بعد شهر واحد من أحداث الحادي عشر من سبتمبر،نشرت النيويورك تايمز الأمريكية في قسم الرأي، ودون اسم كاتب، تحت عنوان «الإرهاب والهجرة»، مقالة تقول، إن الهجمات الإرهابية دليل على ضعف مخيف في قوانين وممارسات الهجرة، وإنه من الضروري اتخاذ إجراءات صارمة ضد التراخي في إنفاذ قوانين الهجرة، ومراقبة الأجانب المهاجرين داخل الدول بالفعل، والشعور بالتهديد الملزم لبذل جهد أكبر تجاه هذا. في تقارير أخرى، تم وصف المهاجرين بأنهم جماعات حربية عنيفة بشكل حاد.

بخصوص قضية الهجرة غير الشرعية، ففي بداية العام الحالي اتهمت إدارة ترامب المهاجرين بالمسؤولية عن الإرهاب الدائر في العالم، وشاركتهم الرأي مؤسسة أوروبية لاستطلاعات الرأي. ونشر التايم الأمريكية تقريرًا كشف أن مخاوف حرس الحدود وصلت لأعلى مستويات لها في عام 2015 وبدرجة لم تحدث منذ 44 عامًا بسبب الهجرة غير الشرعية.

رغم ذلك وبحسب دراسة لموقع بوليتيفاكت عام 2015، وهو موقع مختص بمراقبة وسائل الإعلام، فإن العدد الإجمالي للمهاجرين غير الشرعيين ظل ثابتًا بشكل كبير على مدى السنوات الأخيرة دون تأثر، وأن مشكلة الهجرة غير الشرعية تتضاءل بنسبة كبيرة مع عودة المهاجرين لأوطانهم أو تقنين وضعهم بالبلد الجديدة، لكن يبدو أن الصورة ما زالت غير واضحة لوسائل الإعلام وبعض المسؤولين.

قبل يومين، أ صدر مسعود أوزيل، لاعب الكرة الألماني من أصل تركي، بيانًا أعلن فيه اعتزاله لعب كرة القدم على المستوى الدولي مع منتخب بلاده بعد الهجوم الذي تعرض له من قبل بعض الصحف الألمانية نتيجة التقاطه صورًا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتصريح مدير المنتخب الألماني بأن استدعاء أوزيل لكأس العالم 2018 كان خطوة متسرعة. يطرح هذا البيان أيضًا من جديد السؤال الصعب: كيف ينظر المواطنون الغربيون من أصل أوروبي إلى المهاجرين من أصول عربية أو إسلامية؟ هل يعدونهم إرهابيين محتملين أو مصدرًا للتهديد؟ وهل هي نظرة في محلها أم أنها تصورات زائفة ومتسرعة؟


مخاطر التصور: كيف ينظر الغربيون إلى المهاجرين؟

جاءت أحدث نتائج أبحاث مركز إبسوس العالمي للأبحاث بعنوان «مخاطر التصور 2017»، لتقييم حجم الفجوة بين إدراك الناس والواقع في 38 دولة حول العالم، تم فيها مقابلة 29 ألفًا و133 شخصًا، وفحص أسباب كون الناس على خطأ بخصوص الحقائق الأساسية عن مجتمعهم والتي غالبًا ما تتم مناقشتها بشكل واسع على وسائل الإعلام، مثل أعداد المتوفين جراء الأحداث الإرهابية ومعدلات القتل وحمل المراهقات.

في نتائج التقرير جاء أن 7% فقط من الناس يعتقدون أن معدل حوادث القتل في بلادهم أقل مما كانت عليه في عام 2000، رغم أن معدل حوادث القتل قد انخفض بالفعل حتى نسبة 29% في جميع بلدان العالم. ويعتقد 19% من المبحوثين فقط أن الوفيات الناجمة عن الهجمات الإرهابية التي يشهدها العالم في الـ15 عامًا الماضية تقل نسبتها كثيرًا عما كانت عليه في الـ15 عامًا التي سبقتها حيث انخفضت بالفعل في معظم الدول المبحوثة بنسبة 50% عن معدل الوفيات التي كانت عليه قبل ذلك. وكمثال على ذلك يعتقد 60% من الأتراك أن حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب أعلى في الـ15 الماضية، رغم أنها تقل عن الـ15 عامًا التي سبقتها بنسبة تقارب النصف. ولكن الدولة التي كان سكانها على حق وهي فرنسا، اعتقد أهلها النسبة الصحيحة لنسبة المتوفين نتيجة الأعمال الإرهابية التي زادت 65% عن النسبة السابقة.

بالنسبة لمدى إجرام المهاجرين وتوقع الناس لمخالفاتهم القانون، بالغ المبحوثون بدرجة كبيرة وملحوظة في نسبة المهاجرين المسجونين في بلادهم لخروجهم عن القانون معتقدين أن النسبة تصل إلى 28%، في الوقت الذي تقدر نسبة المسجونين من المهاجرين بـ15% فقط، وهي نسبة تتماشى مع حصة المهاجرين من إجمالي عدد السكان. وسجلت دول نسبة عليا في هذه التخمينات الخاطئة، حيث اعتقد الهولنديون أن نسبة المهاجرين من السجناء في بلادهم هي 51%، بينما هي في الأصل 19%. وشارك الهولنديون في هذا هذا التخمين شعوب دول مثل جنوب أفريقيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.


الذئاب اليمينية أكثر خطورة

صدر تقرير لـ مركز قانون الحاجة الجنوبي الأمريكي المختص في حقوق المواطنين ودعاوى الرأي العام بعنوان «الذئاب الوحيدة» عن قضية الإرهاب في الولايات المتحدة في الفترة بين أبريل 2009 إلى فبراير 2015، ووجد التقرير أنه تم قتل عدد أكبر من البشر في أمريكا من قِبل إرهابيين محليين، وأن التهديد الأمني يأتي في المقام الأول من المواطنين الأمريكيين المتطرفين وليس من المسلمين المهاجرين.

وجاء في التقرير أن الغالبية العظمى من العنف الذي شهدته الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2010 جاء من جماعات مقاومة بلا قيادة، وهي جماعات مؤّلفة مما لا يزيد على شخصين أمريكيين، في ظاهرة أطلق عليهم التقرير ظاهرة «الذئاب الوحيدة». عرض التقرير دراسة لأكثر من 60 حادثًا إرهابيًا محليًا، واستند إلى السجلات التي تحتفظ بها جامعة ولاية إنديانا، وقاعدة بيانات الإرهاب العالمي بجامعة ميرلاند، بجانب سجلات الشرطة لحوادث الإرهاب المحلية.

من بين النتائج الأولية للدراسة أيضًا أن اليمين المتطرف أو الجهاديين المحليين ينفّذون بنجاح أو يحاولون تنفيذ عمليات بمتوسط مرة كل 34 يومًا. وبعرض جدول زمني للعمليات الإرهابية التي قام بها محليون أظهرت الدراسة أن ذئبًا وحيدًا وخلايا صغيرة من الإرهابيين المحليين يمكن أن يخلقوا مذبحة ضخمة.


من أين يأتي هذا الخلل في رؤية العالم للآخر؟

طرح مركز إبسوسأسبابًا متعددة للوقوع في مثل هذه الأخطاء عند التخمين، منها عدم قدرة كثيرين على استخدام الرياضيات والنسب، وأيضًا معالجة وسائل الإعلام المنحازة وتغطيتها السياسية للقضايا، وتفسيرات أخرى لعلم النفس الاجتماعي لرغبة عقلنا في التجاهل والتحيز. فإننا نبالغ في تقديرنا لما يثير قلقنا، فكلما تابعنا تغطيات إعلامية لأحداث وقضايا بعينها، كلما زادت مبالغتنا في تصوراتنا وحديثنا عنها، وخاصة إذا تمت معالجة القضية في الإعلام بشكل مخيف ويثير التهديدات، وسبب ذلك أن أدمغتنا تعالج المعلومات السلبية التي تتلقاها بشكل مختلف عن العادي، فتعلق بأذهاننا، وتؤثر على الطرق التي نرى بها الحقائق، وتجعلنا نميل أكثر نحو الاعتقاد بأن الأمور أسوأ مما هي عليه، وأننا في الطريق الأسرع نحو الهاوية.

في تجربته حول ذلك، قام جون كاكوبيو، أستاذ علم الأعصاب الاجتماعي، بعرض صور تثير أحاسيس إيجابية في نفوس معظم الناس مثل البيتزا والعربيات الفارهة، مقابل تلك التي تثير في نفوس الناس ضيقًا كوجه مشوّه أو قطة.خلال التجربة، عمل كاكوبيو على قياس النشاط الكهربائي في الدماغ للمبحوثين. كانت النتيجة أن سجل تفاعل أعلى لأدمغة المبحوثين مع الصور السلبية عن الإيجابية، وبفارق كبير. النتيجة التي تؤكد أن عقولنا تخزن المعلومات السلبية بشكل أسهل وأسرع عن العادة، وقد أثبت علم النفس التجريبي هذا بعدد من التجارب، فنحن نتأثر أكثر ولا ننسى ضياع المال وتخلي الأحبة عنا، وتلقي نقد لاذع اللهجة، أكثر مما نتعلق ونتذكر لحظات كسبنا فيها مزيدًا من المال، وأظهر لنا شخص حبه، أو تلقينا مديحًا على عملنا.

من نتائج هذه التجارب يبدو أن الإعلام هو المحرك الحقيقي لنظرة الغرب للعربي والمسلم، فمن الظاهر أنه إذا كتبت الصحف كل يوم عن نقص أعداد الفقراء بمئات الآلاف لسنوات وسنوات فإن ذلك لن يثير يومًا القراء لأن الأمور المتوقعة ليست سلعة الصحف المحترفة في التسويق، وليس ما يرغب متابعو وسائل الإعلام في متابعته، فهو ليس مثيرًا أو غريبًا أو محرّكًا للنقاش. ولذلك وبسبب الصورة الذهنية بعقول شعوب الدول الأجنبية عن المهاجرين، لن تكون القصص والصور المتداولة عنهم كأشخاص يكوّنون أسرًا ويعملون بشكل طبيعي كالسكان المحليين، ولكن سيكون المتداول هو الجرائم والتعديات واختراق القانون وترهيب السكان المحليين، وأوضاع غير آدمية ومخيمات غير نظيفة.