نفايات طبية وقمامة: الفساد متورط بالنزاعات القبلية بمصر
يشتهر صعيد مصر بالنزاعات القبلية، حيث يعاني أهله بشكل مستمر من نسيان الدولة لهم ومن ضعف مستويات التنمية في مدنهم. بدون تنمية وبموارد قليلة تصبح النزاعات فى الصعيد هي الطابع الأشهر لأهله.
سبب النزاعات الأشهر هو النزاع على الموارد؛ قطعة أرض أو وظيفة أو مقعد في مجلس الشعب، لكن هناك أيضا نزاعات قد تحدث بسبب الفساد الإداري!،
لا ندعي أن الأجهزة المحلية من مجلس محلي المدينة وديوان المحافظة تشكل الأزمات عن قصد وتفتعلها، لكنها بالرغم من ذلك وفي سبيل التستر على فسادها تطفو على السطح أزمة تشكلت مع أول لحظة فساد.
يوجد في محافظة أسوان جنوب الصعيد فساد إداري بخصوص مدفن صحي ومحرقة نفايات طبية بقرية بلانة غير مطابقين للمعايير الصحية، يتضرر منهما الأهالي فيحتجون ويقررون إغلاقهما، فيتضرر أهالي مدينة كوم امبو من إغلاق المدفن الصحي لأن مخلفات المدينة تلقى في مدفن بلانة. تجد الأجهزة المحلية نفسها في حرج ولا تجد حلاً لمدفن ومحرقة بلانة؛ فتقرر أن النوبيين/أهالي قرية بلانة يفتعلون أزمة مع جيرانهم الصعايدة/أهالي مدينة كوم امبو.
كيف أصبحت النفايات أزمة؟
أغسطس/آب 1979، وافق وزير الرزاعة وقتها يوسف والي على تخصيص 6 أفدنة من الأراضي الصحراوية المملوكة للوزارة لإنشاء مقلب عمومي يخدم مدينتي كوم امبو ودراو، حيث جاء في قرار التخصيص أن مساحة المقلب خارج زمام قروي بلانة.
وفي مايو/أيار 2005 قرار يحمل رقم 151 يقرر فيه محافظ أسوان سمير يوسف تخصيص قطعة أرض مساحتها 120 فدانا لإقامة مدفن للمخلفات الصلبة؛ ليخدم مراكز نصر النوبة وكوم امبو ودراو.
ونوفمبر/تشرين الثاني 2008، تشكل أكثر من لجنة لتسليم الأرض لإدارة شؤن البيئة بأسوان، ثم تسلم للشركة الدولية للتوريدات العمومية لاتخاذ اللازم.
حتى ذلك التاريخ لم يوسع المدفن لمساحة ال120 فدانا، ولا أصبح مدفنا للمخلفات الصلبة على الأقل كما تخبرنا اللجان والقرارات لكن المجلس الشعبي المحلي.
بينما في ديسمبر/كانون الأول 2008 شَكّل لجنة لزيارة الموقع برئاسة رئيس لجنة الإسكان بالمجلس، أثبتت اللجنة في تقريرها أن تلقى المخلفات على السطح وتحرق-الحرق المكشوف- بدون دفن لأي من المخلفات، أمر آخر أشار إليه تقرير اللجنة وهو امتداد القرية من الجهة الشرقية قريب جدا من موقع المدفن الصحي.
وعندما سألت اللجنة المسئول عن المدفن: لماذا تحرق المخلفات بدلا من دفنها؟، أفاد بأنه لا يوجد «لودر» لعملية الدفن. وفي نهاية التقرير أوصت اللجنة بإغلاق المدفن ونقله إلى منطقة لا تؤثر سلبا على صحة أهالي القرية.
رفضت مديرة إدارة الشئون البيئية بالمحافظة طلب المجلس الشعبي المحلي بنقل المدفن متعللة بأمرين جديرين بالملاحظة وهما:
أولا: أن مجلس محلي مركز ناصر –التابعة له قرية بلانة- وافق على تطوير المدفن وخصصت للتطوير مساحة 60 فدانا، والسؤال هنا كيف تضاعفت المساحة من 60 إلى 120 فدانا؟.
ثانياً: أنه سيتم تنفيذ المشروع بمنحة من مشروع مكون الإدارة البيئية بالمحافظات، وتمويل محلي من المحافظة بتكلفة إجمالية أكثر من 4 مليون و30 ألف جنيه مصري. تبدو هذه التكلفة مبالغا فيها-أو مختلسا منها كما يقول أهالي بلانة – مع صور كهذه.
بلغت حاويات المخلفات المنقولة للمدفن من 12 إلى 14 حاوية في الأيام العادية، وتصل إلى 20 حاوية في أيام المناسبات بكمية تصل إلى 400 متر مكعب يوميا بحسب تقرير أصدرته وحدة المعلومات بالوحدة المحلية لقرية بلانة في 2011.
هذا بالإضاقة إلى قرار رقم 14 لسنة 2013 لمحافظ أسوان مصطفى السيد بتخصيص 900 متر –غير مساحة المدفن- لإقامة مجمع محارق للمخلفات الطبية. ويكذِّب أهالي بلانة توقيت إدخال المحارق بسنة 2013 ويقولون إن المحارق أدخلت قبل ذلك بسنتين.
اعتراض أهالي بلانة
ورد في تقرير المجلس الشعبي المحلي تضرر الأهالي من هجوم (عض) الكلاب المفترسة التي تأكل من النفايات الطبية –أعضاء بشرية تالفة ومبتورة-، يقول الأهالي إنهم وثقوا 60 حالة من هذا الهجوم. أيضاً تداول الأهالي الآثار السلبية المسرطنة لمركبات الديوكسين الناتجة عن حرق النفايات الطبية بشكل خاطئ؛ مما تسبب في غضبهم المتزايد.
كما طالب الأهالي المحافظ بنقل المحارق لخارج قريتهم، وعقدت على إثر ذلك الكثير من الاجتماعات التي لم تفد الأهالي إلا بالوعود، كما تم اختيار خمس من شباب القرية ووقّع على تمثيلهم لأهل القرية ثلاث من كبار القرية، لاحقاً وثِّقت ورقة التمثيل هذه في المحكمة بختم الجمهورية.
آخر اجتماع بين ممثلي القرية وبين المحافظ كان في مايو/أيار 2014، وعدهم فيه المحافظ بنقل محرقة النفايات إلى منطقة العلاقي جنوب أسوان خلال شهرين من تاريخ الاجتماع، لكن لم يتم ذلك حتى مرت خمسة شهور وأبلغ الشباب المحافظ أنهم ينوون الاعتصام أمام المحرقة وسيغلقونها.
وتم تهديد الشباب بتحرير محاضر لهم إذا هم فعلوا ذلك، وهو ما قد كان لكن ليس لكل الشباب، حيث تم استبعاد الشباب الصعيدي من أهل بلانة –وهي أكبر قرية نوبية بها صعايدة مقيمين منذ سنين- المطالبين بإغلاق المدفن والمحرقة، وتم تحرير محاضر إتلاف وتعدي للشباب النوبيين فقط حتى يتم إخراج الأمر بصورة نوبيين ضد صعايدة.
اعتصم الشباب عند المحرقة لأكثر من خمسين يوما ولم يتواصل معهم أي مسئول من المحافظة كما يقولون، وفض الاعتصام على إغلاق المدفن والمحرقة حتى الساعة.
موقف أهالي كوم امبو
تأثرت مدينة كوم امبو كثيرا بإغلاق المدفن؛ بسبب تخلصها من مخلفاتها فيه ولم تجد لمخلفاتها مكانا آخر سوى شوارعها التي اكتظت بشكل مزعج بتلال من القمامة وذلك لأنها لا تمتلك ظهيرا صحراويا. ونجحت خطة المحافظ -إلى حد كبير- لإخراج الأمر على أنه أزمة نوبي ضد صعيدي، فنبرة التوتر لا تخطئها أذنك في حديث الطرفين.
يتهم بعض أهالي كوم امبو من سعى من شباب بلانة لإغلاق المدفن بأنهم أصحاب مصلحة ومستفيدون بتخصيص أراض لهم اجتزئت من أرض المدفن، وهو ما لم يثبت.
والتوتر القائم بين الطرفين لم يجعل أهالي كوم امبو -رغم ضررهم- يطالبون بغلق محرقة النفايات الطبية، لتأكدهم من ضررها على أهالي بلانة، إضافة لأنهم يأكدون على ضرورة أن يتم تطوير المدفن ليطابق المعايير الصحية المطلوبة؛ لرفع أي ضرر عن أهالي بلانة وهو ما يحسب لهم.
كيف تُحل الأزمة؟
قدم بعض الأهالي من الطرفين بعض الحلول التي رأوا أنها مناسبة وهي:
(1) تشغيل مدفن بلانة وإنشاء مصنع بسيط لتدوير المخلفات بجواره يعمل فيه شباب من بلانة وكوم امبو، لكن هذا الحل للأسف لم يعد ممكنا الآن بسبب توتر العلاقات سواء بين أهل بلانة والجهات الرسمية أو بين أهل بلانة وأهل كوم امبو.
(2) أن تتخلص كوم امبو من مخلفاتها في قرية فارس غرب النيل فور الانتهاء من أعمال الإنشاء بالكوبري الواصل بينهما، لكن الوضع الحالي لقرية فارس لا يساعد على استقبالها لأي مخلفات، فمياه المجاري التي أغرقت أكثر من مرة البيوت وقبور الموتى والمدارس والمزارع جعلت القرية منكوبة حرفيا.
(3) أن تتخلص كوم امبو من مخلفاتها بوادي العلاقي جنوبي أسوان، لكن بعد المسافة يحول دون جدوى هذا الحل كما يقول أهل كوم امبو. مسألة ثانية وهي الأهم، وهي أن دخول مدفن وادي العلاقي في هذه الأزمة يحرج ديوان المحافظة؛ بسبب أنه غير مجهز على الرغم من مخصصاته المالية، فبحسب عبد الله شلبل أن المحافظ قال له أثناء اعتصام شباب بلانة لغلق المدفن والمحرقة: «إنت يا عبد الله لو خلتني أقفل مدفن بلانة ونعتمد على العلاقي هتخليني أقاضي ناس بتهمة إهدار مال عام».
قد لا يكون هناك حل عملي الآن للأزمة، لكن بداية الحل في إعادة بناء الثقة بين أهالي كوم امبو وبلانة، وهناك بالفعل بوادر لهذا وإن كانت ضعيفة، ومن ثم الاتفاق على حل يراعي الطرفين. المبشر في الأمر أنه بشكل مؤكد إذا اتفق الأهالي من الطرفين على حل ما فإنهم قادرون على تنفيذه والتفاوض مع الجهات الرسمية بشأنه، فهل ستحاول الحكومة حل الأزمة أم أن الوضع سيبقى كما هو عليه؟