محمد فراج: مشخصاتي الهالة الإنسانية
في الدورة الثانية من مهرجان الجونة السينمائي، التي أقيمت العام الماضي، قام المصور «أحمد هيمن» بتصوير مجموعة من البورتريهات لعدد من الفنانين المصريين والعرب، كان من المفترض لكل بورتريه أن يعبر عن حالة معينة. من ضمن النجوم الذين شاركوا في المشروع آسر ياسين، وصبا مبارك، ومحمد فراج، فمثلًا التقط هيمن صورة آسر ياسين بابتسامة واثقة، وصورة صبا مبارك كانت بروفايل جانبيًّا شامخًا، ثم جاءت صورة محمد فراج، الصورة التي لم أنسها منذ اليوم الذي رأيتها فيه وحتى الآن.
أستحضرها في كل مرة أشعر بألم حقيقي يمزق قلبي، عندما يعتصرني حزن حقيقي لا أملك حياله سوى أن أعيشه حتى ينتهي مني، أسترجعها عندما تدهسني الحياة ولا يكون في إمكاني سوى أن أتألم فقط، أشعر أنني لو نظرت في المرآة لن أرى انعكاسي، وإنما سوف أجد محمد فراج في البورتريه الذي صوره أحمد هيمن، بعيون مغمضة وملامح مشدودة ودمعة تشق طريقها على الخد الأيسر في صمت تام، كانت هذه هي صورة الألم.
قابيل وهابيل
من أكثر المسلسلات التي لاقت استحسانًا جماهيريًّا في الموسم الرمضاني المنصرم مسلسل «قابيل»، الذي كان من بطولة محمد ممدوح، ومحمد فراج، وأمينة خليل. جسَّد فيه فراج دور آدم، القاتل المتسلسل الشرير، الشخصية السايكوباتية كما وصفتها كتب علم النفس، الذي لا يعترف بأي قوانين ويرى نفسه أكبر من الخطأ، وأن وظيفته الوحيدة في الحياة هي أن يحقق ما يريده أيًّا كانت الطريقة.
في أحد أهم المشاهد في المسلسل يوجه آدم الحديث إلى شريكته وهي في بدايات غيبوبة، يخبرها ببرود أنه ليس سيئًا وحده، تقترب الكاميرا حتى يمتلئ الكادر ببروفايل وجهه، ثم ينعتها بلفظة «حيوانة». في هذا المشهد كان محمد فراج مرعبًا فعلًا، رغم أنه كان يتحدث بنغمة هادئة جدًّا. في إضاءة خافتة، ودون موسيقى تصويرية، التوحش في عينيه ونبرة صوته وامتلاء فمه بالكلمة وهو ينطقها، والازدراء الذي ظهر على وجهه وهو يقولها، كفيل بتجميد الدم في عروقك.
قبل رمضان مباشرة كان العرض الأول لمسلسل «أهو ده اللي صار»، الذي تباينت حوله آراء المشاهدين والنقاد، والذين اختلفوا حول كل تفاصيل المسلسل ما خلا تفصيلة واحدة، وهي أداء محمد فراج لشخصية علي بحر، الفنان الصعلوك العاشق بلا أمل والمذنب بلا خطيئة.
في أحد أشهر مشاهد المسلسل يتواجه علي بحر مع يوسف الذي تحبه نادرة، والتي يحبها علي بحر بلا أمل، ليسأله يوسف ما إذا كان بحر يكرهه، لتدمع عينا بحر ويتهدج صوته ليخبره في ضعف ونعومة واستسلام طيب جدًّا للحب وللأقدار أنه لا يمكن أن يكرهه لأن كل من تحبه نادرة هو حبيبه.
هذا هو محمد فراج باختصار، ممثل يستطيع أن يؤدي الدور ونقيضه بنفس السلاسة والسهولة، ودون الوقوع في فخ المبالغة، رغم أنه بحسابات السن لا يزال شابًّا، وبحسابات التاريخ الفني فهو لم يقدم بطولة مطلقة في السينما إلا في فيلم واحد «القشاش» الذي لم يحقق النجاح المتوقع، أما في الدراما فقد لفت الأنظار منذ سنوات قليلة، بدأها بدوره اللافت في مسلسل «بدون ذكر أسماء» عندما جسَّد شخصية رجب الفرخ، ثم أتبعها بعدد من الأدوار التي جعلته يحجز مقعدًا متميزًا وسط نجوم الصف الأول حتى لو لم يكن نجمًا أوحد في أعماله.
لحم ودم وموهبة
كان رجب الفرخ شابًّا متسولًا ممزق الثياب مشعث الشعر قذر الرائحة، كان شرسًا جدًّا كما تطلبت حياته أن يكون، كان قاسيًا في كلماته لم يتعلم كيف يهذبها، ولكنه كان «غلبان» لا تستطيع سوى أن تشفق عليه فتحبه، فتبكي عندما يقتل غدرًا قبل أن تبتسم له الحياة ولو مرة واحدة فقط. أما سوني في مسلسل «هذا المساء»، فقد كان وحيدًا جدًّا، يرغب في أن يحبه أي شخص في هذا العالم الموحش، كان طفلًا يركل الأرض بقدمه ويثير الشغب كي يلفت الأنظار، كان يكفيه شخص واحد فقط يقبله ليكون طفلًا مطيعًا، ويكف عن جلب المصائب لنفسه ولمن حوله، علي كان عنيدًا مدللًا، يعرف كيف يحب، ولكنه ضعيف الشخصية والإرادة ولا يعرف كيف يكون له أرض يقف عليها.
يقول الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق: «كل إنسان مهما صغر شأنه يحوي طاقة روحية إنسانية يمكنك أن تحبها متى دنوت منها»، فمثلًا رجب الفرخ في «بدون ذكر أسماء»، سوني في «هذا المساء»، علي في «تحت السيطرة»، كلهم شخصيات من لحم ودم، حقيقيون جدًّا، استطاع محمد فراج أن ينقلهم إلى الشاشة بنجاح تام، ورغم أن كلًّا منهم كان يحمل من الصفات السيئة ما يحمله إلا أنه نجح في أن يجعل هالتهم الإنسانية تلمسك، فتتعاطف معهم وترى الجانب الإنساني من كل شخصية فيهم، تقدر معاناتهم وتبحث لهم عن حلول.
بالطبع الكتابة لها عامل كبير في رسم خطوط وملامح الشخصية، ولكن محمد فراج بارع في إضفاء الروح على الشخصية المكتوبة، الدليل على ذلك هو دوره في فيلم «القشاش»، الفيلم التجاري الذي شاركته في بطولته حورية فرغلي، فيلم ساذج وقصة مكررة لا ينتظر منه أن يحقق أي نجاح، ورغم أنك لا يمكنك أن تعلق آمالًا عريضة على فيلم من هذا النوع فإن محمد فراج استطاع أن يلبس شخصية سيد القشاش، الشاب العشوائي الفقير، دون أن يقلد «محمد رمضان» مثلًا، والذي كان وقت عرض الفيلم في 2013 أيقونة هذا الدور، صحيح أن الفيلم لم يحقق نجاحًا فنيًّا، وصحيح أنه اعتمد على توليفة مضمونة النجاح وعلى حورية فرغلي، ولكن يحسب لفراج أنه لم يكرره ولم ينزلق لفخ التجارة بموهبته.