رجل المرحلة: أبو هشيمة وحلم العودة إلى عصر الصوت الواحد
في الفترة التي تلت بلوغ جماعة الإخوان المسلمين للحكم، برزت وجوه من رجال الأعمال الذين صاروا مرافقين للرئيس السابق «محمد مرسي» في جولاته الخارجية. كان أبو هشيمة أبرز هذه الوجوه، هذا إلى جانب عضوية أبو هشيمة في جمعية رجال الأعمال المسماة «ابدأ» التي أسسها رجل الأعمال المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين «حسن مالك».
ويعد حصول أبو هشيمة على توكيل الحديد والصلب هو السبب الرئيسي وراء مرافقته للرئيس السابق محمد مرسي.
ومع سقوط جماعة الإخوان المسلمين من على سدة الحكم، تبرع أبو هشيمة بأموال طائلة للنظام؛ في مسعى منه للتبرؤ من علاقته السابقة مع الجماعة، والتي شملت حملات ترويجية لنظام ما بعد 3 يوليو/تموز 2013، في الولايات المتحدة الأمريكية، عبر استئجار صفحات خاصة بالصحف الأمريكية ونشر إعلانات ترويجية للسيسي، بجانب المساهمة في مشروعات القرى الفقيرة بجنوب الصعيد.
كما شمل هذا الدعم أيضًا تمويل حزب مستقبل وطن، الذي يرأسه «محمد بدران»، يد السيسي الناعمة لجذب الشباب، وبذلك أصبح أبو هشيمة رجل المرحلة، فما الذي جعله الفتى المتيم لدى السيسي؟
السيسي وحلم العودة إلى عصر الصوت الواحد
هكذا يؤكد المفكر الأمريكي «نعوم تشومسكي» في أحد أشهر أقواله على مدى ارتباط السياسة والاقتصاد والإعلام والتأثيرات التبادلية الارتباطية بين تلك المحاور، حيث بدأ أحمد أبو هشيمة رحلة الصعود في مجال الاستثمار الإعلامي بشراء نصف أسهم جريدة اليوم السابع، التي كانت مملوكة لمالك عبّارة «السلام 98»: «ممدوح إسماعيل» الهارب خارج مصر، والذي صدر بحقه عقوبة الحبس؛ كونه مُتهمًا رئيسيًا في قضية غرق العبارة، بينما كان الشريك الثاني، رجل الأعمال «أشرف صفوت الشريف»، نجل قيادي نظام الرئيس المخلوع «حسني مبارك» الشهير «صفوت الشريف». كما توسعت إمبراطورية أبو هشيمة الإعلامية بعد استحواذه على قناة النهار الفضائية، ليعود من جديد بصفقتي استحواذ على مجموعة قنوات «ON TV» والجريدة الأسبوعية «صوت الأمة»، وكذلك شراء موقع «دوت مصر».
هذا التوسع مُرتهن بتغيير جذري في نوعية البرامج المُقدمة، في هذه الوسائل التليفزيونية، من سياسية إلى اجتماعية وفنية، واستبعاد بعض الأصوات الإعلامية الناقدة للنظام الحالي، وهو ما حدث بالفعل، فكان أول تصريح للصحفي «عرفة البنداري» بعد تلقيه خبر فصله تعسفًا من موقع «دوت مصر» بعد شرائه من قبل رجل الأعمال الشهير أحمد أبو هشيمة، «إنهم لا يريدون حتى إعلامًا معرىً، إنهم يريدون قتل الإعلام كليًا».
ولم يُكذب للإعلامي عرفة البنداري خبر بشأن تصريحاته بعد فصله من موقع دوت مصر؛ إذ خرجت إلى النور شبكة قنوات DMC بعد تكهنات بشأنها دامت لشهور، حيث أكد «أحمد حافظ»، الصحفي بالأهرام في مقال له على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن DMC هي شبكة قنوات فضائية مصرية تضم عشر قنوات تقريبًا، لكن سيتم الانطلاق المقرر له نهاية سبتمبر الحالي أو أوائل أكتوبر القادم بسبع قنوات فقط؛ هي: قناة إخبارية على مدار الساعة، قناة رياضية، قناة منوعات، قناة أطفال، قناة دراما، قناة سينما، وأخيرًا قناة عامة. كما أشار إلى أن هذه القنوات تستهدف جميع فئات الشعب بلا استثناء، كما أنها ستكون صوت الدولة الرسمي، وحائط الصد ضد أي وسائل إعلام خارجية (عربية أو دولية) تهاجم مصر، مشبهًا إياها بـ (قناة الجزيرة المصرية)، لاسيما وأن الإعلام المصري الحالي محلي جدًا، وفشل في مخاطبة الخارج طيلة السنوات الماضية.
وفيما يتعلق بمصادر تمويل هذه القنوات، أشار الصحفي بالأهرام أن الرقم المبدئي لإنشاء هذه القنوات تجاوز مليار جنيه مصري (120 مليون دولار)، كما أن التجهيزات والإستوديوهات المخصصة لها ستكون على الطراز الأوروبي، بما يضمن لها تحقيق التأثير المنشود والمتمثل في جذب الجميع إليها، من خلال حزمة من البرامج ذات الجماهيرية العالية والتي ستتحول معظمها إلى هذا المحتكر الجديد لسماء الإعلام المصري، إضافة إلى ما تردد بشأن منافستها لقناة الجزيرة الرياضية من خلال شرائها لكل البطولات الرياضية الحصرية.
العديد من الأسماء قُدمت للإعلام كونها المالك الحقيقي أو الواجهة لهذه القنوات، لكن ما تم الكشف عنه أن هناك اسمين فقط هما من تصدرا القائمة النهائية لإدارة هذه القنوات، في ظل الشروط الجديدة التي وضعتها الدولة فيمن يقود حركة الإعلام في الفترة القادمة؛ أهمها ألا يكون من الوجوه ذات التوجه المعروف والتي تم حرقها جماهيريًا، كما أنها يجب ألا تكون من الحرس القديم في مجال السيطرة على الإعلام في مصر. ليكون أبو هشيمة الوجه الأول والمعبر الرئيسي عن تلك الشبكة ثم يليه رجل الأعمال غير المعروف «طارق إسماعيل»، صاحب شركة الإعلانات «دي ميديا»، والخبير في مجال تجارة السيارات.
وقد أوضح الكاتب الصحفي «السيد الربوة» أن هذه القنوات الجديدة التي تشرع الدولة في إنشائها واختيار العاملين فيها بدقة بالغة تقوم بنفس الدور التي تقوم به قناة الجزيرة القطرية؛ من حيث الدفاع عن النظام الحاكم والتصدي لكل الأصوات المعارضة في الداخل والخارج، على حد قوله.
كما أكد أن العمل في هذه القنوات يتم وفق منظومة إدارية أمنية معقدة، حيث إنه ولأول مرة في تاريخ العمل التلفزيوني نجد أن القناة هي من تختار وترشح أسماء من يعملون بها وتخطرهم بصورة رسمية، حيث كان الوضع قديمًا أن يتقدم العاملون بطلبات للعمل ثم يتم فرز هذه الطلبات والاتصال بمن تم الاستقرار عليهم، لكن هنا الوضع مختلف. وأضاف أيضًا أن كل المرشحين للعمل في هذه المجموعة يخضعون للفحص الأمني، بحيث يتم استبعاد كل من له توجه سياسي معروف، أو سبق له التأييد المطلق لثورة يناير وما تلاها، ومن ثم سنجد أن كل الوجوه التي ستظهر على هذه القنوات من غير المسيسين؛ ضمانًا لولائهم وتقديمهم للجمهور بشكل مختلف لا يعكس توجهات مسبقة قد تؤثر بشكل أو بآخر على جماهيرية ومصداقية ما تقدمه، حيث كان من أوائل من شملتهم قائمة العاملين بهذه المجموعة «رامي رضوان» و«إيمان الحصري» و«إبراهيم فايق» و«أشرف عبد الباقي».
كما أشار الصحفي المصري إلى أن من أبرز دوافع إنشاء هذه المجموعات رغبة النظام في التوقف عن الإملاءات والتعليمات المقدمة لوسائل الإعلام والإعلاميين في القنوات المصرية ليل نهار، كما ظهر في أكثر من موقف، لذا كان لا بد من إنشاء قنوات جديدة تخضع بكامل أجهزتها للرقابة المخابراتية وتقدم ما يطلب منها بصورة كاملة غير منقوصة دون الحاجة لتعليمات شبه يومية، مقللًا من إمكانية منافسة هذه القنوات لنظيراتها العربية وفي مقدمتها الجزيرة، ملفتًا أن الأزمة ليست في التمويل قدر ما هي في الفكر الذي يدير المؤسسات، وبينما يسيطر الفكر العسكري التقليدي على هذه المجموعة فلا يرجى منها تقدم ولا منافسة كما يعتقد القائمون عليها، وستصبح رقمًا في قائمة قنوات فضائية تنفق المليارات ولا تخاطب إلا نفسها وفقط.
وبذلك فإن مصر على أعتاب مرحلة مختلفة في مسيرتها الإعلامية، حيث المال من يتحدث، والأرباح من تحدد الوجهة، بينما المهنية والموضوعية في تلاشٍ، وذلك أمرٌ طبيعي في ظل غياب القوانين التي تحدد العلاقة بين مثلث رأس المال والإعلام والجمهور؛ الأمر الذي كان سببًا في مثل هذه الفوضى الإعلامية.
أبو هشيمة رجل المخابرات الجديد
في إحدى اللقاءات التلفزيونية بأبو هشيمة وجه له سؤال: ما الذي تعرفه عن الحزب المصري الديمقراطي؟، فكان رده: «أنا لا أعرف ما هو الحزب المصري الذي تتكلم عنه، ولم أسمع عنه من قبل، وبعدين أنا وثقت في هؤلاء الشباب بعد الثورة، بخاصة وأنه لو تركنا هؤلاء الشباب، ستلتقطهم المخابرات الأجنبية لصالح أهداف غير رسمية»، تلك الإجابة كانت كافية لتكشف عن جهله بالحياة السياسية في مصر، وطريقة إدارته للمؤسسات الإعلامية التي تخضع لسيطرته وتمويله.
أبو هشيمة، الذي لا يجد حرجًا في منع أي مقالة يجدها مناهضة للنظام أو معارضة له دون أن يُطلب منه ذلك، يُعرف بعلاقته الوطيدة مع رجل المخابرات السابق «ياسر سليم»، صاحب شركة «بلاك أند وايت»، ومنتج مسلسل (القيصر) في رمضان الماضي، هذا المسلسل الذي أثار جدلًا واسعًا للمسه نقطة حساسة تتمثل في الحرب في سيناء، ومدى محاولته تشويه صورة الإسلاميين والناشطين وإعطاء الشرطة الحق في كل ما تقوم به هناك حتى ولو وصل الوضع للتحالف مع إرهابيين دوليين، وقد واجه المسلسل إدانات العديد من الجمعيات الحقوقية ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بسبب توجه الواضح. كما أنه منتج برنامج (أنا مصر) على التلفزيون المصري لتجميل صورة الرئيس وشن حملة ضد المعارضين من النشطاء والإسلاميين؛ وبذلك لن يخرج أبو هشيمة عن النص الذي يقدمه صديقه المخابراتي ياسر سليم.
سرعان ما أصبح أبو هشيمة صاحب الحسنيين ليكون رجل المخابرات بامتياز، وهما الجهل السياسي والالتزام بالنص المؤيد للنظام وهما سببان كافيان ليأخذ كل تلك المكانة لدى نظام السيسي.
تجربة تصعيد المخابرات رجال أعمال يكوّنون صورتها ويخدمون مصالحها ليست جديدة في مصر، فمن قبل كان هناك «حسين سالم»، رجل الأعمال الذي جاء من رحم المخابرات، وكان نقطة الوصل بين الحكومة المصرية والإسرائيلية؛ لبيع الغاز إلى تل أبيب، وهذه النقطة كافية لشعور أبو هشيمة بالاطمئنان، فبالرغم من إجرام حسين سالم إلا أنه ظل محميًا بل ويُطرح التصالح معه الآن، إذن فهو في حصانة مستقبلية تحمي حقها المخابرات.
وبذلك فإن هناك محاولة لقتل الإعلام بشكل كبير كبديل عن خلق إعلام موال، فالأخبار أو التقارير التي تحتوي على مادة تدافع عن النظام وتمجد في إنجازاته تلقى انتشارًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ليس إلا للسخرية منها والتأكيد على أن قائليها أو كاتبيها يعيشون خارج الكوكب، لذلك فرجال الأعمال الذين يتحركون كأيادٍ للنظام يعملون على تصفية المؤسسات التي يشترونها كما حدث من حالات فصل كبيرة في موقع دوت مصر وقناة أون تي في، في خطوة مقصدها قتل شغف المصريين بالإعلام، ذلك الشغف الذي تولد عقب ثورة يناير، في محاولة لتفريغه من محتواه.