مان يونايتد 2-0 تشيلسي: السيد جوزيه يلقي حجرًا في الماء الراكد
ربما ظن كونتي كما ظننا نحن بأنّ قضية الصراع على الصدارة قد انتهت وأصبحت مسألة محسومة بعد تخطيه عقبة أرسنال ومانشستر سيتي، وأن طريقه إلى اللقب قد أصبح سالكًا بلا أي عقبات. وربما اعتقد كونتي بأن الوضع قد استتب وأن النهر الجاري قد خف جريانه و تحول إلى مستنقع راكد، لكن تلك الحجرة التي ألقاها مورينيو اليوم حركت هذا المستنقع الراكد، وعكرت صفو كونتي وأفاقته من الأحلام التي تراوده، وبكل تأكيد ستجبره على النهوض للعمل مجددًا خوفًا من وقوعه فريسة في براثن المترصدين.
أما مورينيو، فاسترد جزءًا من دينه القديم مع كونتي وأحيا آماله بالوصول إلى مقعد يضمن له المشاركة في دوري الأبطال، ولم يكتف بآماله فقط، بل إن هذه الحجرة كان لها وقع مزدوج، بعد إشعالها المنافسة مجددًا و إعادة الأمل للسبيرز الذي كان يعقد الآمال على الشياطين الحمر، ومورينيو لم يخيب الظن على الإطلاق.
في الماضي القريب – صراع خارج البقعة الخضراء
في المواجهتين السابقتين تبين لنا أن العلاقة بين جوزيه وأنتونيو لم تبدأ بشكل جيد في إنجلترا، وأن الأجواء سادها الكثير من التوتر والاستفزاز. مورينيو وكونتي أظهرا لنا أن الصراع بين مانشستر يونايتد وتشلسي لن ينحصر في أرضية الملعب فقط، بل سيمتد تأثيره إلى خارج البقعة الخضراء.
في مواجهة الذهاب خيم الهدف المبكر لتشلسي بظلاله على اللقاء، وأظهر يونايتد بلا شخصية على عكس ما عودنا مورينيو في اللقاءات الكبرى، وفي الخارج شاهدنا مورينيو يهمس بأذن كونتي طالبًا منه عدم المبالغة في الاحتفال لشعوره بالإهانة. وفي مواجهة الكأس رأينا الصراع المحتدم بالكلمات فيما بينهما بعد اعتراض كونتي على الخشونة الكبيرة من لاعبي يونايتد، لكن خلال المؤتمر الصحفي حاول المدربان التهدئة وإصلاح ذات البين بينهما، وأكدا على الاحترام المتبادل وأن كل ما يحصل يدخل ضمن فصل الصراع الرياضي.
طموحات متشابهة وغايات مختلفة
دخل المدربان الجولة وفي مسدسهما رصاصة واحدة غايتها إصابة الهدف وتحقيق النقاط الثلاث. يبدو أن الطموح واحد لكليهما، لكن الغايات كانت متباينة إلى حد كبير، فكونتي كان يسعى لتفادي مشقة الحاجز الأخير بسلام وضمان الفوز للاطمئنان بشكل أكبر على الصدارة. أما مورينيو جهز العدة لدخول المرحلة الأصعب والأكثر خطورة في تاريخه الكروي ربما، فلقاء اليوم كان بمثابة حجر الأساس للموسم المقبل، وأي نتيجة سلبية ستجعل كيان يونايتد أكثر وهنًا وضعفًا.
صافرة البداية
الرحلة إلى بلجيكا أثرت على خيارات البرتغالي، فعلى الرغم من صعوبة المنافس وأهمية اللقاء، دخل مورينيو المباراة بتشكيل يخلو من أسماء مهمة كإبراهيموفيتش ومختاريان وكاريك، ويبدو أن جوزيه فاضل بين خياراته وأيقن أن الطريق الأسهل لدوري الأبطال يمر من أندرلخت وليس تشيلسي. أما كونتي دخل المباراة منقوصًا من أهم عنصرين في ثوابته الدفاعية، حيث خسر خدمات كورتوا قبل المباراة بيوم، وفجع بخبر إصابة ألونسو خلال عمليات الإحماء، ليجد نفسه مجبرًا على الدفع بكورت زوما في الدفاع ونقل أزبيلكويتا إلى خط الوسط لتعويض غياب ألونسو.
الصراع يعود لأرض الملعب
بعد النظر لتشكيلة مورينيو، يتبادر إلى أذهاننا في الوهلة الأولى أن البرتغالي اعتمد المقاربة الدفاعية كعادته في المواعيد المهمة وسيلجأ لركن الحافلة أمام مرماه، لكن مورينيو استغل غياب ثقيل الحركة إبراهيموفيتش بالشكل الأمثل وفاجأ الجميع بتطبيقه للضغط العالي على مدافعي تشيلسي والمراقبة اللصيقة لجميع العناصر الفاعلة في تشكيلة البلوز. مورينيو قرر الابتعاد عن الصراعات على الخطوط الخارجية ووضع تركيزه الكامل في المستطيل الأخير، ونتج عن ذلك هدف مبكر جاء في الدقيقة 7 بأقدام الشاب راشفورد بعد تمريرة مميزة من هيريرا أحد أهم عناصر يونايتد في الموسم الحالي. والمميز أن مورينيو لم يقرر العودة إلى الخطوط الخلفية بعد الهدف، بل أمضى قدمًا فيما بدأ به، و استمر بتطبيق الضغط العالي بسبب قدرة خياراته على تطبيقه بشكل مميز، فسرعة كل من لينجارد وراشفورد ويونج ساهمت بتعطيل أدوات تشيلسي مما أدى إلى ظهور البلوز بشكل متواضع وهزيل في الشوط الأول.
الخريطة الحرارية لخماسي وسط الملعب بمانشستر يونايتد والتي توضح أسلوب الضغط العالي خاصة ناحية اليمين، المصدر: www.whoscored.com
كونتي يبدو أنه فقد توازنه بعد الإصابات التي تعرض لها كورتوا وألونسو، ويبدو أن الإيطالي لم يحضر فريقه بشكل جيد للمباراة رغم حساسية توقيتها ونتيجتها، و الهدف المبكر أثبت ذلك، أو ربما أوحى لنا بأن كونتي لم يتوقع هذا الضغط المبكر من مورينيو، لكن تشيلسي فقد بعض ثباته في المراحل الأخيرة، فأصبح دفاعه أكثر عرضة للتهديد والتسجيل، وهجومه لم يعد مزعجًا كما كان الحال في السابق، وخفت فعاليته وأصبح يعتمد على الكرات الثابتة أو أخطاء الخصم للتسجيل. تشيلسي أنهى الشوط الأول بدون أي تهديد لمرمى دي خيا، و هذا عائد للمعاناة الكبيرة بإخراج الكرة من الخلف، فخيارات كونتي لم تكن موفقة وخاصة باعتماده على موسيس في الجهة اليسرى، وهذا ما عطل الجبهة اليمنى للبلوز بسبب عدم تفاهمه الكبير مع هازارد، وأظهر أهمية تواجد ألونسو خلف البلجيكي، فأدواره الدفاعية ومساهمته الهجومية وتسدايداته الصاروخية أراحت كونتي كثيرًا في العديد من المباريات.
و مع الهدف الثاني الذي أتى بأقدام هيريرا في الدقائق الأولى للشوط الثاني، تبين أن مورينيو قد أعاد ضبط الأمور كما جرت العادة، إظهار الشخصية الحقيقية في أصعب الأوقات وأحلكها، مباراة مميزة على الصعيد التيكتيكي ذكرتنا مجددًا لماذا أطلق عليه لقب الاستثنائي، وعرض فني أعاد الثقة لجماهير أولد ترافورد بعد سلسلة 3 تعادلات متتالية في مسرح الأحلام.
لا تدع الفرصة تفلت منك
إن كان هناك نصيحة يجب توجيهها لكونتي ومورينيو بعد نتيجة اليوم، فلا يوجد ما هو أفضل من شحذ الهمم وتشجيعهما على التشبث بما بين أيديهما، كونتي ورغم اقتراب السبيرز من الزعامة يجب عليه أن يبقي على هدوئه المعتاد ما قبل المباريات للحفاظ على الصدارة، وسيساعده على ذلك سهولة المواجهات المتبقية لإكمال طريقه نحو درع الدوري، فأمامه امتحان وحيد وهو تخطي عقبة ايفرتون، و إن ضمن الانتصار فاللقب سيكون من نصيبه بلا أدنى شك.
أما مورينيو، يبدو أنه يحاول إنهاء الفصل الأول من عقده بشكل أفضل مع اقتراب نهاية الموسم، ووضعه السابق أجبره على التفكير بشكل عميق والتواصل مع الجميع لإيجاد حلول مضمونة للخروج من موقفه السيئ في الدوري، فانتصار اليوم بمثابة ضوء للخروج من النفق، وعليه أن يفكر بأن لديه فرصة وحيدة للوصول للأبطال وليس فرصتين، فالإنهاء ضمن الأربعة الكبار بعد كل هذا العناء خلال الموسم سيشكل دفعة أكبر له وللجميع داخل النادي. مورينيو يجب أن يستمر بالثقة ذاتها التي أظهرها اليوم، وعليه ألا يتخلى عنها لأي حسابات أخرى.