ميسي وبرشلونة: كلاهما يريد العودة وكلاهما لا يملك القرار
لم يكن رحيل ميسي عن برشلونة أمرًا عاديًّا أبدًا، كان جرحًا غائرًا في نفوس محبي الفريق الكتالوني ولا يزال. انقضى أكثر من عشرين شهرًا منذ يوم الرحيل ولا زالت تتابع جماهير برشلونة أخبار ميسي، بل إن الاحتفاء الجنوني بميسي بعد إحراز كأس العالم كان مناصفة بين جماهير الأرجنتين وجماهير فريق برشلونة حول العالم.
لذا بمجرد خروج أخبار رسمية حول احتمالية عودة ميسي لبرشلونة تتمثل في وجود قنوات اتصال بين ممثلي اللاعب وبين مجلس إدارة النادي، طغت المشاعر على أي حديث عقلاني، حمل ميسي برشلونة في قلبه وقدم ما يفوق العقل طوال مسيرته، لذا يبدو الأمر عاطفيًّا من كل زواياه.
لا يعني هذا بالضرورة أن العودة ممكنة طالما رغب الجميع فيها، ولا يعني على الجانب الآخر أن إعمال العقل في مسألة العودة سيطيح بها أدراج الرياح. تبدو كل الاحتمالات واردة بشكل حقيقي.
لقد تغير موقف كل طرف من أطراف المعادلة، مما يجعل فكرة العودة مطروحة بقوة، وعدم العودة مطروحة بقوة أيضًا، وبنفس القدر. نحن هنا نرصد كل موقف بعيدًا عن عاطفية المشهد حتى نتمكن من توقع الأحداث القادمة، أو على الأقل تفهمها دون دهشة أو إنكار.
تيباس في يده القرار
يبدو من حديث نائب الرئيس أن برشلونة لديه رغبة حقيقية في عودة ميسي، لكن لماذا يظل الأمر عند الرغبة لا التنفيذ، حتى إنه لا يوجد عرض رسمي من برشلونة حتى الآن. السبب ببساطة أن عودة ميسي لن تكون ممكنة إلا إذا تم الامتثال للقواعد المالية للدوري الإسباني.
أوضح العديد من المسئولين التنفيذيين في برشلونة لصحيفة الأثليتيك أنه لا يمكن النظر في أي صفقة إلا بعد حل مشكلات النادي مع إدارة الدوري الإسباني، وهو ما لن يحدث إلا بالامتثال للقواعد المالية الموضوعة من قِبل المسئولين عن الدوري.
لم يستسلم برشلونة للأمر، حيث إنه على وشك تقديم خطة نمو مالي جديدة لمسئولي لا ليجا، وخطة النمو تلك هي مطلب جديد يطلبه مسئولو الدوري من أي نادٍ لديه رصيد سلبي خاص برواتب لاعبيه. ولن يتمكن برشلونة من تسجيل أي لاعب في فترة الانتقالات الصيفية القادمة إلا بعد الموافقة على خطة النمو المالي تلك.
هنا لا يمكن أن ننكر الصراع القائم بين لابورتا رئيس برشلونة وتيباس رئيس الليجا، والمتمثل في تصريحات نارية متبادلة فيما يخص عدة قضايا، مثل إلغاء تسجيل اللاعب جافي في الفريق الأول، وكذلك عدم تسجيل العقود الممتدة للاعبي الفريق أراخو وماركوس ألونسو، وأخيرًا فضيحة نيجريرا التي عرفها الجميع.
بعد بيع ممفيس ديباي في يناير إلى أتلتيكو مدريد وقرار جيرارد بيكيه بالتقاعد انخفض المبلغ المسموح لبرشلونة بإنفاقه على الرواتب فعليًّا إلى 648 مليون يورو، بعد أن كان 656 مليون يورو الصيف الماضي.
يستعد برشلونة بالفعل لانخفاض أكبر حيث تقدر مصادر النادي أنه سيسمح له بإنفاق ما بين 450 مليون و500 مليون يورو فقط على الأجور. هذا هو السبب في أن تيباس كرر رسالته بأن برشلونة بحاجة إلى خفض إنفاقها على الأجور بنحو 200 مليون يورو.
لذلك، من الواضح أن برشلونة لديه الكثير من العمل فيما يخص التخطيط المالي من أجل انتداب ميسي في الصيف القادم.
ميسي في السعودية: ولمَ لا؟
قبل حوالي ثلاثة أشهر من انتقال رونالدو للنصر ظهر رئيس نادي الهلال السعودي السيد فهد بن نافل مُصرحًا بأنه فاوض بالفعل كريستيانو رونالدو خلال فترة الانتقالات الصيفية، وأن العائق لم يكن تفضيل رونالدو البقاء في أوروبا أو ضخامة الراتب المطلوب، إنما قرار مركز التحكيم الرياضي السعودي بعدم السماح للفريق بالتعاقد مع أي صفقات جديدة.
اعتقد البعض حينئذٍ أن الأمر غير جدي، وأنه مجرد عرض لم يرتقِ لمرحلة المفاوضات، لكن بعد ثلاثة أشهر فقط استطاع نادي النصر السعودي التوقيع مع رونالدو، ليتأكد الجميع أننا إبان مرحلة جديدة فيما يخص صفقات الدوري السعودي.
لن يتوقف الأمر عند رونالدو، فالأخبار تتوالى تباعًا. مفاوضات ربطت بين لاعبين مثل راموس ومودريتش ودي ماريا وعدة أندية سعودية. داخل كواليس كل الأخبار تلك، هناك مبالغ مالية تجعل من الأمر ممكنًا في كل مرة.
عاد الهلال للصورة مرة ثانية، لكن هذه المرة رفقة ميسي نفسه، حيث أكدت مصادر مقربة من ميسي أنه تلقى عرضًا بقيمة 400 مليون يورو سنويًّا من نادي الهلال، رغم أن رغبته هي البقاء واللعب في أوروبا.
لنضع في الاعتبار أن وضع ميسي في باريس سان جيرمان غير جيد، حيث وجه مشجعو باريس سان جيرمان صيحات الاستهجان للاعب البالغ من العمر 35 عامًا في المباريات الأخيرة على أرضه، كذلك هناك أخبار عن توقف المحادثات حول تجديد عقده، رغم وجود بند بشأن إضافة عام آخر في عقد ميسي بباريس إذا وافق الطرفان.
قد يعني هذا ببساطة أن بقاء ليونيل في باريس مستبعد حتى الآن، لكنه يظل دومًا خيارًا قويًّا على منضدة المفاوضات؛ لأن باريس يملك القوة التعاقدية التي تجعله يحسم المفاوضات في اللحظات الأخيرة، ولنا في قصة مبابي مدريد عبرة.
رغبة ميسي تبدو واضحة
لم يتحدث الأرجنتيني علانيةً حول المكان الذي يرى فيه مستقبله، لكن هناك بعض الرسائل مثل مشاركته صورة التقطتها زوجته أنتونيلا بعد عشاء في برشلونة مع زملائه السابقين في كامب نو. أو تصريح لصديقه المفضل أجويرو الذي أكد أن ليو ولد كلاعب كرة قدم في برشلونة، ويجب أن يعتزل في برشلونة.
يبدو من كل الشواهد أن ميسي مرتبط عاطفيًّا ببرشلونة، وأنه يظل دومًا الخيار الأول داخل عقله، لكن هذا لا يمنع بالطبع أن الأمور لا تدار بهذه البساطة، لأن هناك العديد من العوامل التي ربما تسم الأمر، حتى وإن كان ذلك على غير رغبة ميسي الشخصية.
يبدو الآن وكأن قرارات سيتخذها تيباس وفهد بن نافل وناصر الخليفي هي ما ستكتب الفصل الأخير من القصة الأكثر عاطفية في تاريخ كرة القدم. لذا كن مستعدًّا لأن كل شيء ممكن في تلك القصة المعقدة.