أغنية أنا الملك: معارك «محمد رمضان» الخيالية وجنون العظمة
ينفتح باب القصر لتظهر سيارتان فاخرتا المنظر٬ في الخلفية قصر عالٍ بشرفات كثيرة٬ تدخل الكاميرا للقصر لنجد سلمًا مزدوجًا مهيبًا٬ ينزل من أحد جوانبه نمر ومن الجانب الآخر أسد٬ تتجول الكاميرا لتظهر مسبحًا عملاقًا يحوي طوفًا على شكل طاووس٬ على الطاووس يضجع محمد رمضان متقلدًا سلاسل ذهبية وحزامًا يشبه أحزمة أبطال المصارعة٬ هناك فتيات يرقصن حوله في كل مكان.
يظهر الفنان «محمد رمضان» طوال أغنيته الجديدة «أنا الملك» عاري الجذع، يرقص بمباهاة يستعرض عضلاته السمراء اللامعة٬ يقفز ملوحًا بقدميه الاثنتين مؤديًا ركلة٬ ليست صعبة ولكنها استعراضية٬ يدير ظهره للكاميرا أكثر من مرة ويمشي مبتعدًا، الأغنية هذه المرة مفرطة في التباهي والاستعراضية والتفاخر، حتى عنوانها مستفز للغاية، مما جعل أحد المتابعين يكتب معلقًا: «بعد نمبر وان وأنا الملك في انتظار أغنية أنا المسيح الدجال».
جنون العظمة
جنون العظمة/ توهم العظمة Delusion of Grandeur يعرف حرفيًا بأنه مرض عقلي يصيب الإنسان ليجعله يتبنى مزاعم خاطئة، يرى نفسه فيها يمتلك مميزات خارقة٬ كأن يصدق أنه عبقري، بل أكثر البشر عبقرية٬ أو أن يتوهم أنه أكثر إنسان مشهور أو أنه أغنى رجل٬ وتوهم العظمة هو – على الأغلب – أحد أعراض مرض السكيزوفرينيا أو الفصام.
في أغنية محمد رمضان الجديدة «أنا الملك» يمكنك أن تستمع بوضوح لصوت توهم العظمة يناديك٬ الموضوع لا يحتاج للتدقيق في الكلمات أو قراءة ما وراء المشاهد٬ هو يقول:
الأغنية نفسها اسمها أنا الملك٬ رغم أننا في مجتمع يعطي أولوية كبيرة للانتباه لألفاظ التعظيم والتفخيم، ويقارنها تلقائيًا بأسماء الله٬ ويتحسس جدًا من أوصاف مثل عظيم وملك وما إلى ذلك٬ نحن في مجتمع يبدأ كلامه بجملة أعوذ بالله من قولة أنا٬ مما يعطيك انطباعًا بأن لفظة ملك لا تطلق على أي شخص٬ فماذا عن لفظة الملك؟
محمد رمضان٬ الذي يتباهى دائمًا بأنه معجون بأرض هذا البلد٬ وأنه خارج من طينه٬ ويدافع عن نفسه دومًا بأنه يشبه كل الشعب المصري٬ يلقب نفسه اليوم بالملك٬ اللقب الذي سوف يجعل كل من يستمع للأغنية يستغفر ويحوقل٬ يمكنك أن تتصفح التعليقات على يوتيوب٬ سوف تجد مئات التعليقات التي تذكره أن الملك هو الله، رجوعًا إلى تعريف توهم العظمة٬ ألا يدق هذا أي جرس في عقلك٬ خرج الأمر عن كونه تباهيًا ساذجًا أو أحمق بشهرة أو بأموال وسيارات ونجاح٬ يبدو أن الأمر خرج عن السيطرة بالفعل.
اضطراب الشخصية النرجسية
يعرف اضطراب الشخصية النرجسية Narcissistic Personality disorder بأنه مجموعة من الصفات تكون نمطًا شخصيًا يتسم بالاعتداد بالنفس٬ والرغبة الدائمة في نيل الإعجاب٬ مع انخفاض معدلات التعاطف والحساسية تجاه الآخرين٬ ويتسم الشخص المصاب باضطراب الشخصية النرجسي بالتمحور حول ذاته٬ وبأنه لا يمكن أن يرى في سلوكه أي شيء خاطئ أو مشين٬ وهو على استعداد دائم لتبرير تصرفاته تبريرات تلاقي قبولًا مجتمعيًا.
يمكنك ببضع ضغطات على أزرار جهازك الذي تقرأ منه الآن أن تبحث عن آخر الحوارات التي أجراها محمد رمضان مؤخرًا٬ ابحث عن تصريحاته٬ ادخل على صفحته الشخصية على فيس بوك٬ كل الطرق ستقودك إلى صفحات كتب علم النفس، حيث تجد تعريف الشخصية النرجسية يستقبلك بترحاب٬ نظرته المتحدية وحديثه الدائم عن أنه يركز فقط في نجاحاته ولا يشغله كثيرًا ما يقوله عنه الناس٬ نجاحه دائمًا في لي عنق الحقيقة وحديثه الدائم عن اجتهاده ووصوله للقمة٬ انتهاءً بأغنيته اليوم أنا الملك.
ألا يذكرك هذا بأي شيء؟ هذا هو اضطراب الشخصية النرجسية كما يمكنك أن تراه في الكتب٬ الأغنية واضحة جدًا ولا تقبل أي تأويل.
البارانويا
تعرف البارانويا Paranoia بأنها مرض عقلي يتميز بحزمة من الأعراض التي تتمحور حول القلق والخوف والشعور بالملاحقة والخيانة٬ يصاحب البارانويا مجموعة من الأوهام والضلالات التي يعتنقها المريض، والتي في الغالب توهمه أنه ملاحق وأنه مكروه، وأن هناك من يريد إيذاءه بشكل دائم٬ وهي باختصار محل اعتقاد راسخ بأنه يعرف أسرارًا أو يمتلك قدرات أو يتميز بمميزات تجعل أشخاصًا بعينهم يريدون القضاء عليه والتخلص منه.
في أغنيته الجديدة يبدأ محمد رمضان بتوجيه الحديث لأشخاص مجهولين حاولوا عرقلة طريق نجاحه٬ وتهديده وإقصاءه عن الساحة الفنية٬ وتنبئوا له بأنه لن يستطيع تحقيق أي شيء٬ ويتباهى أمامهم أنه استطاع تحقيق ما حاولوا إثناءه عنه.
وكأن كل من اشتغلوا بالفن وجدوا من يفتح لهم أبواب المجد٬ وكأنه هو الوحيد الذي لاقى صعوبات وواجه أشخاصًا لم يؤمنوا به في البداية٬ هذا رغم أن محمد رمضان في الوسط الفني من أقصر قصص الوصول للقمة٬ هو لم يتعذب بما يكفي لكل هذا العويل٬ ولكن البارانويا ليست في حاجة لأسباب قوية أو منطقية٬ هي أصلًا أوهام وضلالات لا يراها ولا يؤمن بها سوى المصاب بها فقط.
نحن مجتمع «أنت مش عارف أنا مين؟» في حين أنك دائمًا تسمع هذه الجملة من شخص ليس ذا حيثية من أي نوع، ولكنه يتشدق بها. نحن مجتمع الأشباح والنجوم والخطرين، محمد رمضان ذكي قطعًا، لا أحد ينكر ذلك، وقد وجد ضالته في هذا المجتمع الذي اختلت معاييره وتراجعت فيه الفنون والآداب، وبرزت فيه «الشّبْحَنة»، ولكن ما يحدث معه مؤخرًا خرج عن كونه ذكاء وحرفة في استغلال الأوضاع لصالحه ليدخل من أوسع أبواب المرض النفسي، ما يحدث الآن هو أن محمد رمضان يحارب أعداء لا يراهم غيره، ويحاول إثبات ما هو معلوم بالضرورة، وكل الخوف أن يخرج علينا يومًا ليعلن أنه المسيح الدجال فعلًا.