ميتا وزوكربيرج والموظفون: الأرباح والثروة قبل كل شيء
منذ أن تأسس موقع تواصل الاجتماعي الغني عن التعريف «فيسبوك»، عام 2004، على يد رئيس مجلس إدارته مارك زوكربيرج، ومذاك الوقت تحول الموقع – الذي اندرج تحت ملكية شركة أم تعرف باسم ميتا – تدريجيًّا إلى ما يسعى مؤسسه لتحويله إليه؛ عالم رقمي افتراضي متكامل ومربح أيضًا.
ولكن على جانب آخر، وفي أبرز مواقع وادي السيليكون بولاية كاليفورنيا الأمريكية، كان هذا العالم الافتراضي الذي ابتلع حياة الملايين الرقمية يتنامى، ويزداد عدد موظفيه من 7 موظفين فقط عام 2004، وهو الرقم الذي ازداد تصاعديًّا عبر السنوات – وبالتزامن مع انتشار الموقع الأيقوني الشهير وازدياد عدد مستخدميه – إلى أن وصل بحلول عام 2022 إلى حوالي 87,314 موظفًا. ولكن أطل علينا رائد الأعمال والملياردير مارك زوكربيرج في 9 نوفمبر من عام 2020 ملقيًا بقنبلة مدوية تردد صداها في عالم الأعمال والتكنولوجيا بإقصاء قرابة 11 ألف عامل وموظف في شركة «ميتا»، مقدمًا اعتذارًا مختزلًا للغاية تمثل في:
فلماذا أقصى زوكربيرج ما يقرب من 13% من قوة العمل في شركة ميتا؟ وهل بالفعل «التعثر المالي» للشركة هو الذي فرض على صناع القرار فيها فصل 11 ألف موظف، من بينهم من استلم عمله قبل أيام معدودة؟ إليك المعطيات التي قد تساعد في استخلاص إجابة مُرضية على التساؤلات المطروحة.
المتأثرون في آسيا: تسريح بعد يومين فقط!
أتى هذا التسريح المجحف في قلب عاصفة كبرى من التسريحات تجتاح وادي السيليكون، الذي اشتملت على تسريحات موظفي شركات كبرى مثل فينتيك كريبتو للعملات الرقمية بإجمالي 5000 موظف، وشركة هيلث/ويلنس بتسريح حوالي 4084 موظفًا، وتويتر قبل عدة أسابيع بما يقرب من 7500 موظف، بجوار أسماء كبرى مثل مايكروسوفت وسنابشات، والآن ميتا برقم قياسي جديد هو 11 ألف موظف، وكل هذا بدعوى التعثر أو الكساد المالي.
وبعد عدة أيام من التسريحات ظهرت تقارير تفيد بأن قرابة 1300 موظف سنغافوري تأثروا بهذه التسريحات من خلال وظائفهم، إما في قطاع التسويق أو قطاع المنتجات الرقمية للموقع، وبرغم أن منشورات متحفظة من هؤلاء الموظفين كانت قد نشرت على مواقع أخرى منافسة مثل عملاق عالم الأعمال والتوظيف «لينكد إن»؛ فإن هذا لم يمنع أن هناك الكثير من الحيرة والتشتت والغضب بين العديد من المتأثرين بالقرار المجحف؛ أبرز مثال على ذلك كان الذي جاء في تقرير بيزنس إنسايدر حول اعترافات بعض المديرين بأنهم لم يُستَشاروا أو يُعَلموا حتى بهذه القرارات، وكان من بين ما نشره تقرير بيزنس إنسايدر معلومة حصرية تفيد بأن التسريح سيختص بما يقرب من 98 من موظفي إدارة الموارد البشرية – وخاصة المسئولين عن التوظيف – مما زاد الحيرة والغضب المكتوم بين أروقة ميتا إلى اليوم.
وفي الوقت نفسه لم ترحم هذه الإقالات حتى من انضموا إلى فريق عمل فيسبوك مؤخرًا، ففي تقرير نشره موقع NDTV الهندي ذكرت أن الموظف «هيمنشو في» خريج المعهد الهندي للتكنولوجيا (كاراجبور) كان قد وصلته أنباء الاستغناء عنه بعد أن انتقل من الهند لاستلام عمله في مقر «ميتا» في كندا بيومين فقط، وذكر التقرير أن الخبير التكنولوجي الهندي له باع كبير في الخدمات التكنولوجية الرقمية في شركات مثل «جيب هاب» و«أدوبي» و«فليب كارت»، ولكن هذا لم يشفع له بالنجاة من مقصلة التسريحات التي لم يبررها زوكربيرج إلا بأنها تأتي ضمن خطة لتقليل النفقات إثر خسائر مالية تتعرض لها الشركة، ولكن قبل أن نتهم زوكربيرج بالجشع المادي؛ لمَ لا نلقي نظرة سريعة على الأوضاع المالية للموقع.
العملاق الأزرق وأرباحه
خلال قرابة 18 عامًا كان لموقع «فيسبوك» هذا العدد الضخم من الموظفين في حوالي 39 دولة حول العالم، ومع كل هذا الانتشار والعدد من الموظفين كان ولا بد أن ترتفع قيمة وأرباح هذا الموقع الأيقوني؛ فبحسب العديد من التقارير وصلت قيمة شركة فيسبوك الأم «ميتا» السوقية إلى تريليون دولار عام 2022، ووصلت أرباح موقع فيسبوك وحده إلى 4.4 مليار دولار – للربع الثالث من 2022 فقط – بحسب آخر تقرير نشره موقع «تريدينج إيكونوميكس»، وهو الرقم الذي يضع فيسبوك في المركز الثالث عشر لأكثر الشركات أرباحًا في الولايات المتحدة للربع الثالث للعام الحالي 2022، وهو أيضًا الرقم الذي يوصل إجمالي أرباح فيسبوك لعام 2022 – والذي لمَّا ينقضِ بعد – حتى الآن ما بين 80 و85 مليار دولار برقم تقريبي 82.4 نشره موقع «أوبيرلو»، وقال إن نسبة 97.6 % من هذه الأرباح مصدره الإعلانات المدفوعة في فيسبوك، وإذا نظرنا للأعوام الخمسة السابقة، فسنجد أن أرباح فيسبوك ارتفعت تدريجيًّا طبقًا لتقرير «بيزنس أوف آبز» كالتالي:
– 40.65 مليار دولار لعام 2017.
– 55.83 مليار دولار لعام 2018.
– 70.69 مليار دولار لعام 2019.
– 85.96 مليار دولار لعام 2020.
– 117.92 مليار دولار لعام 2021.
– 80 إلى 85 مليار دولار للعام غير المنتهي بعد 2022.
وبهذه الأرقام – التي قد لا تشير بدقة إلى الأرباح وإنما هي الأقرب إلى الأرقام الصحيحة – نجد أن أرباح فيسبوك انخفضت بالفعل، وتشهد تراجعًا عن آخر عام منقضٍ تام 2021، والذي وصلت أرباحه إلى رقم غير مسبوق في أرباح فيسبوك، 117.92 مليار دولار، وبالنظر إلى الأرقام تقريبًا نجد أن العام الحالي 2020، والذي تبقى على انتهائه أقل من 50 يومًا بأرباح تقريبية 85 مليار دولار؛ فهو غالبًا لن تتخطى أرباحه لدى إغلاق العام المالي الحالي الرقم السابق.
ولكن إذا توقفنا قليلًا للنظر إلى عنصر آخر قد يطرحه البعض في المعادلة بأطروحة منطقية اقتصادية بسيطة: ماذا عن تكلفة رواتب الموظفين في هذه الأرباح؟ وهل تُشكل هذه الرواتب عبئًا كبيرًا على فيسبوك؟ هل حذف هذا العنصر من المعادلة قد يؤدي بالفعل إلى أرباح أكثر للشركة بشكل عادل؟ هذا ما تخبرنا به الأرقام المتاحة.
زوكربيرج لا يخسر أبدًا
بالطبع قد يصف المختصون في الاقتصاد هذه الأطروحة بأنها غير دقيقة وتتجاهل الكثير من العناصر المالية والاقتصادية؛ فأرباح الشركات العملاقة لا تُحسب فقط بالرواتب والمبيعات؛ فهناك عناصر مالية أخرى تتكبدها الشركات الكبرى ولا يتم الكشف عنها، ولكن إذا تناولنا الأمر من منطلق بسيط يتلخص في التالي؛ وصلت أرباح فيسبوك وحده – وليس ميتا بأكملها – في عام 2022 حتى اليوم إلى 85 مليار دولار تقريبًا؛ والتقارير المتاحة عن رواتب العاملين في فيسبوك تخبر بأن متوسط دخول العاملين في فيسبوك يتراوح بين 212 ألف دولار و1.1 مليون دولار سنويًّا بنسب تقريبية تستند إلى الموقع المتخصص في الدخول «6 فيجر».
وبالنظر إلى عدد موظفي فيسبوك قبل التسريحات وهو 87 ألف تقريبًا في وظائف مختلفة ذات دخول مختلفة، سنجد أنه حتى إذا افترضنا أن المتوسط هو مليون دولار – وهو متوسط مفرط في الكرم – لكل موظف سنويًّا سنجد أن الناتج الذي تدفعه فيسبوك لموظفيها هو 8.7 مليار دولار تقريبًا؛ فلماذا يجد فيسبوك نفسه في «وضع مالي سيئ» إذا كانت مدفوعات موظفيه التقريبية شديدة «الكرم» هي إجمالي 8.7 مليار دولار من صافي أرباح 85 مليار دولار حتى اليوم؟ ما الذي يجعل فيسبوك غير راضية بقرابة 76.3 مليار دولار كأرباح صافية بعد دفع الرواتب؟
لكن لنكن عادلين ونفرض أن فيسبوك تدفع مبالغ أخرى غير مكشوف عنها وتصل إلى مبلغ موازٍ للرواتب؛ فسوف نجد أن لدينا مبلغ 67.6 مليار دولار؛ بجوار تصريحات فيسبوك عن دفع مبلغ مليار دولار لصانعي المحتوى من المستخدمين الذين تُعرض على منشوراتهم الإعلانات المدفوعة؛ فلدينا الآن مبلغ 66.6 مليار دولار، وهو صافي أرباح – وإن كان افتراضيًا تقريبيًّا يستند على بيانات حقيقية متاحة – كما نرى لا يُرضي رئيس مجلس إدارة فيسبوك؛ بل إن فيسبوك كانت قد أعلنت في أغسطس الماضي عن أنها تخطط لطرح ميزات وخدمات مدفوعة في فيسبوك لزيادة الأرباح التي يُصر زوكربيرج على أنها «تأثرت» بشدة هذا العام عن سابقه، فأي أرباح يرغب فيها زوكربيرج؟ وما الذي قد يصبح كافيًا في عالم المال والربح؟ وهل توفير رواتب 11 ألف عامل بالفعل هي الأمر الذي تحتاجه شركة ميتا لتعويض «خسارتها»؟
تتجلى الإجابة واضحة في التوصية بإعادة النظر مرة أخرى إلى التقارير المنشورة عن مدفوعات فيسبوك مقارنة بأرباحه، وقيمته السوقية والتي تخبرنا حتى الآن أن الأمر لا يتعلق بخسارة مارك زوكربيرج بالشكل الذي يحاول إيصاله إلى العالم، بل في نظرته التي لا توصف إلا بالجوع إلى المزيد من الأصفار في خانة الأرباح أمام اسم موقعه، حتى ولو على حساب 11 ألف شخص ليس لهم أي ذنب في خسارة وظائفهم التي لا تقارن بأرباح طائلة يكدسها زوكربيرج في خزانته؛ ثم يخرج للعالم ليقدم اعتذارًا من بضع كلمات جافَّات تذكرنا وتُذكر العالم بمواقف مماثلة للملياردير الشهير وصاحب فيسبوك، أبرزها كان ما فعله في مستخدميه جميعًا عندما استغل بياناتهم الشخصية وباعها للمُعلنين فيما عُرف باسم فضيحة «كامبريدج أناليتيكا»، وكان المقابل أيضًا بضعة مليارات أخرى تكدست في خزائنه، ويكفينا ختامًا أن نذكِّر أنفسنا أنه حتى اليوم لا يزال فيسبوك يستخدم بيانات مستخدميه لتكديس مزيد من الأرباح التي لا يبدو أنها تُشبع نهم صاحبها ومؤسِسها مارك زوكربيرج.