محمد النني: فرانكشتاين في لندن
قبل أكثر من ست سنوات كان الحديث عن التحاق محمد النني بأرسنال يشوبه كثير من الشك والترقب. لم يكن النني اسمًا معروفًا بطبيعة الحال لجماهير لندن، ولم يكن هناك صراع بين الأندية للحصول على موهبة بازل، لكن حديث فينجر ربما طمأن البعض.
ست سنوات لم يستطيع خلالها النني أبدًا طمأنة جماهير لندن. لم يصدق حديث فينجر، ولم تشفع ثقة أرتيتا الظاهرية لإقناع المشاهد العادي بأن النني يمكنه قيادة وسط أرسنال نحو التطور.
ومع ذلك تتردد بعض الأخبار عن عقد جديد يرحب به النني للبقاء مدة أطول داخل أرسنال.
يعزو البعض السر وراء تلك الأخبار إلى أن النني استطاع اللعب لمدة ثلاث مباريات متتاليات بشكل جيد بعد غياب عنصر الوسط الأساسي الغاني بارتي عن المشهد. يبدو المشهد غير مقنع، فلا يمكن أن تمنح ثلاث مباريات جيدة لاعبًا ما عقدًا جديدًا.
لكن السر الحقيقي وراء هذا المشهد أن أرسنال يعرف جيدًا أن علاقة النني أرسنال أصبحت أقرب إلى رواية فرانكشتاين منها إلى علاقة استحقاق تجمع لاعبًا ونادي كرة قدم. مثلما صنع السيد فيكتور فرانكشتاين بنفسه وحشًا عديم الفائدة.
صنع أرسنال بنفسه لاعبًا أصبح يرتضي أن يكون على الهامش دومًا، متلقيًا عبارات التقليل دومًا، والسبب أن يظل اسمه مرتبطًا بفريق كبير مثل الأرسنال.
المثير هنا أن اسم الأرسنال نفسه لم يصبح كبيرًا كما كان من قبل.
من قال إن أرسنال فريق كبير في صفقاته؟
أرسين فينجر هو من أتي بالنني إلى أرسنال. يستخدم البعض تلك العبارة كعبارة تنطوي على مدح للاعب الوسط، لكنها في الحقيقة ربما تفسر عكس ذلك تمامًا. خاصة أن أعوام فينجر الأخيرة كانت مختلفة عن فينجر الثوري الفرنسي الذي غيَّر خريطة إنجلترا الكروية.
قرر أرسنال عام 2011 الاستعانة بخدمات شركة تحليلات رياضية تحت اسم StatDNA، دفع أرسنال 250 ألف دولار لضمان ألا يحصل أي من المنافسين على تحليلات من نتاج الشركة.
كان فينجر مولعًا باستخدام البيانات بشكل يعرفه الجميع. تطور الأمر واستغل مؤسس الشركة السيد جيسون روزنفيلد هذا الولع لإقناع أرسين بشراء أرسنال الشركة نفسها، وهو ما تم بالفعل.
تلك الشركة منعت فينجر من التعاقد مع ديبروين، متعللين بعدم قدرة البلجيكي على مواجهة ضغوط الدوري الإنجليزي، وكذلك ردت على إعجاب أرسين بالجناح الشاب لسوسيداد أنطوان جريزمان بأنه غير مضمون التطور.
هل كان النني نتاج StatDNA؟ لا توجد معلومة أكيدة إزاء ذلك، لكن الأكيد أن نظام الصفقات في أرسنال لم يكن بأفضل حال، لكنه ليس الرهان الوحيد في عالم صفقات كرة القدم على أية حال.
الشاهد هنا أن النني كان حلقة في سلسلة كبيرة من الصفقات السيئة التي أبرمها نادي أرسنال الإنجليزي، والتي لا تناسب طموحات جماهير الفريق المفترضة.
لذا عندما يعتري أحدهم الدهشة حول التحاق النني بأرسنال، فالرد أن أرسنال ليس بالفريق الكبير فيما يتعلق بالصفقات من الأساس، والأحرى الحديث عن عدم مناسبة النني لطريقة لعب أرسنال رفقة أرتيتا، وهو الأمر المفهوم تمامًا.
النني وأدوار لا يجيدها
أصبح النني لاعبًا في أرسنال لتبدأ رحلة الشك التي لا تنتهي. بدأت رحلة الشك بعد أن أيقن الجميع أن حديث فينجر عن اللاعب متعدد الاستخدامات هو شيء من الخيال، حتى إن النني لُقب بسيد التمريرات الجانبية.
بقي النني دومًا في المنطقة الرمادية، حيث إنه يركض كثيرًا، ويحاول تدمير كرات الخصم، لكنه بطيء للغاية فيما يتعلق بالتمرير الأمامي. على مدى مسيرته الكروية في إنجلترا حقق متوسط 2.9 تمريرة للأمام فقط لكل 90 دقيقة، حيث يتم تعريف التمريرة للأمام بأنها تمريرة تتحرك بالكرة 10 ياردات أو أكثر فوق الملعب.
دعنا نتناول تحليل أداء النني في مباراة أكد الجميع أنها واحدة من أفضل مبارياته، وهي مباراة أرسنال مانشستر الأخيرة. في كرة الهدف الثاني احتاج النني أربع ثوانٍ كاملة لكي يرى لاعب الوسط المهاجم أوديجارد ويمرر له الكرة وسط صراخ أرتيتا على الخط.
انتهت تلك التمريرة رغم تأخرها بهدف، فتخيل لو كان النني قادرًا على توفير الثواني الأربعة في كل تمريرة. حسنًا النني لديه مشكلة بالطبع فيما يتعلق بالتحول الهجومي، لكنه في المقابل لدية ميزة واضحة إزاء المجهود البدني ومحاولات تدمير هجمات الخصم المستمرة.
تلك الإمكانيات ربما لا تناسب الرجل كي يصبح لاعبًا أساسيًّا في أرسنال الذي يؤمن الجميع أنه لا زال ينافس للظهور في مشهد سادة الدوري الإنجليزي. حسنًا فليرحل هذا اللاعب ويأتيَ من يقوم بالدور الأمثل، ولكن هذا لا يحدث أبدًا.
هنا تحديدًا ارتدى أرسنال ثوب فرانكشتاين لصناعة وحش اسمه النني.
كيفية صناعة الوحش
ستجد بسهولة مئات التغريدات التي تتناول النني بشيء من التقليل حول مدى ملاءمة الرجل لفريق أرسنال، وستجد في المقابل تأكيدات من أرتيتا أنه لا يتلقى ما يستحق من دعم، وأنه يتواجد بقوة عندما يحتاجه الفريق.
غاب النني عن أغلب مباريات أرسنال خلال هذا الموسم ببساطة لأن أرتيتا يعلم جيدًا أنه ليس خياره الأول، وهو الذي يعتمد على سرعة ارتداد الوسط متسلحًا بساكا وأوديجار ورو.
ظهر النني رفقة المنتخب المصري في مستوى هو الأقل له على الإطلاق خلال سنوات لعبه الكرة. فقد النني ثقته بنفسه دون شك، وأصبح على أعتاب الرحيل لكي ينقذ مسيرته الكروية كحل منطقي وأخير.
لكن تهيأت الظروف ولعب النني في نهاية الموسم مباريات مهمة في تحديد شكل موسم أرسنال الأوروبي القادم. ركض الرجل وبذل مجهودًا ملحوظًا، واستطاع إحداث الفارق طبقًا لإمكانياته، ثم خسر أرسنال في الأخير مباراتين مهمتين أمام السبيرز ونيوكاسل، ليعود الحديث عن النني الذي لا يستحق أرسنال.
يمكنك تخيل إدارة أرسنال في الخفاء تفكر في النني على أنه مخلوق صُنع في لندن خلال تلك السنوات بمزيد من المشاعر المتضاربة، يهمل لأنه لا يناسب النادي ثم يتذكره الجميع في حديث دائم عن مجهوده الوفير، وفي النهاية سيبقى محبًّا لأرسنال لا لنفسه.
تحول النني إلي نسخته الأسوأ لأنه لم يدرك بنفسه أنه لا يناسب إيقاع أرسنال، وأنه سيبقى دائمًا لاعبًا بديلًا ومناسبًا لمباريات محددة. يظهر النني دومًا في شكل اللاعب المدافع عن أدائه، وأنه لا يتلقى ما يستحق، حتى إن والده خرج في تصريح مبالغ فيه مؤكدًا أن النني أسطورة يجب أن تُدرس، ويجب أن يتم التعامل معه على هذا الأساس دون غيره.
ربما يتذكر البعض اللاعب جيريمي ماثيو الذي انتقل إلى برشلونة في صفقة عانى منها الجميع، لكنه وبعد نهاية عقده تحدث ببساطة ووضوح أنه رفض الانتقال إلى برشلونة، والسبب أنه كان يعرف جيدًا أن إمكانياته لا تناسب الفريق الإسباني، وأنه سيبقى على مقاعد البدلاء، غير أن إدارة فالنسيا هي التي أرغمته على هذا الانتقال. لم تحِنْ لماثيو الفرصة لتعديل وضعه نظرًا لعامل السن، لكن النني على عكس ماثيو يريد وبشدة ألا يغير وضعه هذا.
ارتضى النني أن يكون الوحش الذي صنعه فرانكشتاين لندن على الرغم من أنه يمكن أن يكون رجلًا أفضل كثيرًا خارج النادي الإنجليزي.