أزمة ميلان: كيف يستعيد الروسونيري مكانته مرة أخرى؟
في الثالث والعشرين من مايو/آيار لعام 2007، كان هناك مهاجم إيطالي يحرز هدف قتل المباراة في نهائي دوري أبطال أوروبا لموسم 2006/2007 لصالح فريقه، ليرسم بأقدامه نجمة أوروبية سابعة على قميص فريقه الذي كان يلقب حينها بالعملاق الإيطالي، رغمًا عن أنف خصمه الذي منعه من تلك الرسمة قبل عامين في مباراة ملحمية بإسطنبول.
ربما محاولاتك لمعرفة أبطال الفقرة السابقة صائبة، فذلك المهاجم هو فيليبو إنزاجي وذلك العملاق الإيطالي هو اي سي ميلان، وذلك الخصم هو نادي ليفربول الإنجليزي. لكن الآن، وبعد أكثر من 12 عامًا على تلك المباراة، لا أحد قادر حقًا على معرفة بما حدث.
حافة الهاوية، ربما الهاوية نفسها
في عام 2013، كان سيلفيو بيرلسكوني -واعذرني لعدم ذكر كل تلك الألقاب التي يأتي بعدها اسمه- يستعد لدخول سباق الانتخابات العامة الإيطالية، وكان لديه بعض المستشارين السياسيين الذين نصحوه بتقليل إنفاقاته على فريق كرة القدم بالنادي، لماذا؟
لأنه حسب رأي أندريا بريتشي، الصحفي بموقع بيانيتا ميلان، كانت رؤية المستشارين آنذاك كلها تنصب حول حملات بيرلسكوني الانتخابية. نعم، الرجل قادر على إنفاق أكثر من 300 مليون يورو على النادي، لكن في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيطاليا منذ عام 2008، فإن الإنفاق المبالغ فيه على الفريق في الوقت الذي يستعد لدخول انتخابات به، مع وضعية أنك بالفعل اشتريت إبراهيموفيتش وماريو بالوتيلي قبل الانتخابات، سيؤثر بشكل سلبي على الحملة.
انخراط بيرلسكوني في السياسة كان له آثاره السلبية بكل وضوح على اقتصاديات الفريق، الرجل لا يحتاج النادي، لكنه غير قادر على بيعه، لماذا؟ لأن ذلك بالتأكيد سيؤثر على الأصوات الانتخابية، وفي نفس الوقت غير قادر على تدعيمه، لماذا؟ لأنه لا أحد سيكترث بما يفعله فريق كرة قدم بجانب مستقبل إيطاليا الموضوع على المحك الآن.
لكن لكي نعطي بعض الإنصاف لسيلفيو، فحياته السياسية كانت مجرد تتويج لذلك الفساد الذي كان يحدث بحق الروسونيري. فالحسابات المصرفية الخاصة بالميلان كانت تعاني وحدها منذ أكثر من عقد من الزمان بسبب تلك المحاولات البائسة لبناء ملعب جديد خاص بهم، هذا بجانب تلك الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم بأسره عام 2008، والتي أخلت بالموازين الاقتصادية للنادي.
وبالطبع لأن كل ما سبق لم يكن كافيًا، فجاءت قضية التهرب الضريبي الخاصة ببيرلسكوني، والتي أثبتت عليه بعام 2013، وترتب عليها دعوى قضائية بقيمة 560 مليون يورو ضد كبار مستثمري النادي، والتي جعلت الاستقرار المالي للفريق شيئًا من طور النسيان.
فجاء بيع نجوم الفريق مثل إبراهيموفيتش وتياجو سيلفا دفعة واحدة إلى باريس سان جيرمان، كرد فعل بديهي على كل ذلك المزاح الذي يحدث، في مرحلة سيطر عليها الفساد الإداري والخزائن المالية الفارغة.
الأسوأ لم يأتِ بعد
بعد سنوات أربع عجاف عاش خلالها النادي، قرر بيرلسكوني التخلي عن مقعده كرئيس شرفي للميلان وتم بيع النادي بمبلغ 740 مليون يورو لصالح مستثمر صيني مجهول الهوية.
مستثمر أنفق 200 مليون يورو في أول سوق انتقالات يمر على الفريق وهو على كرسي الإدارة، إلا أن العام الثاني للرجل في إيطاليا لم يمر قبل أن يغرق في ديونه لصالح شركة إليوت الأمريكية، بسبب اقتراضه منها 300 مليون يورو لإتمام استحواذه على النادي وفشله في ردهم.
الآن الوضع كالآتي، آسيوي غرق في ديونه وأغرق النادي معه، 11 لاعبًا دفعة واحدة بعام 2017 تم شراؤهم وفشلوا في التأهل لدوري الأبطال ليزداد الوضع المالي سوءًا، والآن إدارة أمريكية كبيرة تضع يدها على النادي وتعد بالإصلاح. أعزائي العاملين بإليوت، قبل أن تعدوا بإصلاح ذلك الكبير الإيطالي، هل سألتم عنه؟
فبين أساطير يقدرها النادي مثل باولو مالديني وزفونيمير بوبان من جهة، وأشخاص على دراية كبيرة بالاقتصاد وإدارة اللعبة الجديدة وعلاقتها بالأموال، مثل هندريك ألمستاد الذي أوكل إليه ملف التعاقدات، وهو مسئول تنفيذي سابق بأرسنال الإنجليزي، وحاصل على شهادتي اقتصاد من جامعتي لندن وهارفارد، بجانب تعيين إيفان جازيديس المدير التنفيذي السابق لأرسنال بنفس المنصب المذكور.
كل ذلك بجانب عقود الرعاية التي يحاول النادي إبرامها منذ وصول جازيديس إلى كرسيه، وآخرها بموسم 2017-2018 عندما دخل خزائن النادي ما يقارب الـ 71 مليون يورو من عقود رعاية، وهو رقم لا بأس به مقارنة بالأوضاع المأساوية التي عاشها الفريق ويعيشها اقتصاد الدوري الإيطالي بشكل عام مقارنة بالدوري الإنجليزي والإسباني.
لكن مع الأسف، كل ما سبق من محاولات حذرة لحل أزمة الفريق اصطدمت بكابوس اللعب المالي النظيف، ومنع الميلان من المشاركة في اليوروباليج لهذا العام على خلفية التحقيقات في إنفاقات الفريق بالفترة بين عامي 2015 و2017، ليضع الفريق أمام تساؤلات جديدة لم تكن موجودة من ذي قبل: هل ما تخطط له إليوت كافٍ حقًا لصنع المعجزة؟
خارطة الطريق
هل تتذكر لماذا نحن هنا بالأساس؟ بالضبط، نحن هنا للبحث عن طريقة لعودة الميلان إلى مكانته الطبيعية، وهذا ما سنبحث عنه سويًا، لا تقلق، فربما ما عجز كل من بيرلسكوني والإدارة الصينية في الوصول إليه، أو ذلك الحل الذي يعجز جازيديس وشركة إليوت الأمريكية في البحث عنه، نصل إليه هنا.
وفي رحلتنا البحثية القصيرة تلك، مع محرك البحث جوجل كتبنا كلماتنا البسيطة «هل من الممكن أن يعود ميلان عظيمًا من جديد؟» لنجد أمامنا نفس السؤال مطروح ولكن على موقع المناقشة المشهور «كيورا»، ونصل لتعليق من أحد الأشخاص يدعى ألين شيريل، مجيبًا عن السؤال في أربع نقاط.
حسنًا، شكرًا ألين، على الرغم من أنه تقريبًا نسي أننا نتحدث هنا عن وضع الميلان الحالي، ولا نتحدث عن وضع فريقه في إحدى الألعاب الإلكترونية بالخطأ.
كل تلك الحلول ربما هي المنطقية بالفعل، بل ربما هي فلسفة بعض الأندية للخروج من أزماتها، ريال مدريد مثلاً وباريس سان جيرمان وغيرهما، كلها أندية قادرة بالفعل على القيام بتلك الحلول، لكن وضع الميلان مختلف، لماذا؟
لأننا الآن أمام فريق بدأ مؤخرًا في محاربة ديونه والتخلص منها، وما زال أمامه أشواط طويلة ليقطعها للتخلص من أصداء عقود من التخبط الإداري، هذا بجانب أن حتى إليوت الذين يحاولون إخراج النادي من كبوته ربما هم أنفسهم لا يفكرون بالأمر مثلما يفكر به المشجعون.
فوسط التصريحات الدائمة أن إليوت تبني لصالح مستقبل النادي، إلا أن هوية الشركة نفسها تقول ما هو عكس ذلك، فميلان بالنسبة لإليوت هو المشروع الرياضي الأول الذي يتولون زمام أموره.
العمل في الميلان بالنسبة لبول سينجر ما هو إلا محاولة للحصول على أكبر سعر ممكن من إعادة بيع النادي فيما بعد، وهذا في المقام الأول، بجانب أنه يحاول ترسيخ اسمه وسمعته الاقتصادية داخل الوسط الرياضي في إيطاليا بالمقام الثاني، خصوصًا وأنه يقوم ببعض الاستثمارات بكل من شبكتي سكاي سبورتس الإيطالية وتيليكوم إيطاليا.
وهنا يكمن الفارق الجوهري بين ميلان وليفربول إداريًا بعد 12 عامًا من ذلك النهائي الذي جمعهما سويًا في اليونان، لماذا سنتحدث عن ليفربول؟ لأن الفريقين مرا بأوقات صعبة بعد تلك اللحظة.
فعلى الرغم من أن كلا الناديين يتولى إدارتهما شركات أمريكية، إلا أن جون هنري مالك ليفربول الحالي، هو في الأصل مستثمر له باع في مجال الرياضة وله تجارب أخرى في هذا الصدد، كونه صاحب نادي «بوسطن ريد سوكس» الذي ينشط في الدوري الأمريكي لكرة القاعدة «البيسبول»، رجل ليس لديه مانع أن يخسر الآن لأنه سيكون حاضرًا بالغد وبالمستقبل ليرى نجاحات فريقه على المدى البعيد.
بينما مع سينجر الأمور مختلفة، فالرجل ينشط بالمقام الأول في الاقتصاد، لذلك وجهة نظره لوضع الميلان قائمة على ما سيحققه من نجاحات على المدى القصير لتسريع حصوله على أكبر عائد مادي من إعادة البيع، لذلك كل ما يهمه هو إخراج النادي من كبوته الاقتصادية وجعله بالكاد ينافس على أحد المراكز المؤهلة للأبطال.
لا فائدة
ما يؤكد وجهة النظر حول قصر حلول إليوت في العمل الرياضي، هو رحيل جاتوزو بنهاية الموسم المنصرم، ذلك الأمر الذي أعطى انطباعًا أن النادي أخيرًا قرر أن يلعب كرة القدم بالمستقبل.
حينها كان مطلوبًا من الإدارة التعاقد مع شخص قادر على تولي زمام الأمور في تلك المرحلة، وفي نفس الوقت يكون مناسبًا لسقف الفريق المادي، فقررت الإدارة إضحاك الجميع وتعاقدت مع الاختيار الأضعف بين كل المتاحين متمثلاً في ماركو جيامباولو مدرب سامبدوريا السابق.
تمت الإقالة كما هو متوقع بعد 7 مباريات فقط مع الفريق، فتم التعاقد مع ستيفانو بيولي الذي لا يختلف كثيرًا عن جيامباولوز، فكلاهما بداياتهما في الأغلب تكون جيدة قبل أن تنفرط من أيديهما الأمور فيما بعد، وهذه القاعدة هي ما نعيش نمطيتها الآن مع بيولي الذي بدأ مسيرته بتعادل في أول مباراة له أمام ليتشي ثم خسارة بهدفين أمام روما، وهي التي رأينا مرحلتها الثانية بسرعة شديدة مع جيامباولو الذي خسر أربع مباريات من أصل سبع له مع الروسونيري.
ربما اختيار المدرب شيء يعبر عما تحاول إليوت عمله مع الفريق، المهم هو الفوز ليس إلا، بأقل الإمكانيات الممكنة، كل ذلك لرفع المكانة الاقتصادية للنادي، وربما تلك الطريقة في التعامل هي ما يحتاجه الميلان في هذه الفترة الحالية.
مجرد مرحلة انتقالية بين التدني والاستقرار، لكن إذا أردنا أن نبحث عن الهيمنة، فلن نجدها لأنها موجودة بزمن آخر بين يدي أشخاص آخرين، حتى لو تلك الأيادي ملك لبيرلسكوني نفسه، لكن في هذه الحالة، قد نحتاج لإعادة تعريف الشيطان.