مارك كلاتنبرج: رجل كتب خطاب وداعه قبل أن يبدأ
قبيل مباراة الإياب بين برشلونة وبايرن ميونيخ في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2015، قرر مراقب المباراة المخضرم «بيرلويجي كولينا»استدعاء حكم المباراة مارك كلاتنبرج ليسأله عما إذا كان شاهد مباراة الإياب. أجاب مارك بأنه شاهدها أكثر من سبع مرات.
أشار له كولينا إلى تكتيك خفي استخدمه بايرن في الكرات الثابتة بالمباراة الأولى. كان تياجو ألكانتارا يتحرك بحيث يكون متسللًا ثم يعيق جيرارد بيكيه أطول لاعبي برشلونة.
كان تكتيكًا ذكيًا لدرجة أنهم استخدموه ست مرات خلال مباراة الذهاب دون أن يلاحظه أحد سواء من المحللين أو المشجعين. وفي الدقيقة 13 حصل بايرن ميونيخ على ركلة حرة وتحرك تياجو في منطقة الجزاء فوجد كلاتنبرج يصيح به: «أنا أراقبك».
حاول تياجو إعاقة بيكيه فصفر مارك بوجود خطأ وتحدث مع تياجو: «في كل مرة ستفعلها سأعاقبك». في هذه اللحظة اكتسب مارك كلاتنبرج احترام كل من في الملعب وأدرك حينها أن مسألة التحكيم تتعلق بدراسة أصغر التفاصيل.
في العام التالي أدار مارك نهائي بطولة اليورو ونهائي دوري الأبطال. وبعد ست سنوات أصبح الرجل الأول المسئول عن التحكيم في مصر ليخرج البعض ليشكك في الرجل بداعي أنه قليل الخبرات.
خبرات كلاتنبرج كانت عبر الاحتكاك بمستويات القمة في الكرة الأوروبية فهل يشفع له ذلك في إدارة التحكيم في مصر، دعنا نتناول المشهد بكافة تفاصيله.
حالة الإنكار
الاعتراف بوجود مشكلة هو أول خطوة لحل تلك المشكلة. تلك الجملة هي الأصدق تعبيرًا عن حال التحكيم خلال المواسم الماضية. خلال الموسم الماضي لعب التحكيم دور البطل في عدة وقائع جدلية. بعيدًا عن صحة أو خطأ تلك الوقائع لكن دعنا ننظر إلى إدارة الموقف من لجنة التحكيم ورئيسها السابق «عصام عبد الفتاح».
مع اختلاف تفاصيل تلك الوقائع كان رد لجنة التحكيم ثابتًا: «الحكم لم يخطئ على الإطلاق». قررت لجنة الحكام الوقوف في صف الحكام بشكل دائم ربما رغبة منها في إضفاء موقف قوة للحكام وتعزيز ثقتهم بأنفسهم لكن مع التبرير الدائم أصبح الأمر هزليًا للغاية.
كانت البداية مع الحديث عن أهمية احتواء اللاعبين وتقليل العقوبة طبقًا لمجريات المباراة. ثم تبرير سلامة موقف حكم آخر ألغى هدفًا عن طريق تقنية الفيديو بسبب عدم لعب ضربة حرة غير مباشرة من الثبات. يعلم الجميع عدم صلاحية الفار لمتابعة مثل تلك الأخطاء، لكن التبرير بسيط وهو كيف يقبل أي فريق احتساب هدف يعرف أنه غير صحيح.
يمكننا سرد أكثر من خمسة أمثلة أخرى والنتيجة ثابتة، تبرير دائم بأشكال مختلفة، القرار صحيح أو الهدف غير أخلاقي أو أننا أرسلنا الحالة للفيفا وأقرت بصحة قرار الحكم.
إنكار المشكلة لا يعني أنها لم تحدث وليس حلًا بالطبع. هذا ما يعرفه جيدًا مارك كلاتنبرج القادم من بلاد الإنجليز.
اعترفت لجنة حكام الدوري الإنجليزي الموسم الماضي في بيان رسمي بأخطاء تتعلق بمباراتين في الدوري الإنجليزي بينما خرج «الحكم مايك دين» ليؤكد أنه أخطأ من موقعه كمساعد حكم الفيديو في تعادل توتنهام هوتسبير مع تشيلسي بداية الموسم الحالي، حيث أقرّ أنه اتخذ القرار الخاطئ بشأن كريستيان روميرو ضد مارك كوكوريلا.
هنا العلامة الأولي لتحديد شكل المشهد القادم، يبدو أننا بصدد طريقة جديدة للجنة الحكام حيث سيعترف أحدهم بالخطأ، لكن هل سيتم تقبل ذلك الأمر في مصر. تلك هي العلامة الثانية.
ثروت سويلم: متخوف من كلاتنبرج الذي لا يعرف مصر
وكأن كل شخص يمثل مشكلة ما في إدارة كرة القدم في مصر. نحن هنا رفقة اللواء «ثروت سويلم» عضو رابطة الأندية ورجل المواءمات الأول الذي كرر أكثر من مرة عبر عدة مداخلات أنه متخوف من كلاتنبرج؛ لأنه لا يتفهم أن مصر لها طبيعة خاصة.
تلك الطبيعة تتمثل في أنه إذا ما قررت لجنة الحكام الاعتراف بخطأ ما، فقد يكون رد فعل النادي أعنف مما يتخيله كلاتنبرج نفسه. فعلى سبيل المثال إذا ما قرر أحد الحكام الاعتراف بالخطأ سيطلب النادي المتضرر على الفور إعادة المباراة وإذا لم يحدث سيقرر الانسحاب من الدوري وعلى الأغلب سيتم تسمية تلك النسخة من الدوري باسم الحكم المخطئ.
ربما هذا ما قصده ثروت سويلم العالم ببواطن الأمور في الكرة المصرية. وهنا تحديدًا تكمن المشكلة الأساسية أن المسئولين عن إدارة كرة القدم لا يمكنهم مواجهة سطوة الأندية.
مسئولية انتظام واستكمال المسابقة بحيادية ومن دون محاباة فريق ضد الآخر، وإقرار العقوبات اللازمة هي مسئولية اتحاد الكرة ولجنة الأندية لا التحكيم حتى وإن كان التحكيم هو المخطئ في المشهد؛ ذلك لأن طبيعة عمل الحكام تتضمن الخطأ بالضرورة. كل ذلك شريطة ألا يكون التحكيم أداة من أدوات اتحاد الكرة لتحديد شكل المسابقات في مصر.
يمكننا هنا تلخيص التخوف من كلاتنبرج على أنه تخوف من صدام محتمل مع رجل لا يفهم قواعد اللعبة في الكرة المصرية، فهل هذا الصدام يبدو وشيكًا؟
كلاتنبرج: صدام وشيك
إذا كان السؤال الأساسي يتعلق بقدرة كلاتنبرج على تحسين مستوى التحكيم في مصر، فالإجابة أن أي شخص مستقل عن إدارة كرة القدم في مصر قادرًا بالضرورة أن يحقق تحسنًا في مستوى التحكيم، ما بالك برجل فعل ذلك تجارب مماثلة في اليونان والسعودية.
بالنظر إلي كلاتنبرج نفسه سنجد رجلًا تصادميًا بلا شك. كان أول ما تعرض له من هجوم بعد توليه الإشراف على التحكيم في اليونان أنه يسند مباريات مهمة لحكام أجانب، وأنه يتعامل مع الحكام اليونانيين بشكل مجحف. لكن بعد أن تم اقتراع شاركت به الأندية حول استمرارية مارك في رئاسة لجنة التحكيم كانت النتيجة لصالحه بشكل ملفت.
هذا الرجل الذي يتذكر أنه خلال فعاليات مهرجان «شلتنهام الإنجليزي» ألقى مشجع لتشيلسي بلفائف النقانق في وجهه اعتراضًا على قراره بإحدى المباريات، لكنه في المقابل لم يهتم إطلاقًا لأنه يعرف أنه ربما يخطئ لكن من المؤكد أنه لا يتعمد الخطأ.
أما إذا قدر لك قراءة الكتاب الذي أطلقه في بداية العام الحالي فستعرف أنك رفقة رجل يسمي الأشياء بمسمياتها، يتحدث مارك أنه كان محبوبًا على أرض الملعب لكنه كان مكروهًا من قبل رؤسائه. فسر ذلك بأنه يعرف جيدًا كيف أن الأشخاص المحيطين بك لا يريدون لك النجاح لكنه يستمتع بالنجاح في تلك الأجواء.
بين رجل يدير منظومة التحكيم دون محاباة وتدليل ومنظومة كرة قدم تتخوف من انقلاب الرأي العام ضدها لا بد من حدوث صدام وشيك. دعني اترك لك مثالًا جيدًا لترى الأمور بشكل أوضح.
تحدثت بعض التقارير أن كلاتنبرج ربما يستعين بحكام أجانب في تقنية الفيديو ليعلق الحكم السابق رضا البلتاجي وهو أحد المؤيدين للرجل : «تلك رفاهية لا قيمة لها». رغم أن الدوري المصري في الموسم السابق لم يتضرر مثلما تضرر من حكام تقنية الفيديو.
هل رأيت الصدام الوشيك المقصود هنا؟ حسنًا أنا الآن أرى شيئًا آخر، إنه السيد «سمير محمود عثمان» يحضر أوراقه. فهذا هو دوره في تولي منصب رئاسة لجنة الحكام والأهم أنه يعرف جيدًا مصر والمصريين.