مانويل نوير: هذا هو حارس ألمانيا في المونديال
مع كل قصة جديدة لسلسلة أفلام الخيال العلمي «الرجل الوطواط – Batman» ينتظر جمهور السينما بفارغ الصبر العرض الأول لرؤية بطلهم الخارق من جديد بعد غياب. ينتظرون مشاهدة بطلهم الوسيم الذي يتسم بالهدوء، قوة الإرادة، النبل والشجاعة، والجنون في بعض الأحيان. البطل الذي يسعى لتأمين حياة سالمة لسكان مدينته، ويحاول بشتى الوسائل الدفاع عن المدينة من المخاطر الممكنة لكي تبقى في أبهى صورة ممكنة، خالية من الأشرار وناعمة بالعدل والأمان.
في عالم موازٍ لعالم السينما، يوجد بطل خارق يحمل المواصفات ذاتها إن أمكن القول، وينتظر جمهور الكرة عودته بعد غياب طال لأشهر. فإن أردنا الحديث عن حارس المرمى الأفضل الذي يحمل الأفكار التي يتبناها الرجل الوطواط، فأول اسم سيتبادر إلى ذهنك هو الحارس الألماني «مانويل نوير» بلا أي تردد أو تفكير مسبق. فمانويل يحمل ذات الجنون والإرادة والشجاعة عندما يريد حماية مرماه من هجمات الخصوم. يحاول تجنب الأخطار قبل حدوثها، حتى لو كانت الوسيلة التي يريد فيها منع فرص التهديف شديدة الخطورة على مرماه.
الكرة أولًا.. شالكة أولًا
بدأت مسيرة مانويل في كل مكان تواجدت فيه الكرة، فحيث تواجدت الكرة تواجد الطفل الصغير. كان يجب دائمًا أن يكون هناك كرة، بدون مانويل لا الكرة، وبدون الكرة لا مانويل. لا يوجد مكان آمن من مانويل. كما يصف شقيقه «مارسيل» بأن كرة القدم كانت محور حياته منذ سن مبكرة. بعد المدرسة مع الأصدقاء في ملعب كرة القدم، في الشارع، في الحديقة، في غرفة المعيشة، ما أدى إلى استياء والدتهما كثيرًا. أدرك مانويل مبكرًا أين يكمن شغفه. ربما لم يفكر في احتراف اللعبة آنذاك، لكن كان يعرف بأن الكرة ستكون رفيقة دربه على الدوم.
بالنسبة له كان «شالكة» شغفه الكبير منذ الصغر. في كثير من الأحيان كان يتواجد هناك في الملعب، ودائمًا في المقاعد الأمامية لألتراس النادي، بجوار رئيس الرابطة الذي يحمل الميكروفون. كمشجع ولاعب، كان مانويل ينتمي للأزرق الملكي بكافة جوارحه.
يقول مارسيل بأن الصدفة هي من جعلت من أخيه حارسًا بدلًا من أي مركز آخر. فعندما فكر في كيفية بدء مسيرته في النادي في الأساس. في يومه الأول في النادي ضمن صفوف الأشبال، كان الفريق يفتقر إلى حارس مرمى، كانت كل الصفوف مكتملة. أراد مانويل اللعب بأي طريقة كانت، وأن يكون جزءًا من الفريق. لذلك قرر بشكل تلقائي أن يقف بين الخشبات. إذا كان الظهير الأيمن شاغرًا، لربما كان ظهيرًا أيمن اليوم.
نهج جديد
كرة القدم الألمانية بشكلها الحديث أصبحت أكثر سرعة بعد التعديلات التي أدخلها الاتحاد الألماني على النظم التدريبية في الأكاديميات، واللاعبون يشبهون أحدث السيارات الرياضية التي تتجدد مع كل عام. كرة سريعة وأنيقة وأكثر قوة من أي وقت مضى. هجوم شامل من العمق والأطراف، وضغط دفاعي مستمر؛ لذلك دعت الحاجة لوجود حراس مرمى من نوعية مختلفة. حارس لا يقتصر دوره على ردة فعل مميزة وتصدٍّ خيالي ودور قيادي فقط، بل ما هو أكثر من ذلك بكثير.
يقال دائمًا بأن هناك خيطًا فاصلاً رفيعًا ما بين النظام والفوضى، ولكي تؤسس نظامًا جديدًا يجب أن يكون هناك قواعد أساسية وصلبة للبناء عليها، ولا يوجد في اللعبة حراس كثر قادرون على تقديم هذا الدور المطلوب كما نوير. غيّر مانويل هندسة اللعبة بعض الشيء، كان المفهوم الأوسع لحراسة المرمى يعتمد على حمايته لمرماه، وليس أن يكون حجر أساس في خطة الفريق الهجومية، أو يكون على قائمة أكثر الممررين في قوائم الإحصائيات.
بشكل أو بآخر فإن الألماني صاغ تعريفًا جديدًا لحراسة المرمى لم يكن معهودًا في اللعبة سابقًا. لأن نوير يمتلك التقنية والقوة الذهنية اللازمة لتطبيق ما يريد، وكان دائمًا من بين النخبة عندما يتعلق الأمر ببناء الهجمات أو إيقافها والسيطرة على منطقته حتى لو كان بعيدًا عن مرماه.
مانويل نوير متحدثًا عن مدربه في الصغر.
خارج الصندوق، حرفيًا!
بطبيعة الحال هناك شيء مميز بغض النظر عن قيادته للملعب من الخلف، والتناغم مع زملائه في تدوير الكرة وفتح المساحات وإتاحة خيارات أكثر للتمرير، لكن ظهوره على الخارطة الحرارية التي تحدد أماكن لمس اللاعبين للكرة كان أمرًا غير مألوف. حتى ذاك الرجل الذي ابتكر هذه الخارطة لم يفكر بأن حارس المرمى سيكون له دور في خارطته.
عندما ينطلق نوير من منطقته ويتحدى المفهوم القديم لحراسة المرمى، لا يمكن أن يكون للصدفة والحظ مكان في هذه المعادلة. فالأمر يحتاج إلى دقة لا متناهية في القراءة والتنفيذ. للوهلة الأولى تشعر بأنها حيلة في سيرك أو برنامج لألعاب الخفة.
Here it is, the most talked about heat map in history. Manuel Neuer. #GER pic.twitter.com/6cHthWZU2E
— Squawka (@Squawka) June 30, 2014
مرارًا وتكرارًا، شاهدنا هذا الجنون العقلاني للحارس الألماني، وخاصةً في نهائيات كأس العالم الماضية. فمع تقدم الخط الخلفي للمنتخب الألماني للأمام من أجل تطبيق الضغط العالي، تعرض نوير لوابل من الهجمات في العديد من المباريات، وخاصة خلال مواجهة المنتخب الجزائري في الدور الثاني من البطولة. تمريرات طويلة من مدافعي محاربي الصحراء إلى المهاجمين تصدى لها الألماني بسرعة البرق قبل أن تصل الكرة إلى «سليماني» «فيغولي». كان نوير يخوض غمار الحرب وحيدًا وبعيدًا عن قواعده بمسافة تقدر بـ 30 مترًا من مرماه.
سجل الحارس الذي أكمل منذ أيام عامه الـ32 ركلة جزاء في نهائي دوري أبطال أوروبا 2012 ضد تشيلسي،وقال خلال بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 2016 إن مهمته في المقام الأول إيقاف الركلات المسددة، لكن إذا كان الآخرون متوترين وغير مستعدين، لن يتردد في تنفيذ إحداها. ربما يكون مانويل نوير الحارس الأكثر رعبًا في تاريخ كرة القدم، يتميز بطول فارع وردة فعل مميزة، ممرر ممتاز ومسدد لركلات الجزاء ومتصدٍ جيد لها. بلا أدنى شك ما يملكه مانويل نوير لا يمكن تأطيره تحت مسمى حارسٍ للمرمى فقط.