«مشروع ليلى»: أبناء الليل الذين لا يشربون الشاي
المكان: التجمع الخامس كايرو فيستفال مول.
الزمان: الجمعة 22 سبتمبر/أيلول.
لم يكن أحد يتوقع حضور كل هذه الأعداد لحفلة غنائية تحييها ثلاث فرق، الظن العام أنها فرق شبابية لا تنتشر أغانيها سوى بين فئات قليلة من المستمعين الشباب، وخصوصاً محبي الغناء والموسيقى الغربية. ولكن يبدو أن هذه الفكرة ستبدأ في التغير تدريجياً. فبعد نسب المشاهدات المرتفعة على اليوتيوب لألبوم «كايروكي» والتي تنافس نسب مشاهدات ألبوم «عمرو دياب». تأتي حفلة لثلاث فرق هي «مشروع ليلى»، و«شارموفز»، و«المربع»يحضرها حوالي 25 إلى 35 ألف مستمع حسب التقديرات.
اقرأ أيضا:نقطة «كايروكي» البيضاء ومعركة الانحياز للجمهور
ومن خلال متابعة المقبلين على شراء التذاكر، يمكن الملاحظة بوضوح أن الفريق الأكثر ترقباً هو «مشروع ليلى». وتأكد هذا داخل الحفلة، فالاهتمام والتفاعل الأكبر كان مع الجزء المخصص لهم. وبعد الحفلة كان الجدل الأكبر بخصوص جزء «مشروع ليلى» كذلك. وعلى غير ما يشاع عن نوعية الحضور، لم تكن الحفلة احتفالية للمثليين جنسياً، بل كان الحضور من أطياف وتوجهات وقناعات مختلفة بل يمكن وصفها بالمتنافرة.
أكثر ما يميز فريق «مشروع ليلى» هو أنه يخوض تجربته الغنائية والموسيقية الخاصة بشجاعة، فكثير من المغنين والفرق الموسيقية المشابهة، والتي اشتهرت بين بعض الأوساط أثناء وبعد الثورة، لم ترد خوض تجربتها أو خاضتها بتحفظ شديد. وظل اعتمادهم على إعادة إحياء التراث وتقديم الأغاني القديمة بتوزيعات مختلفة.
لكن مشروع ليلى يتميز كذلك عن الفرق التي خاضت تجربتها الخاصة، بمحاولة تقديم شيء جديد في كل ألبوم، وعاكس لتجربة الكثير من الشباب العربي ورؤيتهم للحياة ومشاكلهم وحيرتهم أثناء صدور كل ألبوم. ومع تتبع ألبومات مشروع ليلى خصوصاً بعد الثورة، نجد أنها مرآة صادقة، للكثير من الصراعات التي تحدث داخل عقل وروح الكثير من الشباب العربي.
الحل رومانسي
في ألبوم «رقصوك» تأتي أغنية «للوطن» لتعبر عن تمرد «مشروع ليلى» على القيود السياسية الموضوعة، فكلمات الأغنية تتحدث عن المفارقة بين شعوب امتلكت مصيرها (عيرنا روض أعاصير)، وحالنا الضعيف (ونحن من النسيم منطير).
بعد ذلك تتحدث الأغنية على المسبب الرئيسي وهو الحكومات التي تستغل الخطاب الوطني لإسكات الأصوات المختلفة (بس تتجرأ بسؤال .. عن تدهور الأحوال .. بسكتوك بشعارات .. عن كل المؤامرات)
بعد ذلك تسخر الأغنية منهم في جملة (قالولك حاج تبشر تع رقصني شوية).
ربما تشبه الأغنية كثير من الأغاني التي خرجت بعد الثورة وتجابه بكلماتها القمع، ولكن يظهر الميل اليساري للفريق في كثير من أغانيهم الأخرى في ألبومات مختلفة التي تتحدث عن الوضع الاقتصادي مثل أغنية الحل رومانسي التي تبدأ (مش عارف إن كنت رجل أم مصرف آلي، بس الإيجار ياخي صاير سوبر غالي، تزوجني واقرأ انجلز في سريري).
إذن يمكن القول إن كلمات أغاني مشروع ليلي في الألبومات الأولى سواء قبل الثورة أو بعدها متمردة وتحاول إلقاء الضوء على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدنية التي يعيشها الشباب (في الحل رومانسي)، والكبار (عم أبومسعود)، والتمرد على القيود الموضوعة في العلاقات الإنسانية، كما في أغنية «فساتين» التي تحكي عن الصعوبات التي يواجها حبيان من أديان مختلفة، وتشير الأغنية للعلاقة الجنسية المتحررة بينهم.
من المظاهر الموسيقية التي اتبعوها في أغلب ألبوماتهم هي محاولة تطويع اللغة العربية لموسيقى الروك، ففي التاريخ الموسيقي العربي كان دائماً تتم محاولة تطويع الموسيقى للغة، ولكن كان اختيار مشروع ليلى مختلفا، وهذا جعل التجربة الموسيقية أكثر نضجاً، ولكن تطويع اللغة أدى لصعوبة فهم بعض الكلمات، وهذه أحد أهم المآخذ التي تقال دائما عليهم من الجمهور غير المحب لأغانيهم. ويتميزون كذلك بالعزف المنفرد للآلات وخصوصاً الكمنجة. والتصاعد الملحمي في الموسيقى. الموسيقى عامل أساسي وليس مكملاً في إيصال معنى الأغنية عند مشروع ليلي.
مغاوير بعصمة الليل:
في ألبومهم الأخير «ابن الليل» والذي يبدأ بأغنية «أيودي» وهي أحد الآلهة اليونانية التي تلهم الصوت والغناء، وفي الأغنية يناجيها أن تجعل كلماته تتنفس وأن تجازي العباد. ابن الليل هو ألبوم مختلف في موسيقاه وكلماته. حيث صدر بعد هزيمة ثورات الربيع العربي وصعود داعش وتحول الآمال لكوابيس.
يمكن وصف هذا الألبوم بأنه احتفالية بالهزيمة ودعوة للهروب.موسيقى الألبوم اعتمدت علي المقاطع والأصوات الإلكترونية أكثر من الروك، وقل الاعتماد على العزف المنفرد. كلمات الألبوم مقتبسة أما من قصص حقيقة أو أساطير يونانية أو دينية.
أغنية «جن» وهي أول أغاني الاحتفال بالهزيمة، صممت وكأنها دعوة لطقس ديني، حيث يلعب صوت «حامد سنو» دور الشيطان، مع موسيقي حافلة، وكأنه يعمدهم ليكونوا أبناء الهزيمة. ولكنه يعمدهم بالخمر والجين وينكر شرب الشاي والقازوزة، ويحمسهم لقبول المرحلة الجديدة بجملة (برلين ماصمدت ناولني وهبط).
وفي أغنية «إيكاروس» المقتبسة من الأسطورة اليونانية القديمة، عن الابن الذي تجاهل نصيحة أبيه، وكرر أخطاءه حيث حاول الهروب بجناح من الشمع فأذابته الشمس ووقع. وتنعكس هذه الأسطورة على هزيمتنا الحالية، فتتحدث الأغنية عن المشاريع والآمال التي يطويها الزمن، ويتكرر كل شيء حدث في الماضي. وتستمر الأغنية بالجمع ما بين هزيمة إيكاروس في الهروب وهزيمتنا في تحقيق الآمال والقيم التي سعينا من أجلها.
«مغاوير» وتعني شجعان، وهي أغنية مقتبسة من حوادث قتل في ملهى ليلي لبناني، مصممة الأغنية وكأنها دليل إرشادي وإرساء للقواعد الجديدة. تبدأ الأغنية بموسيقى عسكرية وتتصاعد الموسيقى الاحتفالية على صوت حامد سنو وهو يلقي تلك القواعد:
ثم يتباطأ اللحن ويظهر الحزن على صوت حامد والسخرية على صوت المرددين في مقطع:
يستمر بقية الألبوم على نفس الشكل حيث يتكرر إسقاط القصص على الهزيمة واليأس. ألبومات مشروع ليلى السابقة كانت تدعو للتغيير والتمرد بشكل صريح، ولذلك كانت تتكرر كلمات أغانيهم كثيراً بين الشباب الطامحين للتغيير مثل جملة (قوم نحرق هالمدينة ونعمر واحدة أشرف)، ولكن ألبوم ابن الليل تكمن محاولته للتغيير في استعراضه بؤس الهزيمة واليأس.
يبدو الألبوم وكأنه دعوة للهروب، ولكنه على جانب آخر قد يكون دعوة للتقبل اللحظي فقط، فالموسيقى والكلمات لعبت بذكاء على ضرورة رفض هذا العالم. فبينما تحتفل أغنية جن بالهزيمة، تأتي أغنية مغاوير وتدعو بشكل ضمني لرفضها ورفض أشكال عنفها.
وفي الفيديو كليب الأحدث لأغنية رومان، صمم الفيديو وكأنه احتفاء بالمرأة العربية وتقديس لها، حيث تظهر مجموعة من النساء يبدو من ملابسهن أنهن مختلفات في الديانات والأعراق. رغم الحزن الظاهر على وجوههن من القمع الواقع عليهن. تبدأ إحداهن في الرقص بجرأة ويتبعها بقية النساء.
إذن يخوض فريق مشروع ليلى دائما تجارب جديدة سواء في اختيار الموسيقى أو الكلمات، لا يبقون أنفسهم في المنطقة الآمنة، كما أنهم ينقلون دائما مشاعر الشباب ورغباتهم في التغيير المجتمعي والسياسي والاقتصادي. وآمالهم وإحباطهم، ولا يخشون الغناء وكسر أي تابوهات سواء جنسية أو دينية إلخ.