ميسي على دكة البدلاء: ماذا حدث وماذا سيحدث؟
«ميسي على مقاعد الاحتياط»، عبارة غصت بها مواقع التواصل الإجتماعي منذ عدة أيام عندما تم الإعلان عن تشكيلة المباراة التي جمعت يوفنتوس بضيفه برشلونة في منافسات دوري أبطال أوروبا، والتي انتهت بتعادل سلبي ممل لم يكسر جموده حتى ميسي نفسه بعد دخوله كبديل خلال مجريات الشوط الثاني.
رغم الضجة والتأويلات التي أثيرت حول عدم الزج به كأساسي في مباراة هامة خارج المعقل الكتالوني، إلا أن بعض الآراء عبرت عن تفهمها لقرار فالفيردي بإجلاسه إلى جانبه على الدكة من أجل إراحته للمهمة الصعبة التي تنتظر برشلونة في مدينة فالنسيا أمام الخفافيش، والتي يسعى فيها فالفيردي وعناصره لإكمال سلسلة النتائج الإيجابية وكبح جماح المطاردةالشرسة التي يقودها مارسلينيو مدرب الخفافيش. لكن في نهاية الأمر، يمكن تبيان حقيقة أن جلوس ميسي احتياطيًا سيشعل مواقع التواصل كما لو أنه تعرض للإصابة،أو سجل هدفًا حاسمًا في الكلاسيكو، أو أمتعنا بمهاراته وتمريراته الساحرة المعتادة.
رحلة الشك
لأننا بطبيعة الحال نميل في بعض الأحيان إلى الشك والتخمين في العديد من الأمور، ونربط القصص بالنيران التي لابد لها أن تطلق دخانها، تم دمج قضية عدم تجديد ميسي لعقده الذي ينتهي بنهاية الموسم الحالي، وقضية عدم مشاركته أساسيًا عشية يوم الأربعاء الماضي. القصة لم تبدأ الأربعاء فحسب، بل اشتعلت شراراتها عندما أعلن جوردي ميستري نائب رئيس نادي برشلونة بأن ميسي لم يجدد عقده حتى الآن رغم إعلان النادي في حزيران الماضي بأن الدولي الأرجنتيني سيجدد عقده حتى نهاية موسم 2021.
رغم تصريح ميستري وتتالي الأسابيع والأيام واستمرار تجاهل ميسي ووالده لمسألة التجديد، لم تشغل هذه القضية بال الإعلام والجماهير كثيرًا إذا ماتم مقارنة الوضع مع لاعبين آخرين أمثال أليكسيس سانشيز ومسعود أوزيل، واللذين يتم تداول أخبارهما بشكل أسبوعي منذ الموسم الفائت بسبب عدم تجديدهما لعقودهما، ولكن مجددًا ومع ميسي الوضع مختلف، فهو ابن النادي الوفي الذي تربى ونشأ في أكاديميته الشهيرة، ولا يمكن الفصل بين شخص ميسي وكيان برشلونة. إلا أن هذه الشكوك عادت بعد انتقال نيمار إلى بي إس جي رغم تأكيد مستري نفسه مسبقًا بأن البرازيلي لن يرحل عن برشلونة، وأكد بقاءه بنسبة 200%، لكن هذه النسبة تجاوزتها ملايين بي إس جي بفارق 220 مليونًا.
الظروف تحكم
رحيل نيمار وتصريحات ميستري المهلهلة هي من أعادت الشكوك إلى قلوب جماهير برشلونة وتوقعهم لرحيل محتمل للبرغوث عن النادي الأم. في الآونة نفسها مازالت قضايا الفساد والتهرب الضريبي تلاحق النادي ولاعبيه، ناهيك عن سوء القرارات الإدارية والرياضية على صعيد الأكاديمية والفريق الأول، ومع تقدم لاعبيه في العمر ورحيل بعض النجوم، أصبح الفريق موضوعًا على كاهل ميسي. الأرجنتيني كان النجم الأبرز بلا شك في برشلونة، لكنه لم يكن الأوحد كما يحدث في الوقت الحالي.
مع انقضاء نصف الموسم الحالي، ورغم تصدر برشلونة لمجموعته في دوري الأبطال، واعتلاؤه سلم الترتيب على الصعيد المحلي وابتعاده بفارق مريح عن ريال مدريد، لا يمكن الجزم بمستقبل الأرجنتيني رغم هذه المعطيات الإيجابية، لكن المستوى العام للفريق لا يعكس حقيقة هذه الأرقام في ظل الأداء الحذر المعتمد من قبل فالفيردي، والذي يفضل الموازنة ما بين الاستحواذ والدفاع في آن معًا.
ربما أصبح ميسي يشعر أن النادي لا يتناسب مع طموحاته بسبب طريقة اللعب، وبسبب ما حصل في سوق الانتقالات الأخيرة، وهذا التردد في حسم أمره بالتجديد يدل على أن الأرجنتيني غير مستعد للتوقيع على العقد الذي سيستمر بموجبه حتى نهاية مسيرته الكروية في برشلونة. وربما السعي الحالي وراء أوزيل للتوقيع معه في الانتقالات الشتوية هي محاولة من الإدارة لطمأنة ميسي وتشجيعه على اتخاذ قرار إيجابي بالبقاء في «كامب نو». ربما ينتظر ميسي من النادي تقوية صفوفه بعد الفشل في التوقيع مع جل الأهداف التي حاول النادي استقطابها خلفًا لنيمار، يريد الفوز مجددًا والاستمتاع بالانتصارات، لكن الساعة تدق بسرعة والوقت والظروف ليست في صالح برشلونة بحكم صعوبة التنقلات الكبرى في سوق الانتقالات الشتوية.
ميسي، أنا المسئول
عند التفكير بشكل معمق بإمكانية رحيل ميسي عن برشلونة، للوهلة الأولى تشعر بأن الأمر غير قابل للنقاش ولايمكن الخوض به رغم بعض السلبيات هنا، وبعض المنغصات هناك، لأن مانعرفه عن ميسي بأنه ليس أنانيًا، بل يحب النادي وجل ما يهمه هو أداؤه، زملاؤه، مدربوه، الانتصارات، والكرة، بكل تأكيد لا الإعلام ولا البروباجندا، وبطبيعة الحال لا نرى ميسي دائمًا ميالًا للتصريحات والاستعراض الإعلامي والتعريج المستمر على المشاكل التي تواجهه.
رغم عدم أنانيته، يدرك ميسي تمامًا أن بموافقته على التجديد سيضحي بما تبقى من مسيرته من أجل أشخاص لا يستحقون هذه التضحية، سيمنح الرئيس بارتوميو دعمًا لا منتاهيًا، وكأن به يوافق على السياسة التي تنتهجها الإدارة ويجدد الثقة في قراراتها. إدارة برشلونة كانت قد أعلنت مبكرًا قبل بداية الموسم عن موافقته المبدئية للتجديد في محاولة منها لكسب خطوة إضافية في هذا السباق، إلا أن الصمت الذي التزمه ميسي جعل الإدارة في موقف محير وحرج في كيفية التعامل مع هذا المأزق.
شهر واحد فقط ويصبح بإمكان الأرجنتيني مفاوضة النادي الذي يريد بحكم دخوله في الـ6 أشهر الأخيرة من عقده، سيصبح الطرف الوحيد المسئول عن تحديد المدينة التي سيتواجد بها الموسم القادم، هل سيبقى أم سيغادر؟ لكن العائق الأبرز في طريق قرار كهذا هو الجماهير وشعب كتالونيا الذي يرى في ميسي قائدًا للفريق داخل الملعب، وحاملًا للراية في المسائل السياسية الشائكة بعد رفعه لاسم المقاطعة وأسهمها بسبب تألقه مع الفريق خلال السنوات الأخيرة. أما العائق الآخر هو شخصية ميسي التي لاتعرف الغرور ولا المراوغة، لأنه في النهاية شخص عادي يتسم بالخجل في الكثير من الأحيان، ولو أعطى موافقته بالتجديد والبقاء منذ بداية الموسم، سيستمر على الوعد الذي قطعه دون أي مواربة أو تراجع.
المغريات عديدة، ولكن!
مع اقتراب نهاية كل موسم كتالوني يقترن فيه الفشل بالفريق، تخرج الإشاعات وتكثر الأقاويل عن رحيل محتمل لميسي بعد وضعه لإعجاب على صورة أحد اللاعبين في تويتر، ومتابعته للنادي الفلاني على موقع آخر. إلا أن الوضع الآن مختلف عما سبقه في سنوات خلت، والأشهر المقبلة ستكون بمثابة الجولة الأخيرة من الحرب بالنسبة للإدارة.
في حال قررت الإدارة خوض الصراع لأبعد الحدود، ستكون التكلفة المالية عالية، لأن العقد الجديد سيفوق الـ40 مليون يورو سنويًا، ولهذه التكلفة العالية تبعات سلبية أخرى على ميزاينة النادي، وهنا يجب على إدارة برشلونة أن توازن بين رغبتها في الاستمرار وكسب أفضلية في الانتخابات القادمة بحفاظهم على ميسي، أو خروجه الذي لن يتحمل وزره مجلس إدارة النادي،وسيكون بمثابة وصمة عار بالنسبة لهم في حال قرر ميسي الخروج في عهد كل فرد منهم. أما ميسي فالمغريات عديدة أمامه، تجربة جديدة يبدو أن النجاح فيها مضمون تحت إمرة مدربه السابق بيب جوارديولا، وبرفقة صديقه ومواطنه أجويرو، بالإضافة للكثير من الاهتمام والمديح من قبل الآلة الإعلامية الإنجليزية التي ستتغنى كثيرًا به كما لم يتم من قبل.
كل هذه المغريات والتكهنات يحكمها رغبة الطرفين، هل يريد ميسي حقًا الخروج، وهل يسعى جوارديولا لاستقطابه أم لا؟ الأرجنتيني سينتظر ولن يحسم موقفه النهائي حتى الفترة الأخيرة من الموسم، وجوارديولا سيسعى لتجنب مطاردة الأرجنتيني كرمى لعيون ناديه السابق وجماهيره. كل ما نعلمه الآن، أن الساعة تدق والوقت يمضي أمام إدارة النادي، والأمر مرهون بنجاح برشلونة واستمراره بالتفوق حتى الفترة الأخيرة من الموسم، وعلى إدارة النادي أن تسعى لتعزيز الفريق ودكته بأسماء مميزة إلى جانب الأرجنتيني لكي تسرع من عملية التجديد وإنهاء التكهنات.