ميسي وأبل: لا تدع قصة صعود «ميامي» تخدعك
انتقل ليونيل ميسي إلى ميامي بحثًا عن كرة قدم مختلفة -بحسب تعبيره. بالتالي، انتهت، ولو مؤقتًا، أحلام العودة الرومانسية لبرشلونة، وفقدت السعودية حظوظها في الجمع بين كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي مرة أخرى، وأصبح ميسي جزءًا من مشروع الولايات المتحدة الجديد، الذي يبدو أنّه أعقد مما تتخيَّل.
مشروع «العم سام»
في الواقع، لم يكن ميسي لينتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الشكل السلس إلا إذا تمكنّت رابطة الدوري من إقناع الأندية الأعضاء بتمرير «شروط عقد» ميسي الاستثنائية، التي تتضمّن، بجانب راتبه، حصصًا من عوائد «أديداس» و«أبل».
طبقًا للتقارير أمريكية، هذا التكاتُف بين إنتر ميامي، ورابطة الدوري الأمريكي، وأديداس وأبل مبررًا؛ لأن وجود ميسي على الأراضي الأمريكية يخدم الجميع.
من جهة يبني زخمًا جماهيريًا قبل كأس العالم 2026 المقامة في الولايات المتحدة، ويجذب رعاة جدد للدوري، ويُحقق حُلم أديداس في لعب ميسي بقميصها للمرة الأولى على مدار موسم كامل، لكن الأهم هو إنقاذ شركة «أبل». عبارة صادمة، صحيح؟
التفكير خارج الصندوق
في 2018، أعلنت شركة «أبل» التوقُّف عن نشر تقارير حول أرقام مبيعات «أيفون». وهذا ما استدعى القلق حول حقيقة تراجع مبيعات السلعة الأهم للشركة، الأمر الذي جعلنا أمام السؤال الأهم: ماذا لو توقفت مبيعات آيفون تمامًا؟ هل تنهار شركة أبل؟ أم أن هنالك خطة بديلة؟
بحسب موقع «ستاتيستا» الإحصائي، مثّلت مبيعات «الأيفون» نحو 50% على الأقل من عوائد شركة «أبل» الأمريكية بالعقد الأخير. لكن الملاحظ أيضًا هو ارتفاع عوائد الخدمات التي تقدمها الشركة تدريجيًا حتى وصلت لـ22% من عوائد الشركة بالربع الثاني من عام 2023 لتصبح بذلك القطاع الثاني من حيث الأهمية للشركة.
من ضمن هذه الخدمات، منصة «Apple Plus» التي انطلقت منذ 2019، والتي أعُلن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بثّها لمباريات الدوري الأمريكي بدايةً من فبراير/ شباط 2023، بعدما نجحت «أبل» في الحصول على حقوق البث الخاصة بالدوري مقابل ما يدنو من 2.5 مليار دولارًا أمريكيًا في عقد يمتد لـ10 سنوات كاملة، وهو تقريبًا ضعف المقابل الذي كانت تدفعه شركة «Direct TV» لنيل نفس الحقوق.
هكذا أصبحت خطة جلب «ميسي» منطقية. فوجوده يضمَن جَني الشركة لأرباح عبر مشتركيها الجدد في الخدمة الحصرية من الذين يريدون تتبُّع خطوات البرغوث الأرجنتيني أينما حل. لكن هذه ليست نهاية القصة، بل بدايتها، أو بالأحرى بداية تحوُّل شركات التكنولوجيا العملاقة نحو مزاحمة المؤسسات الإعلامية التقليدية على حقوق البَث الحية للرياضات المختلفة.
عصر جديد
منذ عام تقريبًا 2016، اتضحت نيّة عمالقة التكنولوجيا في اقتحام مساحة البث الحي للرياضات المختلفة. فمثلًا، نجحت شركات مثل: «فيسبوك»، «تويتر»، «يوتيوب» و«أمازون» في الحصول على بعضٍ من الحقوق غير الحصرية لبث حزم مختلفة من مباريات الألعاب الرياضية. لكن الواضح أن شركات وادي سيليكون مستعدة لانتزاع هذه الحزم في المُستقبل بدلًا من مشاركتها.
بالفعل تمتلك هذه الشركات العملاقة القدرة المالية على مزاحمة شركات الإعلام التقليدية بكل سهولة. لكن السؤال: لماذا قد تُقحم مؤسسات مثل «أبل»، «أمازون»، «جوجل» وغيرها أنفسها في مخاطرة كتلك، بخاصة وأنّ نيل هذه الحقوق حصريًا مُكلِّف للغاية؟
الإجابة هي أنّ بث المباريات الرياضية يوفر تلقائيًا ما لا توفره الأفلام، الوثائقيات، وغيرها من محتويات هذه الشركات العملاقة: وهو الطلب المتزايد، والاستمرارية.
على سبيل المثال، ارتفعت نسبة اشتراكات خدمة «Amazon prime» بنسبة 35% بمجرّد حصول الشركة على حقوق بث بعض المباريات داخل المملكة المتحدة البريطانية في 2019. والأكيد أن هذه النسبة سوف تتزايد مع الوقت؛ لأنّه للمفارقة، المنافسات الرياضية لا تنتهي، دائمًا توجد مباراة مُقبلة، وموسم قادم.
حقيقة، قد تدفعنا مثل تلك التحركات لدخول عصر جديد، تحتكر فيه شركات التقنية الضخمة حقوق البث التلفزيوني للرياضات؛ لأنّها ببساطة إذا ما قررت الدخول إلى هذا الملعب، يُمكنها أن تدفع أضعاف ما تدفعه المؤسسات الإعلامية التقليدية للاتحادات.
لماذا علينا أن نكترث؟
بالطبع تتساءل الآن عن جدوى إضاعة وقتك في قراءة سبب اقتحام شركات ضخمة مجال البث الحي للرياضة، أو المصير البائس الذي ينتظر شركات الإعلام التي لن تقوى على المنافسة. الحقيقة المثيرة هي أنك ستتأثّر كمشجع لا محالة. لكن كيف؟
تُمثّل حقوق البث العائد الأكبر للاتحادات الأهلية والقارية الرياضية، قبل أنّ يتم توزيعها -بطرق مختلفة- على الأندية. ما يعني أنّ اقتحام شركات ضخمة لهذا السوق قد يتحوَّل تلقائيًا لمزاد للحصول على حق البث المباشر بالتالي عوائد أضخم. وهذا هو مربط الفرس.
في 2020، كتب «ميجيل ديلاني»، صحفي «إندبندنت» البريطانية تقريرًا بعنوان: «كيف أصبحت كرة القدم الحديثة مكسورة بشكل لا يمكن إصلاحه؟»، استعرض خلاله تأثير مجموعة من نخبة أندية العالم على غياب المنافسة بكرة القدم الأوروبية. وطبقًا لديلاني، ارتفاع عوائد البث بشكل مجنون جعل الأندية الثرية ابتداء أكثر ثراءً، مما جعلها أكثر قدرة على تكديس المواهب، وحرمان الأندية الأقل شأنًا من المنافسة.
بعد حصول «أبل» على حقوق البث الحصري للدوري الأمريكي، انتشرت بعض التسريبات حول نيّة الشركة الأمريكية مناقشة تقديم عرض مشابه للحصول على حقوق بث الدوري الإنجليزي الممتاز في المستقبل. توقف هنا للحظة!
هل تعلم ماذا يعني ذلك؟ بالضبط، يعني ذلك عوائد أكبر، بالتالي فجوة أكبر بين أندية الدوري الذي وقعت عليه عين شركة التقنية العملاقة وبين باقي الأندية. وكأن الوضع الحالي لا يكفي.
عذرًا، انتقال ميسي لأمريكا لم يكن هدفنا من البداية، لكنّ نجاح هذه الخطوة ربما يمثِّل النقطة التي تتغير عندها كرة القدم التي نعرفها للعبة أكثر نخبوية.