غاز المتوسط: ما وراء التقارب التركي الإسرائيلي
بعد عامين من تدهور العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، اختارت تركيا سفيرًا جديدًا لها في إسرائيل تماشيًا مع الجهود المبذولة لكسب نقاط مع إدارة الرئيس الأمريكي القادم جو بايدن. لم يكن هناك سفير في أي من البلدين منذ مايو/آيار 2018، وذلك عندما طلبت تركيا من السفير الإسرائيلي «أخذ إجازة» على خلفية تصعيد الهجمات ضد الفلسطينيين في غزة وقرار إدارة دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وعليه، كان هذا استكمالًا لمسلسل تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية منذ صعود حزب العدالة والتنمية في الحكم.
تاريخيًّا، كانت الثقة بين البلدين قوية لدرجة أنهما قررا الدخول في تعاون عسكري أعمق، وفي ذلك الصناعات الدفاعية والعسكرية المشتركة. مع ذلك، تدهورت العلاقات سريعًا بين الحليفين الرئيسيين للولايات المُتحدة والمدافعين عن القيم الغربية في منطقة الشرق الأوسط التي يُنظَر إليها كمنطقة غارقة في الأصولية الدينية والصراعات غير المُنتهية.
الربيع العربي كنقطة تحول
جلبت الانتفاضات العربية تحديات دراماتيكية للمشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأصبحت تركيا وإسرائيل على جانبين متعارضين. حيث قُدِّمت تركيا كنموذج أو لإرساء الديمقراطية في المنطقة، ونتيجة لذلك، وجدت نفسها في موقف معارضة مع إسرائيل. الأهم من ذلك أن إسرائيل كانت قلقة من التحول الإسلامي الذي سرعان ما حدث عقب الانتفاضات، خاصة في مصر.
أظهر حادث مافي مرمرة في 2010 أن إسرائيل مستعدة لتجاهل أحكام القانون الدولي عندما تكون مصالحها الجيوسياسية في خطر. وكان هذا المنظور الواقعي البحت متعارضًا تمامًا مع سياسات العثمانية الجديدة، والترويج للديمقراطية التي اتبعها القادة السياسيون في تركيا مثل أردوغان وداود أوغلو، والتي يمكن وصفها بأنها مثالية إلى حد ما بالنسبة للهيكل الحالي للجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط .
جاءت أولى بوادر التحسن في العلاقات عندما استأنفت إسرائيل بيع أنظمة الحرب الإلكترونية لتركيا. والتي تم تجميدها بعد حادثة مافي مرمرة في 2010. وتبلغ قيمة الصفقة 200 مليون دولار، حيث تضمنت شركة إلتا الإسرائيلية، وهي شركة تابعة لشركة Israel Aerospace Industries، التي تقدم أنظمة إلكترونية لأربع طائرات تركية لأنظمة الإنذار والتحكم. وتبع ذلك موافقة إسرائيل بعد شهور من المفاوضات، على بناء مستشفى جديد لتركيا في غزة في فبراير/شباط 2013.
على الرغم من تحسن العلاقات، منع مأزق مافي مرمرة وتعارض الرؤى الجيوسياسية المختلفة من تحقيق تقدم ملموس. وفي أعقاب الإضطراب السياسي الناتج عن الحروب الأهلية في كلًا من سوريا وليبيا، وتطلب ذلك تدخل متزايد من الولايات المتحدة، احتاجت الولايات المتحدة حليفيها الإقليميين إلى التعاون مع بعضهما البعض ومحاولة دفع إسرائيل للاعتذار لتركيا على حادثة مافي مرمرة. ولكن، لم يكن هذا ممكناً وباءت جهود الولايات المتحدة اليائسة للمصالحة بالفشل.
وأكدت إدارة أوباما مرارًا استياءها من الأزمة التركية الإسرائيلية على الرغم من جهود المصالحة. وما زاد الطين بلة، هو تصريح أردوغان بأن «الصهيونية هي عدو الإنسانية». والذي أثار موجة من الاستياء داخل الكونجرس رغم الحاجة الملحة للتعاون بشأن سوريا.
لم يمهد الضغط الأمريكي ولا المشاكل الإقليمية الحادة الطريق أمام انفراج سياسي حقيقي بين تركيا وإسرائيل. وترك عدم وجود حوار جاد بين أردوغان ونتنياهو بلديهما معزولتين، حيث يواجهان مشاكل جيوسياسية إقليمية خطيرة. واحتاجت إسرائيل إلى حليف إقليمي ليس فقط لدعم سياساتها تجاه إيران ولكن ضد الجماعات المتطرفة في المنطقة. ويمكن أن تصبح الضغوط العسكرية الإسرائيلية على إيران فعالة إذا دعمتها تركيا من خلال إجراءات مثل منح الإذن مرة أخرى لاستخدام المجال الجوي. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أثارت سياسات نتنياهو في إحكام قبضة إسرائيل على الأراضي المحتلة ردود فعل قوية من دول الاتحاد الأوروبي.
غاز شرق المتوسط وأزمة قبرص
حسب تقارير صحفية، تدور المناقشات الدبلوماسية السرية حول تعديل الحدود البحرية لإسرائيل وقبرص التي تمر عبر حقل أفروديت/يشاي للغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط. من المقدر أن يحتوي الحقل على ما بين 3.6 تريليون و 6 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ولكن لم يتم استغلاله تجاريًّا بعد بسبب النزاع الحدودي.
تم تعيين الحدود الحالية في عام 2010 عندما قامت قبرص بترسيم منطقتها الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل. مع ذلك، تم التوقيع على الاتفاقية قبل الاكتشاف الكامل لاحتياطيات الحقل التي تبين لاحقًا أن إسرائيل تمتلك حوالي 10٪ منها كما هو موضح في خريطة 1، قيل إنها تزيد قيمتها عن 1.5 مليار دولار، في حقل يشاي.
وعليه، فإن البحث عن حل للخلاف حول التطوير التجاري لحقل أفروديت لن يفيد قبرص وإسرائيل ماليًّا فحسب، بل يقدم أيضًا لمحة عن علاقة تركيا بإسرائيل، وبالتالي، مع الولايات المتحدة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، نُشرت ورقة في تركيا سكوب، وهي دورية لمركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب، دعت فيها إسرائيل وتركيا للتفاوض على اتفاق منفصل لخط ترسيم بحري، واستبعاد قبرص وإعطاء إسرائيل فرصة تحقيق السيادة الكاملة على موارد أفروديت الهيدروكربونية. وذلك كما هو مُوضح في الخريطة 2.
كانت إسرائيل قد خسرت 4600 كيلومتر مربع في اتفاقية 2010 مع قبرص؛ ومن خلال الاتفاق مع تركيا ستسيطر إسرائيل على 16 ألف كيلومتر مربع بينما ستستفيد تركيا من 10 آلاف كيلومتر مربع من حقول الغاز.
ويفترض يايجي، وهو مهندس اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التركية لعام 2019 مع ليبيا، ورئيس أركان القوات البحرية التركية السابق، أنه نظرًا لوقوع سواحل إسرائيل وتركيا في مواجهة بعضهما مع بعض، يتم إنشاء منطقة قطرية واضحة ويتشاركان حدودًا بحرية، وبالتالي يمكنهما المطالبة بحقوق الموارد الموجودة في المحيط أو تحته. ولذلك، فمن المنطقي أن تأتي إسرائيل إلى طاولة المفاوضات مع تركيا بشأن هذه القضية.
التقارب مع إدارة بايدن المنتخبة
يمكن أن يكون هذا الاقتراح جزءًا من محاولة تركية لكسب ود إدارة بايدن المنتخبة. حيث ذكرت تقارير في وقت سابق أن مسؤولي المخابرات الأتراك والإسرائيليين اجتمعوا، ليس بالضرورة فيما يتعلق بقضايا المخابرات، ولكن بدلًا من ذلك لإذابة جبال الجليد الدبلوماسية.
وإلى جانب مقترح تحسين ترسيم الحدود البحرية التي اقترحها يايجي، يتطلع الزعيم التركي رجب طيب أردوغان إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خاصة أن تركيا وإسرائيل ليس لديهما حاليًّا سفراء في عاصتيمهما.
حيث إن هناك ثلاث إشكاليات بشأن تركيا على طاولة الرئيس المنتخب جو بايدن.
1. أزمة صواريخ S-400
حيث يمكن للولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على تركيا باستخدام جاستا، “قانون مواجهة أعداء أمريكا”. حيث أصدرت إدارة ترامب عقوبات ضد تركيا منذ أسبوعين لمعاقبتها بعد أكثر من ثلاث سنوات على شرائها نظام دفاع صاروخي من روسيا.
2. الأزمة الكردية في شمال سوريا
حيث من المرجح أن يكون بايدن المعروف بتعاطفه مع الأكراد، أكثر يقظة تجاه استهداف أردوغان لشمال شرق سوريا وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الوكلاء الأتراك، وفي ذلك أخذ الرهائن والتعذيب والاغتصاب والنهب. حيث أفاد بذلك تقرير 15 سبتمبر من لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا.
3. التعديات التركية في شرق المتوسط
أثار إصرار أردوغان على إجراء المسوحات السيزمية والحفر في المياه البحرية التي تندد بها أثينا ونيقوسيا بالفعل غضب الاتحاد الأوروبي، على الرغم من تراجع بروكسل عن تهديداتها بفرض عقوبات. وإذا قام بايدن، كما هو متوقع، بإصلاح العلاقات عبر الأطلسي التي أضر بها ترامب بنهجه تجاه القادة الأوروبيين، يمكن لواشنطن وبروكسل وضع وتنفيذ إجراءات منسقة ضد أنقرة، وفي ذلك العقوبات الأوروبية والأمريكية.
وفي المجمل، إذا تمكنت تركيا من تطبيع علاقتها مع إسرائيل، فسيكون بإمكانها تهدئة بعض هذه المخاوف الأمريكية. ويأمل المُراقبون للعلاقات الأمريكية التركية أن يدرك أردوغان أن بايدن لن ينغمس معه بالطريقة التي فعلها ترامب. حيث قد يجبر هذا أردوغان على التصرف بحكمة أكثر لأنه يخشى حدوث تراجع من إدارة من غير المرجح أن توفر الإفلات من العقاب كسابقتها.