الفحص الطبي: كيف تشتري سيارة مستعملة؟
هذا بالتحديد ما وصلت إليه كرة القدم الاحترافية، حيث أضحى أمرًا مستساغًا أن يتم تشبيه لاعبي كرة القدم بالسلع التي يتوجَّب أخذ الحذر عند شرائها خوفًا من إهدار رءوس الأموال، التي تدفع بدورها عجلة صناعة كرة القدم الضخمة.
وبغض النظر عن مدى أخلاقية هذا التشبيه، الذي خرج على لسان طبيب، ما الذي قد يجعل لاعبًا محترفًا، أمضى سنواتٍ يمارس هذه اللعبة بأعلى المستويات، يفشل في اجتياز الفحص الطبي قبل توقيعه لنادٍ جديد؟
ما قبل لحظة الصفر
«انتهى الاتفاق بين جميع الأطراف، والآن يخضع اللاعب للفحص الطبي».
بهذه الديباجة، عادةً ما يُعلن انتهاء إجراءات انتقال اللاعبين من نادٍ لآخر، في حين يُعتقد أن الكشف الطبي ما هو إلا إجراء روتيني تُستكمل به مجموعة من الإجراءات الروتينية، والتي تقل أهمية بالنسبة للجماهير بكل تأكيد عن التفاصيل المادية للصفقة.
داخل إحدى العيادات المُتخصصة، أو في أحد مقرات تدريبات الأندية الكبيرة، يخضع لاعب كرة القدم لمجموعة من الفحوصات الطبية المُتقدمة للتأكُّد تمهيدًا للإعلان الرسمي عن انتقاله لناديه الجديد.
طبقًا للمتخصصين، لكل نادٍ طريقته الخاصة في القيام بالفحوصات الطبية، لكن عادة ما يخضع اللاعب لفحص طبي لمدة يومين، تحت إشراف الطاقم الطبي للنادي والمكوَّن من طبيب النادي، أخصائي العلاج الطبيعي للفريق، وفريق اللياقة البدنية، من أجل توفير أكبر قدر من المعلومات الطبية عن اللاعب للمدرب والمديرين التنفيذيين للنادي قبل إنهاء الصفقة رسميًّا.
حسب دكتور فيفر، يتضمن الفحص الطبي ستة اختبارات رئيسية، وهي: اختبار مدى قوة وكفاءة عضلة القلب، اختبار النظام العضلي، اختبار سلامة المفاصل، فحص دقيق باستخدام الرنين المغناطيسي، اختبار نسبة الدهون داخل الجسم، وأخيرًا قياس الجُهد.
وفي بعض الأندية، قد يتضمن الكشف الطبي على اللاعب فحصًا للأذنين، والأسنان، التي ثبُت مؤخرًا تأثير مُشكلاتها على قدرة اللاعبين في اللعب بمستوى عالٍ.
لماذا نفحص سيارة السباقات؟
في 2014، كان الدولي الفرنسي السابق «لويك ريمي» في طريقه للانتقال إلى نادي «ليفربول» الإنجليزي قادمًا من «كوينز بارك رينجرز»، وبعد الكشف الطبي على اللاعب في نيويورك انهارت الصفقة، بعدما انتشرت أخبار عن فشل اللاعب الذي مثَّل فرنسا في كأس العالم وقتئذٍ في اجتياز الفحص الطبي للنادي الإنجليزي بسبب مشكلة في القلب. لينتقل بعد ذلك لنادي تشيلسي الإنجليزي مقابل 10.5 مليون جنيه إسترليني.
كان منطقيًّا أن يتساءل الجميع عن سبب رسوب اللاعب في الكشف الطبي، ثم اجتيازه في نادٍ بحجم تشيلسي. والإجابة: تقييم المخاطر، وليس الإصابات المزمنة كما أشيع.
عند انتقال «ريمي» من نيس إلى مرسيليا في عام 2010، أعلن مرسيليا أن فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي كشفت عن إصابة اللاعب بثقب في جدار القلب. ومع ذلك، بعد مشاورات لجنة من خمسة متخصصين بارزين في هذا المجال، قام مرسيليا، على عكس ليفربول بالتوقيع مع اللاعب.
طبقًا لصحيفة الإندبندنت الإنجليزية، لم يستطع ليفربول المخاطرة بالتوقيع مع اللاعب الذي قد يعاني من مشكلة طبية في المستقبل، خاصةً أن الفريق ضَمَّ آنذاك مهاجمين مثل: دانييل ستوريدچ، ريكي لامبرت، فابيو بوريني، وماريو بالوتيلي.
هذا لا يعني بكل تأكيد عدم قدرة الفرنسي على اللعب بالدوري الإنجليزي، فقد لعب بالفعل للبلوز، لكنه يعني باختصار، أن هنالك عدة عوامل تؤثِّر على قرارات إدارات الأندية بالتوقيع مع اللاعبين الذين يمتلكون تاريخًا مع الإصابات أو المشاكل المتعلقة بالصحة العامة.
لذا، يمكننا أن نزعُم أن لكل نادٍ أولوياته، وبالتالي طريقته ومعاييره الخاصة أثناء توقيع الكشف الطبي على لاعبيه الجدد، وتُترجم هذه المعايير بصورة مبسطة إلى ما يُعرف بـ «قاعدة إشارة المرور»: اللون الأحمر للاعب الذي يعد التعاقد معه بالوقت الحالي مغامرة كبيرة، واللون الأصفر للاعب الذي يمكن أن يستغرق وصوله لحالة مثالية وقتًا قصيرًا، واللون الأخضر للاعب الذي يُمكنه الدخول مباشرةً ضمن عناصر الفريق.
السرعة والتسارُع
على الرغم من دراية الأطقم الطبية للأندية بكل ما تحمله توصياتهم من أهمية لإنجاح الصفقات، أو حماية الإدارات من تعاقُدات قد تتسبب في مشاكل مادية بالمستقبل، لا تزال بعض الأندية، التي تمتلك نخبة من المتخصصين في المجال الطبي، تتعاقد مع لاعبين يثبُت لاحقًا معاناتهم من إصابات أو مشاكل صحية تؤثِّر على مشاركاتهم مع الفرق. فكيف يحدُث ذلك؟
المشكلة الأولى التي قد تواجه الأطباء والمختصين بالعلاج الطبيعي عند توقيع الكشف الطبي على أي لاعب هي ضيق الوقت، حيث ترغب الإدارات واللاعبون والوكلاء في إنهاء الصفقات في أسرع وقت ممكن، خاصةً إذا ما تم الانتهاء من التفاصيل المادية للصفقة.
فمثلًا، نشب صراع قضائي بين إدارة سندرلاند الإنجليزي وطبيب الفريق «اشتياق رحمن» عام 2014، على خلفية تعاقد القطط السوداء مع لاعب الوسط الأرجنتيني «جوليان ألفاريز» قادمًا بعقد إعارة من إنتر ميلان الإيطالي.
زعم النادي الإنجليزي أن الطبيب لم يتحرَّ الدقَّة أثناء الكشف الطبِّي للاعب، الذي كلَّف خزائن النادي ما يدنو من 13 مليون جنيه إسترليني دون أن يلعب تقريبًا بسبب إصاباته المتكررة بالركبة.
اكتُشف لاحقًا أنَّ الطبيب نفسه لم يجرِ الكشف الطبِّي على اللاعب؛ لأنَّه كان مصاحبًا للفريق في مباراته ضد «كوينز بارك رينجرز» باليوم الأخير من الانتقالات الصيفية، بالتالي أسند مُهمة توقيع الكشف الطبي على اللاعب لمجموعة من المتخصصين الذين أكدوا صلاحيته للانضمام إلى الفريق.
يرى «ديف هانكوك»، أخصائي العلاج الطبيعي الأسبق بنادي ليدز يونايتد، أن ضيق الوقت جزء لا يتجزأ من عملية الفحص الطبِّي؛ لأنَّه عادة ما يكون مدفوعًا بالرغبة في إنجاز الأمور سريعًا. لكن في بعض الأحيان، على الطبيب أو المسئول عن الكشف أن يتحرَّى الدقة ويطالب بأخذ وقته كاملًا، تمامًا كما فعل عند توقيع الكشف الطبِّي على «ريو فيرديناند» عام 2000؛ لأنَّه كان قد وصل إلى «إيلاند رود» مقابل رقم قياسي وصل لـ 18 مليون جنيه إسترليني.
«مقالب»
السؤال الآن: ماذا لو تحرَّى الطبيب وأخصائي العلاج الطبيعي واللياقة البدنية الدقَّة وأخذوا كامل وقتهم؟ هل يعني ذلك أنَّ النادي في مأمن من «مقالب» الانتقالات؟ في الحقيقة، الإجابة هي لا بكل تأكيد.
إذا كُنت لا تعلم، يبدأ الفحص الطبي قبل وقت طويل من وصول اللاعب. عادة، يتم إبلاغ أخصائي العلاج الطبيعي من قبل النادي باقتراب انتهاء الصفقة، ونظرًا لعدم إتمام الانتقال رسميًّا، لا يُمكن الوصول إلى السجل الطبي للاعب، وقتئذٍ يقوم المُختص بمراجعة عدد المباريات اللاعب في آخر ثلاث أو أربع سنوات، وعدد المباريات التي غاب عنها بداعي الإصابة، والاطلاع على أسباب هذه الإصابات عن طريق أي من المواقع المتاحة لكل الجماهير، أو بسؤال مجموعة من المقربين من طرفي الصفقة بصورة ودية عن حالة اللاعب.
حقيقةً، لا يتم الإفراج عن السجل الطبي لأي لاعب، والذي يحمل تقارير مفصلة عن حالته الصحية والبدنية من قبل النادي البائع إلا بموافقة اللاعب نفسه. وإذا ما افترضنا أنَّ اللاعب بالفعل يمتلك مشكلة ما قد تعوقه عن الانتقال للنادي الجديد، يبدو منطقيًّا أن يُخفي اللاعب ووكيله والنادي البائع هذه المعلومات عن النادي المشتري، حتى يتم إغلاق الصفقة تمامًا.
هذا تحديدًا ما يُفسِّر استمرار تعاقد الأندية مع لاعبين قد لا يكونون مناسبين من الناحية الطبية أو البدنية، على الرغم من تطوُّر الطب الرياضي بشكل كبير في العقود الأخيرة. وهو ما يجعل عمل الطاقم الطبِّي مُعقدًا، أشبه بالمقامرة على طاولة «الروليت».
ربما يقودنا كل ذلك إلى حقيقة واحدة، وهي أن اللاعب الذي تم تسليعه في بداية الأمر، عبر التعامل معه كشيء مادي يُباع ويُشترى، قرر – بعد أن رضي بالأمر الواقع – أن يُظهر نفسه كاستثمار ناجح على الدوام حتى وإن لم يكن كذلك، إلا إذا كشف الرنين المغناطيسي عما هو جديد.