ميشال عون رئيسًا: تل الزعتر لم يكن لها حق التصويت
ثلاثة آلاف شهيد فلسطيني غابوا عن جلسة البرلمان اللبناني أثناء التصويت على اختيار ميشال عون رئيسًا للجمهورية. لو كانوا حاضرين، لربما رسموا كلمة «لا» على الجدران بدمائهم التي سالت على أراضي مخيم تل الزعتر، لربما ذكّروا الضمير اللبناني العربي بمشاهدٍ بشعة سجلها التاريخ اللبناني، وحذفتها الإنسانية من تاريخها.
آلاف الشهداء الذين سقطوا خلال العدوان الإسرائيلي عام 1982 لم يشهدوا لحظات وصول ميشال عون إلى قصر بعبدا. لو كانوا حاضرين لاحتفوا بالرئيس الجديد، ورسموا بالأضواء على جدران القصر صورته بجانب أرييل شارون وجنرالات إسرائيل العسكريين.
وليد النكبة
مخيم تل الزعتر هو واحد ضمن 16 مخيم لللاجئين الفلسطينيين أسستهم منظمة الأونروا في لبنان. تأسس بعد عام من النكبة، أي عام 1949، واستمر حتى 12 أغسطس/آب 1976، عندما تمت إزالته من الوجود إثر واحدة من أعنف مجازر التاريخ ضد الشعب الفلسطيني.
كان يقع في المنطقة الشرقية الشمالية من مدينة بيروت، ومساحته كيلو متر مربع واحد، وتميز في ذلك الوقت بالنشاط الزراعي، الذي ازدهر نسبيًا في تلك المنطقة التي اشتهرت بشكل خاص ببساتين الحمضيات والخضروات. اشتغل قسم كبير من سكان المخيم، في الزراعة، وبحلول عام 1968 تقلص النشاط الزراعي، وصارت المنطقة الشرقية الشمالية من بيروت أهم مناطق لبنان الصناعية على الإطلاق.
بلغ عدد سكان المخيم من اللاجئين الفلسطينيين عام 1976 حوالي 17 ألف نسمة. وقد بقى المخيم خاضعًا بالكامل لسلطة الدولة اللبنانية، حتى أواخر الستينات، عندما بدأ سكان المخيم ينخرطون في العمل الفدائي وينضمون لفصائل المقاومة المسلحة. وهو ما اعتبره حزب الكتائب اللبناني اليميني تحديًا واستفزازًا في منطقته الجغرافية ومعقله السياسي. فوقعت مناوشات متفرقة بين الطرفين منذ عام 1969. ورأت الكتائب أن هناك خطرًا فلسطينيًا داهمًا يجب التصدي لها.
جثث الشهداء طعام «تل الزعتر»
كان مخيم تل الزعتر شاهدًا على لحظة اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، في 13 أبريل/نيسان 1975، حينما أطلق مسلحو حزب الكتائب النار على حافلة كانت تقل فلسطينيين أثناء عودتهم إلى المخيم من مهرجان سياسي في مخيم شاتيلا غربي بيروت، أقامته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة، ما أدى إلى مقتل 27 فلسطينيًا من ركاب الحافلة.
ومع انتشار هذا الخبر الذي عُرف بـ «حادثة البوسطة»، اندلعت الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية وميليشيات الكتائب في أنحاء المدينة.
وفي يناير/كانون الثاني 1967، بدأت أطول معارك الحرب الأهلية اللبنانية «معركة تل الزعتر». حيث فرضت الكتائب اللبنانية الحصار على مخيم اللاجئين منذ ذلك الحين، وهو الحصار الذي أدى إلى مجاعة بين سكان المخيم، حتى أنهم طلبوا من علماء المسلمين فتوى تُبيح أكل جثث الشهداء كي لا يموتوا جوعًا.
وفي 22 يونيو/حزيران 1976، شنت الكتائب هجومًا واسعًا على المخيم، وبدأت في إمطاره بوابل من القذائف والصواريخ بلا انقطاع من الفجر إلى المغيب وعلى مدى 52 يومًا متتالية، حيث قُدرت عدد القذائف التي سقطت على تل الزعتر بحوالي 55000 قذيفة.
وسقط المخيم في 12 أغسطس/آب وتمكنت ميليشيات الكتائب من دخوله، بعدما تجاوز عدد من سقطوا جراء قصف المخيم الألف شهيد.
وبعد دخولهم المعسكر، قاموا بتنظيم كمائن للأهالي الُعزّل، حيث دعوهم بالميكروفونات للخروج من المخابئ بدعوى إجلائهم ثم أُطلق عليهم النار، وراحت المليشيات المختلفة تتنافس على ذبح أكبر عدد من الفلسطينيين، حيث تعرضت عائلات بأكملها للذبح، ورفضت الميليشيات بإصرار السماح بإجلاء أي رجل إلى بيروت الغربية، وكان تعريفهم للرجل هو «الذكر الذي يتراوح عمره بين عشرة أعوام وخمسين عامًا». وكذلك تم اغتصاب أعداد غفيرة من النساء قبل ذبحهن، بينهن فتيات كثيرات يقل عمرهن عن عشرة سنوات. بالإضافة إلى إعدام 60 من ممرضي المخيم.
وقد قُدّر عدد شهداء المخيم بحوالي 3000 غالبيتهم من المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، إضافة إلى عدد كبير من المفقودين الذين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن.
دماء الفلسطينيين في قصر «بعبدا»
لم تكن ميليشيات الكتائب وحدها هي المسئولة عن هذه المجزرة البشعة، بل دعمها وعاونها في الميدان، نظام حافظ الأسد، والاحتلال الإسرائيلي. وتنازعت القيادات اللبنانية المتواطئة حول حصة كل فصيل لبناني يميني في قتل الفلسطينيين الناجين من المذبحة، وراحوا يتنافسون على شيطنة الشعب الفلسطيني، وتصوير المخيمات الآهلة بالسكان على أنها معسكرات وقلاع عسكرية.
وكان من ضمن تلك القيادات، الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون، الذي شارك في معارك الحرب الأهلية اللبنانية ومجازرها، والذي اعترف في مقابلة أرشيفية مسجّلة معه، أنه أشرف على خطة تطويق تل الزعتر «بغية تحريره»، ويزعم أنه طرح على الفلسطينيين التفاوض من أجل فتح الطرقات وتجريد المقاومة من سلاحها، ولكن ظلت الأوامر تُعطى للفلسطينيين بأن يقاموا.
ويقول عون: «بعد تلك المقاومة، صار في ملل وضجر، وشالوه للمخيم»، دون أن يبدي أي أسف أو ألم لما تم داخل المخيم من مجازر مروعة، بل وبرر ذلك بهدوء أعصاب، قائلًا: «قد يكون حصل تجاوزات لأنهم غير عسكريين».
رجل إسرائيل في لبنان
عُرف عن ميشال عون أنه صاحب علاقة وثيقة بإسرائيل، بدأت خلال الحرب الأهلية، وامتدت إلى سنوات منفاه.
وكان الصحافي الفرنسي «آلان مينارغ» في كتابه «أسرار حرب لبنان»، أول من كشف عن طبيعة هذه العلاقة، فيذكر أن الكولونيل ميشال عون كان اقترح على قائد القوات اللبنانية بشير الجميل، توقيع اتفاقية اعتراف متبادل وميثاق للدفاع المشترك بين لبنان وإسرائيل. ثم عاد في موضع أخر، ليروي كيف كان اعتاد الكولونيل عون – قائد اللواء الثامن بالجيش اللبناني حينئذ – أن يتجول في دوريته برفقة ضباط إسرائيليين. كما ورد الحديث عن اللقاء الذي جمع عون بأرييل شارون – وزير الدفاع الإسرائيلي حينئذ – خلال اجتياح لبنان عام 1982.
ومطالعة جزئي هذا الكتاب، تشير إلى أن عون كان نقطة ارتكاز تحالف حزب الكتائب والقوات اللبنانية حينئذ مع إسرائيل.
وقد تحدثت صحف إسرائيلية عن استمرار علاقة عون بإسرائيل وقادتها وجنرالاتها العسكريين، خارج إطار المؤسسة العسكرية اللبنانية، وذلك خلال منفاه في تسعينات القرن الماضي.
حيث كان عون، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت»، حريصًا على إبلاغ الجانب الاسرائيلي بأن «لبنان بقيادته، سيكون صديقًا لإسرائيل». وهو ما يفسر دور عون في إقرار قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، وأيضًا زيارته إلى واشنطن قبل 14 عامًا، من بوابة اليمين الأمريكي المتحالف مع إسرائيل.