الإدارة بالأهداف في وقفيات الأميرة فاطمة
تضمنت وقفيات البرنسيس فاطمة أغلب ما يعرف حديثًا بـ «شروط الإدارة بالأهداف ومبادئها». وقد تبيَّن لي من وثائق وقفيات الأميرة أن أغلب معايير حوكمة المؤسسات بمعناها المعاصر ليست سوى أفكار قديمة في أثواب جديدة، كما تبين أن الأميرة ومستشاريها كانوا على درجة عالية من الوعي وبعد النظر في تدبير المؤسسات الوقفية.
من تلك الشروط التي تضمنتها حجج وقفيات الأميرة ما نصت عليه في حجة وقفيتها الصادرة من محكمة مصر الشرعية في سنة 1913م وهو: أن يُوضع 22 سهمًا من صافي ريع الوقف سنويًّا بمعرفة مَنْ يكون ناظرًا على هذا الوقف بأحد «البنوك» المشهورة والمعتبرة بمصر المحروسة، وذلك المبلغ يُوضع أمانة على ذمة الوقف، ليُشترى به أطيان وتلحق بهذا الوقف، ويكون حكمها كحكمه، وشرطها كشرطه. ومن شأن هذا الشرط أن يوفر احتياطيًّا لتعزيز أصول الوقف، ومِن ثَمَّ زيادة إيراداته على مر السنين، فضلًا عن أن هذا الإجراء في حد ذاته يعد مظهرًا من مظاهر تجديد آليات الوقف وتحديثه، أقصد: إيداع فوائض الريع في البنوك الحديثة، وقد أدرجت البرنسيس هذا التجديد بتلقائية ودون تكلف؛ حيث إن نظام الوقف كان قيد التطبيق العملي والممارسة الاجتماعية، ولم يكن هناك لغط حول شرعية فوائد البنوك من عدمها.
واشترطت البرنسيس أيضًا أنه إن تعذَّر الصرف على جهة من الجهات التي حددتها في حجة الوقف، يُضمَّ ما تعذر لأصل الوقف ويصرف مصرفه، وإن تعذر الصرف على ذلك جميعه، صُرف ذلك للفقراء والمساكين من المسلمين أينما كانوا وحيثما وجدوا.
وشرطت كذلك أن يُبْدأَ من ريع الوقف جميعه بإصلاح وبناء ما يلزم بناؤه من العِزَب (جمع عزبة، وهي تجمع ريفي صغير ملحق بالقرية) وغير ذلك. وفي دفع ما عليه من الأموال والمطاليب الميرية، وما فيه البقاء لعينه، والدوام لمنفعته. وأن يُصرف من ريع عموم الموقوف كافة ماهيات المستخدمين بإدارة هذا الوقف، من وكيل إدارة، والباشكاتب، والكتبة، والسعاة، والفراشين، ومستخدمي الزروعات على اختلاف وظايفهم ودرجاتهم، والخفراء والمراقبين، وغير ذلك مما تدعو إليه الحالة في كل حين، ومشترى كافة الدفاتر والأوراق والمداد وجميع أدوات الكتابة، وما يلزم لإدارة الوقف والزروعات أيًّا كان نوع ما يلزم لذلك.
ومن شروطها أيضًا تخصيص مبالغ لأعمال الترميم والتجديد:
ومنها: أنه إذا حصل من أحد منْ المستحقين في هذا الوقف، إن كان موظفًا بإدارة أوقاف الواقفة، خيانة في الوقف، أو عدم استقامة في أشغال إدارة هذا الوقف وفروعه، وثَبُت على من وقع منه شيء من ذلك ثبوتًا قانونيًّا، يكون محرومًا من استحقاقه في هذا الوقف، ومطرودًا منه، وحينئذٍ يصرف استحقاقه لمن هو مشروط له من بعده على فرض موته.
ومن شروطها أيضًا أن ناظر الوقفِ عليه أن يصرفَ استحقاق المستحقين في هذا الوقف إليهم أينما كانوا، سواء كانوا بالديار المصرية أو غيرها، ما داموا على قيدِ الحياة، ومن كان من المستحقين في هذا الوقف خارجًا عن مصر المحروسة، ومقيمًا بأي جهة كانت، يرسل الناظر على هذا الوقف استحقاقه إليه بعد خصم نولون ومصاريف الإرسال. وعلى جميع المستحقين في هذا الوقف أن يقدموا أنفسهم سنويًّا لناظر الوقف ليتحقق من وجودهم على قيد الحياة، أو يقدموا له ما يثبت وجودهم على قيد الحياة بأوراق أو شهادات مصدق عليها من جهة الحكومة الموجود هو بها، ومن يتأخر عن تقديم تلك الشهادة، أو الأوراق، ولم يثبت وجوده أمام ناظر الوقف، لا يُصرف له استحقاقه؛ إلا إذا قدم ما ذُكر في مدة ثلاثة شهور، فإن مضت المدة المذكورة ولم يقدم ما يثبت وجوده على قيد الحياة على الوجه المشروح، يحرم من استحقاقه، ويصرف لمن هو مشروط له من بعده، على فرض موته.
وعند حصول مرض لأحد المستحقين يمنعه عن الحضور لمحل إدارة الوقف لاستلامه استحقاقه، ولم يكن له وكيل شرعي في استلامه استحقاقه، فعلى ناظر الوقف أن يعين اثنين معتمدين لهما معرفة بالمريض المذكور شخصيًّا، من نفس المستحقين في هذا الوقف لمعاينة المريض المذكور، وتقديم شهادة منهما عن حقيقة مرضه تحت مسئوليتهما، وحينئذٍ يرسل الناظر لذلك المريض استحقاقه بمنزله بمعرفة من يعينه لذلك، الذي عليه بعد أن يُسلم المريض استحقاقه، أن يأخذ منه إيصالًا بالاستلام، ويقدمه لناظر الوقف المذكور. وإذا ظهر عدم صحة شهادة من تعيَّن لمعاينة المريض، وتحقق لناظر الوقف من الإجراءات التي أجراها رسميًّا كذب ما جاء بتلك الشهادة التي قدمت ممن عاين المريض المذكور، فيكون كل من الموقعين عليها والمحررين لها محرومين من استحقاقهم في الوقف المذكور، وحينئذٍ يصرف ما كان يصرف لهم لمن هو مشروط له من بعدهم، على فرض موتهم.
وماذا يحدث بعد وفاة الأميرة؟
في تلك الحالة اشترطت أن كل واحد من المستحقين وزوجاتهم وأولادهم في هذا الوقف عليه أن يقدم لناظر الوقف كشفًا باسمه واسم زوجته أو زوجاته وأولاده ذكورًا وإناثًا وأسمائهم وألقابهم، ومعرفة إن كان بزوجاته حملٌ أم لا؛ ليُقيِّد الأسماء الواردة بذلك الكشف بدفتر إدارة الوقف الذي يُخصَّص لذلك بعد أن يتحقق من صحة ما جاء بالكشف؛ سواء كان من شهادات المواليد أو تطعيم الجدري، أو غير ذلك، مما يدل على صحة ما بالكشف المذكور من وجود الأولاد المذكورين به على قيد الحياة، وكل ولد يولد للمستحق المذكور ذكرًا كان أو أنثى من الثمانية أشخاص الذين يستحقون هم ومن بعدهم زوجاتهم وأولادهم في هذا الوقف، فعلى الوالد المذكور أن يقدم كشفًا لناظر الوقف المذكور باسم المولود ولقبه وشهادة الميلاد الرسمية، ومتى تحقق ذلك لناظر الوقف أمر بقيد اسم ذلك المولود ضمن عائلة ذلك المستحق، وهكذا.
وعند وفاة واحدة من الزوجات أو الأولاد أو البنات ممن يستحقون في هذا الوقف على الوجه المشروح أعلاه، فعلى المستحق الأصلي أن يُخطِر ناظر الوقف بوفاة منْ توفي، ويُقدِّم له شهادة معتبرة تدلُّ على وفاة المتوفى المذكور بتلك الشهادة، ومتى تحققَ لناظر الوقف صحة ذلك، أمر بالتأشير أمام اسم المتوفى بالدفتر المُقيَّد به، بوفاته وتاريخ الوفاة، وهكذا في كل منْ يتوفى ممَّن ذكروا.
أمَّا إذا توفي نفس الشخص المستحق في الوقف والذي يئول نصيبه لزوجته وأولاده من بعده، فعلى أكبر أولاده واحدًا كان أو أكثر، أو زوجته أو زوجاته، أن يخبروا ناظر الوقف بوفاة ذلك الشخص، وعن تاريخ وفاته، ثم يقدمون له شهادة معتبرة تدل على الوفاة، ومتى تحقق لناظر الوقف صحة ما جاء بالشهادة المذكورة، كلفهم ذلك الناظر بتقديم إعلام شرعي بوفاة ذلك المتوفى، وانحصار إرثه في ورثته، ليعلم منه أسماء زوجته أو زوجاته وأولاده المتوفى عنهم، الذين يستحقون حقه من بعده، وفي هذه الحالة يصرف لهم ناظر الوقف ما كان يصرف للمتوفى في حال حياته، وكل هذه الإجراءات تعتبر معطيات تجديدية وتحديثية لم تكن معروفة في تقاليد الوقف في الأزمنة السابقة، وكان الهدف منها التثبت والتدقيق في صحة البيانات.
وإذا توفي واحد من المستحقين في الوقف ولم يحصل إخبار من أحدٍ لإدارة الوقف أو لناظر الوقف عن وفاة ذلك المتوفى، ومضى مدة شهر على ذلك، فكل واحد يبادر بإخبار ناظر الوقف أو إدارة الوقف عن وفاة المتوفى المذكور قبل غيره يُصرف لذلك المخبر بعد التحقق من صحة أخباره قيمةُ مرتب ذلك المتوفى شهرًا واحدًا، مكافأة له على إخباره هذا إن كان لذلك المتوفى استحقاق شهر متأخر، أو كان من المستحقين الذين يئول استحقاقهم من بعدهم لزوجاتهم وأولادهم. أمَّا إذا كان ذلك المتوفى من المستحقين مدة حياتهم، وكان له أقل من شهر، فقيمته ما يستحقه لحد يوم وفاته، يصرف لذلك المخبر الأيام التي له، كل ذلك بعد التحقق من صحة الأخبار على وجه ما ذُكر.