محمد عبد المنعم: الرجل الذي لم يستمع لنصائح كوليبالي
قد يختلف البعض مع القول السائد إن البرتغالي كيروش هو أفضل مدربي منتخب مصر في مرحلة ما بعد حسن شحاتة، لكن ما لا يمكن إنكاره أبدًا أن الرجل خلال وقت قصير خلق هوية تليق بالمنتخب المصري. أثبت كيروش دون شك امتلاكه عينًا خبيرة بعد أن قدم للكرة المصرية مدافعًا بات في نظر كثيرين الأفضل في مركزه منذ اليوم الأول له مع البرتغالي وحتى الآن، والحديث هنا عن محمد عبد المنعم.
قدم منعم خلال بطولة أمم أفريقيا 2021 أداء أقرب للمثالية لم ينقصه شيئًا إلا خسارة مصر للمباراة النهائية أمام السنغال. عقب تلك الخسارة مباشرة وقف المدافع السنغالي كاليدو كوليبالي يطيب خاطر منعم ويوجه له بعد النصائح في مشهد عنونه البعض أن واحدًا من أبرز مدافعي العالم يثمن أداء منعم خلال البطولة.
عاد عبد المنعم من المعترك الأفريقي لصفوف الأهلي ليبدأ فصل جديد من مسيرة توقع الجميع أنها ستكون تاريخية. لكن مع الوقت فهمت الجماهير أن بطل هذه القصة لا عيب فيه إلا أنه ينسى أحيانًا أنه البطل، نسي ذلك في القاهرة وتذكره في كازابلانكا.
ولأننا رفقة رجل يملك ما يجعله ضمن الأفضل تاريخيًا في مصر فكان لزامًا علينا أن نعرض وجهتي العملة، عملة الثقة التي يمتلك منها منعم الكثير في خزائنه.
الثقة المفرطة بين راموس وكوليبالي
أكثر ما ميز عبد المنعم خلال بطولة أفريقيا هي تلك الثقة التي لعب بها خلال البطولة وكأنه لاعب دولي منذ سنوات. فسر البعض الأمر كونه يلعب في صفوف الأهلي منذ سن التاسعة، كما تم تصعيده للفريق الأول في أكثر من مناسبة قبل مسلسل الإعارات. لكن لا يبدو هذا الطرح منطقيًا فرامي ربيعة يقترب من الاعتزال ولا يملك نصف هذه الثقة.
ظهر عبد المنعم بتلك الثقة؛ لأنه يمتلك كل المميزات التي يحتاجها مدافع جيد من سرعة وتعامل ممتاز مع الرأسيات ووعي تكتيكي جيد إلى حد ما. تلك الخصائص هي ما تزيد من ثقة منعم في كل مباراة. في كل مرة يسبق منعم المهاجمين أو يفوز بالتحام هوائي أو يسجل هدفًا في مباراة مغلقة تزيد ثقته في نفسه ويتلقى الإشادة الإعلامية والجماهيرية.
تلك الثقة هي أهم أسلحة منعم دون شك، ثقة دفعته لاستغلال فرصة وحيدة في نهائي أفريقيا وسط آلاف من جماهير الوداد لتسجيل هدف حاسم أنقذ الأهلي من هوة تاريخية لا نهاية لها في سيناريو لم يكتب إلا برأس سيرجيو راموس في عاشرة ريال مدريد. أكثر ما يخيف جماهير الأهلي الآن أن يقع منعم في فخ راموس الرجل الذي شعر يومًا أنه أكبر من ريال مدريد.
المقلق هنا أن منعم ليس ببعيد عن فكرة الثقة المفرطة، يمكنك ملاحظة ذلك في استلام الكرة بشكل جمالي لا فائدة منه وتمريرات لا داعي لها تربك خط الوسط، أو احتفاظ زائد بالكرة يخل بالترابط التكتيكي للمدافعين دون ضرورة وهكذا وإن كنت تعتقد أن الثقة المفرطة ليست خطيرة فدعنا نعود للرجل الذي نصح منعم في بداية المشهد.
انتقل كوليبالي إلى تشيلسي قبل بداية الموسم وسط توقعات بملء الفراغ الذي أحدثه رحيل الألماني «روديجير» على الأقل. وحده «رافا بينيتز» مدرب كاليدو سابقًا أشار إلى ما قد يعيب تلك الصفقة بشيء من المنطق.
أوضح رافا أن كوليبالي قضى عدة مواسم في إيطاليا مصنفًا كأفضل مدافعي الدوري، لذا فخطيئته الأساسية أنه مفرط الثقة وإذا ما اهتز ذلك بعد الانتقال لفريق جديد سيفقد السيطرة تمامًا.
لا يمكننا القول إن هذا تحديدًا ما حدث مع كوليبالي خلال الموسم، لكنه على الأقل يفسر لك عدد محاولات كوليبالي التسجيل بدلًا من حماية المرمى أو الاحتفاظ بالكرة دون داع والالتفاف أكثر من مرة بحثًا عن تمريرة ذهبية. وهذا تحديدًا ما يجب أن يخاف منه منعم، أن يفقد السيطرة تمامًا.
هناك دائمًا مساحة للتطور
دعنا نقسم مزايا منعم إلي نوعين، الأولى مزايا أساسية كمدافع مثل السيطرة على مهاجمي الخصم والفوز بالثنائيات والوعي التكتيكي. والثانية مزايا إضافية بقدراته على بناء الهجمة والخروج بالكرة من خط الدفاع بشكل صحيح وما إلى ذلك.
هل يعقل أن يحاول منعم تطوير مزاياه الإضافية كأولوية بعيدًا عما يميزه كمدافع، هذا ما فعله منعم وجاءت النتيجة عكسية تمامًا. ربما المثال الأكثر دقة هنا لشرح الأمر هو الإنجليزي«وان بيساكا».
يعرف الجميع أن ميزة بيساكا الأساسية كظهير هي قدراته الدفاعية والفوز بمواجهات لاعب ضد لاعب لكنه يفتقد لمزايا الظهير الهجومية المعروفة. قرر بيساكا أن يستعين بمدرب تقني وهو السيد «يانيك لوفاكاليو» من خلال جلسات تدريبية متخصصة واعتقد الجميع أن الغرض هو التحسن الهجومي.
لكن لوفاكاليو أيقن أن عميله في وضع خطر؛ لأنه بدأ يفقد الثقة في أهم ما يميزه وهي قدراته الدفاعية. استعاد بيساكا الثقة وهو ما جعله يطور من أدائه الدفاعي أولًا والنتيجة أنه تحول لظهير استثنائي وذلك ما أثبتته الأرقام دون شك.
من بين 2168 لاعبًا قاموا بأكثر من 100 تدخل في الأقسام الخمسة الأولى في أوروبا منذ بداية موسم 2017-18، لا أحد لديه معدل نجاح في التدخل أفضل من أرون. لقد استحوذ على الكرة 449 مرة من أصل 571 محاولة بمعدل مذهل بلغ 78.6%، لا يوجد ظهير آخر في أوروبا يقترب من هذا المستوى.
بعد أن عادت الثقة لبيساكا كمدافع صلب بدأ يطور من قدراته الهجومية مع الوقت وأصبح أحد أكثر لاعبي إيريك تن هاج موثوقية منذ استراحة كأس العالم، حيث لعب في جميع مباريات الدوري باستثناء أربع مباريات. من بين المباريات الأربع التي غاب عنها وان-بيساكا خسر اليونايتد مباراتين أحدهما بسبعة أهداف أمام ليفربول.
هذا ما يجب على منعم أن يدركه، إذا تسببت مزاياه الإضافية كبناء الهجمة وقراءة الملعب في أخطاء قاتلة تضر الفريق فإن النتيجة أنه سيفقد الثقة في نفسه وستختل مزاياه الأساسية كمدافع دون رجعه.
يستطيع منعم التطور في كل الأجزاء المتعلقة بقدراته الدفاعية ليتحول لمدافع استثنائي تمامًا بل وربما ينافس على لقب المدافع الأهم في تاريخ مصر، ثم في المرتبة الثانية يهتم بالمزايا الإضافية المتعلقة ببناء الهجمة والتسجيل وقراءة الملعب وما إلى ذلك والتي لا يمكن أبدًا أن ننكر مدى أهميتها في كرة القدم الآن.
تلك هي العملة النادرة التي يمتلكها منعم، التي تغفر له الكثير، إنها الثقة التي تمنح على مهل وتنتزع في لحظة. يستطيع منعم أن يسطر تاريخًا في الأهلي ومنتخب مصر فقط إذا ما قرر أن يستخدم الوجه الحسن لعملة الثقة، وجه الثقة المحسوبة، التي لا تعيق عن التطور والتي لا يتحلى بها إلا بطل موقعة كازابلانكا.