ميركاتو برشلونة: ما الذي يحدث؟
بدأ «ميركاتو» أو سوق انتقالات «برشلونة» هذا الموسم والكثير من التكهنات والإشاعات والتحليلات تدور هنا وهناك عن مستقبل الفريق الكتالوني. تارة عن كمية الأموال التي يمتلكها النادي ليتم تعاقدات تليق به، وتارة تكثر الأحاديث عن اللاعبين المغادرين، فقيل أن «نيمار» سيتم بيعه إلى «باريس سان جيرمان» في صفقة خيالية ومن ثم قيل أن التركي «أردا توران» في طريقه إلى الصين. لكن أيًا من ذلك لم يحدث وأبرم «البرسا» عدة تعاقدات مميزة وبقيَمٍ مالية مقبولة للغاية.
لفهم الميركاتو الذي قام به النادي هذا الصيف يجب علينا العودة بالزمن إلى الوراء، تحديدًا الأمتار الأخيرة من الموسم المنصرم.
أبريل الأسود
البداية من يوم السبت الثاني من إبريل/نيسان 2015، في مباراة الـ«كلاسيكو» على ستاد «كامب نو»، عندما قلب «ريال مدريد» النتيجة أمام «برشلونة» من هدف مقابل لا شيء إلى هدفين مقابل هدف. لتبدأ بعد ذلك التكهنات والأحاديث عن انهيار محتمل للـ«بلوجرانا». في تلك المباراة لم يكن المشكل الفني هو أكبر المشكلات؛ لكن كان المشكل البدني في النصف ساعة الأخير هو لُب المشكلة، فبعد لعب ساعة كاملة سيطر فيها برشلونة على الميدان، بدأ التركيز يتراجع شيئًا فشيئًا مع حالة من الاستهتار أو اللامبالاة أو التشتت أصابت اللاعبين فصيّرتهم أشباحًا في الملعب لتنقلب عليهم النتيجة دونما أي ردة فعل واحدة. إذ لم يخلق برشلونة فرصة واحدة محققة للتسجيل في آخر نصف ساعة من اللقاء.
بدا لي حينها أن الأربعة عشر لاعبًا الذي لعبوا طوال موسمين كاملين قد نفذ ما جعبتهم وحان وقت الراحة أو الانهيار.
الثلاثاء الخامس من إبريل/نيسان 2015، في مباراة ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا عندما تواجه «برشلونة» مع «أتليتكو مدريد» في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، في تلك المباراة بدأت عورات الفريق الكتالوني الفنية تتكشف، وبدأ الإرهاق ينال من اللاعبين أكثر فأكثر. سجل الفريق المدريدي أولًا وكعادته قام «بركن الأوتوبيس» كما يحلو لي تسميته، أو قام «دييجو سيميوني» بعمل خطة جهنمية قائمة على وضع جميع اللاعبين في وضع دفاعي جيد يغلق كافة المنافذ على الخصم مع عدم محاولة الاقتراب من مرمى الخصم كما يقول محبو ألعاب الفنون القتالية، لكن الحظ في تلك اللحظات لم يحالفه – أي سيميوني – إذ طُرد كابتن الفريق «فرناندو توريس» ليستغل برشلونة الفرصة ويفوز بهدفين لهدف، في فوز «مخادع» ظن الجميع بعده أن مباراة الكلاسيكو كانت مجرد «كبوة جواد» وأن الإعصار الكتالوني آتٍ لحصد جميع الألقاب، ولا أدري كيف فهموا ذلك إذ أن برشلونة كان ضعيفًا وهزيلًا على المستوى الفني بشكل كبير مع إشارات خفية بانهيار بدني قريب.
السبت التاسع من أبريل 2015 ، برشلونة يواجه «ريال سوسيداد» على ملعب «أنويتا» الذي لطالما مثّل عقدة لبرشلونة ليخسر المباراة بهدف مقابل لا شيء في استمرار للانهيار آنذاك، إذ أن الإصابات والإرهاق كانا قد ضربا الفريق ولم يعد هناك من يعتمد عليه في عدة مراكز في الملعب، فلا بديل لـ«بيكيه» أو «ماسكيرانو» قريب من مستواهم، ولا بديل لـ«جوردي ألبا» ولا بديل حقيقي لـ«بوسكتس» ولا هناك منافس لـ«نيمار» يحفزه من أجل تحسين مستواه و«راكتيتش» لم يعتد أن يلعب هذا الكم من المباريات في هذا المستوى التنافسي الطاحن، وتم تتويج كل تلك العوامل من الإرهاق وعدم وجود البدائل والإصابات بالخروج من دوري أبطال أروربا أمام أتليتكو مدريد بعد الخسارة في ملعب «فيسنتي كالديرون» 2-0.
صحيح أن برشلونة استطاع بعد ذلك الحفاظ على لقب الدوري بمعجزة وخطف لقب الكأس من «إشبيلية» في ملحمة كروية رائعة لعب فيها الكتلان قرابة الـ 100 دقيقة بعشرة لاعبين بعد طرد «ماسكيرانو» إضافة إلى إصابة «سواريز» وخروجه اضطراريًا، لكن الخروج بالثنائية لم يمنع إدارة النادي من الدخول بقوتها في سوق الانتقالات، ولم يمنحها غرورًا بأن ما حدث مجرد عثرة بسيطة، لكن تم أولًا تشخيص المرض ومن ثم فهم أسبابه ووضع حلول لإيقافه.
تشخيص المرض
هذا المرض الذي ضرب الكيان البرشلوني كان يتمثل في عدة نقاط:
أولًا: ارتفاع معدل أعمار لاعبي الفريق بشكل كبير، حيث أن المعدل قبل الانتقالات الجديدة كان يقترب من 30 سنة، وهو المعدل الأعلى في الدوري الاسباني كله.
ثانيًا: غياب البدائل الضرورية والمؤثرة، حيث أن غياب أي من لاعبي الفريق الأساسيين للإيقاف أو الاصابة يعني أن الفريق في ورطة ليست بالقليلة. على سبيل المثال إذا أصيب «بيكيه»، فإن الذي سيعوضه هو «بارترا» أو «فيرمايلين» إن كان معافًى أصلًا، وكل من الاثنين أقل من أن يكون قلب دفاع لنادٍ بحجم برشلونة. لكن تخيل إصابة «إنييستا»، من الذي يستطيع تعويضه في قائمة الفريق السابقة؟
بالإضافة إلى غياب البديل الضروري، كان غياب البديل الذي بإمكانه صناعة الفارق مرضًا آخر، حيث أن الاسم الوحيد الذي كان له ثقل في القائمة الفائتة هو «أردا توران»، الذي دخل تشكيل الفريق في النصف الثاني من الموسم وهو بعيد عن الجاهزية البدنية والفنية مع عدم اندماجه أيضًا في منظومة اللعب سريعًا.
ثالثًا: المرونة الخططية، بمعنى أن الفريق يمكنه اللعب بعدة رسوم خططية مختلفة بعيدًا عن الرسم الذي عُرف عن برشلونة، وهو ما كان غائبًا عن الفريق ولم يحدث سوى فترة إصابة ميسي وفي نطاق ضيق.
العلاج
بناء على ذلك دخلت إدارة النادي سوق الانتقالات، فتوجهت أولًا إلى الصداع المزمن لجمهور الفريق؛ قلب الدفاع، فقبل التعاقد مع أي لاعب قامت ببيع كُلٍ من «مارك بارترا» – 25 عامًا، إلى نادي «بوروسيا دورتموند» وإعارة «فيرمايلين» – 30 عامًا، إلى نادي «روما». ومن ثم توجهت إلى مدافع نادي «ليون» الفرنسي الشاب الواعد «صامويل أوميتيتي»، 22 عامًا والذي يستطيع أن يلعب كظهير أيسر أيضًا.
من ثم توجهت إدارة النادي إلى الجبهة اليسرى التي لطالما عانت كلما غاب عنها الظهير المميز «جوردي ألبا»، فقامت بالتعاقد مع ظهير باريس سان جيرمان «لوكاس ديني»، 22 عامًا وهو اللاعب المعروف بانطلاقاته الهجومية وإن كان يُعاب عليه باستمرار رعونته في الدفاع، لكنه ما زال صغيرًا للحكم النهائي عليه، وتخلت الإدارة عن العجوز «أدريانو».
في وسط الملعب؛ تخلت الإدارة عن «أليكس سونج» مجانًا، بينما قامت بإعارة لاعب الارتكاز «سامبر» إلى غرناطة وقامت أيضًا ببيع الموهبة الصاعدة بقوة «ألين هاليلوفيتش» إلى نادي «هامبورج» مع أحقية الشراء مرة أخرى.
أما على مستوى التعاقدات فلقد قامت الإدارة بتفعيل بند أحقية الشراء في عقد اللاعب «دينيز سواريز» – 22 عامًا، من نادي فياريال، أكثر من صنع أهداف في الـ«يورباليج» الموسم الماضي، وهو البديل الجيد جدًا لـ«إنييستا»، بالإضافة للتعاقد مع متوسط الميدان البرتغالي «أندريه جوميش» من «فالنسيا» – 22 عامًا، بعد منافسة شرسة مع الغريم التقليدي ريال مدريد.
أندريه مميز بشكل كبير؛ فهو صاحب لمسة مهارية وجمالية، وفي نفس الوقت فهو يتمتع ببنيان قويّ يساعده على كسب الالتحامات ويجيد الضربات الرأسية وله رؤية ثاقبة في الملعب.
الصفقة التي يجب ذكرها أيضًا هنا هي صفقة «أردا توران»؛ التركي قدم حتى الآن مباريات من الطراز الرفيع كان خلالها مفتاح لعب ممتاز، كما كان واضحًا أنه بدأ في الانسجام أكثر وأكثر مع طريقة اللعب، أما في الخط الأمامي؛ فكانت التعديلات في أضيق نطاق، حيث الثلاثي الناري يقيد الحركة كثيرًا لكن رغم ذلك قامت الإدارة بإعارة «منير الحدادي» إلى نادي فالنسيا في مقابل المهاجم الموهوب «باكو ألكاثير» – 23 عامًا، ليكون سلاحًا آخر يضيف قوة أكبر وحلولًا هجومية أكثر للمدرب «لويس إنريكي».
هذه السوق ربما هي الأهم في تاريخ برشلونة الحديث، حيث أن النجوم الحاليين يتقدمون في العمر بشكل كبير ولا بد من جيل قادم يحمل الراية من بعدهم، وهذا الجيل لا بد له من أن يتشرب تقاليد العائلة الكتالونية قبل أن يكون مؤهلًا لحمل المشعل في قادم المواعيد. وهو الأمر الذي أدركته إدارة الفريق بشكل سريع، وقامت بعدة تعاقدات تمتلك الجودة التي يتطلبها الظرف الحالي وفي نفس الوقت فهي ما زالت صغيرة ويمكنها القبول بالجلوس لنجوم الصف الأول حاليًا، إضافة إلى أنها تضفي عمقًا أكبر على تشكيلة الفريق وتكثر من البدائل أمام إنريكي وتعطي فرصة أكبر لعملية التدوير بين اللاعبين لتجنب الإرهاق.
ربما الأمر الوحيد الذي قد يُعاب على إدارة الفريق هو عدم تعاقدها مع ظهير أيمن بديل للأسطورة البرازيلية «دانييل ألفيش» الراحل للـ«يوفي»، لكن في نفس الوقت، فإنه يوجد كل من «سيرجي روبيرتو» و«أليكس فيدال» اللذين يستحقان على الأقل الفرصة حتى يناير القادم.
وفي نهاية السوق، حدثت مفاجأة وأعلن «كلاوديو برافو» رحيله عن النادي منتقلًا إلى «مانشستر سيتي»، ليحل محله حارس «أياكس» ومنتخب هولندا «جاسبر سيليسن» لينفق البلاوجرانا هذا الصيف ما مقداره 123 مليون يورو لانتداب 6 لاعبين لا يتجاوز معدل أعمارهم 23 عامًا. بينما تم الاستغناء عن 12 لاعبًا مقابل 32 مليون يورو، يبلغ متوسط أعمارهم 26 عامًا، ليسجل الكتلان صافي إنفاق 91 مليون يورو تقريبًا في مجمل انتقالات الصيف.