متلازمة محمد هاني: لماذا لا يتطور بعض اللاعبين؟
في ذات اللحظة التي تأكدت فيها إصابة أكرم توفيق الظهير الأيمن بقطع في الرباط الصليبي أدركت فورًا جماهير الأهلي أنها في مشكلة حقيقية. يمكنك تلخيص فترة أكرم مع الأهلي طبقًا للجماهير على أنها فترة اطمئنان بعد كثير من القلق.
يتعلق هذا القلق باللاعب محمد هاني، والذي كان يشغل مركز الظهير الأيمن قبل أن يحتفظ أكرم باللعب أساسيًا ويبدأ الجميع في مقارنته بأحمد فتحي متجاهلين تمامًا فترة هاني التي توسطت اللاعبين، أكرم وفتحي.
في ذات الفترة كان محمد هاني يقدم أداءً ممتازًا رفقة الأهلي في بطولة كأس العالم للأندية، مسجلًا هدف الفريق الوحيد ضد مونتيري المكسيكي. رغم ذلك لم تشعر جماهير الأهلي بالاطمئنان رفقة هاني والسبب ببساطة يقين الجماهير بأنه في لحظة ما يمكنه إفساد كل شيء مثل ناشئ يلعب مباراته الأولى.
يمكننا أن نطلق على هذه الحالة ببساطة متلازمة محمد هاني. وأن نعرف تلك المتلازمة على أنها كيف للاعب كرة القدم ألا يتطور مع الوقت رغم أنه يمتلك مقومات جيدة إلى حد كبير.
نعم، يمتلك هاني مقومات جيدة من حيث السرعة والتحكم بالكرة، لكنه ما يعيبه أنه يفقد فجأة أساسيات مركزه من حيث التغطية العكسية أو دقة إرسال العرضيات. العجيب في الأمر أن تلك الأساسيات تتطور مع الوقت لأي ظهير يلعب كرة القدم بشكل مستمر.
لماذا إذن لا يتطور هاني رغم كثرة المشاركة؟ دعنا ببساطة نحاول أن نفهم لماذا يتطور بعض لاعبي كرة القدم والبعض الآخر لا.
فيما يعرف بالذكاء الكروي
تشعر الجماهير بعد أخطاء هاني المؤثرة أن لاعبهم لا يمتلك الذكاء الكافي للتصرف في المواقف التي تبدو بسيطة. لكن كيف يمكننا قياس الذكاء في كرة القدم؟ كيف يتجلى معدل ذكاء لاعب كرة القدم على أرض الملعب؟
حسنًا، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة Journal of Sports Sciences يؤدي لاعبو كرة القدم المحترفين من 150 إلى 250 نشاطًا خلال المباراة.
هناك قدر هائل من المعلومات التي يجب استيعابها داخل عقل اللاعب مثل تعليمات المدرب وحساب قوة التمريرات والتسديدات. ناهيك عن الوعي المكاني للاعب وكيف أنه يتخذ كل تلك القرارات بأسرع وقت وسط آلاف الجماهير مع إيمانه بأن كل قرار يتخذه قد يغير من نتيجة المباراة.
ليتطور لاعب كرة القدم فيما يتعلق بالذكاء الكروي ولكي ينظم كل تلك الفوضى داخل رأسه يحتاج إلى عدة خصائص أساسية وذلك طبقًا للمدير الفني لشركة QPR السيد كريس رامسي.
أهم تلك الخصائص يمكننا تسميته الوعي. وعي اللاعب يتعلق بمدى إدراكه لمركزه وشكل اللعبة من حوله. من أقرب للكرة اللاعب نفسه أم الخصم؟ ماذا سيفعل بالكرة هل يستعد أن يركل الكرة ويركض وراءها أم يثبت الكرة ويمررها لأقرب لاعب؟
أعتقد أن أكثر المشاهد التي يظهر بها هاني مرتكبًا أخطاء ساذجة تتعلق بوعيه بالمكان الذي يقف فيه، وكيف أن جناح الخصم أصبح فجأة أقرب للكرة جاعلًا هاني خارج المشهد.
السؤال المنطقي الآن: كيف يطور اللاعب من وعيه داخل الملعب؟ الإجابة الأساسية هنا هي عملية المسح Scanning والتي تعني ببساطة أن يواصل اللاعبون النظر من فوق أكتافهم أثناء المباراة لالتقاط صور ذهنية لزملائهم في الفريق وخصومهم وحدود الملعب.
مع تكرار عملية المسح تلك يأخذ اللاعب القرارات الصحيحة فيما بعد بشكل مباشر ودون تردد وكأنها قرارات فطرية.
تتيح عملية المسح تلك للاعب إنشاء خريطة ثلاثية الأبعاد لما يدور حوله ثم استكمال اللعب وأخذ القرار طبقًا والتكتيك الذي يتبعه ومعرفته بمهارات الخصم الذي شرحها المدرب بالفعل.
يصل هذا بنا إلى عنصر آخر من عناصر الذكاء الكروي وهو فهم تكتيك اللعبة. يتعين على اللاعب تنفيذ تعليمات المدرب؛ لذا يجب على اللاعب أن يكون متعدد الوظائف ذهنيًا للأدوار والمسؤوليات التي يعطيها له المدرب طبقًا لكل تكتيك.
لا يمكن أبدًا أن يحصل لاعب كرة القدم في مصر على رواتب مليونية أكثر من بعض لاعبي أوروبا ثم تجده لا يفهم تكتيكات اللعبة، بينما يحاول الجمهور نفسه القراءة ومشاهدة الفيديوهات التحليلية لكي يفهم التكتيكات المختلفة.
أما العنصر الثالث للذكاء الكروي فهو إدارة العواطف. أفضل اللاعبين لا يتحكمون فقط في عواطفهم، بل يوجهونها. القدرات الفنية لأي لاعب لا تساوي شيئًا دون التحلي بالذكاء العاطفي. يجب أن يطور لاعب كرة القدم قدراته الجسدية والعاطفية والمعرفية بشكل مستمر.
في الأخير يمكننا أن نؤكد أنه خلافًا للاعتقاد الشائع فإن ذكاء كرة القدم لا يتعلق بالتفكير، بل يتعلق بتجاوز عملية التفكير والانتقال مباشرة إلى الحدث وكأنك فكرت به من قبل. لأنه في كرة القدم إذا بالغت في التفكير فقد انتهيت.
لكن لكي تطور نفسك يجب أولًا أن تعترف بوجود تقصير. دعنا الآن نذهب لمستوى آخر إزاء محاولة بعض اللاعبين تطوير أنفسهم وقدراتهم.
لا أحد فوق النقد
لا ينكر البعض أن آراء الجماهير تتسم بالكثير من التطرف في أحيان كثيرة. ولا يقبل أحد أن يتعرض محمد هاني لموجات من التقليل لكن في المقابل على هاني أن يدرك أن تلك الانتقادات تضوي تحت رايتها الكثير من الحقيقة.
فكرة الحديث عن محمد هاني كونه ناشئًا رغم التقدم في السن ترجع لأن أخطاءه عادة بسذاجة أخطاء الناشئين. هل أدرك هاني تلك الأخطاء؟ لا بالطبع بل خرج ليؤكد أنه لا يلتفت لأي انتقادات لأن من ينتقدونه «ناس فاضية».
في المقابل، فإن أفضل ظهير أيمن في العالم، والرجل الذي لا يتوقف عن التطور لم يفعل ذلك أبدًا.
نتحدث هنا عن ترينت أرنولد بالطبع. مر أرنولد بفترة تذبذب مستوى حيث بدأ يشكك البعض في قدراته الدفاعية إبان مرحلة ليفربول السيئة خلال الموسم قبل الماضي. لم يخرج ارنولد للتقليل من تلك الانتقادات أبدًا، بل قرر أرنولد عوضًا عن ذلك أن يقوم بدورة تدريبية على الرؤية مع الدكتور دانيال لابي كجزء من اتفاقية تجارية مع شركة ريد بول.
كان على أرنولد أن يحدث دكتور لابي مرتين في الأسبوع عبر برنامج زووم. ثم بدأ ممارسة بعض الألعاب عبر الإنترنت والمصممة لتحسين وعيه المحيطي. جوهر تلك الألعاب هو تتبع شيء ما بينما تومض أشياء أخرى ما قد يسلب تركيزك ولكن عليك أن تحافظ على تركيزك وسط المشتتات.
تطور الأمر مع الوقت حيث تطلبت بعض الألعاب ارتداء رقعة للعين أو استخدام سماعة رأس للواقع الافتراضي. أدرك أرنولد أنه يتطور بالفعل ما جعله يلتزم بتمرينات لابي لأربعة أيام في الأسبوع.
نعلم جيدًا أن هاني لن يتوفر له مثل تلك التدريبات المتطورة، لكن الشاهد هنا إلى أي مدى قد يصل اللاعب في محاولة التطور والتواضع إزاء الانتقاد وهبوط المستوى؟
حسنًا، هكذا يفكر الظهير الأفضل عندما يتذبذب مستواه، والنتيجة أنه يعود أفضل مما كان.
لكن المكابرة في الخطأ أوقعت هاني في الخطأ مجددًا مما زاد من وتيرة الانتقاد وكانت النتيجة في النهاية أنه فقد ثقته بنفسه تمامًا.
الطب النفسي الرياضي: كيف يستعيد اللاعب ثقته في نفسه
يشير بيب هنا عن الفرق في الأداء عندما يتحصل اللاعب على الثقة الكافية. فقد كان ستونز يقدم الأداء الأسوأ له قبل أن يتحسن تدريجيًا وصولًا لتوقيت هذا التصريح.
حسنًا، لأي مدى قد يتأثر اللاعب إذا فقد الثقة في نفسه؟ للإجابة عن هذا السؤال طرح السيد «جميل قريشي» والذي استعان به المدير الفني الشهير سام الاردايس لمعالجة مشكلة فقدان لاعبي بلاكبيرن للثقة في أنفسهم. سؤال في وجه اللاعبين: هل تلعب للحصول على الهتافات أم تلعب لتجنب الاستهجان؟
عمل قريشي في ثلاثة أندية تلعب في البريميرليج والنتائج كانت مذهلة في كل مرة. لقد تحسن اللاعبون كثيرًا. جميل ليس وحده.
فعالِم النفس الرياضي «دان أبراهامز» يؤكد أنه لا يمكنك إعطاء الثقة بشكل مادي ولكن يمكنك مساعدة اللاعب على تغيير روايته وقصصه الداخلية ليصبح اللاعب أكثر مرونة مع مشاعره وبالتالي مساعدته على تولي مسؤولية نفسه. وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الثقة.
ربما كما صرح جوارديولا لا يمكن للمدير الفني إعطاء الثقة بشكل مباشر للاعبه، لكن من المؤكد أن انتزاعها منه أمر يسير.
لقد تحدث الجميع عن لقطات دخول حسام حسن للمباريات في آخر دقائق أو حديث موسيماني عن عقم مهاجميه التهديفي على الملأ أو عدم التوافق بينه وبين كهربا. كل ذلك كان يؤثر في ثقة اللاعبين بلا شك.
كان هناك حل وحيد لتفادي ذلك، وجود السيد جميل بالطبع أو السيد ابراهامز. نعم هذا هو بيت القصيد. يجب على الأندية المصرية توفير طبيب نفسي رياضي للفرق دون تردد. هذا الطبيب ربما يعيد هاني على الطريق الصحيح بل إن عمله يكفل له مراجعة المدير الفني في توقيتات تغييراته مثل حالة موسيماني.
حسنًا أتمنى أنك الآن صرت متأكدًا أن هذا المقال لم يكتب لمهاجمة محمد هاني بل على العكس ربما كان محاولة للرد على الكثير من الأسئلة التي تتعلق بتطور اللاعبين الذي لا يحدث في مصر.