ما وراء الطبيعة: أشباح وأصدقاء وعجوز اسمه رفعت
في بريطانيا وفي عام 1959 يبدأ العجوز رفعت إسماعيل وهو في سن الخامسة والثلاثين أولى مغامراته في عالم ما وراء الطبيعة، كانت البداية مع أسطورة كلاسيكية في عالم الرعب وهي «مصاصو الدماء»، حيث يقابل رفعت إسماعيل د. ريتشارد كامنجز، الذي يزعم أن أسطورة «الكونت دراكولا» حقيقية، ويدعو رفعت إسماعيل لتجربة ما ورائية سيُثبت له فيها صحة الأسطورة. تنتهي تلك التجربة بفشل ذريع لكنها تكون بوابة عجوزنا الملول لعالم ما وراء الطبيعة، فتتوالى مغامرات رفعت إسماعيل بعد هذه التجربة.
ستتناول مغامرات رفعت اسماعيل –بالإضافة لمغامرات باقي أبطال السلسلة كما سنذكر فيما بعد– معظم (تيمات) قصص الرعب المعروفة، بالإضافة لمزجه تلك (التيمات) ببعض (تيمات) الخيال العلمي، فسنجده يتحدث عن مصاصي الدماء، والمستذئبين، والأشباح، ولعنات الفراعنة، والكائنات العملاقة التي غفل عنها الزمن، والاستحواذات الشيطانية، والكائنات الفضائية، والأشخاص الذين تعرفهم ثم تكتشف أنه تم استبدالهم بآخرين، ووحوش من الأساطير الإغريقية، وتحضير الأرواح، والسحرة، وسحر الفودو الأسود، والنباتات الشيطانية، والسفر عبر الزمن، وماضي الأجداد الملعون الذي يطارد الأحفاد الغافلين، والعوالم الموازية لبشر أو كائنات أخرى، وقدرات الإدراك الحسي الفائق ESP مثل قراءة الأفكار أو تحريك الأشياء عن بعد، وأن تقابل نسخة أخرى من نفسك، وأساطير شعبية مثل أسطورة النداهة… والعديد من (التيمات) الأخرى التي يصعب حصرها. بعض هذه القصص كان تقليدياً جداً، يمكن توقع أحداثها بسهولة، وبعضها كان مُخيِّبًا للآمال، لكن الأكيد أن معظم قصص السلسلة كانت جيدة جداً وبعضها فاق التوقعات كثيراً ووصل لدرجة تكتمل من الكمال.
الصبغة المحلية التي أضافها أحمد خالد توفيق على مغامرات العجوز رفعت أعطت للسلسلة بريقاً خاصاً، فمثلاً قصة مثل «أسطورة البيت» التي تدور أحداثها في مدينة المنصورة في بيئة محلية مألوفة تماماً لنا، ومزج أحداث القصة بذكريات طفولة رفعت إسماعيل التي تشبه ذكريات الكثير منا، أضفى للقصة جمالاً غير معتاد، حتى أن بعض أجزاء تلك القصة انتشرت بطريقة كثيفة على صفحات الإنترنت، مثل هذه السطور:
أيضاً قام د. أحمد بإحياء بعض الأساطير المحلية في قصص السلسلة مثلما فعل حينما جعل العجوز رفعت إسماعيل يصطدم بالنداهة، أحد (العفاريت) القادمة من تراث مصر المحلي والمنتشرة قصتها في الريف المصري. هذه المغامرات التي يواجه فيها رفعت إسماعيل أساطير محلية جعلت الكثير من قرائه من سكان المدن يعرفون تلك الأساطير الريفية في وقت مبكر، شخصياً لولا رفعت إسماعيل ربما لم أكن سأسمع تلك الأبيات أبداً: [1]
استكمالاً للصبغة المحلية نجد أن واحدة من أجمل قصص السلسلة بجزءيها «أسطورة آخر الليل» و«أسطورة الجاثوم»، والتي تدور بشكل شبه كامل في عزبة ريفية في محافظة البحيرة.
على الرغم من أن رفعت اسماعيل هو البطل الأول للسلسلة بلا منازع لكنه بتواضعه المعهود قرر أن يشاركه الآخرون في بطولة قصصه. [2] لا أتحدث هنا عن أبطال آخرين يشاركونه القصص في أدوار بطولة مساعدة مثل صديق البطل أو حبيبته –بالطبع هذه الشخصيات المساعدة موجودة، عزت (جاره) وماجي (حبيبته) نموذجاً – لكنني أقصد شخصية البطل بمعناها الأصلي في نظريات النقد الروائي. فـرفعت إسماعيل يتوارى في الظل ويترك صفحات القصص تماماً للآخرين. في إحدى المرات اختفى رفعت إسماعيل لمدة 8 كتيبات كاملة [3]، فقط كان يظهر في بداية كل كتيب يلقي التحية ويقرأ رسائل استلمها من آخرين تحتوي على قصصهم في عوالم ما وراء الطبيعة. أحياناً أخرى يصبح رفعت إسماعيل هو مساعد البطل ويترك البطولة للآخرين مثلما كان يحدث مع هن-تشو-كان.
ظهر بعض هؤلاء الأبطال مرة واحدة فقط مثل بطل «أسطورة آخر الليل»، وظهر آخرون العديد من المرات، لدرجة أن أياً من هؤلاء الأبطال يصلح لبطولة سلسلة منفصلة [4]، فنجد شخصيات مثل سالم وسلمى يقومون بمغامراتهم الخاصة في كواكب شبيهة بكوكبنا مع اختلافات بسيطة في كل كوكب تصنع تاريخاً مختلفاً تماماً [5]. ونقابل الكاهن الأخير هن-تشو-كان آخر كهنة عقيدة «النافاراي» المندثرة ونخوض معه مغامراته التي يواجه في معظمها مسوخ غير بشرية.[6]
إفساح المجال لأبطال آخرين كان أسلوباً ناجحاً للغاية لعرض أكبر قدر ممكن من خبرات ما وراء الطبيعة دون أن يكون الأمر مفتعلاً، ودون أن يتم كسر مبدأ غير العادي في العادي، لأنه ليس من الطبيعي أن يكون لرفعت إسماعيل مغامرات شخصية مع كل هذه الخبرات الماورائية.
سنكتشف فيما بعد أن أحمد خالد توفيق يشترك مع رفعت إسماعيل في هذه الصفة الحميدة، فمثلما أفسح العجوز رفعت إسماعيل المجال لأبطال آخرين يشاركونه محبة الجمهور، يفعل دكتور أحمد خالد توفيق المثل في تواضع أصيل، فيقدم دعمه للكثير من الأسماء الشابة مثل: شيرين هنائي، وهشام فهمي، ومحمد عبد القهار، ومحمد علاء الدين… والكثير من الموهوبين الآخرين الذين يتعذر حصرهم في بضعة سطور.
تلك التي تمشي على العشب وصديقنا الذي له قلبنا يطرب
لم أتحدث باستفاضة عن الكثير من شخصيات السلسلة فهم من الكثرة التي تجعلني عاجزاً عن فعل هذا عدد محدود من الكلمات، لكن لا يمكن الحديث عن السلسلة دون ذكر ماجي، ولوسيفر. ماجي هي حبيبة رفعت إسماعيل الأسكتلندية «تلك التي تمشي فوق العشب دون أن تثني منه عوداً واحداً» مثلما يصفها رفعت في مواضع كثيرة، هي ابنة المشرف على رسالة الدكتوراه خاصته، نشأت بينهم قصة حب أسطورية لكنها لم تُكلَّل بالزواج، ولكنها ظلت حية طوال حياة العجوز رفعت إسماعيل، وفى أحد المواضع سيذكر رفعت إسماعيل أنه ربما جزء من أسطورة هذا الحب أنه لم يتنه بالزواج فظل حياً ملتهباً وساحراً. يمكن تلخيص هذه العلاقة في هذه العبارات التي ذُكرت متفرقة في بداية كل فصل من قصة «أسطورتها» (7)
الشخصية الأخرى هي شخصية لوسيفر، وهو يمثل شرير السلسلة، يشبه فولدمورت في «هاري بوتر» أو ساورون في «سيد الخواتم»، لكنه –الحق يُقال– أخف ظلاً بكثير من أشرار السلاسل الأخرى، حتى أنك في الأغلب ستقع في حبه. يظهر لوسيفر في حلقة الرعب الثانية ويتوالى ظهوره المُكرر بعد ذلك في العديد من القصص [8] بعبارته المميزة «إني بك أسعد ولك قلبي يطرب» وسنكتشف مع الوقت أنه أحد شياطين العالم السفلي –ربما الشيطان ذاته– شخصية لوسيفر في رأيي إحدى أجمل شخصيات السلسلة –البعض يختلف مع هذا– ويصل د. أحمد إلى قمة الاتقان في رسمها في قصة «في جانب النجوم».[9]
في عام 2014 يعلن د. أحمد خالد توفيق أن القصة القادمة لرفعت إسماعيل هي حكايته الأخيرة، وعلى غلاف العدد الأخير نقرأ:
فنتأكد أنها رسالة الوداع من عجوزنا الذي شارف على التسعينيات من عمره. يقف رفعت إسماعيل بين عالمين ونقف نحن أيضاً بين عالمين؛ عالم به رفعت إسماعيل حي يُسلينا بقصصه، وعالم آخر أكثر كآبة دون رفعت إسماعيل.
ومضات سريعة حول السلسة
- كان يلعب رفعت إسماعيل في بداية السلسلة دور هادم الأساطير الذي يعرف كل شيء. لكنه مع مرور الوقت سيبدأ في الاعتراف أنه يوجد الكثير من الأشياء التي لا يعرفها، وسيبدأ في سرد قصص كاملة لا يملك أي يقين فيها عن ماهية الأشياء التي يقابلها. سيعترف أن العالم مليء بالاشياء الغرائبية وأن التجربة وحدها هي الفيصل. تطور شخصية رفعت هذا يشبه جداً تطورنا كبشر، فنحن نظن ونحن صغاراً أن الكبار يعرفون كل شيء، ثم نصبح مراهقين مغرورين ندّعي أننا نفهم هذا العالم بكل تعقيداتها، ثم أخيراً ننضج فنعترف أن في هذا العالم الكثير والكثير من الأشياء التي نجهلها.
- كل مغامرات سالم وسلمى تبدأ باسم «أسطورة أرض».
- في العديد من المرات قبل أن يسرد العجوز رفعت حكاية عدد معين يذكر عناوين لحكايات أخرى سيقوم بحكيها فيما بعض، فعل هذا في «أسطورة النداهة» عندما ذكر «أسطورة لعنة الفراعنة» التي سيحكيها بعد 7 أعداد من ذكرها، وأسطورة «أوراق التاروت» التي سيحكيها بعد ثمانية عشر عدداً. وفعل هذا مع حكاية «المزييرة» التي ذكرها في العدد السابع وسيحكيها في العدد الأخير من السلسلة. أوفى العجوز رفعت إسماعيل بمعظم وعوده عن الحكايات التي سيحكيها مستقبلاً باستثناءات قليلة جداً، مثل قصة «يد بيزارو» وقصة «زنزانة خريولسن» التي سيذكر أحمد خالد توفيق فيما بعد أنها دعابة منه للقرّاء.
- كل عشرة أعداد في السلسلة تنتهي بعدد يُطلق عليه «حلقة الرعب» وهو عبارة عن مجموعة من قصص قصيرة ترويها شخصيات مختلفة، أحيانًا تأتي حلقة الرعب على هيئة حلقات في برنامج إذاعي، وأحياناً أخرى هي قصص حقيقية يحكيها أشخاص مجتمعين في أحد السهرات. العدد الأخير يمكن اعتباره ضمن حلقات الرعب هذه. في العدد العاشر «حلقة الرعب» يقوم الكاتب بالتعريف بأسلوب بناء حلقات الرعب ويذكر أنه يشبه كتاب «ديكاميرون» الإيطالي.
- تتعدد طرق سرد قصص العجوز رفعت إسماعيل، فبالإضافة لأسلوب السرد التقليدي، استخدم العجوز أسلوب السرد متعدد الرواة مثلما فعل في «أسطورة الظلال» و«أسطورة اللهب الأزرق»، استخدم أيضًا أسلوب السرد عن طريق الرسائل مثلما فعل في «أسطورة الدمية».
- يسألني الكثير من الأصدقاء عن سلسلة ما وراء الطبيعة ويطلبون ترشيحات لأعداد مميزة في السلسلة، أرشح لهم «أسطورتنا»، و«أسطورة آخر الليل» وجزءها الثاني «أسطورة الجاثوم»، وبالطبع أرشح لهم «أسطورة العلامات الدامية» و«أسطورة الرجال الذين لم يعودوا كذلك» المفضلتين لدي.
- يقوم رفعت إسماعيل بدور تثقيفي ما، فهو يبث الكثير من المعلومات أثناء سرده لحكاياته، مثلاً عن طريق حكايات رفعت إسماعيل سمعت للمرة الأولى عن لوحة العشاء الأخير وتشاؤم الغربيين من سكب الملح لأن يهوذا فعل هذا في العشاء الأخير. يقوم العجوز رفعت بهذا الدور بسلاسة مدهشة دون وجود للغة وصاية أو لغة وعظية.
- قام بعض محبين رفعت إسماعيل في عام 2012 بتحويل أحد قصصه لبرنامج إذاعي تحت عنوان «مواء» وقام بأداء صوت رفعت إسماعيل الكاتب «وليد فكري».
- السطور التالية قام بتأليفها أحد محبين السلسلة، ويمكن اعتبارها تلخيصاً جميلاً للكثير من قصص السلسلة:
- أسطورة النداهة، العدد الثاني من السلسلة.
- السلسلة مكونة من 80 عدداً (موزعة على 81 كتيباً، حيث أسطورة الأساطير تم إصدارها في كتيبين)، وهناك 6 أعداد خاصة. بالإضافة إلى بعض القصص المصورة وظهور رفعت إسماعيل في قصص متفرقة بالاشتراك مع أبطال سلاسل آخرين.
- الأعداد من 22 حتى 29.
- يذكرني هذا بالمسلسلات الأجنبية التي ينبثق منها مسلسلات أخرى يقوم ببطولتها أبطال مساعدون في السلسلة الأصلية مثل: Breaking Bad والذي انبثق عنه Better Call Saul، و Buffy the Vampire Slayer والذي انبثق عنه Angel.
- مغامرات سالم وسلمى نجدها في كتيبات: أسطورة أرض أخرى، أسطورة أرض المغول، أسطورة أرض العظايا، أسطورة أرض الظلام.
- مغامرات الكاهن الأخير نجدها في كتيبات: أسطورة الكاهن الأخير، أسطورة رجل الثلوج، أسطورة النافاراي، أسطورة رجل بكين، أسطورة الطفيل.
- أسطورتها العدد 31 من السلسلة.
- يظهر لوسيفر في قصص «حكايات التاروت»، «أسطورة دماء دراكيولا»، «في جانب النجوم»، «أسطورة صندوق بندورا»، «أسطورة شبه مخيفة»، «أسطورة حامل الضياء» بجزءيها.
- المُدوِّنة «هند هيثم» تختلف بوضوح مع رأيي هذا في تدوينتين بعنوان «لوسيفر» و«عزيزك لوسيفر»، تنقد فيهم شخصية لوسيفر. وللكاتبة كتابات أخرى عن السلسلة تمثل في رأيي إحدى أولى المحاولات الجادة لنقد السلسلة أدبياً، رغم أنني لا أتفق مع الكاتبة في هذه التدوينات/المقالات، وأجد أن نقدها قاسياً جداً للسلسلة، وأنها تغافلت عن الكثير من جوانب السلسلة، واكتفت بنقدها نقداً أدبياً جافاً، إلا أن تلك المقالات تستحق القراءة بكل تأكيد.
- الغلاف الخلفي لقصة «أسطورة الأساطير الجزء الثاني».