نستكمل الجزء الثاني من التقرير الذي نتناول فيه الشيطنة الاعلامية في مصر وخاصة بعد الثلاثين من يونيو، لمتابعة الجزء الأول يمكن الوصول من هنا

الانتهاكات الإعلامية والإخلال بميثاق الشرف الإعلامي

على الرغم من أن خارطة الطريق التي أعلن عنها الجيش فى 3 يوليو تتضمن بندا يتعلق بوضع ميثاق شرف إعلامي ، إلا أن وسائل الإعلام بعد الثالث من يوليو قد خلت منعطفا خطيرا، فقد تحولت وسائل الإعلام لأداة صريحة فى يد السلطة الانتقالية تستهدف شيطنة الإخوان والتحريض ضدهم ونشر الأكاذيب دون الاعتذار عنها والاعتماد على ظاهرة المذيع الخطيب الذي لا يقدم إلا صوت السلطة، مما يتنافى مع مواثيق الشرف والمهنية الإعلامية.

سمات الخطاب الإعلامي

إعلام الصوت الواحد: لم تخرج الرسالة الإعلامية بعد 30 يونيو عن خط التأييد للمرحلة الانتقالية ومؤسسات الدولة وتمجيدها وتعظيم الدور الذى قامت به لاستئصال الإخوان ، ولم تتح فرصه واحدة لأى صوت معارض بل وصل الأمر إلى تخوين من يعترض على الدولة ومؤسساتها وقياداتها.

خطاب الكراهية وتعميق الاستقطاب: أخلت وسائل الإعلام بمسئوليتها الاجتماعية وساهمت بخطابها الكريه فى انتشار حالة الكراهية حتى داخل الأسرة الواحدة ، فتلك الفضائيات التي أذاعت فتوى على شاشاتها بضرورة تطليق الزوجة الإخوانية ، ولم نلث إلا أن نرى بعد ذلك عن أباء وأمهات يبلغون عن أبنائهم لانتمائهم إلى الإخوان !!! ، وانتشرت النزعة الانتقامية من جماعة الإخوان ورأـينا ذلك فى الاحتفاء بإزاحتهم من الحكم والتشفي فيهم طوال الوقت دون أن تتاح لهم فرصة واحدة للرد فى غياب صارخ للقواعد المهنية.

مصاطب إعلامية: حول المذيعون ومقدمو البرامج الليلية الأوقات المخصصة لبرامجهم إلى حلقات من الإرشاد والوعظ السياسي والديني ، إن استضاف أحدهم أحدا فإنه يتحدث أكثر منه ،وتبنى جميع الإعلاميين مواقف مؤيدة للسلطة يدافعون عنها طوال الوقت ويوجهون الجماهير لما يجب اعتقاده وفعله وما يجب أن يتجنبوه.

الرأي على حساب المعلومة: انتشرت اللهجة الدعائية والخطابية فى وسائل الإعلام على حساب المعلومات الموثقة ونشر الأدلة ، فيمكن لأحد المذيعين أن يستمر طوال ساعات الليل يهجو جماعة الإخوان ويتهمهم بالتخريب ونشر الفوضي دون أن يذيع مشهدا واحدا يوثق فيه تلك الاتهامات.

التضليل الإعلامي: تعمدت وسائل الإعلام تشويه الحقائق التاريخية المثبتة من أجل دعايتها ضد جماعة الإخوان ، فيمكن لمذيع أن يتهم الإخوان بأنها من تسببوا فى سقوط الأندلس أى قبل ألف عام من نشأة الجماعة !! ، وتتعمد وسائل الإعلام الخلط بين داعش والإخوان باعتبارهم شيئا واحدا رغم أن الحقيقة أثبتت عكس ذلك.

ارتكاب الجرائم الإعلامية: وصل الحال ببعض الإعلاميين إلى ارتكاب جرائم إعلامية كالسب والقذف العلني ، والتحريض على القتل والحرق وتخريب الممتلكات الإخوانية.

تقييد الحريات الصحفية والإعلامية: شهدت فترة ما بعد 30 يونيو تراجعا حادا فى الحريات الصحفية والإعلامية مواكبة لإعلام الصوت الواحد الموالي للسلطة، وقد ذكر تقرير مؤسسة حرية الفكرة والتعبير أن عام 2014 شهد تصاعدًا ملحوظًا في معدل الانتهاكات التي مورست بحق حرية التعبير بمختلف صورها، حيث رصد التقرير 314 واقعة انتهاك بحق المراسلين والمصورين الصحفيين، تنوعت بين الاعتداءات البدنية وحالات المنع من أداء العمل سواء بمصادرة المعدات الصحفية وتكسيرها أو بإصدار قرارات إدارية وحالة وفاة واحدة لصحفية الدستور “ميادة أشرف”، كما شهد العام 2014م أحكامًا بالسجن وقرارات بالحبس الاحتياطي بحق 19 صحفيًا (بعضهم تم إخلاء سبيله).

المصالحة الوطنية

يمكننا القول بأن الخطاب الإعلامي بعد 30 يونيو بمكوناته المعرفية والوجدانية، يعكس الخبرات المختزنة ، واتجاهات القائم بالاتصال الذي يرسم السياسات التحريرية والخطابية لهذه الأذرع الإعلامية.

لم يحظ خطاب المصالحة الوطنية فى وسائل الإعلام على درجة كبيرة من الاهتمام ، وكانت الأطروحة الرئيسية لخطاب المصالحة ” لا مصالحة مع الإرهاب ” تحت دعوى أن هذه المصالحة تفسح الطريق لعودة الجماعة الإرهابية للحياة السياسية والاستيلاء على الحكم كاملا مرة أخري.

وهذا الخطاب قد يعكس خبرات مختزنة وقلقا لدى هؤلاء الإعلاميين من عودة الإخوان مرة أخرى للحياة السياسية وانتقام الجماعة منهم ومحاسبتهم على جرائمهم وانتهاكاتهم الصارخة للجماعة طوال فترة ما بعد 30 يونيو.

لكن وفق نظرية القائم بالاتصال وهى التي رأيناها كثيرا وكان أبرزها عندما أعلنت السلطات إدراج الإخوان كجماعة إرهابية بعد أشهر من الخطاب الإعلامي رسم فيها صورة ذهنية للجماعة بأنها مجموعات وعصابات إرهابية، يمكننا تفسير ذلك الخطاب الرافض للمصالحة على اتخاذ السلطة السياسية قرارا بعدم التصالح مع الجماعة فى الوقت الراهن، ولذلك فإن الحديث عن المصالحة يستدعى تهيئة مسبقة لرسم صورة ذهنية جديدة عن الجماعة فى الخطاب الإعلامي.

ويعترض البعض على ذلك التفسير ويعتبر أنه ليس شرطا فى جميع الأحوال مستدلا بقرار التصالح مع قطر دون تهيئة مسبقة فقد تحول الخطاب الإعلامي بين عشية وضحاها من مهاجمة دولة قطر وقياداتها السياسية إلى الترحيب بهم فى وطنهم الثاني مصر !!

على أية حال، فإن تفسيرا إعلاميا جديدا لخطاب المصالحة يتوقف على شروط هذه المصالحة وأبعادها السياسية والاجتماعية، فالحديث عن مصالحة هي أقرب فى مضمونها للهدنة والتسليم بالواقع السياسي الجديد، لا يستدعي تمهيدا إعلاميا بل وربما تستمر الآلة الإعلامية فى خطابها المعادي للجماعة مع تقليصه جزئيا.

بينما الحديث عن عدالة اجتماعية حقيقية نشهد فيها عودة الإخوان للحياة السياسية أو الاجتماعية يستدعى تمهيدا وخطابا إعلاميا جديدا مغايرا لحالة الشيطنة التي حدثت بعد 30 يونيو وقبلها، وقد يتطلب ذلك اختفاء بعض الوجوه الإعلامية المحددة ممن اشتركوا فى جرائم التحريض والسب والقذف.

ربما يطرح سؤال أخر ، وهو تأثير ذلك الخطاب الإعلامي والصورة الذهنية السلبية على المصالحة المزعومة؟

سـياسـيا: يبدو الأمر غامضا وشائكا، فشروط تلك المصالحة وبنودها يتحكم فيها عوامل داخلية وإقليمية كثيرة ومتغيرة تؤثر على قوة كل طرف من أطراف المصالحة، ووسائل الإعلام كانت أداة من أدوات السلطة الجديدة فى إضعاف الإخوان وشيطنتهم ليقبل الإخوان بأدنى المكاسب الممكنة التي قد تتركها لهم السلطة الجديدة.

من جهة أخري فما زالت السلطة الجديدة بقيادة السيسي تترد فى إقامة الانتخابات البرلمانية وانتخابات الاتحادات الطلابية وتتخوف من تسلل الإخوان للحياة السياسية عبر تلك الانتخابات وهو ما يعكس عدم ثقة النظام فى مدى تأثير الدعاية السوداء فى إضعاف الإخوان واستئصالهم من الحياة السياسية الجديدة بصورة كاملة.

اجـتمـاعـيا: لا يمكننا أن نغفل مدى تأثير الخطاب الإعلامي بعد 30 يونيو على زيادة الكراهية والاستقطاب داخل المجتمع على كل من مؤيدي السيسي والنظام ومؤيدي الإخوان وأنصارهم فى الجهة المقابلة.

من جهة مؤيدي السلطة الحالية: يجادل البعض بإمكانية قبول تلك الجماهير لفكرة المصالحة وتغيير الصورة الذهنية السلبية عن الإخوان ولو جزئيا، ويستدل على ذلك بتقبلهم للمصالحة مع أمير قطر فى يوم واحد فقط بعد عامان من رسم صورة ذهنية بالغة السوء عن قطر وقياداتها السياسية.

فالشعب المصري على مدار عقود طويلة من مصادرة المجال السياسي والاجتماعي من قبل الطبقة الحاكمة تم استلابه سياسيا وتجريف وعيه وتشويهه مما جعله يؤمن بأن الخلاص السياسي في يد الدولة وحدها وبالأخص الطبقة العسكرية الحاكمة، ولذلك فإن هذه الجماهير على استعداد لقبول مصالحة جزئية مع الإخوان، مصالحة اجتماعية ربما لن تشبه تلك الى كانت قبل صعود الإخوان للسلطة، فالندبة المجتمعية التي تعرضت لها الجماعة تحتاج لسنوات كثيرة لعلاجها.

مؤيدو الإخوان: قد لا يبدو الأمر سهلا بالمقارنة بالطرف الأخر ، فحتى تلك اللحظة لم تخرج دراسة علمية وثيقة عن المكون الوجداني لقواعد الجماعة ومناصريها بعد 3 يوليو وأثره السلوكي والفكري مما قد يعطينا إشارة عن استعداهم لقبول مصالحة، لكن فى كل الأحوال فان الخطاب الإعلامي من المؤكد أنه قد ترك أثارا نفسية سيئة لدى قواعد جماعة الإخوان ، وقبول تلك القواعد لمصالحة سياسية مع النظام يتوقف على شروط المصالحة وبنودها أيضا ويتداخل فى ذلك مدى الحالة النفسية لتلك القواعد ، وهى الحالة التي كان للخطاب الإعلامي جزءا صغيرا فى تشكيلها بالمقارنة بعوامل أخرى كالاعتقالات والتعذيب والقتل ، ولهذا فإن رؤيتهم واهتمامهم بتسوية تلك العوامل فى بنود المصالحة أكبر من اهتمامهم من مصالحة تتضمن بندا فيه ميثاق شرف إعلامي جديد.

المصادر

1- الصورة الذهنية لجماعة الإخوان في الصحافة الإلكترونية المصرية ، محمد الراجي ، مركز الجزيرة للدراسات.

2- الإعلام المصري بعد 30 يونيو: أزمة بنيوية أم مرحلة عابرة؟ ، شحاته عوض ، مركز الجزيرة للدراسات.

3- إشكالية العلاقة بين الإعلام والسلطة ، على حسين عبيد.

4- الإعلام السلطة الرابعة ، فوزى نصر ، موقع الحوار المتمدن.

5- الإعلام الناصري والانتصار على الشعب ، حسام عبد العزيز.

6- ملكية وسائل الإعلام وتأثيرها على الأداء الإعلامي ، نفيسة صلاح الدين ، الهيئة المصرية العامة للاستعلامات.

7- أنماط الملكية في الاعلام المصري وتأثيره على الأداء المهني، عمرو الشوبكي ، مؤتمر الإعلام والثورة المصرية.

8- كيف يتعامل الإعلام المصري مع جماعة الإخوان ، د. صبحي عسيلة ، المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية.

9- العلاقات العامة والصورة الذهنية ، على عجوة.