مصائد العقل: كيف تحرم نفسك من الحياة بسعادة؟
قرأت ذات يوم مقولة للفيلسوف الصيني لاوتسو تقول: «راقب أفكارك؛ لأنها ستصبح كلمات، راقب كلماتك؛ لأنها ستصبح أفعالًا، راقب أفعالك لأنها ستتحول إلى عادات، راقب عاداتك لأنها تكون شخصيتك، راقب شخصيتك؛ لأنها ستحدد مصيرك»، وقد يعد ذلك مدخلًا للأطباء النفسيين حينما توصلوا لمصائد العقل فأكثر ما قد يدمر الفرد هو أفكاره وما يدور بخلده يوميًا.
نحن من نضع السم في العسل في حياتنا بأيدينا حينما نستخدم عقلنا ليكون سلاحًا ضدنا لا معنا من خلال الأفكار السلبية، أو احتكار العقل لبعض المصائد الفكرية التي تقيده وتسبب للإنسان التعاسة، فتعرف معنا إلى ما هي مصائد العقل؟ وأنواعها إضافة إلى طرق التعامل معها.
ما مصائد العقل؟
تعرف بمصائد التفكير أو أخطاء الفكر، وهي مجموعة من الخواطر والأفكار العابرة التي نمر بها يوميًا، لكنها لا تفيدنا بشيء بل تقع تحت مسمى الفكر السلبي الذي يأخذنا إلى القاع بمعتقدات خاطئة.
على سبيل المثال: هل تأخرت يومًا عن العمل وتوقعت فصلك عن وظيفتك أو أخذ جزاء وخصمًا من راتبك، وكنت متأكدًا من هذا العقاب بشدة وبدأ التوتر يقيدك؟ فهذا ما يعرف بعقلية توقع الكوارث.
قد نجد أيضًا الأم التي أخطأت سهوًا ذات مرة مع طفلها، فتجلس تبكي وتقول إنها أم مهملة، ولا تستحق لقب الأم وشرفها الغالي!
لا تتعجب أيضًا من بعض الأشخاص الذين إما يصادقونك وتكون حبيبًا مقربًا أو ينكرونك وتكون عدوًا لدودًا، فهم أيضًا يقعون تحت وطأة مصائد العقل ومن أشهرها ما يلي:
- مصيدة الفكر الأسود.
- قراءة العقل.
- التفكير الأبيض أو الأسود.
- التعميم المبالغ فيه.
- الوصول للحكم النهائي سريعًا.
- عقلية توقع الكوارث.
اقرأ أيضًا: لماذا لا تجد السعادة طريقها إليك؟
مصيدة الفكر الأسود
قد نقع جميعًا في هذه المصيدة وينغلق الباب وراءنا دون أن ندري لِمَ دخلناها من البداية، أهو حب في الاكتئاب والحزن، أم مجرد عثرات نمر بها وستنتهي؟
تعتمد مصيدة الفكر الأسود على التفكير الدائم والمطلق لأي حدث على أنه مصمم لك خصيصًا بكل ألوانه القاتمة؛ لتعيش حياة بائسة وتخبر نفسك بمقولات سوداوية حتى وإن كان حقيقة الأمر عكس ذلك مثل:
- لن أحصل على ترقية أبدًا فهم يفضلون شخصًا آخر غير جدير بالوظيفة.
- دائمًا ما أشعر بالإنهاك وكأن كل المصائب تأتي لي فقط.
- الاحتفال بالعيد مع الأهل شيء مؤلم ويبعث الضيق دائمًا.
- لا معنى من الحياة فلا جدوى منها.
- لن أتمكن من فعل أي شيء صحيح في عملي.
جميعها جمل تحطم العزيمة وتجعلك تنفر من أي شيء يدفعك للأمام، فلِمَ نظل نستخدمها ونحبس أنفسنا داخلها؟
قراءة العقل
هل تعتقد أن بإمكانك قراءة عقل الآخرين؟ اذهب واجلس في صمت مع أصدقائك أو عائلتك وتحرر من الأمر، ستجد عدم قدرتك بالفعل على قراءة الأفكار، لكن لماذا نعتقد عند التحدث مع الآخرين غير ذلك؟
مثال: يتحدث الزوج مع زوجته ويخبرها بأنه لن يأتي إلى المنزل لتناول الغداء؛ لأن لديه غداء عمل.
حينها تبدأ المرأة بقراءة عقله -في اعتقادها الخاص- «هو لا يريد تناول الطعام معي لأنه سيخونني في هذا التوقيت!» أو «هو لا يحب تناول الطعام معي؛ لأنه يجده سيئ الطعم وليس شهيًا كطعام والدته والمطاعم».
تذكر دائمًا أننا كبشر لا يمكننا قراءة العقل، فلا داع لتخيل سيناريوهات لم تحدث مطلقًا، وتحليل بواطن الكلمات فهي قد تكون بسيطة كما قيلت سابقًا، وليس لها معنى أو تفسير آخر.
اقرأ أيضًا: ماذا خسرنا باختفاء التفكير الجذري من حياتنا؟
الوصول للحكم النهائي سريعًا
تتعلق هذه المصيدة بعقلية قراءة الأفكار حيث نصل من خلالها إلى حكم نهائي وصارم مع عدم وجود أي دلائل، فالحكم الذي نصدره على الموقف يكون حتميًا بالنسبة لنا ولكنه غير صحيح.
مثال: عندما يعاملك أحد الأفراد بطريقة فظة فإنك قد تصدر حكمًا سريعًا بأنه يرغب في أذيتك، ولكنك لا تعي جيدًا لأسباب تعامله بهذه الطريقة، فمن المحتمل أنه يمر بموقف عصيب في حياته، أو في حالة مزاجية سيئة من أمور عائلية أو في العمل، ولا يتعلق الأمر بك على الإطلاق.
نقع غالبًا في هذه مصيدة في العلاقات العاطفية أو مع أصدقائنا، حيث يفسر عقلنا تصرفاتهم بطرق مختلفة، وقد تكون بعض التفسيرات غير صحيحة مثل:
- حبيبي لا يبتسم فمن المؤكد أنه غاضب مني.
- حبيبتي هادئة ولا تتحدث كثيرًا، أنا واثق أنها غير معجبة بي على الإطلاق.
- زميلتي دخلت إلى المدرج ولم تلقِ التحية عليّ، فهي تتجنبني- على الرغم من عدم وجود سبب للتجنب، وسبب عدم إلقاء التحية هو عدم رؤية الفتاة لصديقتها فحسب.
عقلية توقع الكوارث
أما عن العقلية المتوقعة للكوارث فهي لا تنعم بالراحة لدقيقة واحدة حيث تفسر أي شيء على أنه سيؤول لمصيبة، وإن لم تجد شيئًا ينبئ بكارثة تخترع أمورًا من خيالها تفيد بحلول المصيبة مثل:
- لقد تركت ابني وحده للحظات وبجانبه الكبريت، حتمًا استخدمه وأشعل النيران في المنزل وسينفجر بنا!
- يطلبني المدير للحضور إلى مكتبه فورًا، فمن المؤكد أنني أخطأت ويريد معاقبتي!
- لا يحبني مديري، لهذا سأُرفد من الشركة ولن أحصل على أي عمل مجددًا.
- لقد رسب ابني في الامتحان، فلن يحصل على أي وظيفة جيدة في المستقبل.
التعميم المبالغ فيه
عندما يحدث أمر محدد في حياتك فغالبًا يجب وضعه في حيزه الطبيعي، وليكن سقط فنجان القهوة عليك واتسخت الملابس حينها، سيكون مجرد حادث خاطئ وستقوم لتبديل ملابسك.
إذا لم تحظَ بترقية في عملك ستعرف أن دورك مقبل في الحصول على الترقية وستظل تعمل في وظيفتك، ومَن ترقى فهو جدير بهذا المنصب لأسباب عدة، لكن في حالة عقلية التعميم المبالغ فيه قد يرى الشخص أن المكاسب تسير بالوساطة دائمًا، أو أن الطبيعي في حياته ألا يحدث بها شيءٍ جيد مطلقًا، حتى الترقية المنتظرة لم تكن من نصيبه!
هناك بعض الجمل التي توضح التعميم المبالغ فيه مثل:
- أنا لا أتحدث جيدًا مطلقًا عندما أكون أمام جمع من الناس أو في اجتماع.
- ليس لدي أي أفكار جيدة للتطوير- ليس في موقف محدد أو مشروع خاص بعملك وإنما عندما تقيدك هذه الفكرة باستمرار.
- لا أحد يسمعني فكلامي غير مهم لهم دائمًا أو لأنني لست مهمًا لهم.
التفكير الأبيض أو الأسود
ربما وقعت في هذه المصيدة يومًا ما أو كنت أحد ضحايا صاحبي الفكر الأبيض أو الأسود، فهم يهيمون بين لونين فقط، ولا يعرفون ماذا يعني اللون الرمادي، وهذا لا يعني بالطبع وجود تلك الألوان في خزانة ملابسهم وإنما في عقولهم.
إذا تحدثت معهم بشأن أحد الأشخاص أو موقف سياسي أو عن حبك للاعب رياضي ستجده إما ينحاز بموقف إيجابي أو سلبي، فهو لا يعلم الحياد ولا يتخذه صديقًا إما الحب أو الكراهية الشديدة، وكذلك ينعكس هذا الأمر على علاقاته الاجتماعية والأسرية وينظر غالبًا للمواقف على أن الجميع مخطئون إلا هو فدائمًا على صواب.
هي عقلية كل شيء أو لا شيء حيث يصاب بها محبو الكمال؛ لأنهم ينشدون كل ما هو عظيم دون وجود أي هفوات أو أخطاء، لهذا ستجدهم يتعطلون في أداء مهامهم، لأنهم يرغبون في إيصالها على أكمل وجه.
تنعكس عقلية الكمالية على اختياراته في الحياة فتُقيّده، فلا شيء مناسبًا له وكذلك يصدر أحكام على نفسه غير حقيقة، إضافة إلى تقييد ذاته بمعايير قاصية، فإما النجاح المطلق أو الفشل التام عند وجود هفوة أو خطأ بسيط.
اقرأ أيضا: إدمان النجاح: لعنة تفقدك حياتك
كيف أتعامل مع مصائد العقل؟
التحكم في العقل ليس بالأمر الهين خصوصًا بعد تغذيته بالأفكار السلبية والخاطئة لسنوات طويلة، ولكنه ليس بالمستحيل حيث يمكنك التحكم بأفكارك من خلال بعض النصائح لعلاج مصائد العقل مثل:
- اعلم جيدًا أن الأمور الصعبة والسيئة في الحياة ستحدث، لكننا لن نتمكن من التحكم في كل الأشياء، وما من فرد يعيش في الحياة إلا وسيمر بفترات من السعادة وفترات من الضيق والصعاب، لذا ما يمكنك فعله تجاه الصعاب هو تدبير كيفية مواجهتها وتقبلها وكيف سيستقبلها عقلك.
- حدد ما هي مصيدة العقل الخاصة بك، فكل منا قد يقع في شِباك إحدى المصائد السابقة، حيث إن المعرفة بمنبع المشكلة يجعلك تقطع أكثر من نصف طريق العلاج؛ لأن حينها يمكنك مواجهة أفكارك عندما تبدأ بالظهور في عقلك، وتتساءل عن مدى صحتها وهل هناك أدلة عليها؟
- حاول رعاية ذاتك بقدر الإمكان، حيث إن مصائد الأفكار تزداد وتكبّل أيدينا عندما نكون في فترات الضعف والهوان، لذا من الضروري أداء أعمال تزيد من نشاطك وتعزز من حالتك النفسية وطاقتك وتشعرك بالسعادة.
- تحدث مع نفسك كما لو كانت صديقًا لك؛ لأنك حينها ستكون رحيمًا بنفسك بدلًا من جلد ذاتك أو زيادة الأعباء عليها، أو إثقالها بالأفكار المرهقة التي تتصارع في عقلك، لذا تحدث برفق ولين مع نفسك كما لو كنت تتحدث مع صديقك.
- قل «لا» بصوت عالٍ عندما تجد الأفكار تتصارع داخل عقلك وتبدأ بالتوتر ولا تتمكن من إيقافها، وذلك من أجل زيادة وعيك بوقف الأفكار فورًا.
يمكنك التواصل مع طبيب نفسي إذا كانت الأفكار تسيطر عليك بقوة ولا تتمكن من التحكم بها، خصوصًا أن التفكير المفرط قد يكون مرتبطًا بالإصابة باضطراب القلق الذي يتطلب علاجًا للتعامل معه أولًا بجلسات علاج نفسي وطرق أخرى يحددها الطبيب.
اقرأ أيضًا: لماذا لا يجد مريض القلق العلاج المناسب؟