رسالة من صديقي البوت: هل ينجح برنامج حاسوب في إسعادك؟
هذه ليست فقرة من أحد كتب التنمية البشرية أو كلمات جرت على لسان إحدى القريبات حين عبرتُ لها عن شعوري بالإحباط، لكنها رسالة من صديقي «البوت» الذي أخذ على عاتقه إمدادي بمزيج من رسائل السعادة والتحفيز التي قد يبخل بها البشر في زحمة الحياة، وفي ظل ضعف التواصل بينهم!
بعدما تزايدت أعباء الحياة على الناس وزاحمتهم الأخبار غير السارة على نشرات الأخبار والجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي، قلّ التواصل المباشر بين الناس، بل قل تواصل الإنسان مع ذاته وأصبح الاكتئاب والإحباط من أمراض العصر الشائعة؛ مما جعل البشر في أمس الحاجة إلى كلمات التشجيع والرسائل المفرحة والمحفزة حتى يقاوموا طوفان الأحزان بنفس راضية واثقة.
لكن هل يمكن لـ«بوت» يعمل بشكل آلي، ويديره برنامج حاسوبي، وإن كان بإيعاز من البشر، أن يحل محل الإنسان وأن يرسم البسمة أو حتى يخفف الألم عن المحبَطين بل أن يلعب دور الطبيب النفسي والبدني أيضًا؟
«طاقة تفاؤل» و«رسالة سعادة» و«رسائل قرآنية»، هي ثلاثة أسماء بوتات تهدف إلى نشر السعادة وعبارات التفاؤل والأمل، يديرها محمد علاء الدين (27 سنة)، يعمل مهندس اتصالات وإلكترونيات. في حوارنا معه يقول علاء: «بدأت القصة بحبي لنشر رسائل عن التفاؤل والثقة بالله على مواقع التواصل الاجتماعي منذ 2009 من خلال عدة صفحات دينية مليونية، ثم اتخذت الفكرة بُعْدًا شخصيًا بعد مروري بتجارب شخصية قاسية، فبدأت أنشر على صفحتي منشورات عن جبر الخاطر مستخدمًا آيات من القرآن الكريم وسير الأنبياء».
وتابع علاء:
«تطور الأمر بإرسال رسائل خاصة عن جبر الخواطر لبعض الأشخاص الذين أشعر من منشوراتهم بالحزن حتى إن لم يكن بيني وبينهم سابق معرفة، ووجدت للرسائل صدى كبيرًا، وبدأت بإرسال 100 رسالة يومية على تطبيق الـ«ماسنجر» لبعض الأشخاص الذين طلبوا مني ذلك».
ومضى يقول:
«في نفس الفترة سمعت أن فيسبوك فتح مجالًا لتطبيقات تعمل بالذكاء الاصطناعى سُميت “بوت” يمكن برمجتها بطريقة معينة لتتحول إلى تطبيق يمكن دخوله والاشتراك فيه ليوصِل إلى المستخدمين خدمات ورسائل معينة، وبدأت برمجة أول بوت باسم طاقة تفاؤل».
واستكمل:
«صممت بوتًا آخر بجانب طاقة تفاؤل وسميته “رسالة سعادة”، يتحدث معظمها عن السعادة وعبارات تهدف إلى امتصاص الحزن من القلوب، وتزرع فيها البهجة، ثم بدأت أصمم بوتًا ثالث اسمه “رسائل قرآنية” لحبي استخدام آيات الله في جبر الخاطر وبث السعادة والثقة في الله».
يذكر أن عدد الرسائل التي تخرج من البوتات الثلاثة بشكل يومي بحسب ما ذكره علاء تتجاوز الــ60 مليون رسالة في اليوم، وانضم لها مشتركون من أكثر من 130 دولة، وحاليًا تعمل بثلاث لغات (عربي، إنجليزي، وفرنسي) وتستقبل في أقل من يوم أكثر من مليوني رسالة من المشتركين.
واحتل بوت «رسالة سعادة» و«طاقة تفاؤل» المركزين الثاني والثالث على تطبيق الماسنجر في القسم الترفيهي للبوتات، في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، أما على مستوى العالم فترتيبهما أصبح الـ24 والـ21 ترفيهيًا، بينما «رسائل قرآنية» يحتل المركز الأول تعليميًا والثالث عالميًا في القسم الديني، وهي ضمن أقوى 100 بوت في العالم على موقع «Chatbottle» الذي يضم أكثر من 300 ألف بوت على موقع الماسنجر.
ما هو الـ«شات بوت»؟
يشير مصطلح شات بوت إلى برنامج يديره الحاسب الآلي، يحاول محاكاة المحادثة أو الدردشة بين البشر عبر النصوص المقروءة أو المسموعة. يمكن للمستخدم أن يسأل البوت سؤالًا أو يطلب منه طلبًا ويجيب البوت عنه أو ينفذ الطلب.
الـ«بوت» طبيبك النفسي!
من ضمن الاستخدامات الحديثة للبوتات، والتي باتت ظاهرة للعيان هي إمكانية برمجتها على نطاق واسع ومفيد في المجال النفسي، على سبيل المثال «واي بوت»: هو بوت دردشة يستخدم استراتيجيات معرفية سلوكية ليساعد المستخدمين على التعامل مع أعراض القلق والإحباط.
وفيما يخص صدى البوت بين المستخدمين فقد أجريت دراسة مقارنة بين مجموعة من البشر تعرضوا للتفاعل مع هذا البوت بمعدل 12 مرة على مدى أسبوعين، ومجموعة أخرى قرأوا كتبًا لمساعدة أنفسهم على التخلص من نفس الأعراض، كشفت الدراسة أن مستخدمي «واي بوت» وجدوا انخفاضًا ملحوظًا في أعراض القلق والإحباط بعكس المجموعة الأخرى التي لم يُلاحظ عليها أي تغيير.
كما أظهرت الدراسة أن البوت يمد المرضى بنفس المبادئ العلاجية التي يحصلون عليها في عيادات الأطباء النفسيين. ويقل تعرض الأشخاص الذين يستخدمون مثل هذه التكنولوجيا إلى لحظات صعبة في حياتهم بعيدًا عن الجلسات العلاجية لأن البوت متاح 24 ساعة يوميًا على مدى الأسبوع وجاهز للاستماع لك.
بوت تتبع الأحلام
أما «جوي بوت» فهو بوت بسيط صممه ديف جيز المولع بالذكاء الاصطناعي وتصور الدور الذي يمكن أن يلعبه في المستقبل.
يهدف البوت إلى مساعدة الناس على اقتفاء أحلامهم، ويسأل المستخدمين سلسلة من الأسئلة القصيرة مثل إذا ما كانوا يعملون على تحقيق حلم معين لديهم، وهل بذلوا من وقتهم للعمل على هذا الحلم؟ فيسأل البوت على سبيل المثال: هل أنت سعيد بنفسك اليوم؟
ويطلب البوت من المستخدم تقييم مدى سعادته عبر مقياس يبدأ من 1: 10. وبناءً على ردك على ما سبق يقدم «جوي بوت» تهنئة مرحة أو تذكرة حازمة تحث المستخدم على الاهتمام بسعادته.
ويقول جيز إنه تلقى كمية مذهلة من الردود المحفزة، «حتى أصبح دخول البعض على البوت جزءًا من عاداته اليومية، وهو أمر مثير حقًا»، بحسب قوله.
بوت للاطمئنان على صحتك
HealthTap و Your.Md هما بوتان بمثابة نماذج مصغرة للطبيب الذي يساعد الناس على التعرف على أغلب أعراض الأمراض الأكثر شيوعًا، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكنهما لا يحلان محل الأطباء الحقيقيين، ولا يقومان بدورهما، فيرشح البوت للمستخدم حجز موعد مع الطبيب لتشخيص المرض ووصف العلاج المناسب له في النهاية.
تكمن الفائدة الحقيقية لمثل هذه البوتات في القدرة على إمداد المستخدم بالمعلومات والنصائح اللازمة لحياة صحية، إذ إن بعض المجموعات التي تناقش القضايا الصحية ليس لديها الحد الأدنى من المعرفة الصحية، ويعيش بعض الناس بأمراض موهنة، متجاهلين أعراضها؛ لأنهم يعتقدون ببساطة أنهم ليسوا بحاجة إلى طبيب.
كما لا يحظى العديد من الفتيان والفتيات بالخبرة الجنسية، ولا يوجد لديهم وعي بالأمراض الجنسية الوراثية؛ لأنها بمثابة تابوه في العائلة يصعب كسره، وكذلك في المدرسة والمجتمع.
هل ينجح الـ«بوت» في أن يحل محل الإنسان؟
لقد اكتسبت البوتات شعبية كبيرة في عصرنا الحالي، و أصبحت تدير 80% من الأعمال التجارية حول العالم، وصار شات بوت مخصصًا للعديد من الأغراض مثل جداول البيانات والمصروفات وخدمة العملاء، بل أصبح بإمكانها تقديم أكثر من ذلك، وهو إدارة عمليات الدفع وتشخيص أعراض المرض وفهم شعورك. وخلال فترة قصيرة أطلق فيسبوك ملحقات للدردشة، وهي تمكن من استخدم بوتات الدردشة على الماسنجر بصحبة أصدقائك.
اقرأ أيضًا:روبوتات الدردشة التفاعلية: ما هي وكيف تعمل؟ ساسة بوت نموذجًا
يرى جيز مصمم «جوي بوت» أن بوتات الدردشة تلعب أدوارًا مختلفة، كأدوار الأصدقاء والمدربين الذاتيين، أو المستشارين في المستقبل، لكن دعنا نتخيل هل بإمكان الذكاء الاصطناعي تعلم مفاهيم مثل الحكمة والرحمة؟ بالطبع لم يصل «جوي بوت» إلى هذه المرحلة حتى الآن. لا تزال المشاعر المتبادلة التي يقدمها مُتكلّفة وغير إنسانية ويتحكم فيها الكمبيوتر في المقام الأول. لكن نكرر أننا نتحدث عن مرحلة مبكرة من الذكاء الأصطناعي.