لك هذا الموقف مدى متانة العلاقة بين محمد صلاح والمراسل الفلسطيني وإذا كنت من متابعي حسابات الأخير ستجد عشرات المنشورات التي تتغزل في إمكانات وأرقام وأهداف صلاح.
لم تمنع هذه العلاقة إبراهيم من توجيه الانتقاد علانية لمحمد صلاح بعد ظهوره بملابس الكريسماس، كان الانتقاد قاسيًا بحجم المحبة ربما لكنه كان قاطعًا للحد الذي وصل للرهان بحتمية تذكر التاريخ لموقف صلاح المتخاذل.
حديث له شجون
قد يعتقد البعض أن حديث إبراهيم هذا لا يستحق تسليط الضوء؛ كونه مجرد حديث غاضب لا يسيء لأسطورية محمد صلاح في شيء. لكننا في الحقيقية بشيء من التأمل قد نتفهم أن هذا الحديث يليق جدًا بعلاقة الفلسطينيين بمحمد صلاح وبالقضية ذاتها التي لولا الرهان على حتمية إنصاف التاريخ لما بقوا يناضلون فيها إلى الآن.
وبشيء من الإنصاف أيضًا سنجد أن كل حديث غاضب من أبناء فلسطين تجاه موقف صلاح هو حديث منطقي تمامًا، فمع كل شعور بالفخر أو فرحة حملها فلسطيني في قلبه تجاه محمد صلاح كونه عربيًا يلعب في أوروبا كانت الحاجة الشديدة لدعم هذا الرجل للقضية.
أما الرهان على تذكر التاريخ للمواقف فيبدو هذا منطقيًا تمامًا، فجماهيرية صلاح المتعلقة بكونه لاعب كرة قدم والآراء المبررة لصمته كونه لاعبًا عربيًا نجا بفضل مجهوده المتواصل من العنصرية في إنجلترا لن تكون ذات نفع أبدًا بعد اعتزال الملك المصري لكرة القدم.
اختار صلاح أن يكون متوازنًا في وقت لن يقبل فيه أبناء القضية هذا التوازن أبدًا، حتى التصريح الأخير المتعلق بعدم نسيان ضحايا غزة وشهدائها غُلف بحديث عن عنف يحدث في الشرق الأوسط مع تمنيات بكريسماس سعيد للجميع.
يترك صلاح دومًا ثغرة يمكنه العبور من خلالها نحو جانبي القضية دون أن يكون له موقف حاسم رغم وحشية العدو وضخامة مصابنا.
كانت الثغرة التي تركها صلاح ليعبر من خلالها عن الوقوف بجوار القضية الفلسطينية هذه المرة هي فكرة التأكيد على ضرورة عدم نسيان ضحايا غزة وألا نألف قتلهم، وفي الحقيقية إذا أراد صلاح نفسه أن يفعل ذلك عليه أن يتبع خطوات نفس الرجل؛ إبراهيم خضرة.
إبراهيم خضرة: لا ينساهم
بعيدًا عن رمزية الخلاف بين صلاح وخضرة، فإن إبراهيم نفسه لا يمكن تصنيفه كمجرد مراسل رياضي مهمته مقابلة النجوم. فنحن هنا رفقة رجل وُلد في غزة واقترب من دوائر السياسة وأحيط بها علمًا، لذا فمن المنطقي أن نتوقع موقفه الواعي منذ بداية أحداث القصف في غزة.
قرر خضرة أن يحول حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة به إلى منصات لبث كل ما يتعلق بالأحداث، وهذا الموقف كان في منتهى الأهمية رغم بداهته.
فمع بداية الأحداث شعر الكثير من متابعي كرة القدم أنهم لا يمكنهم متابعة ما اعتادوا متابعته من فعاليات الكرة وكأن شيئًا لم يكن. إلا أن حسابات مثل حساب إبراهيم كانت هناك كدليل وسط عتمة الأحداث.
مزج خضرة بين نقل الأحداث وبين كرة القدم بشكل مثالي من خلال منشورات تتعلق بالأحداث وأخرى لها علاقة بكرة القدم في فلسطين وأخرى عن تعرضه شخصيًا للاضطهاد في إنجلترا بسبب ارتداء الكوفية الفلسطينية.
مع إبراهيم خضرة، يمكنك ألا تشعر بالخزي أنك متابع محب لكرة القدم كما أنك من المؤكد ستعمل بنصيحة صلاح ولن تنسى أهل غزة ولن تألف أبدًا مُصابهم.
بطل بالعافية
على الجانب الآخر يتعامل الإعلام المصري بشيء من التأييد المطلق وبالكثير من الدعم غير الواعي. ففي كل مرة يظهر صلاح لحفظ ماء وجهه يحتفل الإعلام المصري ويؤكد أن صلاح لن ينسى أبدًا وأنه الرجل الحكيم الذي لا يهتز بالضغط بل يظهر في الوقت المناسب.
لا نطالب صلاح بالتزام موقف محدد تجاه القضية، لكن على الأقل ألا يصبغ المدافعون عنه صفة البطولة به وهو اختار بمحض إرادته الحياد مع شيء من التحدث من زاوية الإنسانية التي تليق بالجميع وليس بأبناء القضية.
وفي كل الأحوال سيذكر حتمًا التاريخ هذه المواقف، وربما حينئذ يتحول خضرة إلى أسطورة حقيقية ليلحق بأسماء مثل الدحدوح وأبو حطب وغيرهم ويكتفي صلاح بالوقوف في منتصف الطريق.