محمد عبد الرحمن: اعتقال رجل التنظيم الوفي
تلقت جماعة الإخوان المسلمين ضربة أمنية تمثلت في اعتقال الرجل الثاني بالجماعة داخل مصر وهو محمد عبد الرحمن رئيس اللجنة الإدارية العليا المؤقتة وهي الهيئة التي تقوم محل مكتب الإرشاد بالجماعة منذ فض رابعة، نظرا لما تعرض له أعضاء أعلى هيئة تنفيذية بالتنظيم من اعتقالات وملاحقات أمنية بعد عزل مرسي في يوليو 2013.
عبد الرحمن الذي تميزت مقالاته بالوضوح في التعبير عن وجهة النظر الإخوانية المعتدلة والرافضة للعنف في مواجهة النظام لعب دورً كبيرًا في لملمة شمل الجماعة وحسم الصراع التنظيمي الداخلي لصالح القيادة التاريخية.
من هو محمد عبد الرحمن؟
تخرج عبد الرحمن من كلية الطب جامعة المنصورة في سبعينيات القرن الماضي، وعمل بعد تخرجه بمدينة العريش قبل أن يعود ليعمل بعدة مستشفيات داخل محافظة الدقهلية أبرزها مستشفى شربين.
تزوج من الأستاذة سهام الجمل أحد القيادات النسوية بجماعة الإخوان، والتي أصبحت عضوًا بالمكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة قبل أن يتم انتخابها كأحد أعضاء مجلس الشعب المصري عام 2012.
أصيبت بعد ذلك في إحدى المظاهرات الرافضة لعزل مرسي وبقيت في المستشفى فترة يُعتقد أن زوجها الدكتور عبد الرحمن نجح خلال هذه المدة في زيارتها رغم الملاحقات الأمنية التي هددته ومن ثم وافتها المنية في أكتوبر 2013.
تركز عمله داخل الجماعة في محاور الدعوة والتربية، وعرف عنه تصديه للأمور الفكرية بصورة تقليدية، ومن جوانب تاريخية فله عدة مؤلفات تتناول أفكار الإخوان ومؤسسها حسن البنا.
ترقى في المناصب الإدارية حتى وصل لعضوية مكتب إرشاد الجماعة، وبزغ نجمه بعد فض رابعة وعلى إثر الخلافات الداخلية التي شهدها التنظيم بعد عودة القيادات التاريخية للظهور واستعادتها لزمام الأمور.
وتصدر المشهد مع نائب المرشد محمود عزت بعد اعتقال الدكتور محمود غزلان والدكتور عبد الرحمن البر، ثم اعتقال الدكتور طه وهدان فتولى الدكتور محمد عبد الرحمن مسؤولية اللجنة الإدارية العليا التي جمعت طرفي الإخوان في البداية كحل يُرضي كلا منهما، إلا أن الأزمة عادت للتصاعد مرة ثانية وأصبح الدكتور عبد الرحمن محسوبًا بصورة واضحة على الجبهة التقليدية، وتلقى اتهامات من الطرف الآخر بعدم قدرته على مواجهة عزت ولاحقا بتشكيله لجنة موازية غير شرعية – من وجهة النظر تلك -، بينما بدا من كتاباته وتصريحاته أن رؤية عبد الرحمن تنسجم تماما مع رؤية عزت وفريقه.
يتضح ذلك في موقفه الرافض لاستخدام العنف ضد النظام واعتبار السلمية خيارًا إستراتيجيًا وأحد ثوابت الجماعة، كما عبر في كتاباته عن رفضه فصل العمل الدعوي عن السياسي التي أثيرت بعد المؤتمر العاشر لحركة النهضة التونسية، وعبر كذلك عن رؤية صلبة في مواجهة النظام لا تقبل التصالح أو الحوار السياسي معه ولا تتنازل عن شرعية مرسي.
وجهت السلطة في 2014اتهاما لعبد الرحمن بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري عبر تحريض عدد من ضباط الجيش المحبين للجماعة؛ والذين تم اعتقالهم وتعرضوا لمحاكمة عسكرية أدينوا خلالها دون الإعلان عن تفاصيل أخرى في هذا الصدد.
رغم ذلك لا يبدو غياب عبد الرحمن في هذا الوقت مؤثرا على الصراع الداخلي الذي تم حسمه بصورة كبيرة لصالح القيادات التاريخية على الأقل من الناحية التنظيمية، حيث مثل غياب الزعيم الروحي بعد اغتيال الدكتور محمد كمال رصاصة الرحمة التي أفقدت هذا التيار كثيرًا من قدراته وطموحاته في الصراع الإخواني.
ولا تبدو الإجابة واضحة عمن سيخلف عبد الرحمن في رئاسة اللجنة الإدارية العليا بسبب غياب قيادات الصف الأول للجماعة المعروفين للرأي العام في خارج البلاد أو السجون، ومن ثم لا يمكن سوى التنبؤ بأن يخلفه أحد أعضاء اللجنة.
دلالات الاعتقال
اعتقال عبد الرحمن سبقه اعتقال لأعضاء مكتب الإخوان بقطاع الشرقية وفي مقدمتهم القيادي عمر عبد الغني رئيس مكتب الشرقية وأحد أعضاء اللجنة الإدارية العليا، كذلك ما يعني أن النظام مستمر في مواجهته المفتوحة مع الإخوان وأنه لا يفرق بين الطرفين سوى في العقوبة، فمن وجهة نظر النظام أن التعامل الأمني يجب أن يكون أكثر قسوة مع الطرف الذي يسعى لمواجهة عنيفة.
وبينما تم الإعلان عن اعتقال عبد الرحمن من طرف واحد هو جماعة الإخوان وما زال إعلان الأمن متأخرًا، ما يعني أن السلطات تحاول الحصول على معلومات تنظيمية أكثر منه وممن معه.
محمود عزت – القائم بأعمال مرشد الجماعة
في المقابل أصدر الدكتور محمود عزت بيانا نفى فيه بداية تعرضه شخصيا للاعتقال، وأثنى على الدور الذي لعبه عبد الرحمن في لملمة الجماعة خلال محنتها الداخلية كما أكد على استكمال الجماعة مسيرتها الثورية ضد النظام.
وأشار في ختام بيانه إلى الجهات الرسمية الممثلة للجماعة، فيما بدا تخوف منه أن يتم اعتقاله ومن الملاحظ أنه لم يتبقَ من الصف الأول لقيادات الجماعة داخل مصر سوى عزت، ما يعني أن الجماعة تواجه تهديدًا غير مسبوق في حال اعتقاله، وهو أن تنتقل قيادتها للخارج حيث إبراهيم منير نائب المرشد ومحمود حسين أمين عام الجماعة اللذان وإن اعتُقد أنهما بالفعل يديران الجماعة حاليا، إلا أن لوجود قيادات معروفة على مستوى عزت في الداخل رمزية مهمة للغاية لدى أفراد الجماعة.
فغياب القيادة المعروفة لدى أفراد الصف الإخواني عن الداخل المصري من شأنه أن يقلل من ثقة أفراد الجماعة في القرارات التي تصلهم، كما أنه يساهم في تعميق الخلافات وغياب الشخصيات التي تمتلك مفاتيح تنظيمية ومسميات وظيفية سابقة عن محنة الانقلاب ما يؤهلها لحسم تلك الخلافات، وهو الأمر الذي يشبه مصير إخوان سوريا مع حافظ الأسد وكيف تم تحجيم الجماعة بصورة كبيرة للغاية بعد النجاح في القضاء على قيادات التنظيم في الداخل.
تأثير ذلك على دعوات المصالحة
هذا التعامل القمعي مع القيادات التاريخية للجماعة التي يناط بها القيام بدور لاستيعاب شبابها في مسارات بعيدة عن التطرف والإرهاب الذي يهدد المجتمع رغم امتلاك هؤلاء الشباب دوافع عديدة للانتقام من السلطة، فيما لا يبدو النظام المصري مدركًا أو مقتنعًا بهذا الدور، كما أنهم الأكثر انفتاحًا فيما يبدو على الحوار السياسي مع النظام.
فمنذ أيام نشر جهاد الحداد المتحدث الرسمي باسم الجماعة سابقا والمعتقل حاليا من داخل محبسه مقالا في النيويورك تايمز يؤكد فيه إيمان الجماعة بالحوار السياسي بديلا عن العنف، ومن قبله دعا إبراهيم منير لمصالحة بينما لا يبدو أن هناك ما يحفز النظام للبحث عن تفاهمات أو إجراء مصالحات مع الجماعة بل تبدو لغة التصعيد الأمني مستمرة.
وبينما تفقد الجماعة نقاط قوتها تدريجيا وتتزايد الضغوط عليها من اتجاهات عدة ما يزال خطابها الرسمي محتفظا بصلابته وجموده تجاه آليات عملها وأهدافها من مواجهة النظام إلى ما لا نهاية، وهو ما يتناقض مع دعوات الحداد ومنير التي تبدو أكثر انفتاحا على الدخول في تفاهمات مع النظام بهدف حلحلة الصراع، وهو الأمر الذي يجعل من المصالحة عملية صعبة للغاية في ظل هذا التعنت الواضح من الطرفين.