الهجرة من السنغال: أكذوبة «تجار العبيد الجدد»
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
عندما نسمع عن الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى أوروبا، يتم تصوير المهاجرين دومًا باعتبارهم ضحايا لتجار البشر ممن يستغلون الضعفاء، وتم إطلاق تسمية «العبيد الجدد» عليهم لاستثارة الحماية الإنسانية. لكن، هل هذا التقييم دقيق؟ هل المهاجرون غير الشرعيين عبيدٌ فعلًا؟ أم أنهم فقط يحاولون الانتقال عبر حدود تم أمننتها [إغراق الحدود بسياسات أمنية] بشكل تدريجي؟
في عملي على بعض المهاجرين الذين تمت إعادتهم إلى السنغال، وجدت أن الناس لا يعتبرون أنفسهم ضحايا، بل أنهم يقومون برحلات خطيرة – بما في ذلك الدفع للوسطاء – من أجل الحصول على حياة أفضل.
مما لا شك فيه أن المهاجرين يواجهون استغلالًا في عبورهم الصحراء الكبرى والبحر المتوسط، إلا أن ذلك ليس بسبب وجود «تجار العبيد الجدد»، بل بسبب قيود الهجرة المتزايدة. فالمهاجرون لم يصفوا رحلاتهم بأنها استعباد يتضمن الانتقال الإجباري. بل وصفوها بأنها جزءٌ من تاريخ طويل وعميق من هجرة العمالة إلى أوروبا. وفيما يلي؛ سأستكشف بعض هذا التاريخ في محاولة لتحدي الفكرة التي تقضي بأن المهاجرين يتم خداعهم وإجبارهم على الانتقال من قبل من يسميهم البعض بـ «تجار العبيد».
تاريخ الانتقال القديم (1500 – 1900)
لقد كان الانتقال سمةً أساسيةً في مجتمعات غرب أفريقيا لقرون. ففي الواقع، كانت سينغمابيا (اتحاد جمهورية كونفدرالية قام بين غامبيا والسنغال أطلق عليه اسم، وذلك في الفترة ما بين 1982 و1989) قبل الاستعمار نقطة وصولٍ للشعوب الوافدة، وانطلاقٍ للمهاجرين. وحتى القرن الخامس عشر، كانت التجارة والانتقال التي سمح بها تتجه إلى الداخل في اتجاه الصحراء الكبرى. وفي مستهل تجارة العبيد العالمية في منتصف القرن الخامس عشر، تحولت الطرق التجارية من الصحراء إلى المحيط، مع استبدال السلع الأوروبية في مقابل العبيد المأسورين من الداخل الأفريقي الغربي.
تحول الفرنسيون بعد أن ألغوا التجارة البحرية للعبيد عام 1848 إلى تجارة الفول السوداني بحثًا عن الربح. وتطلب ذلك أيضًا عمالة متحركة وغالبًا إجبارية؛ إذ ينتقل الأهالي لحصاد المحاصيل النقدية (المحاصيل التي تُزرع من أجل الربح)، خلال موسم المطر. وفي الوقت نفسه، انتقل بعض الناس بشكل منتظم للهرب من الإدارات الكولونيالية. واعتاد الأهالي الهروب إلى الأدغال عندما تصبح الضرائب والتجنيد الإجباري ونسب العمالة أكثر من أن تُحتمل.
عصر الهجرة الجديد (1900 – 2000)
لقد كانت الموجة الكبيرة الأولى للمهاجرين السنغال إلى فرنسا في أوائل القرن العشرين، وكانت مكوّنة بالأساس من جنود البحرية التجارية الذين استقروا في المتروبول (عاصمة المستعمِر) بعد الحرب العالمية الأولى. وحدثت الموجة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية، وتضمنت الطلاب المقرر أن يتولوا مناصب إدارية في دكار، وكذلك المحاربين القدامى ممن حاربوا إلى جانب فرنسا في الحربين العالميتين. وتم استجلاب العديد من المهاجرين العمال من دول الفرانكوفون الأفريقية للعمل في الصناعات الفرنسية وفي مشروعات البنية التحتية في عملية إعادة الإعمار الأوروبية بعد الحرب.
لكن مع أزمة النفط عام 1973 والركود الاقتصادي، تخلت فرنسا سريعًا عن سياسة استجلاب العمال. حيث فُوجئ السنغاليون، عام 1986، بأن عليهم استخراج فيزا دخول قبل السفر إلى فرنسا. وكان ذلك بالنسبة للمهاجرين الطموحين يعني عمليًا؛ أن الطرق القانونية المفتوحة إلى أوروبا أصبحت غير متاحة، لأن طلب تمويل الفيزا يتطلب أن يكون لك أحد الأشخاص الذين يعيشون في فرنسا.
لكن للأسف، لم يكن الوضع مواتيًا في السنغال؛ إذ أن معدلات الميلاد المتزايدة والإنتاج الزراعي المتضائل، والمصاعب الاقتصادية الناشئة عن تطبيق سياسات الإصلاح الهيكلي، ساهمت في زيادة عدم الاستقرار.
ولمواكبة عدم الاستقرار هذا، لجأ السنغاليون إلى ما تعودوا عليه: لقد هاجروا إلى مكان جديد بحثًا عن العمل. على الرغم من أن فرنسا كانت الوجهة الأبرز، إلا أن إسبانيا وإيطاليا – نتيجة سياسات الهجرة المفتوحة – كانتا الوجهتين الجديدتين في أواخر القرن العشرين للمهاجرين السنغاليين.
عصر الأمننة (2000 – إلى الآن)
مع تدهور الظروف الاقتصادية، بدا للعديد من الشباب في السنغال أن أوروبا منارةً للأمن. فكانت الهجرة غير الشرعية أحد البدائل المتاحة لمن لا يملكون علاقات في أوروبا. فمن 2005 وحتى 2008، حاول مئات الآلاف من السنغاليين عبور الأطلنطي على متن زوارق خشبية متجهين إلى جزر الكناري.
وفي 2006 وحدها، وصل أكثر من 40 ألفًا إلى الأرخبيل الإسباني. وفي محاولة لوقف هذا «الطوفان»، وسّع الاتحاد الأوروبي من الحراسات البحرية على شاطئ السنغال، وخاصةً من خلال عمليات وكالة فرونتكس (وكالة حراسة الحدود والساحل الأوروبي)، التي استطاعت بنجاح إعاقة الطريق الأطلنطي الغربي نحو أوروبا.
على الرغم من أن العديد من موظفي الدولة والباحثين أعلنوا بتفاؤل عام 2009 أن هجرة الزوارق من السنغال انتهت إلى الأبد، إلا أنه بدلًا من وقف الهجرة، أدت الحراسات إلى مجرد تحويل مسارها. فكما أخبرني أحد المهاجرين الذين تمت إعادتهم، «ما حدث هو أن الهجرة مع فرونتكس انتقلت إلى مكان آخر».
تحوّلت الطرق البحرية – منذ تنفيذ عملية هيرا التي قامت بها وكالة فرونتكس عام 2005 – إلى البر نحو شمال أفريقيا، ومن ثَمَّ إلى البحر المتوسط. وفي هذا الطريق، يمكن أن تسبب القيود الحدودية ما سماه مارتن لومبرج بدرسون «نزوح بسبب الحدود».
فعندما تمت إعاقة طريق غرب أفريقيا، تم توجيه المهاجرين المسافرين فعليًا إلى النزول مؤقتًا في المغرب أو ليبيا. فبدلًا من إيقاف الحركة، دفعت أمننة الحدود – وليس «تجار العبيد» المزعومين – السنغاليين والأفارقة الآخرين من الطموحين إلى سلك طرقٍ ملتوية، وبالتالي أكثر خطرًا.
خاتمة
بالعودة إلى السؤال الذي افتتحت به هذه المقالة: هل المهاجرون غير النظاميين اليوم يتم استعبادهم؟
إن «العبودية» ليست الاصطلاح السليم في التعبير عن المهاجرين السنغال المتنقلين. فبالنسبة إليهم، الهجرة جزءٌ من ممارسة طوعية وتاريخية قديمة وبارزة. وعلى الرغم من أنهم يواجهون استغلالًا أشد مما مضى، إلا أن ذلك يرجع إلى حقيقة أن أمننة الحدود قد جعل من الدخول الآمن أمرًا مستحيلًا.
واليوم، الهجرة السنغالية عبر المتوسط أبعد ما تكون عن الانتهاء. ففي 2016، كان المهاجرون السنغاليون من بين الجنسيات العشرة الأكثر وصولًا إلى إيطاليا. والانتقالات المعاصرة ليست نتيجة «تجار العبيد»، بل نتيجة السياسات التي نزعت الغطاء القانوني عن هذه الحركات، وعمن يقومون بها، وبالتالي أصبحوا أكثر عرضةً للاستغلال.
لقد كان طريق المتوسط بالنسبة للمهاجرين السنغاليين الطريق الأحدث في سلسلة طويلة من المنعطفات التي انتقلت بين البر والبحر لسنوات. وفي التحليل الأخير، تتناسب زيادة الأمن الحدودي عامةً مع زيادة القابلية للاستغلال.
يقف هذا التقييم عائقًا أمام فكرة كون المهاجرين ضحايا «تجار عبيد» المجرمين والفسدة. بل بالأحرى، يعمل السنغاليون على التكيف بشكل مستمر مع حدود تتم أمننتها بشكل متزايد في محاولة للنجاة.