الإرهاب الأسمر: خريطة الجماعات الإرهابية بأفريقيا
تعد أفريقيا مركزًا لحوالي 64 منظمة وجماعة إرهابية ينتشر معظمها من أقصى الساحل الأفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، ساهم في ذلك الانتشار تداخل الأفكار المتطرفة مع التركيبة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والفراغ الأمني في تلك المنطقة.والمتتبع لتاريخ الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي يجده نشأ أولًا في الجزائر عام 1991 ثم انتقل إلى السودان ليعود مجددًا إلى جنوب الجزائر والتعمق في منطقة الساحل، التي أصبحت اليوم من أكبر البؤر للجهاديين في أفريقيا أجمعها.وفي أعقاب الثورات العربية، وخاصة سقوط ليبيا، ازدادت الأوضاع سوءًا حيث استغلت تلك الجماعات العمليات الكثيفة لتداول الأسلحة بين الفئات المختلفة في توفير إمدادات مستمرة من الأسلحة التي مكنتها من تنفيذ عمليات إرهابية ضخمة في كل من مالي ونيجريا وبوركينا فاسو، ذلك فضلاً عن ضعف الرقابة على الحدود الذي سمح لتلك الجماعات بالتنقل من بلد لآخر بمنتهى السهولة، يظهر ذلك جليًا في تقرير مركز «دراسات الإرهاب» بالولايات المتحدة الذي أكد ارتفاع نسبة الهجمات في منطقة الساحل وشمال أفريقيا خلال عام 2014 عن سابقتها بنسبة 25%.وأوضح التقرير الذي حمل عنوان «الإرهاب في منطقة الساحل وشمال أفريقيا سنة 2014» أن معدلات العمليات الإرهابية التي طالت تلك المنطقة عرفت ارتفاعًا منقطع النظير، حيث تعرضت لأكثر من 289 عملية إرهابية خلال 2014، ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 800%، مقارنة مع سنة 2001، وهي سنة توسيع تنظيم القاعدة لعملياته الإرهابية في مناطق مختلفة من العالم.
تطور مستمر
شهدت السنوات الماضية تطورًا كبيرًا في اتجاهات التنظيمات الإرهابية في فضاء الساحل والصحراء. فمن ناحية الإطار الفكري، أصبحت معظم تلك الجماعات تتبنى فكر إقامة دولة الخلافة، ويظهر ذلك جليًا في ازدياد ظاهرة مبايعة التنظيمات المحلية لنظيرتها الدولية، أبرزها مبايعة جماعة بوكو حرام لداعش وتجنيد مقاتليها ليقوموا بعمليات لداعش في أفريقيا بعد سنوات عديدة من التبعية الفكرية لتنظيم القاعدة، وهو ما يعكس أن التنظيمات الدولية تسعى لإقامة «حزام إرهابي» بشمال وغرب أفريقيا.
تطورت الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل بصورة بالغة فكريًا وتنظيميًا وحركيًا، وأخذ التطور ذروتها في ظهور النساء الانتحاريات.
كذلك فمن الناحية التنظيمية انتقلت تلك الجماعات من المجموعات الصغيرة التي تعمل بالنظام السري إلى كيانات تشبه الدول، لها هياكل سياسية واقتصادية وعسكرية ولوجيستية، إذ أنها تعتمد على المركزية في تنظيم تحركاتها بحيث تجد القيادة العليا والوحدات الميدانية والوحدة الإعلامية والاتصالات ومصادر التمويل.كما شهدت قدرات وإمكانيات تلك الدول تطورًا مخيفًا، وانتقلت من تنفيذ عمليات مثل«الاختطاف – الاغتيال – التخريب» والتي تتطلب الأسلحة الخفية والعبوات ووسائل الاتصال المحدودة، إلى القدرة على مواجهة القوات النظامية في معارك بالأسلحة المتوسطة والثقيلة ووسائل الاتصال المتقدمة ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.الملاحظة الأبرز تأتي في التحول النوعي والمادي في إستراتيجية هذه التنظيمات بظهور «النساء الانتحاريات»، حيث بدأت الميليشيات في استخدام النساء في العمليات الإرهابية، وهو الأسلوب الذي استخدمته حركة بوكو حرام في عملياتها شمال نيجيريا ومناطق من الكاميرون.
خريطة متشعبة
تسيطر على منطقة الساحل الأفريقي حاليًا 5 مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، يأتي على مقدمتهم:
هناك 5 مجموعات إرهابية تعد هي المسيطرة بصورة أسياسية على النشاط الإرهابي في الساحل الأفريقي على رأسها بوكو حرام.
بوكو حرام:
نشأت تلك الجماعة في مدينة ميدوجوري في عام 2002، وبوكو حرام تعني «التعليم الغربي حرام»، لذا اتجهت تلك الجماعة إلى مناهضة انتشار التعليم الغربي الذي ألحق الضرر بآلاف المسلمين الذين يعانون البطالة والتهميش وكانت تضم في أولها مثقفين وأكاديميين.من هنا جاءت مواجهتها للحكومة، ومع استمرار اعتماد الدولة على المسار الأمني من دون غيره تصاعدت أعمال العنف من الجهة الأخرى حتى تحولت الجماعة لتنظيم متطرف وعنيف.
حركة أنصار الدين:
أنشأ تلك الجماعة «إياد أغ غالي» وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل الايفوغاس الطوارقية التي قادت التمرد المسلح ضد القوات المالية في بداية تسعينات القرن الماضي، وبعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة المالية والمتمردين الطوارق عام 1992 عمل قنصلًا عامًا لجمهورية مالي في جدة لكنه عاد إلى أزواد واتخذ من سلسلة جبال اغارغا مقرًا له.عقب سقط نظام القذافي، فر المقاتلون «الطوارق» الذين قاتلوا بجانبه إلى إقليم الأزواد محملين بترسانة من الأسلحة، أغرتهم لإعلان التمرد على الحكومة المركزية في باماكو تحت قيادة «إياد أغ غالي» ،حيث أطلق على جماعته «أنصار الدين» ورفع راية القاعدة السوداء مطالبًا بتطبيق الشريعة الإسلامية وإعلان الحرب على الحكومة المالية والجيش الفرنسي.
حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا:
ظهرت الحركة إثر انشقاق قادتها على تنظيم القاعدة، وتأسيس كتائب خاصة بالمقاتلين من أبناء القبائل العربية في أزواد أسوة بسرية «الأنصار» في تنظيم القاعدة التي تضم المقاتلين الطوارق.وأعلنت الحركة أول بيان لها في أكتوبر 2011، وتوصف بأنها «الجماعة الإرهابية المسلحة الأكثر إثارة للرعب في شمال مالي».
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي:
هو امتداد للجماعة السلفية للدعوة والقتال التي انشقت عن الجماعة الإسلامية المسلحة في عام 1997 اعتراضًا على استهداف الجماعة للمدنيين، وتركزت أعمال الجماعة في البداية على المواقع العسكرية، ولكن مع الاحتلال الأمريكي للعراق تحولت للقيام بأعمال خطف الأجانب، ثم اتخذت أعمالها أبعادا إقليمية خاصة بعد إعلان أيمن الظواهري عن تحالف القاعدة مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، لتتحول إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
حركة شباب المجاهدين في الصومال:
تأسست الحركة في أوائل 2004، بعد أن انشقت عن اتحاد المحاكم الإسلامية الذي انهزم أمام القوات التابعة للحكومة الصومالية المؤقتة وتتبع فكريًا لتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أيمن الظواهري.يترواح عدد أعضائها بين 3000 إلى 7000 عضو، يتلقون تدريبات في إريتريا حيث يقيمون لستة أسابيع في دورة يكتسبون خلالها مهارات حرب العصابات واستخدام القنابل والمتفجرات.
مراكز التجنيد
تؤكد العديد من التقارير الاستخباراتية الغربية أن أعداد الشباب داخل هذه التنظيمات تصل إلى 43 ألف مقاتل، وأن قرابة نصفهم يمتلكون قدرات قتالية عالية.وتوضح التقارير أن شبكات التجنيد تنتشر على امتداد مدن دول الإقليم، حيث يتواجد وسطاء التجنيد في قرابة 4 آلاف مدرسة ومعهد ومؤسسات دينية ذات طابع خيري ودعوي، وتتركز هذه المدارس والمعاهد في مدن: نواكشوط، ونواذيبو، وروصو، ومنطقة الحوضين في موريتانيا، كيدال، ومنكا، وتمبكتو، وتاوديني، وغاو، وليري، وموبتي في مالي، وفي نيامي، وزندر، وأغاديز، وأرليت في النيجر، وفي نجامينا، وأبشا، وفايا في التشاد، وفي واغادوجو، وبوبو، ديولاسو، ودوري، وهفويا، وتوغان، ونونا في بوركينافاسو.ويكون وسطاء التجنيد في العادة من أبناء البلد يتكلمون اللهجات المحلية، وعلى صلة بالمجتمعات الأهلية الأفريقية؛ وذلك لتسهيل الانتشار من جهة، وعدم لفت الانتباه وتجنبًا للملاحقة.