مدينة ميلانو: المقاطعة الصينية رقم 23 بأوامر رئاسية عليا
وأخيرًا، انتهت حقبة بيرلسكوني مع ميلان بعد تاريخ طويل حافل بالإنجازات والخيبات على حد سواء، حيث أعلن نادي ميلان عن الخطوة التاريخية المنتظرة من قبل مشجعي الروسونيري بعد أشهر طويلة من التأجيل والمماطلة شابها الكثير من التوتر والشك. من جديد المستثمر ليس من أثرياء أوروبا الشرقية أو ملوك النفط في الخليج، بل هو البعبع الجديد القادم من الشرق الأقصى الذي يغزو الغرب دولة تلو الأخرى، وفي الأفق البعيد أهداف إستراتيجية يبدو أنه عازم الأمر على تحقيقها. إي سي ميلان بمثابة غنيمة جديدة استولى عليها المستثمرون الصينيون بعد سلسلة طويلة من النجاحات في المدن الأوروبية، لن تكون ميلانو آخرها.
ميلان مقاطعة صينية
جاء الإعلان عن إنهاء عملية الشراء في توقيت مثالي لنادي إي سي ميلان، قبل يومين فقط من ملاقاة جاره إنتر ميلان اليوم في ديربي الغضب، والذي انتهى بالتعادل الإيجابي بهدفين لمثلهما في الدقائق الأخيرة من المباراة. وتأتي سيطرة مجموعة يونج هونج الصينية على إي سي ميلان بعد عام على شراء شركة سونينج الصينية للجار إنتر ميلان، لتصبح ميلان المقاطعة الصينية رقم 23، لكن خارج حدود الصين. سونينج منذ البداية كشفت عن أسباب اختيار الإنتر، فالهدف الأساسي وراء الاهتمام بكرة القدم بخلاف بناء فريق قوي، هو رغبة الشركة في الانتشار العالمي لأنشطتها، لكن يبدو أن هناك هدفا بعيد المنال، ويونج هونج لم تأت بنوايا مختلفة عن سونينج، فلماذا يقتنص الصينيون الفرص لشراء حصص في الأندية الأوروبية؟
لماذا كل هذا الاهتمام؟
لا بد أن البعض يستغرب هذا الطوفان الصيني الاستثماري الذي يغمر المدن الأوروبية، ويتعجب البعض الآخر من القدرة الشرائية الكبيرة للأندية الصينية رغم قلة الاهتمام الإعلامي بدوريها، وشح العوائد المادية مقارنة بالدوريات الأوروبية الكبرى. لكن هناك أسبابا عديدة لهذا التوجه، وأهمها تطوير اللعبة في الصين لتحقيق الرغبة الوطنية بالظهور بمستوى أفضل كرويًا.
السبب الثاني هو أن أقوى اقتصاد في العالم وأكبر تعداد سكاني على وجه الكرة الأرضية لم يكن مهتمًا على الإطلاق بكرة القدم. على عكس الكثير من دول العالم الأخرى، لا تتربع اللعبة على عرش الرياضات في الصين، ولا تعتبر اللعبة الشعبية الأولى هناك، لأنها خسرت هذه المكانة لصالح كرة السلة والألعاب الفردية مثل تنس الطاولة والجمباز. ويعود السبب وراء قلة اهتمام الصينيين باللعبة وعدم نجاحهم فيها إلى العوائل الصينية، فاللعبة تأثرت بالطبيعة الاجتماعية هناك، لأن الآباء الصينيين يفضلون إرسال أطفالهم لتعلم مهنة أو إكمال دراستهم بدلًا من تعلم رياضة ما. لذلك لم تثبت كرة القدم الصينية نفسها لا داخليًا ولا قاريًا، وبالتأكيد ليس عالميًا، فالصين تأهلت مرة وحيدة إلى نهائيات كأس العالم 2002، وتأهلت بسبب ضعف مجموعتها وعدم مشاركة كوريا الجنوبية واليابان في التصفيات لاستضافتهما البطولة آنذاك.
أوامر رئاسية عُليا
قبل عدة أعوام عبر الرئيس الصيني تشي جين بينغ عن حبه لكرة القدم منذ الطفولة وشجع الصينيين على ممارسة كرة القدم، وجاء هذا التوجه بعد الخسارة المذلة التي تعرض لها منتخب الصين أمام المنتخب التايلندي بنتيجة 5-1، والتي صادف أن تكون في عيد ميلاد الرئيس. لذلك أراد الرئيس تغيير الواقع المزري لكرة القدم في بلاده، فأعلن أن اللعبة ستصبح جزءا إلزاميًا في المناهج الوطنية بالمدارس، وأقرَّ خطة لتطويرها على مدى 10 سنوات تنتهي عام 2025، والهدف الرئيسي هو التأهل لكأس العالم واستضافة بلاده للبطولة، والهدف المنشود هو تحقيق بطولة كأس العالم. فالصين تسعى حاليًا للظهور بشكل أفضل على الساحة العالمية، ولن تتمكن من الوصول لهذا الهدف إلا من خلال تطوير الأندية الصينية وخلق قاعدة شعبية لكرة القدم هناك، وبالتالي تطوير المنتخب الصيني وتحسين نتائجه.
يتطلع الرئيس أيضًا لتعزيز الوضع الاقتصادي والسياسي من خلال الرياضة، وتحويل الصين إلى قوة عظمى في عالم الكرة، لأنها تريد أن تكون مسيطرة وناجحة في كل المجالات، وهدفها الارتقاء إلى مكانة تحظى فيها باحترام عالمي وكرة القدم وسيلة جيدة لتحقيق هذا الطموح.
كيف يمكن تحقيق ذلك؟
الرئيس الصيني لم يقصد الشعب فقط من خلال تشجيعه على الاتجاه لكرة القدم، بل كان يقصد الحكومة ككل ورجال الأعمال والمستثمرين، حيث شجع الشركات على الدخول في مجال كرة القدم والاستثمار محليًا وعالميًا، حيث تقوم الشركات الصينية «بعضها حكومية» بشراء أسهم وحصص في الأندية، وأغلب الأندية الصينية حاليًا مملوكة لأشخاص يعملون في المجال الحكومي أو لشركات ثرية تسعى للحصول على الدعم الحكومي بعد اتباعها لرغبة الرئيس في تطوير كرة القدم.
أما عالميًا، كانت البداية عن طريق الدخول إلى الأندية الصغيرة في أوروبا كالتشيك وهولندا ومن ثم كان الاتساع نحو فرنسا وإنجلترا وإسبانيا ومؤخرًا إيطاليا. وأهمها كان السيطرة على قطبي ميلان، وشراء 20 % من أتلتيكو مدريد، وشراء 13 % من أسهم « City Football Group » الشركة المالكة لمجموعة أندية السيتي «إنجلترا – أستراليا – الولايات المتحدة – اليابان – الأورجواي».
شراء الأسهم في مجموعة السيتي لكرة القدم لم يكن شراءًا عشوائيًا على الإطلاق، فالصين تعتبر المجموعة نموذجًا تسعى لاتباعه واستنساخه، والهدف هو اكتساب ثقة الاتحادات الدولية والقارية وخلق علاقة جيدة مع المنظمات المعنية بالقرارات، والغاية الأسمى هي الاستفادة لاحقًا في عملية التصويت على حقوق استضافة كأس العالم.
حصاد وفير
امتلاك الحصص في الأندية سيفتح الأبواب لوجود الصينيين، سواء كمدربين أو لاعبين، في منبع الخبرات والاستفادة من التطور الكروي في أوروبا لخدمة الكرة الصينية في المستقبل، وبالتالي سيكون هناك مزيد من المتابعين الصينيين وسيؤدي إلى ازدياد الاهتمام باللعبة داخل الدولة الصينية. وهذا لن يقتصر فقط على اللاعبين بل على الأندية الصينية التي سترتفع قيمتها التجارية في السوق الكروية العالمية، وظهر هذا جليًا في سوق الانتقالات بعد استقطاب العديد الأسماء المميزة في اللعبة، سواء كانوا مدربين أو لاعبين، ولا يمكن إغفال عملية كسب المال من خلال بيع اللاعبين الصينيين باتجاه أوروبا مستقبلًا.
مع زيادة الإقبال الاستثماري سترتفع قيمة حقوق البيع التلفزيوني وستزداد عوائد البث، حيث كانت قيمة العقد السابق تقدر بـ 8 ملايين دولار للموسم، لكن في الموسم الحالي تم بيع الحقوق بمبلع 200 مليون دولار للموسم. وجميع هذه الأمور أثرت على السوق العالمية، فالآن نرى عدة دوريات تغير مواعيد إقامة بعض مبارياتها لتتناسب مع توقيت شرق آسيا، ومنها ديربي ميلان الذي أُقيم ظهر اليوم، بالإضافة إلى انتشار أسماء الشركات الصينية ورعايتها للعديد من قمصان الأندية الأوروبية وظهور إعلاناتها داخل أرض الملعب.
الصين لديها كل الإمكانيات للوصول إلى ما تسعى إليه، فهي تمتلك الرغبة والحافز والأموال والموارد والزاد البشري والمساندة الحكومية، ووفقًا لكل هذه المعطيات ربما ستتمكن الصين من تحقيق طموحاتها كما هو مخطط لها بعد عقدين من الآن، على عكس بعض الدول التي ستستغرق معها عملية التطوير عقود وعقود.
أماكن وجود الصينيين؟
إنجلترا « مانشستر سيتي – ويست بروميتش ألبيون – أستون فيلا – ولفرهامبتون – برمنجهام سيتي».
إسبانيا « أتلتيكو مدريد – إسبانيول – غرناطة »
فرنسا « أولمبيك ليون – نيس – أوكسير – سوشو »