«مولانا»: عندما يكون المؤلف هو بطل الفيلم
في مطلع هذا العام صدر للنور فيلم «مولانا»، من إخراج «مجدي أحمد علي»، ومن تأليف الكاتب الصحفي «إبراهيم عيسى» وعن رواية صادرة له بنفس الاسم أيضًا. الفيلم الذي عُرض لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي والذي حاز على الإعجاب هناك بشكل غير مسبوق، كل هذه المعطيات وخصوصًا اسم إبراهيم عيسى وشخصيته المثيرة للجدل تدفعك دفعًا لمشاهدة هذا العمل.
تدور أحداث الفيلم حول الشيخ حاتم الذي يترقى بالصدفة ليصبح شيخًا تلفزيونيًا ينتظره الناس ويطلبون منه الفتوى، والذي يُرزق بطفل بعد طول انتظار أيضًا وكل هذا نراه يأتينا بشكل متسارع وكأنها لمحة عن حياة الشخصية، ثم تتطور أحداث الفيلم لنرى رحلة الشيخ حاتم التي يقحم نفسه فيها تارة، ويجد نفسه مقحمًا بالإجبار تارة أخرى.
نعلم أن لكل فيلم عالمه الخاص، لكن مع فيلم يحمل في طيات إعلانه عبارات كـ«من كواليس صراع الدين والسلطة»، و«فيلم بلا خطوط حمراء»، فنحن هنا نأتي مجبرين على تأويل أحداث هذا الفيلم وشخصياته بما يتماشى مع واقعنا. فبالرغم من أن زمن الفيلم غير معلن، إلا أننا نستطيع أن نستشف أن زمن الفيلم هو أواخر سنوات الرئيس المعزول محمد حسني مبارك، ما يظهر جليًا من اسم «جلال» نجل الرئيس في الفيلم، ومن هيئته المشابهة لجمال مبارك أيضًا، وفي تماس واضح مع حكاية ذهاب علاء مبارك إلى عمرو خالد. إذن هل نتوقع أن حاتم هو عمرو خالد؟، الفيلم يغير من توقعنا هذا بالرغم من بعض التشابه في الشهرة وما سبق ذكره، الا أن شخصية حاتم هي محور الفيلم بأكمله.
حاتم هنا هو شيخ أزهري لديه رأيه المعادي للسلطة ولاستخدامها للدين، وهذا يظهر من خلال خطبته الأولى عن «أبي ذر الغفاري»، ولكنه عندما يذهب إلى التليفزيون يعرف أنه لابد من إرضاء المنتج والمخرج والجمهور، فنجده يخفي كثيرًا من أفكاره عندما يظهر للعامة ويراوغ في إجاباته حرصًا على مصدر رزقه من هذه البرامج، نفترض إذن أن حاتم هو مراوغ براجماتي يسعى وراء كسب المال وتأمين مستقبل أسرته بشتى الطرق حتى إذا كانت هذه الطرق ملتوية؟! ربما.
حسنًا، تستمر الأحداث في التصاعد، وفي أكثر من منحى، فتارة نجد الأب قد هام على وجهه في الشوارع وطالت لحيته في شكل نمطي للغاية للحزن، وبعدها نجده ينهمك في مواقف أخرى مع ترك مواقف أهم في الخلفية، فقط من أجل دمج أكبر عدد ممكن من الآراء السياسية المبسطة والشعبوية على لسان البطل، والتي يحمل العديد منها نفس آراء الكاتب بنفسه، إذن هل نخمن هنا أن إبراهيم عيسى هو البطل الحقيقي في هذا الفيلم؟!
النص هو البطل الفعلي هنا بمناقشته لقضايا عديدة شائكة كقضايا الفتنة الطائفية، والحديث عن بعض قصص التراث وحقوق المرأة في الإسلام ومنهج المعتزلة وأسباب الإرهاب والتطرف وعلاقة المؤسسات الرسمية برجال الدين، لكنه لا ينجح في خلق فيلم عظيم رغم كل هذه القضايا؛ لأنه يضحي بالسيناريو والشخصيات الفرعية ويهملها في سبيل إظهار آراء المؤلف، الذي يبدو أن البطل يحمل كثيرًا من صفاته حتى وإن ارتدى عباءة أزهرية، فهو منخرط في صناعة الإعلام ويجيد فهمها، ويعرف ما يحدث خلف الكواليس، وهو ليس بالحالم الذي قد يطلق الصيحات معلنًا آراءه بوضوح قد يجعله يخسر قوت يومه، ولكنه يكتفي بالرد على الأسئلة الموجهة إليه بشكل سفسطائي شعبوي بسيط قد يقنع الجماهير بآراء صحيحة جوهريًا، لكنها تصاغ بشكل مراوغ وغير دقيق. إذن إبراهيم عيسى هنا يخلق لنفسه في أول أفلامه كمؤلف Alter Ego أو «أنا موازية» ليصيغ أفكاره من خلال رجل دين!
ما نستطيع استنتاجه هنا هو أن الفيلم خلطة توافقية لعمل فيلم دعائي عن آراء المؤلف والمخرج واللذين يحملان توجهًا مشابهًا، والتوجه لا يعيب أحدًا هنا إلا إذا كان فيه إهمال للفيلم والسيناريو، على حساب إظهار هذا التوجه وحسب. هذا التوجه الذي يوضح أيضًا انحيازه واستعطافه للمتلقي بدمج عدد من الإفيهات التي يحتويها الفيلم على لسان بطله الذي يحارب السلطة بالسخرية.
لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن السيناريو غير مترابط ومفكك تمامًا، ومن الواضح أن كاتبه لا يدري أي الأحداث أهم وأولى بالظهور من بعض الأحداث الجانبية التي تم إقحامها بشكل فج، ولا يعرف كيف يضبط الإيقاع الذي يترك المشاهد في منتصف الفيلم حائرًا تمامًا من كثرة استخدامه لحبكات جانبية ويحلها في النهاية على طريقة deux ex machina أو كما نعرفها بعاميتنا المصرية «المخرج عاوز كده»، فنجد أنفسنا في نهاية الفيلم لم نشاهد فيلمًا مكتملاً وإنما برنامجًا آخر أعده إبراهيم عيسى ولكن بشكل أكثر تشويقًا.
في النهاية فيلم مولانا هو فيلم يقع ما بين شكل الفيلم وما بين البرامج الحوارية، يحتوي على خطب كثيرة تعيبها فجاجتها، أما عن إخراجه فلم تعبر الصورة عن مضمون الفيلم إلا بشكل بسيط ومباشر للغاية، بالرغم من أن مدير تصويره «أحمد بشاري» قد استخدم الأضواء والظلال ومواقع التصوير بشكل جيد للغاية، لكنها تظل صورة خالية في أغلب الأحيان.
رغم ذلك فإن الفيلم ليس بالكريه ولا المضجر ولكنه مشابه لوجبة سريعة من أحد المطاعم الموجودة على قارعة الطريق، فيلم يتركك -كمشاهد- بلا أي مساحة للتأمل في الشخصية حيث أننا نعرف في نهاية الفيلم أي موقف اختاره حاتم وأي رسالة يوجهها الفيلم بشكل واضح؛ رسالة وعظية تمامًا يظهر لنا مفادها في آخر مشهد في الفيلم والذي لا نعرف لماذا تم عرضه كمشهد من وراء الكواليس بمجاورة التترات.